icon
التغطية الحية

ما سبب طلاق السوريات عند وصولهن إلى الدول الغربية؟

2020.12.09 | 13:13 دمشق

433d97f2ac58908520fe93bb6a72a1c5-345x225.jpg
The Conversation- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

نشرت شبكة The Conversation تقريراً يعالج أسباب الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئات السوريات اللواتي يطالبن بالطلاق من أزواجهن بعد وصولهن إلى دول اللجوء.

وقالت محامية ناطقة بالعربية قامت بمساعدة السوريات على نيل طلاقهن في ألمانيا: "لم يسبق لي وأن شهدت هذا العدد الكبير من النساء اللواتي يحملن الجنسية ذاتها ويسعين لطلب الطلاق. ولم أشهد بحياتي نسيجاً اجتماعياً يتفكك كهذا الذي رأيته بين السوريين".

وهذه الظاهرة ليست حكراً على اللاجئين السوريين في ألمانيا، بل يمكن مشاهدتها أيضاً في السويد، حيث نالت النساء السوريات المزيد من التمكين بفضل السياسات النسوية للحكومة السويدية.

فيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا للتقرير:

 

قبل عامين صادفت نقاشاً على فيسبوك حول تأثير الهجرة على العائلات العربية، وكان الرجلان في ذلك النقاش يتحاوران حول فكرة التخلي عن حماية الوطن وكيف أسهم ذلك في تدمير نسيج العائلات السورية والمجتمع السوري في الشتات، إذ يعتقد كل منهما بأن ذلك قد دفع السوريات إلى "الانحراف عن جادة الصواب"، وذلك مع تزايد نسبة من تطلب الطلاق منهن.

وفي الوقت الذي يستهين فيه السوريون بهذه الظاهرة، أخذ بعض المعلقين الغربيين يحتفون بها، فقد رأوا في ذلك شيئاً من رسالة الغرب التي تسعى "لإنقاذ النساء العربيات والمسلمات من الرجال المسلمين الذين يضطهدونهن". وتلك بحد ذاتها رؤية مختزلة واستشراقية حول هذه الحالة بما أنها تجعل من الغرب محور كل شيء!

ففي كتابها: "هل المرأة المسلمة بحاجة لمن ينقذها؟" تدين الباحثة الفلسطينية-الأميركية ليلى أبو لغد هذه العقلية الغربية، كونها تبرر كل أنواع التدخل الغربي بالعالم العربي والمسلم، ويشمل ذلك عمليات الغزو التي قامت تحت اسم "إنقاذ النساء من الإسلام".

غير أن الكثير من اللاجئات قد استفدن من نمط حياتهن الجديد ضمن المجتمعات الغربية العلمانية، فطلبن الطلاق من أزواجهن الذين هم بالعادة رجال ظالمون تزوجن بهن عندما كن صغيرات، أي أنهن لم يجبرن على الزواج من هؤلاء الرجال لأسباب دينية، بل إن ذلك يعود في أغلب الأحيان إلى بيئتهن الريفية التي تتسم بأنها ذكورية متسلطة في الغالب الأعم (وبموجبها يتم تأويل الإسلام وتفسيره ضمن حدود هذا المنطق). كما أن قانون الأحوال الشخصية في معظم البلاد العربية يحرم النساء من حقوقهن الأساسية مثل النفقة وحضانة الأولاد بعد الطلاق.

اقرأ أيضاً: 19 ألف حالة طلاق في سوريا خلال الأشهر الـ 8 الأولى هذا العام

بيد أن القوانين الأبوية الذكورية ليست السبب الرئيسي الذي دفع النساء السوريات لالتزام الصمت والقبول بالوضع الراهن عندما كن في بلادهن، وذلك لأن منطق العيب بدلاً من منطق الحرام (وفقاً للدين) هو ما يحاسبهن على سلوكهن في أغلب الأحوال، فمثلاً، في الوقت الذي تجوز فيه أن تكون العصمة بيد المرأة في الإسلام، يعتبر ذلك أمراً مشيناً من الناحية الاجتماعية في معظم المجتمعات المسلمة، إذ تصبح النساء اللواتي أضفن شرط العصمة التي أصبحت بيدهن في عقد نكاحهن موضع شك من الناحية الأخلاقية والجنسية في معظم الأحيان.

عادات عصرية

لقد ورد على لسان محامية ناطقة بالعربية قامت بمساعدة السوريات على نيل طلاقهن في ألمانيا قولها: "لم يسبق لي وأن شهدت هذا العدد الكبير من النساء اللواتي يحملن الجنسية ذاتها ويسعين لطلب الطلاق. ولم أشهد بحياتي نسيجاً اجتماعياً يتفكك كهذا الذي رأيته بين السوريين".

لعل ذلك يرجع إلى أن الكثير من الأسر التي هربت من سوريا ذات أصول ريفية أو من مدن طرفية، ولهذا بمجرد أن ابتعدت تلك النسوة عن أعين الأقرباء والجيران التي تراقبهن وتظلمهن، وأصبح بوسعهن نيل طلاق لا شائبة فيه، لذا لم تتردد أي منهن بطلبه، بعدما علمن بأن حقوقهن أصبحت محمية الآن وبأن الأولاد سيتركوا في عهدتهن.

اقرأ أيضاً: زواج وطلاق السوريين وحصر إرث الزوجين في تركيا

وهذه الظاهرة ليست حكراً على اللاجئين السوريين في ألمانيا، بل يمكن مشاهدتها أيضاً في السويد، حيث نالت النساء السوريات المزيد من التمكين بفضل السياسات النسوية للحكومة السويدية، ولهذا بدأن يطالبن بالانفصال عن أزواجهن الظالمين الذين تزوجن منهم عندما كن صغيرات.

وهذه ليست إدانة للاجئات بقدر ما هي إدانة للمجتمع السوري وقوانين البلاد التي تجبر النساء على تقبل سوء المعاملة، في سبيل المحافظة على سقف يؤويهن وحتى يتمكن من حضانة أولادهن.

وقد أدركت الحكومة السورية مؤخراً بأن قوانينها إشكالية فقامت بتعديل قانون الأحوال الشخصية السوري في شباط من العام 2019، وشملت التعديلات أكثر من 60 مادة قانونية، إذ إنها لم تقم برفع سن الزواج فحسب، بل أيضاً منحت النساء الحق بحضانة أولادهن بعد الطلاق، إلى جانب منح كل النساء السوريات الحق بإبقاء العصمة بإيديهن.

وكما هو متوقع، انقسم السوريون في ردة فعلهم تجاه تلك التعديلات، إذ رحب البعض بالتغييرات، في حين اعتبرها آخرون غير كافية، وهنالك فئة ثالثة رأت في تلك التعديلات محاولة يائسة من قبل النظام الذي فقد شرعيته وسلطته على شرائح واسعة من شعبه فلجأ إلى حقوق المرأة واستخدمها مطية ليقوم بإعادة تأهيل نفسه في أعين الغرب.

إذ عبر تعديل تلك القوانين، يحاول نظام الأسد أن يصور نفسه كنظام عصري ومتمدن يحمي حقوق المرأة من التخلف المتمثل بالقوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية حسب زعمه. وهكذا يسوق النظام لنفسه على أنه نظام متنور وبأن النساء في ظله لسن بحاجة لحماية الغرب.

الاختيار والكرامة

في تلك الأثناء، وتحديداً في أوروبا حيث لجأت أعداد كبيرة من السوريين، وبعيداً عن سلوك المجتمع الأبوي الذكوري وتصرفاته المخزية، تستفيد النساء من القوانين التي تمنحهن حقوقاً متساوية وكذلك من القواعد الاجتماعية التي لا تنحي باللائمة عليهن في حالة الطلاق، أو تعتبرهن ساقطات إن تركن أزواجهن.

وهكذا وعبر اللجوء إلى نظام يبدي تعاطفاً أكبر مع النساء، أصبحت اللاجئات السوريات يتمتعن بقوة حرمهن منها السياسيون الغربيون والنخبة المثقفة في البلدان العربية. وهذه القوانين لا تعادي الإسلام، وذلك لأن التأويل النسوي للإسلام يرى بأن العقيدة الدينية تمنح النساء حقوقاً، إلا أن تلك الحقوق تنتزع عبر التأويل الذكوري للدين وكذلك على يد القواعد والأعراف الاجتماعية التي تطبق في سوريا.

إذ تتلخص مبادئ العدالة الاجتماعية بالإنصاف والقدرة على الوصول إلى الموارد وإتاحة حقوق الإنسان والقدرة على المشاركة. وفي السويد والدول الغربية أصبح بمقدور اللاجئات أن يحصلن على الموارد كما أصبحن على اطلاع ومعرفة بحقوقهن الإنسانية. وفي كتابها: "الجنس والعدالة الاجتماعية" ترى الفيلسوفة الأميركية والباحثة القانونية مارثا نوسباوم بأن الاختيار هو واسطة العقد ومحور الفهم النظري للعدالة من وجهة نظرها، كما أنها تربط بين ذلك وبين الكرامة.

أي أن الاختيار والكرامة من مبادئ العدالة المفقودة في عالم النساء والرجال في الدول العربية، إلا أن الحيف يقع بشكل أكبر على النساء، وهنا لابد لنا أن نتذكر ما قالته هيلاري كلينتون يوماً: "حقوق المرأة هي حقوق الإنسان"، ووضع المرأة العربية عموماً إن دل على شيء فإنما يدل على عدم احترام حقوق الإنسان الذي يتعرض له كلا الجنسين في العالم العربي.

المصدر: The Conversation