icon
التغطية الحية

ما بين البقاء أو الهجرة.. مدنيون في شمالي سوريا يبحثون عن طوق نجاة

2022.08.27 | 06:20 دمشق

xcv
سوريون بعد تهجيرهم من مدينة حلب ينتظرون عند معبر باب السلامة على الحدود التركية - 2016
حلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

مع مرور الزمن، وثبات خطوط التماس بين فصائل المعارضة والنظام السوري لأكثر من عامين ونصف، وعدم وجود بوادر من جانب المعارضة لاستعادة مناطق سيطرت عليها روسيا قبل سنوات في شمال غربي سوريا، بدأت تنحسر الخيارات أمام سكان المنطقة، فمنهم من قرر تأسيس حياة جديدة في شمال غربي سوريا، بينما يفكر آخرون بالهجرة نحو أوروبا، لا سيما بعد التصريحات التركية التي تلمح إلى إمكانية إعادة العلاقات مع النظام.

وخلال السنوات الماضية كانت تركيا وجهة لآلاف السوريين الراغبين بالخروج من بلادهم، لكنها باتت الآن مجرد ممر للوصول إلى إحدى الدول الأوروبية، بسبب تزايد حملات العنصرية ضد اللاجئين في الأراضي التركية، فضلاً عن عمليات الترحيل بشكل عشوائي وتعسفي إلى شمالي سوريا، وهي أسباب دفعت السوريين في تركيا أيضاً للبحث عن خيارات جديدة تضمن لهم حياة كريمة، بعيداً عن شبح العنصرية والترحيل.

تفكير بالهجرة إلى أوروبا

تعتبر الهجرة إلى أوروبا حلماً للملايين في سوريا بدرجات متفاوتة، وكانت الفكرة مستبعدة لدى غالبية الشباب القاطنين في مناطق سيطرة المعارضة شمالي البلاد، لكن عوامل وأسباب عديدة دفعتهم لإعادة حساباتهم بهذا الخصوص، لعل من أهمها تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبعض المسؤولين الأتراك، عن إمكانية التصالح مع نظام الأسد، وإعادة العلاقات معه.

هناك من يعتقد أن التصريحات التركية موجهة للداخل التركي، ولا يمكن تطبيقها في الواقع، ومنهم السفير التركي السابق في سوريا، عمر أنهون، الذي قال إن محادثات أنقرة مع النظام السوري مرتبطة إلى حد معين بإنهاء التوترات في كل المنطقة، وموجهة إلى الداخل التركي في ظل اقتراب فترة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

في الوقت نفسه، لا يمكن لأحد أن يضمن عدم عودة العلاقات مستقبلاً، وهو أمر قد يشكل خطراً على حياة نحو 5 ملايين شخص شمالي سوريا، هُجّر نصفهم تقريباً من مختلف المحافظات السورية على يد روسيا والنظام، لذا فإن "الوساوس" التي خلقتها التصريحات التركية في أذهان هؤلاء السكان، دفعت جزءاً منهم لوضع اللجوء خياراً ضمن حساباتهم.

الناشط الإعلامي شريف الحلبي، المهجّر من مدينة حلب، ويعيش حالياً رفقة زوجته وبناته الثلاثة في مدينة الباب، قال لموقع تلفزيون سوريا، إنه من بين الأشخاص الذين يفكرون باللجوء إلى إحدى الدول الأوروبية، إذا ما توافرت عوامل نجاح هذه الرحلة.

وحاول "شريف" منذ تهجيره من حلب، اللجوء إلى أوروبا، لكنه يقول إنه تقدم بعدة طلبات، بعضها للسفارة الفرنسية في تركيا، وكلها رُفضت، ويضيف أن دافعه الأول للهجرة، تأمين مستقبل أطفاله، والحفاظ على حياتهم من المخاطر التي تهدد السكان بشكل عام، مثل القصف والتفجيرات.

ويواجه "الحلبي" عدة عقبات تمنعه من تحقيق حلمه، في مقدمتها الوضع المادي الذي لا يسمح له باللجوء، خاصة أن كلفة تهريب الشخص الواحد إلى أوروبا، تزيد عن 10 آلاف يورو، إضافة لخطورة الطريق، لا سيما بين تركيا واليونان.

وأضاف الحلبي: "أطمح للهجرة، إن كان اليوم أو غداً، ومن حقي أن أعيش حياة كريمة، وتأمين مستقبل أفضل لأطفالي، ومما زاد الإصرار لديّ، التصريحات التركية الأخيرة حول التقارب مع النظام، لكوني مطلوباً له، وفقدت والدي وأخي على يديه، لذا أرى الهجرة أفضل بالنسبة لي".

دوافع اللجوء إلى أوروبا

فيما يتعلق بالهجرة إلى أوروبا، لن يجتمع سكان الشمال السوري على رأي واحد بالطبع، فلكل واحد منهم حساباته ودوافعه الخاصة للبقاء في المنطقة، أو الخروج منها، وقد رصد موقع تلفزيون سوريا آراء العشرات من الشبان، بعضهم فضّل اللجوء، وآخرون رفضوا الفكرة.

وفي تفسيره لأسباب تفضيله البقاء في الشمال السوري على الهجرة، قال الشاب محمد العوض، المهجر من ريف حمص الشمالي، ويقيم في عفرين شمالي حلب، إنه لا يريد أن يعرّض حياته وحياة أطفاله للخطر، خلال عمليات التهريب للوصول إلى أوروبا.

ويضيف العوض في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "أنا هُجّرت من ريف حمص الشمالي قبل 4 سنوات ونصف، ومنذ ذلك الوقت لم أر أبي وأمي وإخوتي، وما زال عندي أمل باللقاء بهم يوماً ما، كوننا جميعاً داخل سوريا، وهذا الأمل يمكن أن ينقطع إلى الأبد، لو قررت السفر إلى أوروبا، ولهذا لا أريد أن أهاجر، أملاً بالاجتماع مع أهلي".

بدوره قال الشاب بركات العلي، إنه لن يتردد بالهجرة إلى أوروبا، ويفسر ذلك بالقول: "للأسف الشمال السوري انقسم إلى عدة طبقات، قسم من النازحين والمهجرين، وقسم من أبناء المنطقة، ومنهم من يعتقد أن المهجر فرصة للحصول على المال، خاصة عبر إيجارات المنازل، وقسم آخر يستفيد كثيرا من الواقع، ولا يتمنى أن يتغير، وفي الغالب هم قادة من الفصائل، سواء في إدلب أو ريف حلب، ومع انعدام الأمل بهؤلاء لفتح أي معركة ضد النظام أو وضع الثورة أولاً قبل مصالحهم الشخصية، فإنني أتمنى الهجرة على البقاء ضمن هذا الواقع".

طوق نجاة

يرى المدرّس فهد القاضي، المهجر من ريف حمص الشمالي، ويقيم في مدينة الدانا بإدلب، أن "الهجرة باتت بمنزلة طوق نجاة للسوريين، فلا واقعهم في الداخل على اختلاف القوى المسيطرة يبشر بالخير ويبعث التفاؤل، ولا الأوضاع في تركيا تسمح لهم بالبقاء فيها بعد الحديث عن رغبة الحكومة بالتقارب مع نظام الأسد، الأمر الذي أثار مخاوفهم من جعل ملف اللاجئين ورقة تفاوض ومساومة بين الطرفين"، بحسب وصفه.

ويعتقد القاضي أن "التجارب السابقة لسوريين وصلوا خلال السنوات الماضية إلى أوروبا تشير إلى أن القارة العجوز تعد مكاناً مناسباً للإقامة فيها، من حيث الخدمات التي يحصل عليها اللاجئ، والطبابة والتعليم والعمل الذي يضمن له العيش بشكل جيد، فضلاً عن غياب الخطاب العنصري ضدهم، وإمكانية الحصول على الجنسية ولم شمل باقي أفراد العائلة".

وعلى مستوى إدلب وريف حلب، يقول "القاضي" إن "المنطقة تتعرض باستمرار للقصف من قبل قوات النظام وروسيا وقسد، إضافة إلى المصير المجهول للمنطقة عموماً ولأكثر من 5 ملايين مدني فيها، فضلاً عن عدم الشعور بالاستقرار، وارتباط مصيرنا بالاتفاقيات بين الدول، وإمكانية تبدل الأحوال فيها بمجرد خلاف أو توتر في مكان قد يكون بعيد آلاف الكيلومترات عن سوريا".

وإضافة إلى تدهور الواقع الأمني، يعتبر سوء الوضع المعيشي من الدوافع الأساسية للهجرة، فالمنطقة تعاني أزمة إنسانية غاية في السوء، فلا فرص عمل متوافرة ولا مساعدات تمكّن المقيمين فيها من العيش ولو بالكفاف، بحسب المتحدث، الذي يعتبر أن فئة الشباب تعد من أكبر الفئات في الشمال، ومعظمهم عاطل عن العمل.

وأردف: "أنا كمهجّر خرجت من ريف حمص قبل أكثر من 4 سنوات، الخط البياني لوضعي المعيشي والاقتصادي إلى انخفاض، فإذا كان هذا الحال في ريعان الشباب، فما هو الشيء الذي ينتظرني وأسرتي بعد 10 أو 15 عاماً، خاصة أن دخلي الشهري بالكاد يكفي للاحتياجات الأساسية من إيجار منزل ورسوم كهرباء ومياه وطبابة وغيرها".

رحلة عبر 10 دول وعقبة كبيرة

نجح الشاب مصطفى (اسم مستعار) المهجّر من مدينة كفرنبل جنوبي إدلب، بالوصول إلى هولندا، وقال لموقع تلفزيون سوريا إنه اتخذ قرار الهجرة بعد أن فقد الأمل بالعودة إلى مدينته، في ظل "سطوة فصائل هيئة تحرير الشام والجيش الوطني على حكم المحرر مع استمرار ارتهانهم للقرارات التركية وتنفيذ مقررات سوتشي"، بحسب قوله.

وبدأت رحلة مصطفى انطلاقاً من إدلب شمالي سوريا، ثم تركيا واليونان وألبانيا وكوسفو وصربيا والمجر وسلوفاكيا والنمسا وألمانيا، وصولاً إلى هولندا، ويؤكد أنه دفع كل ما يملك من المال (12 ألف يورو) للمهربين.

ويضيف: "تعرضت للخطف بين الحدود اليونانية والألبانية من قبل مهربين، وبدأت بعدها عملية ابتزاز مالي، أنا الآن داخل مركز لاستقبال اللاجئين في هولندا، أنتظر الإقامة، وبعدها سأبدأ إجراءات لم الشمل لأسرتي، ما يجعلني بعيداً عنها لأكثر من عام، وعند لمّ الشمل ستواجهني مشكلة بإخراج عائلتي من إدلب إلى تركيا، لأن الأخيرة لا تسمح للعوائل التي لديها لم شمل بالعبور إلى أراضيها بشكل نظامي مما يضطرنا لإدخال عوائلنا بطرق التهريب ودفع مبالغ هائلة لتجار البشر مع وجود خطر على حياة النساء والأطفال، وهذا الأمر يعد العقبة الأكبر".

واقترح مصطفى أن يتم إدخال العائلات (ممن لديها لم شمل) إلى تركيا من المعابر الرسمية، بالتنسيق مع الحكومة السورية المؤقتة أو حكومة الإنقاذ، مقابل الحصول على المبلغ الذي سيتقاضاه المهربون، وبذلك يتم ضمان دخول العائلات دون تعريض حياتهم للخطر.

ووفقاً لمصطفى، فإنه يعرف نحو 30 شخصاً لم يستطيعوا جلب أُسرهم إلى أوروبا بسبب هذه المشكلة، ما يضطر بعضهم لإرسال الأسرة نحو مناطق سيطرة النظام باتجاه لبنان، ومنها نحو المحطة الأخيرة.