مؤتمر بوتين للاجئين السوريين

2020.10.26 | 00:15 دمشق

alhjrt-ghyr-alqanwnyt.jpg
+A
حجم الخط
-A

يعمل "الحلفاء الروس" الموجودون "شرعياً" في سوريا بالاشتراك مع "النظام الشرعي" على عقد مؤتمر دولي في النصف الأول من الشهر المقبل حول عودة اللاجئين السوريين. تبدو الفكرة ممتازة، وتكاد تنسي المرء أن الداعي للمؤتمر بصحبة من دعاه "شرعيا"، كانا وراء تشريد أكثر من نصف سكان سوريا بالبراميل "الشرعية" وطائرات السوخوي الروسية المدعوة "شرعياً".

ما من سوري- أكان نازحاً أو لاجئاً داخل سوريا أو خارجها - إلا ويتوق للعودة إلى وطنه؛ فالسوري يعرف المثل الشعبي القائل: "مَن يترك داره، يقل مقداره"؛ وأكثر ما يعني هذا السوري {مقداره وكرامته}؛ فلا يترك مسقط رأسه، إلا إذا أصبح مقداره وكرامته وحتى بقاؤه مستحيلاً، أو في خطر لا راد له.

خلال السنوات التسع الماضية، حوّلت منظومة الاستبداد وداعموها معظم الأرض السورية إلى مكان استحال به العيش. أكثر من نصف السوريين، الذين بقوا على قيد الحياة، أصبحوا لاجئين إما خارج وطنهم أو داخله. حتى إن نسبة كبيرة ممن لم يتعرضوا للاقتلاع من بيوتهم يتمنون ترك بلدهم لأسباب لا حصر لها.

لا ندري إن كان السيد بوتين قد سمع الذي دعاه "شرعيا"، يدعو في أحد خطاباته إلى "مجتمع متجانس" بعد الخلاص ممن سمّاهم الجراثيم التي خرجت من البلد! أو سمع توصية ونصيحة أحد ضباط النظام

إذا كانت العصابة المشتركة تريد السوريين أن يعودوا إلى بلدهم، لَما شردتهم بقصفها وتدميرها لبيوتهم ولحياتهم في المقام الأول

بعدم العودة. حتى من تبقى من السوريين، وبينهم مَن سمّاهم رأس النظام "المجتمع المتجانس"، يتراقصون على صفيح العوز والإذلال، حيث بدأ صراخهم وطوابيرهم تصل إلى قبرص. هؤلاء يشكّلون سلفاً عبئاً اقتصادياً على كاهل نظام دمّر سبل الحياة، فهل يمكنه تحمل المزيد، وأبواب العيش مقفلة؟

إذا كانت العصابة المشتركة تريد السوريين أن يعودوا إلى بلدهم، لَما شردتهم بقصفها وتدميرها لبيوتهم ولحياتهم في المقام الأول، ولَما خططت لتغيير ديموغرافي وجلبت جنسيات أخرى أفغانية وإيرانية لتقيم حيث كانوا، ولَما فرض النظام "خوّة" لدخول السوري إلى بلده، ولَما أصبح جواز السفر السوري يكلف بحدود الألفي دولار.

إلى أين سيعود هؤلاء وبيوتهم مدمرة، وسبل العيش مقفلة، والبطش المخابراتي على حاله؟! أين ضمانات عدم الملاحقة أو الاعتقال أو الخطف أو القتل لمن قال /لا/ للمنظومة الاستبدادية؟ أي سوري يمكن أن يثق بما يُسمى "قرارات عفو" يتبجح بها نظام الاستبداد؟! هل افتكر أو اعتبر هذا النظام كوادره المؤهلة ليحرص الآن على عودتهم؟! هل يحتاج النظام مزيدا من الرهائن كي يستمر بالابتزاز؟

يبدو أن غاية المؤتمر لا تخص حتى إسعاف أولئك الذين ضحوا بفلذات أكبادهم كي تبقى تلك السلطة؛ ولا هي تخص لملمة جراح السوريين المقتلعين من وطنهم، وعودتهم، وإعادة إعمار حياتهم وبيوتهم؛ بل لملمة الأموال وإعادة إعمار خزائن العصابات.

عندما تربط دول العالم والأمم المتحدة إعادة الإعمار وعودة اللاجئين ببيئة آمنة محايدة تتحقق بالتوازي مع الانخراط بعملية سياسية تطبق القرارات الدولية الخاصة بسوريا، ويتم القفز الأسدي البوتيني إلى مؤتمر لعودة اللاجئين متجاوزاً العملية السياسية، فإن النوايا تفتضح، ويتضح أن آخر اهتمامات تلك الشراكة الإنسان السوري اللاجئ وعودته إلى بلده.

أين البيئة الآمنة والمحايدة والقرار الاختياري الحر الذي أقرته واشترطته المنظمة الدولية السامية للاجئين كي يكون هناك دعوة لمؤتمر عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم؟! أي وطن هذا الذي تحوّل إلى معتقل، إلى حارة تتحكم بها عصابة، إلى مكان استعان حكامه بالاحتلال ليبقوا في مناصبهم.

هذه الدعوة المشتركة من نظام الاستبداد الأسدي والنظام البوتيني عينها على مسألة واحدة لا تتعلق بمأساة أو ذل أو تشرد أو مقدار أو كرامة الإنسان السوري، بل لدفع دول العالم باتجاه الدعم والمساهمة بإعادة الإعمار التي ستذهب حتمًا لجيوب العصابة المشتركة. إنه طريقة للالتفاف على مؤتمر "بروكسل" السنوي للدول المانحة بحيث يذهب ذلك الدعم إلى المنظومة الاستبدادية وحماته.

يريد السوريون أن يعودوا إلى بلدهم؛ ولكن ذلك سيكون مستحيلاً في ظل منظومة استبدادية مجرمة. على روسيا صاحبة المشروع المزيّف أن تسأل من غادر سوريا مرغماً؛ وستعرف الجواب. من جانب آخر، صاعق وشائن أن تتحدث روسيا عن عودة ٥٢٠ لاجئا سوريا هربوا من رمضاء شبيحة حزب الله إلى نار الاستبداد مرة أخرى. وصغير وتافه أكثر أن تتحدث عن توزيع بضعة كيلوات من السكر والرز وتسمّيه سللاً غذائية لنحو ١٣٥٠ شخصا. هذا العدد كانت تضعه طائرات روسيا تحت الأرض بأسبوع. إذا كانت روسيا جادة بخطوتها فعليها فعل أمر بسيط تجاه سوريا والسوريين لتعود وتكتسب ذرة احترام محلية ودولية؛ وهو فقط أن تعمل على تطبيق القرارات الدولية الخاصة بسوريا، بجوهرها لا تمثيلا.