مؤتمر اللاجئين السوريين طبخة بحص

2020.11.14 | 23:03 دمشق

mwtmr_allajyyn_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يأت "مؤتمر اللاجئين" الذي انعقد في دمشق يومي 11و12 من الشهر الحالي كما أرادته روسيا لجهة الحضور والنتائج، وجاء بحصيلة عكس التي كانت تطمح إليها موسكو من حيث فتح ملف إعادة الإعمار. ولاحظنا أن المؤتمر شهد مقاطعة أميركية أوروبية وغالبية عربية، واقتصر الحضور على روسيا وإيران وبعض الدول التي ليست على تماس مباشر مع ملف اللاجئين مثل الباكستان والإمارات وسلطنة عمان، الأمر الذي لم يفسح المجال لروسيا كي تغلق ملف الحرب وتنتقل إلى الإعمار.

مقومات فشل المؤتمر كانت متوافرة قبل أسبوعين من عقده، ومع ذلك أصرت روسيا، في وقت سرت فيه تخمينات بتأجيل الموعد أو نقل مكان المؤتمر إلى سوتشي، وتغيير عنوانه حتى يتم تلافي الفشل. وكان الحضور الروسي الكبير الذي تمثل ب 35 شركة هو الطاغي على أعمال المؤتمر، في حين كان تمثيل البلدان الأخرى متواضعا أو محدودا وبلا حماس كبير كما هو حال إيران، والتي يبدو أنها لا تشارك روسيا ذات الأجندة بخصوص توقيت قطف نتائج تدخلها في سوريا، وتتصرف على أساس أن تثبيت وجودها على الأرض في أكثر من منطقة له الأولوية.

عودة هؤلاء لا تبدو مدرجة على برامج موسكو وطهران. ولم يظهر من خلال مجريات المؤتمر أن المنظمين أولوا هذه المسألة أي اهتمام.

لا يمكن أن يعزو المراقب عوامل الفشل إلى سوء في التخطيط فقط، بل هنالك أسباب تتعلق برؤية موسكو لإدارة الوضع السوري ككل، ومن ذلك فلسفة المؤتمر الذي بدا استنسابيا في التعامل مع ملف اللاجئين. ومن دون شك فإن موضوع اللاجئين داخل سوريا وفي دول الجوار يحتل الأولوية في أي حل راهن أو مستقبلي. فهؤلاء يتجاوز عددهم 10 ملايين، وهم يشكلون الكتلة الأكبر من السوريين الذين تركوا بيوتهم وأراضيهم، بالإضافة إلى أنهم يعيشون في أوضاع صعبة ضاغطة، إلا أن عودة هؤلاء لا تبدو مدرجة على برامج موسكو وطهران. ولم يظهر من خلال مجريات المؤتمر أن المنظمين أولوا هذه المسألة أي اهتمام، والمثال الصارخ على ذلك عدم توجيه الدعوة إلى تركيا التي تستضيف قرابة 4 ملايين لاجئ سوري، بل على العكس كان خطاب رأس النظام بشار الأسد تجاه هذه النقطة خارج الموضوع، حيث اتهم تركيا بـ "خلق ظروف مفتعلة لدفع السوريين للخروج الجماعي من سوريا، لتكون مبررا للتدخل في الشؤون السورية". ومهما بلغت درجة سوء العلاقة بين النظام وتركيا، فإن وجود أنقرة في مؤتمر دولي يخص اللاجئين أولوية تفوق كل الأولويات، كونها تستقبل أكبر نسبة من اللاجئين السوريين. ولو كانت نوايا روسيا والنظام صادقَين لكانت تركيا أول المدعوين.

تسمية المؤتمر بأنه خاص بعودة اللاجئين ليست معبرة عن واقع الحال، لأن الملايين التي تركت بيوتها لم تقم بذلك بمحض إرادتها، بل حصل الأمر بصورة قسرية، ولذلك فإن التصنيف الأدق هو التهجير القسري المنظم والمنهجي، والذي تم على أسس واضحة ومدروسة، ولأسباب بعضها طائفي بهدف التغيير الديموغرافي، والآخر من أجل الاستيلاء على الأراضي والأملاك.. إلخ. ومارست ذلك إيران وروسيا والنظام، ولذلك تم إحلال سكان آخرين في بعض المناطق في دمشق وحلب وحتى دير الزور التي شهدت حملة تشييع واسعة. وتجب الإشارة إلى أن روسيا تقصد باللاجئين أولئك الذين نزحوا إلى أوروبا، وهي نظمت المؤتمر لتفاوض أوروبا على عودة هؤلاء، مستغلة توظيف اليمين العنصري للهجرة السورية، وجاء الرد على روسيا قويا من طرف ألمانيا الدولة التي تستضيف أعلى نسبة من اللاجئين السوريين خارج دول الجوار، وحددت وزارة الخارجية الألمانية ثمانية معايير لعودة اللاجئين السوريين أبرزها ضرورة "أن تكون الأعمال العدائية قد انخفضت بشكل كبير ودائم"، وأن يحصل "اتفاق رسمي بين سوريا والدول المضيفة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لاستقبال العائدين".

يشكل المؤتمر درسا بليغا لروسيا من قبل الأطراف الدولية المؤثرة، أي الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية. والرسالة الصريحة هي نفسها التي جرى توجيهها في مرات سابقة، وفحواها أن الأولوية للحل السياسي.