لهيب خطاب الكراهية يلفح السوريين

2022.09.16 | 07:08 دمشق

العنصرية
+A
حجم الخط
-A

حمل هذا الصيف لهيباً حارقاً من خطابات الكراهية والعنصرية، تسبب بخطف أرواح من الشبان السوريين، مما اضطر أعدادا بالآلاف للهجرة إلى دول أخرى بطرق مختلفة فراراً من تصرف أهوج قد ينهي حياة أي سوري نتيجة التحريض الذي تصاعد في الآونة الأخيرة، لدرجة فقدت بعض المناطق الصناعية والمعامل ثلث عدد العمال من الشبان ممن يبحث بشتى الطرق عن طريق يغادر فيه ولو سيراً على الأقدام أو في عباب البحر.

فهل ستصبح المآسي الإنسانية عُرضة للمفاوضات والمشاريع السياسية في المنطقة، وهل البربوغاندا الإعلامية التي يتم ضخها عن السوريين صحيحة؟

هل يفرّ المرء من بيته وأرضه إلا بحثاً عن حياة خالية من الموت والقتل والهدم، وخصوصاً أن أرضه أصبحت ساحة لخمسة جيوش من أقوى الجيوش في العالم، ومسلسل الدم الذي لم يتوقف منذ 11 سنة يسفك دم السوريين؛ فلا يمر يوم إلا وهناك شهداء ومعتقلين، إذا كان الوقت من ذهب فوقت السوريين من دم.. فضلاً أن المناطق خارج سيطرة النظام والذين يديروها هم قوى تحمل أجندات خارجية وتضطهد السوريين مثل "قسد"، أو تعاني من فشل إداري ووضع أمني مخلخل واكتظاظ بالسكان والمهجرين قسرياً ويحتاج تدخل إسعافي سريع وهو مناطق المعارضة.

تحولت سوريا إلى مسرح للمواجهات الدولية كأبرز ساحة صراع، ولم يسعَ المجتمع الدولي يوماً بجدية إلى حل المشكلة وإنهاء الصراع وطي ملف الإجرام الأسدي بكل أشكاله، بل استثمر كل طرف دولي للصراع لصالح حساباته في جميع المنطقة

وقد تحولت سوريا إلى مسرح للمواجهات الدولية كأبرز ساحة صراع، ولم يسعَ المجتمع الدولي يوماً بجدية إلى حل المشكلة وإنهاء الصراع وطي ملف الإجرام الأسدي بكل أشكاله، بل استثمر كل طرف دولي للصراع لصالح حساباته في جميع المنطقة؛ فكل المناطق أصبحت ضمن حسابات المصالح الدولية في حين يتضاءل التفكير بمصلحة السوريين، وبحسب مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، فإن أكبر نسبة لجوء ما تزال للسوريين في هذا القرن بسبب حرب مشتعلة لم تتوقف ولم تعد بين طرفين هم نظام وشعب أراد حياة كريمة طبيعية فحسب، بل ساحة تصفية الحسابات الدولية للآخرين على أرض السوريين منذ السنة الثانية من المواجهة إلى اليوم.

لم يكن السوريون في تاريخهم كشعب عالة على الآخرين بل شعب معطاء في الجد والعمل والسعي والكسب ومتفوق في دراسته وفي الجامعات، وينافس السوريون على المراكز الأولى دوماً، وفي أوقات بعض الرخاء والحريات، منتصف القرن الماضي، نافسوا الأوروبيين في الصناعات النسيجية عندما كان النسيج متربعا على عرش الصناعات.

واستقبل السوريون كثيرا من الشعوب المهاجرة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وتضامنوا في الحرب العالمية الثانية حتى مع الشعوب البعيدة؛ فخرج الشعب للشارع يوم ضُربت هيروشيما بالنووي، ولم يتردد لحظة في كل قضايا المظلومين حتى أصبح هو نفسه جزءاً من هؤلاء المظلومين في هذا العالم الذي ينام اليوم بلامبالاته وبثقله وأدواته العسكرية على أجساد وجراح هؤلاء الضعفاء.

لم يتردد هذا الشعب لحظة في الوقوف بأي محنة حلّت بالبلد الذي أقاموا فيه في محنتهم سواء تركيا أو لبنان أو الأردن أو غيرهم، فالمظلوم هو أول من يستشعر معنى الظلم والنكبة والخطر ولذلك وقف السوريون على ساق واحدة ليلة الانقلاب الغاشم في تركيا وفرحوا لفشله واحتفلوا مع أشقائهم

ولم يتردد هذا الشعب لحظة في الوقوف بأي محنة حلّت بالبلد الذي أقاموا فيه في محنتهم سواء تركيا أو لبنان أو الأردن أو غيرهم، فالمظلوم هو أول من يستشعر معنى الظلم والنكبة والخطر ولذلك وقف السوريون على ساق واحدة ليلة الانقلاب الغاشم في تركيا وفرحوا لفشله واحتفلوا مع أشقائهم، لأن حياة الأمان نعمة افتقدها هؤلاء وحكم الجنرالات العسكرية نقمة يعرفها من عاشها جيداً لاسيما وسوريا تعيشه منذ أكثر من نصف قرن بحكم الانقلاب الذي دُفعت ضريبته من دم، منذ انقلاب الأسد الأب إلى اليوم، وكذلك يوم تعرضت الليرة التركية إلى الانهيار فسارعوا بمبادرات انتشرت إعلامياً عبر رجال أعمال سوريين استبدلوا بالعملة الأجنبية عملة تركية.

ثم جاءت خطابات تحض على الكراهية ضدهم وحاول بعض الحمقى والمتربصين دعوة السوريين إلى إضراب وخروج جماعي، ولكن السوريين التزموا العقلانية ولم يصغوا لهذه الدعوات التي قد تضر بهم وببلد تعامل فيه قيادته وأغلب أهله بحب وحسن ضيافة.

لكننا اليوم كنخب وعقلاء ومثقفين ومسؤولين علينا أن نغلب خطاب العقل والمصلحة للجميع وبشكل مستعجل، ونبعد عنّا أي خطاب فتنة، وأن يتم تحييد القضية الإنسانية في المسائل السياسية، والسوريون يحبون وطنهم وديارهم ويترقبون لحظة التغيير والخلاص ليعودوا إلى بلدانهم وقد تعمقت أواصر الحب والقربى لكل من وقف معهم وفتح لهم ديارهم وساندهم في محنتهم.

التغيير حتمية تاريخية والشعوب هي التي تبقى والقوى السياسية المجرمة وقوى أمر الواقع إلى زوال.