لا خبز في دمشق

2020.10.25 | 09:20 دمشق

frn_alsfra.jpg
+A
حجم الخط
-A

طوابير السوريين على الأفران من أجل الحصول على ربطة خبز، باتت مشهدا من مشاهد الحياة اليومية في العاصمة السورية التي تعيش وسط دوامة لا تنتهي من الأزمات الطاحنة. وما تكاد أزمة تجد حلا مؤقتا حتى تطل أخرى أكثر قسوة. سلسلة متوالية لا تتوقف عند تأمين رغيف الخبز والماء الصالح للشراب وغاز الطهو وباقي المواد الأولية، بل تذهب نحو المشتقات البترولية والكهرباء التي تشهد تقنينا صارما، ولا تصل بعض الأحياء أكثر من ساعتين في اليوم، وفي ذات الوقت هناك تراجع لا يوصف في الخدمات الصحية، مما سهل استشراء وباء كورونا الذي يفتك بأصحاب الأوضاع الصحية الهشة. وحسب شهادات منظمات وهيئات دولية متخصصة فإن الوفيات بعشرات الآلاف من دون أن يصرح النظام أو حتى يعترف. وأعلن المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، عمران ريزا، في الأول من سبتمبر/ أيلول، أن عدد الإصابات في سوريا ارتفع نحو عشرة أضعاف خلال الشهرين الماضيين، منذ آخر إحاطة لموظفي الأمم المتحدة، ومنذ لك الحين تحدثت تقارير غير رسمية عن خروج الوباء عن السيطرة.

أعاد النظام الحاكم السوريين إلى عصر سحيق سابق للمدنية، وحوّل دمشق أقدم مدينة في التاريخ إلى خربة منكوبة تفتقر إلى أبسط شروط الحياة الإنسانية. وحين يرى العالم الخارجي طوابير الخبز في دمشق مدينة الغوطتين، فإنه يصاب بالذهول من هول الكارثة التي لا شبيه لها في مدن أخرى واجهت ظروف الحروب المديدة، وحتى في صنعاء التي تشهد حصارا وحروبا منذ عدة سنوات، فإن الأوضاع المعيشية أحسن حالا مقارنة بدمشق التي أخذ بعض سكانها يعودون نحو أنماط بدائية من المعيشة كي يستمروا على قيد الحياة، فهناك عائلات أخذت تزرع الخضار في حدائق البيوت وتربي الدواجن، ومن لا يتدافع على الأفران من أجل رغيف خبز مغمس بالإهانة فإنه استعاض عن ذلك بتنور حطب في بيته. وينضاف إلى ذلك تقنين الخبز رغيفين ونصف الرغيف لكل مواطن يتم شراؤه من خلال البطاقة التموينية. ومن استطاع سبيلا إلى الخبز السياحي فإنه من المحظوظين الذين لا يتجشمون عناء الانتظار ساعات في الطابور من أجل ربطة خبز قد لا يتم الحصول عليها. وتكون عادة من النوع الرديء، ونقل موقع تلفزيون سوريا من أحد أفران دمشق إن "الطحين المستخدم في صناعة الخبز رديء جداً وقاسٍ وعملية عجنه تستغرق وقتاً وتصيب الآلات بأعطال كثيرة، مؤكداً أن أغلب مكوناته نخالة"، مشيراً إلى أنه منذ أكثر من شهر لم يصل إلى المخابز دقيق القمح الطري، ما جعل عملية إنتاج الخبز تستغرق وقتاً أطول.

ما يزال هذا النظام يستمد كل أسباب بقائه من روسيا وإيران اللتين صارتا الحارس الفعلي للخراب السوري، بل إنهما تتحملان مسؤولية لا تقل عن النظام الحاكم.

لا خبز في دمشق ولا حياة في سوريا. الشعب السوري يعيش نكبة لا مثيل لها. جوع وإرهاب النظام وأمراض وتشرد وبطالة وانعدام أمان، وانسداد الآفاق جميعها، بينما يواجه النظام كل هذا الانهيار الحياتي بسلوك كلّي من النكران وعدم الاكتراث، ولو كان القائمون على مقاليد الأمور يمتلكون قدرا زهيدا من الحس الإنساني لكانوا أخلوا المكان، وتركوا سوريا للمجتمع الدولي الذي لا بد أن يتكفل بإيجاد حلول لأزماتها بوصفها بلدا منكوبا. ورغم المأساة التي تتعاظم في كل يوم يصر النظام على تعزيز قبضته الأمنية من أجل البقاء، فهناك عشرات الآلاف من السوريين الذين تم سجنهم في ظروف تفتقر إلى أدنى الشروط الإنسانية، وما يزال يطور أدوات القتل كما كشفت منذ أيام منظمات غير حكومية (الأرشيف السوري، ومبادرة العدالة) عن تلاعب النظام بمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية من أجل تطوير ترسانته من غاز السارين التي استخدمها عدة مرات ضد المدنيين منذ أغسطس/آب 2013 في الغوطة الشرقية.

وما يزال هذا النظام يستمد كل أسباب بقائه من روسيا وإيران اللتين صارتا الحارس الفعلي للخراب السوري، بل إنهما تتحملان مسؤولية لا تقل عن النظام الحاكم في قتل وتجويع وتهجير السوريين من بلادهم، في حين تقتسمان ما بقي لسوريا من موارد. إيران تسيطر على جزء من الثروة الزراعية في شرق الفرات وروسيا الموانئ والثروات الأرضية مثل الفوسفات، والنفط والغاز للإدارة الكردية.