لاجئون في بلادنا

2021.07.10 | 06:08 دمشق

55eebf37c46188a42e8b45d4.jpg
+A
حجم الخط
-A

كانت غاضبة في صباح ذلك اليوم لأنها لم تستطع أن تنهي إجراءات ومعاملات روتينية من أجل الاشتراك في خدمة معينة، تبين لها مع السؤال أنها حكر على المواطنين فقط وأن حاملي وثيقة السفر ومن في حكمهم من طالبي اللجوء لا يحق لهم التمتع بها.

تضخم لديها فجأة شعور بالقهر وبالاحتقار لذاتها، ولم تنس في طبيعة الحال أن تشتم النظام السوري ورئيسه المجرم لأنهما تسببا بقتل وتهجير الآلاف، وبأن تحيا ذلك الشعور الذي يجعلها في مرتبة ثانية بعد المواطنين من سكان البلاد الأصليين، وشعرت بغضب جارف تجاه العالم الحقير الذي يصنفنا على أننا بشر من الدرجة العاشرة ولا نستحق من الحقوق الطبيعية البسيطة ما قد يستحقه من يتفوق علينا في المرتبة.

لم أدر وقتئذ هل علي أن أضحك أم أبكي ذلك أن الأمرين متداخلان بشدة، فما كان يثير لدينا الشجون والبكاء أصبح مضحكاً من شدة البلوى في هذه الأيام.

للحق أن شعورها طبيعي وفي محله تماماً فالشعور بالنبذ والإقصاء أمر مزعج ومدعاة للحزن، لكنني أختلف معها في أننا بدأنا نشعر بخزي اللجوء في فترات ما بعد التهجير التي أعقبت الثورة السورية، ربما قد بدأ ذلك الإحساس بالتضخم وزاد منه ألم الفقد وحالة التشرذم والقهر المستمرة، إلا أن ذلك الشعور لم يفارقنا حتى حين كنا نعيش في بلادنا وفي ظل حكومات متعاقبة لم توفر جهداً في تصنيفنا على أسس قبائلية وطائفية ومناطقية.

لم نكن في سوريا أو في بلادنا الأصلية نمتلك حقوقاً تجعلنا نشعر بأننا مواطنون، لقد كان لزاماً علينا أن نُمتحن في ولائنا وفقاً للمقاييس الأمنية مراراً وتكراراً، مع العمل على تقديم فروض الطاعة لإثبات استحقاقنا لا حق المواطنة المفترض ـ لأنه مبدأ غير معترف به من حيث المبدأ ـ، وإنما استحقاق ورقة رسمية من دائرة النفوس أو من مديرية الإحصاء تفيد بأننا نمتلك اسماً ورقماً ليثبت أننا تابعون لهذه البقعة الجغرافية من دون غيرها.

كانت اكتساب الجنسية أمراً روتينياً يحصل عليه كل مولود لكن تلك الجنسية لا تعني على الإطلاق إمكانية تمتعنا بحقوق المواطن المتعارف عليها في دول العالم أجمع، لكنه في الوقت ذاته كان يرتب علينا التزامات تقضي بالطاعة العمياء لأولي الأمر، والكد من أجل تحصيل قوت اليوم إذا صح التعبير والصمت في الأحوال كلها وحني الرقاب في حضرة متنفذي الدولة وملاكها الأصليين.

يبدو المشهد من بعيد مبالغاً فيه ويشبه حكايات الكتب في العصور الوسطى، لكن من عايش الأوضاع في بلادنا وكان له متعة الحصول على جنسيتنا السورية أو غيرها من كثير من جنسيات العالم الثالث يعلم حق المعرفة أن ذلك كان حقيقياً جداً وما زال، وأن العالم المتحضر الذي يعيب علينا لجوءنا في أراض خارج بلادنا الأصلية يعرف ذلك ويعمي بصره عن ألم كثير من شعوب البلاد المجهولة والتي لا تستحق أن تصبح خبراً على وسائل الإعلام الموجهة.

يشعر اللاجئ منا بالحنين ذلك أمر لا بد منه، لكن ذلك الحنين لا يلبث أن ينقضي بمجرد قضاء أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر في بلاد تفترض في أبنائها الغنى ولا ترى فيهم أكثر من جيوب ممتلئة بالعملة، فضلاً عن التعرض المستمر لسوء المعاملة في المطار أو في الإدارات العامة لو اضطر الواحد منا إلى إجراء معاملة رسمية في دوائر الدولة، ذلك كله يمثل الوضع العام الطبيعي فماذا لو كان الأمر في حالتنا الخاصة بفظاعة خطر الاعتقال أو التجويع وكسر الرقاب ودق الأعناق، أو حتى في طريقة قياس نسبة الولاء والوطنية وفقاً للمعايير السائدة في سوريا اليوم.

نعم نحن لاجئون في بلاد الله الواسعة وغير مرغوب بوجودنا في كثير من البلدان، ونتعرض لعنصرية وتنمر وتمييز في الحقوق لكننا لم نكن نختلف عن ذلك كثيراً حين كنا في بلادنا الأصلية وأوطاننا الأم، ولم يحدث أن خرجنا من بلادنا سوى مكرهين بفعل الحرب أو شظف العيش أو البحث عن فرص حياة أفضل إنسانياً من أجل أبنائنا.

من المستغرب استخدام كلمة لاجئ على أنها شتيمة أو حتى من شعورنا كلاجئين بالخزي والاحتقار لأنفسنا منها، فاللاجئ ليست سوى صفة قانونية مثل المهجر أو عديم الجنسية وإذا كان على أحد أن يخجل من هذه الصفات، فهو من تسبب بتهجير اللاجئ أو بقاء عدد كبير من البشر من دون جنسيات أو قيود.

لقد كان مقدراً لنا أن نولد في بلاد لا تزن قيمة لأبنائها الطيبين وأن تطبق قانون الغاب فتمنح الغلبة للأقوى، لكن ذلك لم يكن ذنبنا وليس من الطبيعي أن نتحمل مغبة أفعال أبناء الكوكب الشريرة أو الخزي بسبب نظام إنساني لا يؤمن بالمساواة ويصنف أبناء الجنس الواحد إلى درجات متفاوتة، وفقاً لمعايير الجنس والملاءة المادية أو قوة جواز السفر.