icon
التغطية الحية

كيف يعقّد النظام السوري حالة التعافي من الزلزال المدمر؟

2023.02.20 | 14:18 دمشق

ملعب الجلاء في دمشق
ملعب الجلاء في دمشق ـ رويترز
Asia Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

­­­كانت حصيلة الخسائر البشرية بسبب الزلزالين المدمرين اللذين ضربا تركيا وسوريا خلال هذا الشهر مريعة، فإلى جانب الـ46 ألف قتيل، هنالك الملايين من الأطفال الذين تشردوا، ومجتمعات مسحت عن بكرة أبيها بكاملها.

في الوقت الذي حملت فيه تركيا العبء الأكبر من الكارثة، بعد تجاوز عدد القتلى فيها 40 ألف إنسان، لم تكن وطأة تلك الأزمة على سوريا بأخف، ولكن على الرغم من ظهور كل تلك الحاجة الماسة، لم يقم بشار الأسد ولا حكومة نظامه بالتوجه إلى المتضررين لمعالجة مشكلاتهم.

إذ بدل تعزية الناس وإعلان فترة حداد في البلاد، حاول النظام السوري استغلال المصيبة لتحقيق مكاسب سياسية ومالية، مثل زيادة شرعيته على المستوى الدولي والسعي لرفع العقوبات والحصول على المزيد من المساعدات.

في البداية صور الأسد نظامه على أنه يتولى جهود الإغاثة عقب الكارثة، حيث عقد فور وقوع الزلزالين اجتماعاً طارئاً مع الوزراء لتقييم حجم الأزمة، ثم أعلن عن خطة عمل وطنية بالتنسيق مع فريق العمليات المركزية، وكلف رئيس الوزراء بالإشراف على تلك الجهود.

إلا أن تلك الخطوات لم تأت من أجل الشعب السوري، إذ كان هدف الأسد استغلال المصيبة لتشجيع الدول الإقليمية على زيادة تطبيعها للعلاقات مع الأسد، أو القيام بخطوات في ذلك الاتجاه.

بشار الأسد يستغل الزلزال للتطبيع

كانت أغلب دول المنطقة قد قطعت العلاقات مع سوريا عقب اندلاع الثورة التي قمعها النظام عام 2011، بيد أن الأسد استطاع التمسك بالسلطة، وهذا الواقع الإقليمي الجديد والبراغماتية الدبلوماسية دفعا العديد من الدول العربية قبل الزلزال للبدء بتجديد العلاقات مع النظام، لذا لا شك في أن يسهم الزلزال في تسريع تلك العملية، ثم إن دول الخليج العربي هي من ترأست عملية التبرع بالمساعدات لكل من سوريا وتركيا.

عقب وقوع تلك الكارثة، تحدث الأسد إلى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة للمرة الأولى بعد مرور أكثر من عقد على انقطاع العلاقات، كما تحدث إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمرة الأولى منذ تولي الأخير للحكم في عام 2014. وأرسل لبنان أول وفد رفيع المستوى إلى دمشق منذ بدء الحرب السورية، وأكد الرئيس التونسي قيس سعيد على التزامه بتمتين العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.

وهكذا تلقى الأسد من خلال الدبلوماسية رسائل رسمية ومكالمات هاتفية من حكام الإمارات وعُمان والعراق والجزائر والأردن وفلسطين وأرمينيا والصين وبيلاروسيا.

طعن ثم استكانة

منذ اللحظات الأولى لوقوع الزلزال، أخذ الأسد يضغط على المجتمع الدولي ليقوم برفع العقوبات، وخير دليل على ذلك ما ورد في تصريحات المسؤولين التابعين للنظام مثل ما ذكره وزير الخارجية وأعضاء من مجلس الشعب، ورؤساء المنظمات التابعة للنظام مثل الهلال الأحمر السوري، حيث انتقد جميعهم العقوبات الغربية لأنها تزيد من أضرار الزلزال وطالبوا برفعها حتى يتم تمرير المساعدات.

يظن البعض بأن حكومة النظام قد شنت حملة تضليل إعلامي قامت من خلالها بإلقاء اللوم على المجتمع الدولي بسبب عدم قدرة الدولة السورية على القيام بعمليات الإنقاذ وتوزيع المساعدات على ضحايا الزلزال.

بيد أن هذه الاستراتيجية آتت أكلها، إذ في البداية طعن مسؤولون أميركيون وأوروبيون في مصداقية مزاعم النظام، وأصروا على أن العقوبات لا تقف في طريق الجهود التي تعمل على إنقاذ حياة الشعب السوري، ولكن بعد مرور بضعة أيام، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن إعفاء لمدة 180 يوماً بالنسبة لعقوباتها المفروضة على سوريا والتي تتصل بسائر الصفقات التي لها علاقة بعمليات الإغاثة بعد الزلزال.

وفي الوقت ذاته ضغطت حكومة النظام لتزيد من سيطرتها وتحكمها بالمساعدات الإنسانية التي تصل إلى البلد.

إذ عقب يوم من وقوع الزلزالين، أعلن مندوب النظام لدى الأمم المتحدة، بسام الصباغ، في مؤتمر صحفي بأن المساعدات الخارجية يجب أن تسلم بالتنسيق مع دمشق وأن تمر عبر سوريا نفسها لا عبر الحدود التركية. كما وصف الصباغ موقف حكومته بأنه موقف يتعلق: "بسيادة البلد واستقلاله ووحده أراضيه".

بيد أن كل ذلك غير صحيح، لسوء حظ ضحايا الزلزال في سوريا، إذ على الرغم من أنه نظرياً يمكن تمرير المساعدات من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق المعارضة في شمال غربي سوريا، إلا أن حكومات الدول الأخرى ترفض تمرير المساعدات عبر دمشق بسبب سجل النظام الحافل بالتحكم بالمساعدات الإنسانية والتلاعب بها واستخدامها كأداة لمعاقبة المعارضين.

خطوة متأخرة

وافق الأسد أخيراً على السماح بوصول المساعدات الأممية لمناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا لمدة ثلاثة أشهر من خلال معبرين حدوديين مع تركيا، بيد أن تلك الخطوة يجب ألا تعتبر بمنزلة مؤشر على تغير سلوك الأسد، بل على النقيض، لأنه من المرجح أنه أعلن عن هذا الإجراء لمنع الغرب من مواصلة القيام بترتيباته على المدى البعيد، أي بالتحديد تلك الأمور التي بقي المجتمع الدولي يحث على فعلها داخل مجلس الأمن الدولي.

ثم إن عرقلة تلك الموافقة تسمح لحكومة النظام بزيادة تدفق المساعدات عبر الأراضي السورية، مما يزيد بالتالي سيطرتها عليها، كما يتيح ذلك للأسد مواصلة استغلاله لعملية التجديد لآلية المعابر الحدودية القائمة، والتي تتم كل ستة أشهر، لتتحول إلى ورقة للضغط والمساومة مع المجتمع الدولي.

والأنكى من ذلك هو أن تلك الخطوة تأخرت أسبوعاً كاملاً حتى أتت، ولهذا تم تعليق عمليات تسليم المساعدات عبر تركيا إلى شمال غربي سوريا بعد تعذر تمريرها عبر معبر باب الهوى الحدودي، ولهذا كان بوسع حكومة النظام، حتى توفر في الوقت وتنقذ الأرواح، أن تحل تلك المعضلة على الفور عبر منح الوكالات الأممية الإذن بالوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار في سوريا، بيد أن حكومة النظام أرجأت ذلك، مع سعيها لزيادة تمرير المساعدات إلى مناطق سيطرتها.

إن محاولات الأسد لاستغلال هذه المصيبة لا تذكرنا إلا بالسبب الذي جعل الملايين من الناس سواء في الداخل السوري أم خارج سوريا يتحرقون شوقاً لرحيل نظام الأسد، على الرغم من كل المعاناة التي قاسوها في سبيل تحقيق ذلك.

أجل، لقد دمر زلزالا 6 شباط كلاً من تركيا وسوريا، إلا أن مصالح الأسد الشخصية هي التي ستجعل من عملية التعافي في سوريا موجعة بدرجة أكبر.

المصدر: Asia Times