icon
التغطية الحية

كيف يتنقل السوريون في دمشق وريفها بظل أسوأ أزمة محروقات تعيشها البلاد؟

2022.11.30 | 06:36 دمشق

شح المحروقات يظهر في أزمة المواصلات بالعاصمة دمشق
شح المحروقات يظهر في أزمة المواصلات بالعاصمة دمشق
 تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

تعيش مناطق سيطرة النظام في ظل أسوأ أزمة محروقات انعكست آثارها على مختلف تفاصيل الحياة في سوريا وكان تأثير  نقص المازوت والبنزين جلياً على قطاع النقل؛ إذ تسبب انخفاض التوريدات النفطية بندرة في وسائل النقل في مختلف المدن وارتفاع الكلفة في حال توافرها.

وحاولت حكومة النظام السوري طيلة الأشهر الماضية، اتخاذ إجراءات لضبط حركة وسائل النقل ومنع بيع المحروقات المدعومة الموزعة على سائقي الميكروباصات في السوق السوداء، فهي توزع المحروقات لسائقي وسائل النقل العمومي بأسعار رخيصة نسبياً عبر البطاقة الذكية، إلا أن الكميات الموزعة لا تغطي المطلوب لعمل تلك الوسائط فيضطر السائقون لشراء المحروقات من السوق السوداء بأسعار مضاعفة وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الأجور المستوفاة من الركاب.

وكانت أبرز الإجراءات المتبعة من قبل حكومة النظام؛ فرض تركيب جهاز تعقّب "GPS" على وسائل النقل الجماعي "الميكروباصات" تقيس المسافة المقطوعة ذهاباً وإياباً، وفي حال امتناع السائق عن العمل على خطّه المخصص أو اختصاره، فإنه يعاقب بحرمانه من المخصصات المدعومة.

ندرة في السرافيس وارتفاع أجور التكسي في دمشق

وأدت الإجراءات الأخيرة للنظام، المتزامنة مع الشح الكبير في توريدات المحروقات، إلى إحجام العدد الأكبر من السائقين عن العمل على الخطوط الرسمية والتحول إلى "الطلبات الخاصة" مثل نقل طلاب المدارس أو موظفي الشركات وغيرها من الفرص الممكنة، ليزيد ذلك من معاناة المواطنين الباحثين عن وسيلة تنقلهم إلى أماكن عملهم أو جامعاتهم.

رؤى أم لثلاثة أطفال تعيش في دمشق تشير إلى أن توقف حكومة النظام عن توزيع المحروقات المدعومة أيام العطل الرسمية (الجمعة والسبت)، جعلت سائقي السرافيس يتوقفون في هذين اليومين عن العمل بشكل كامل فتضطر لاستخدام التكسي الخيار الوحيد وهو ما يزيد من مصاريف عائلتها بشكل كبير.

وتضيف رؤى في حديث مع موقع تلفزيون سوريا أن أيام الدوام الرسمي أيضاً تشهد ازدحامات كبيرة في وسائل النقل العامة لقلة أعداد المركبات العاملة وتنَقّل الموظفين والطلاب في تلك الأوقات، مما يحتم عليها استخدام التكسي في التنقلات لصعوبة ركوب "السرفيس - الميكروباص" رفقة أطفالها.

وقالت: "مستحيل تلاقي سرفيس فاضي في الأيام العادية بسبب الازدحام.. بتلاقي كتير تكاسي فاضية بس بشلفوا بالأسعار (يرفعون الأسعار)"، مضيفة أن أجرة التكسي من منطقة تنظيم كفرسوسة إلى شارع خالد بن الوليد في الفحامة قد تتجاوز 6 آلاف ليرة سورية في بعض الأوقات.

بينما تدفع نحو 25 ألف ليرة سورية أجرة تكسي من تنظيم كفرسوسة إلى صحنايا بريف دمشق في حال قبول السائقين الخروج من قلب العاصمة إلى الأطراف.

الشاب "رائد" بدوره تحدث عن اختفاء جميع وسائل النقل الجماعية "ميكروباصات وحافلات نقل داخلي" في فترة المساء، مؤكداً أن "تفرّد" سائقي التكاسي في تلك الفترة يشجعهم على رفع الأسعار.

وأشار رائد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أنه يضطر يومياً لدفع 5 آلاف ليرة لأخذ تكسي من مكان إقامته بالقرب من ساحة شمدين إلى مكان عمله بالجسر الأبيض.

ويضيف أنه يحصل على راتب شهري لا يتجاوز 400 ألف ليرة سورية، بينما يضطر لدفع نحو 130 ألف ليرة شهرياً أجرة تكاسي في فترات المساء.

انتظار الميكروباصات تحت جسر الرئيس "أرشيفية/تشرين"
انتظار الميكروباصات تحت جسر الرئيس "أرشيفية/تشرين"

التكسي "المكروباص"

"محمد. ح" الطالب الجامعي المقيم في منطقة معربا بريف دمشق، تحدث لموقع تلفزيون سوريا، عن ندرة الميكروباصات المتجهة من حيّه إلى الجامعة التي يدرس فيها بدمشق، والخيار المتاح لذلك في معظم الأوقات هو استخدام "ميكروباصات خاصة" وهي سيارات تتسع لعدة أشخاص وليست مسجلة للنقل على أي من الخطوط المعتمدة وكلفة الراكب الواحد تصل إلى 1500 ليرة سورية، بينما كلفة الميكروباص "النظامي" على الخط لو توفر لن تزيد عن 300 ليرة سورية.

أما أجرة ركوب التكسي من منطقة معربا إلى مساكن برزة بلغت نحو 10 آلاف ليرة للشخص الواحد ومن مساكن برزة إلى جامعته في منطقة البرامكة يضطر إلى دفع 10 آلاف ليرة أخرى، مع العلم أن النقل بالتكسي يكون عبر ما يعرف بـ"التجميع" إذ يصعد كل أربعة أشخاص لهم الوجهة ذاتها في تكسي واحدة توفيراً للمصاريف. 

ولا ينفي محمد قدوم ميكروباصات تعمل على الخط الرسمي في معربا لكنها نادرة جداً ومدة انتظارها مرهقة كما تصل ممتلئة بالركاب لأن نقطة انطلاقها تبدأ من مدينة التل المكتظة بالسكان.

"الموتور": تكسي رخيصة

ومن الخيارات الرخيصة التي لجأ إليها بعض المواطنين للتخلص من أزمة المواصلات العامة وغلاء أسعار التكاسي هي الدراجات النارية أو ما يعرف بالموتور التكسي، وتقوم فكرة التنقل عبر الموتورات إلى اتفاق يبرم بين صاحب الدراجة والراكب على التوصيل بين العاصمة والريف أو أحياناً داخل المدينة رغم التضييق الذي تمارسه شرطة النظام على سائقي الدراجات النارية وحملات المصادرة الدورية لدراجاتهم.

والتقى موقع تلفزيون سوريا عدة أشخاص يعتمدون الموتور التكسي في الوصول إلى أعمالهم بشكل يومي مؤكدين على أنها أرخص السبل بالرغم من خطورة ركوبها في وقت تفتقر البنية التحتية للطرقات في سوريا إلى اللافتات التحذيرية والإشارات الطرقية.

الدراجات النارية وسيلة مواصلات في دمشق (تلفزيون سوريا)
الدراجات النارية وسيلة مواصلات في دمشق (تلفزيون سوريا)

"رخيصة وخطيرة"

يقول أحد مستخدمي الدراجات النارية كوسيلة نقل لموقع تلفزيون سوريا: "أتفق يومياً مع صاحب دراجة نارية للذهاب من القابون إلى مكان عملي في دوما وأدفع 1500 ليرة مقابل التوصيلة، لأنني في حال قررت الذهاب إلى دوما بالميكروباص فأنا مضطر لانتظار الخط الذاهب من القابون إلى الكراجات ثم انتظار الميكرو الذاهب من الكراجات إلى دوما"، مؤكداً أن الطريقة الأخيرة تضيع ساعات من الانتظار، إضافة إلى التدافع الدائم على تلك الوسائل.

وكان موقع تلفزيون سوريا رصد في شباط الماضي انتشار ظاهرة "التكسي الموتور" في شوارع العاصمة دمشق ففي منطقة البرامكة بجانب مشفى التوليد، يتجمع عشرات الدراجات النارية التي ينادي أصحابها "توصيل طلبات"، "لوين مشوارك"، وغيرها من الجمل.

وتعمل هذه الدراجات النارية في الشوارع وتتجمع في الساحات رغم إصدار وزارة النقل التابعة لحكومة النظام في العام 2020، قراراً منعَ تجوالها بالعاصمة، وفرض عقوبة على من يتجاوز هذا القرار تصل للحبس والغرامة. ولا يوجد أي قانون أو قرار ينظم عمل هذه الدراجات كوسيلة نقل عامة، لكنها تعمل في وضح النهار.

ووفقاً لتقارير، فإنَّ عدد الدراجات النارية في سوريا كان يفوق المليون دراجة قبل الحرب، بالمقابل لا توجد إحصائيات لعددها بعد سنوات الحرب. 

كيف يتنقل طلاب المدارس في دمشق؟

من جانب آخر، قالت مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا إن كلفة الاشتراك في حافلات نقل طلاب المدارس تراوحت بين مليون و 1.5 مليون ليرة بالسنة الدراسية الواحدة، وتختلف تبعاً للمدرسة وأقساطها.

وفي حال قرر ولي أمر الطالب إرسال الطفل بسيارة خصوصية فينخفض المبلغ إلى 100 أو 150 ألف ليرة سورية شهرياً داخل مدينة دمشق فقط.

وتظل أرخص خيارات نقل الطلاب إلى مدارسهم مرهقة جداً لميزانيات العائلة في سوريا في وقت لا يتجاوز راتب العامل شهرياً 200 ألف ليرة، فيضطر بعض الآباء لتوصيل أطفالهم باستخدام الدراجات الهوائية أو بالتعاقد مع أصحاب سيارات النقل المكشوفة بما يحمله ذلك من مخاطر على حياة الأطفال.

صحيفة تشرين التابعة للنظام نشرت صوراً لطلاب خلال رحلتهم إلى مدارسهم، باستخدام مركبات النقل المكشوفة "بيك أب" مضيفة التعليق التالي: "بين اللهو وإيجاد بدائل للنقل.. الطلاب يعرضون حياتهم للخطر".

ولفتت الصحيفة إلى انتشار وسائل نقل الطلاب غير الآمنة، وقالت :"دخلت السوزوكي بقوة بدلا من الحافلات في نقل الطلاب"،  متسائلة عن المعايير المطلوبة في مركبات نقل الطلاب.

أزمة المواصلات تتفاقم في دمشق

التنقل بسيارات "يلاغو": خيار مرهق مادياً

انتشر في الأشهر الأخيرة استخدام تطبيق "يلا غو" على الهواتف المحمولة لطلب سيارات الأجرة، وهو على غرار تطبيقات عالمية مثل "أوبر وكريم وغيرها"، حيث يعتمد التطبيق على سيارات الموظفين المتعاقدين معه.

كما أن استخدام سيارات "يلا غو" تغني الزبائن عن المفاصلات التي تجري عند طلب سيارات التكسي الصفراء، لأن التطبيق يعطي الأجرة المتوجب دفعها مفصلة على ثلاثة مستويات؛ الأعلى تكون عند طلب سيارة مكيفة والأقل عند طلب سيارة عادية والأدنى هي لطلب توصيل البضائع "الديلفري" باستخدام الدراجات النارية.

لكن بالمقابل، يُلاحظ أن الكلفة المطلوب دفعها عند استخدام سيارات التطبيق مرتفعة بشكل واضح وتتجاوز الكلفة في بعض الأحيان سيارات الأجرة الصفراء، بالرغم من أن سيارات "يلا غو" خاصة.

وعلى سبيل المثال، فإن كلفة التنقل بسيارة "يلاغو" من كلية الحقوق بمنطقة البرامكة إلى كلية الإعلام بالمزة تكلف أكثر من 9 آلاف ليرة سورية عند طلب سيارة "كومفورت مكيفة"، ونحو 7 آلاف ليرة سورية في حال استخدام سيارة عادية، بحسب ما يعطيه التطبيق عند الطلب، في حين أن كلفة استخدام "الميكروباصات" للمسافة نفسها لا تتجاوز 300 ليرة سورية في حال توافرها.

طلب سيارة من يلا غو عن طريق تطبيق الموبايل
طلب سيارة من يلا غو عن طريق تطبيق الموبايل

كما أثرت أزمة نقص المحروقات في مناطق سيطرة النظام السوري، على عدد سيارات التطبيق المنتشرة في دمشق، وهو ما اعترفت به شركة "يلا غو" بنشر رسالة لجميع مستخدميها جاء فيها: "طلبك عم يتأخر لينقبل؟.. نحاول جهدنا أن نلبيك عندما يستطيع الكابتن تأمين الوقود الكافي".

أزمة مستمرة رغم الوعود

وتستمر أزمة المحروقات رغم التصريحات المتكررة التي تنشرها وسائل إعلام مقربة من النظام عن زيادة إيران لصادراتها النفطية إلى سوريا.

وآخرها ما نقلته صحيفة الوطن المقربة من النظام عن "مصادر في طهران" برفع كميات النفط الموردة إلى سوريا لثلاثة ملايين برميل شهريا عبر ما يعرف بالخط الائتماني الإيراني، الذي جرى التوقيع عليه بعد زيارة رئيس النظام بشار الأسد الأخيرة لإيران في أيار الفائت.

وادعت الصحيفة أن رفع الكميات جرى بحثه خلال استقبال رئيس النظام السوري بشار الأسد لوزير الطرق وبناء المدن الإيراني رستم قاسمي في 6 تشرين الأول الماضي، وأعيد بحثه خلال زيارة وزير خارجية النظام فيصل المقداد لطهران مع الرئيس الإيراني.

وحينئذ، تحدثت مصادر الصحيفة عن وصول ناقلات محملة بالنفط بشكل متواصل منذ تفعيل الخط الائتماني، لكن أزمة المحروقات استمرت وانعكست بشكل واضح على ساعات تقنين الكهرباء الكبيرة وفقدان المازوت والبنزين من الكازيات.