icon
التغطية الحية

كيف تستخدم روسيا الأساليب التي استخدمتها في سوريا مع أوكرانيا

2022.03.26 | 06:58 دمشق

دمار حلب يفوق الخيال حسب وصف الأمم المتحدة - المصدر: الإنترنت
دمار حلب يفوق الخيال حسب وصف الأمم المتحدة - المصدر: الإنترنت
الغارديان - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أخذت المرأة التي بلغت مرحلة المخاض تحدق حولها وهي محمولة على النقالة، في الوقت الذي هرع فيه المسعفون لإخراجها من الأرض البور التي خلفها الهجوم الروسي على مشفى التوليد. وفي مشفى آخر، وبعدما أخرجوا الجنين من بطنها، أحست بما ألم بها، لذا توسلت تلك المرأة للأطباء بقولها: "اقتلوني على الفور"، ولكن بعد مرور ساعات، لحقت بطفلها الذي سبقها إلى الأموات.

لقد صدم العالم بأسره من فظاعة الهجوم الذي استهدف مشفى للتوليد في مدينة ماريوبول الساحلية المحاصرة في أوكرانيا، لكن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها روسيا باستهداف أولات الأحمال وهن يضعن حملهن.

فيديو يظهر ما حدث عقب استهداف مشفى التوليد في ماريوبول 

في الوقت الذي يحيل فيه القصف الروسي المدن الأوكرانية إلى أطلال، يقوم الجيش الروسي بقتل وإصابة وترويع الآلاف من المدنيين، ضمن عمليات شبهها كثيرون لما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، بالرغم من وجود سابقة أحدث، فهذه الأساليب أتت هي وبعض الجنود الروس مباشرة من الحرب السورية، التي شاركت فيها موسكو ابتداء من عام 2015 لدعم بشار الأسد.

ومنذ ذلك الحين، أخذت روسيا تنفذ هجماتها الوحشية التي حققت هدفها في نهاية المطاف، ألا وهو مساعدة الأسد على استرجاع كامل البلاد تقريباً من يد الثوار. وخلال تلك العملية، تم تدمير مدن عن بكرة أبيها، ما تسبب بمقتل 24.743 مدنياً نتيجة للقصف الروسي بحسب ما أوردته منظمة إيروورز التي ترصد الأضرار بين صفوف المدنيين.

ابتداء من الغوطة التابعة لريف دمشق، وصولاً إلى مدينة حلب التي تتمتع بإرث حضاري عظيم وتعتبر محرك الاقتصاد في سوريا، دمر القصف الروسي المشافي والمدارس والأسواق وطوابير الناس وهم ينتظرون دورهم للحصول على الخبز، كما ساعدت الطائرات الروسية قوات النظام على فرض حصار على الأرض، فتحولت أجساد البشر بسببه إلى هياكل عظمية محزنة، وعندما تعهد الجيشان الروسي والسوري بفتح ممرات أمام خروج المدنيين من الحصار، قاما بقصفها في معظم الأحيان واستهداف المدنيين أثناء محاولتهم الهروب من تلك الأماكن المحاصرة.

فيديو يظهر ما حدث عقب قصف صاروخي روسي استهدف مشفى ميدانياً في سوريا عام 2016

توقع بعض المراقبين لبوتين ألا ينقل الأساليب التي مارسها في سوريا إلى أوكرانيا، وذلك لأن الأخيرة تعتبر دولة جارة حيث تمتد العلاقات الأسرية والودية بين البلدين عبر الحدود، إذ في الوقت الذي يعتبر فيه السوريون من الأباعد والغرباء بالنسبة للروس، ولذلك فإن ضحاياهم يعتبرون مجهولين وغير معروفين، ثمة أقرباء ورفاق درب ومدرسة وزملاء بين أهالي ماريوبول.

ولكن خلال الشهر الماضي، استهدف القصف الروسي الأهداف ذاتها، أي المشافي والمدارس والأسواق وطوابير الخبز، وأحد المسارح. كما تعهدت القوات الروسية بإخراج المدنيين ثم هاجمتهم عندما كانوا في الطريق.

وفيما يلي دراسة دقيقة لخمسة عناصر أساسية وردت في "دليل العمل في سوريا"، وتدور تلك العناصر حول عملية استيراد ونقل الأساليب من حرب إلى أخرى بهدف التدمير:

عزل المناطق الثائرة

حاصرت القوات السورية والروسية العديد من المدن في سوريا وعملت على تجويعها بغية إخضاعها، واتخذت من المدنيين أسرى ورهائن عند تقدم القوات لمواجهة مقاتلي المعارضة.

إلا أن أسوأ ما حدث كان حصار حلب في عام 2016، وذلك عندما قطعت خطوط الإمداد عن الثوار السوريين، فتعرضوا لضغط كبير إثر ذلك، وأخذوا ينتقلون من شارع إلى شارع، وظلوا كذلك لمدة تجاوزت ستة أشهر، في الوقت الذي تواصل فيه القصف العشوائي على تلك المدينة.

وبحلول عام 2017، كان 4.9 ملايين سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية يعيشون في مناطق محاصرة أو من الصعب الوصول إليها.

والآن يتكرر الأمر نفسه في ماريوبول، حيث تطبق القوات الروسية على القوات الأوكرانية وتحاصرها بين جبهات القتال والبحر. ومع احتدام القتال، يحرم المدنيون من الرحيل، كما تتعرض البنية التحتية المدنية للقصف، ما يحول الحياة في تلك المدينة إلى مغامرة خطيرة يعيشها الناس بصورة يومية.

يبدو أن القوات الروسية تحاول فرض حصار مماثل على العاصمة كييف، وعلى مدينة خاركيف المهمة الواقعة شرقي البلاد، إلا أن القوات الأوكرانية تمكنت حتى الآن من الحفاظ على خطوط الإمداد وإبقائها مفتوحة أمامهم.

البنية التحتية المدنية

في كل من سوريا وأوكرانيا، جعلت روسيا وحلفاؤها من قلب أي تجمع سكاني هدفاً لها، والمقصود بذلك تلك الأماكن التي يرتادها الأشخاص العاديون للحصول على الرعاية الطبية أو التعليم أو الأغذية أو غير ذلك من الضروريات.

إن استهداف المدنيين بصورة متعمدة محرم بموجب القانون الدولي، لكن هذا الأسلوب قد يكون فعالاً، كونه ينشر الذعر ويوهن عزيمة المقاتلين وإرادتهم، ويدمر الحاضنة التي يعتمدون عليها للحصول على الدعم المادي والمعنوي.

خلال معركة حلب التي امتدت لثمانية أشهر، تعرض المدنيون للكثير من الأضرار بسبب 16 هجمة على أقل تقدير، استهدفت المشافي الموجودة في تلك المدينة، ما أدى إلى مقتل 143 شخصاً بحسب ما أورده مرصد إيروورز. أما في بقية المناطق السورية، فقد تم توثيق العشرات من الغارات التي استهدفت مرافق الرعاية الصحية، كان من بينها العديد من الهجمات التي ارتبطت بالقوات الروسية بشكل وثيق.

يقول مارك غارلاسكو وهو محقق متخصص بجرائم الحرب قام بتحليل النشاط الروسي في سوريا لصالح الأمم المتحدة: "وثقنا العديد من الهجمات التي استهدفت المشافي بأسلحة روسية دقيقة وهذا بحد ذاته يكشف عن رغبة حقيقية وواضحة باستهداف المشافي التي تعتبر محمية بموجب القانون الإنساني الدولي، وهذا ما صدمنا حقاً".

كما وثقت منظمة الصحة العالمية ما لا يقل عن 43 هجمة استهدفت قطاع الرعاية الصحية في أوكرانيا منذ بدء الحرب، ما تسبب بمقتل 12 شخصاً على الأقل، كما توقف علاج عدد هائل من المرضى بسبب الحصار، بينهم أطفال كانوا ضمن جناح مرضى السرطان، بعد أن أصبحوا محاصرين في مدينة تشيرنيهيف، كما نفدت مسكنات الألم لديهم.

إن فكرة تأمين الغذاء للأسرة على بساطتها تصبح عملية محفوفة بالمخاطر في ظل الاعتداء الروسي، إذ منذ عام 2015، تعرض مدنيون سوريون للقتل أو الإصابة في 204 هجمات استهدفت الأسواق نفذتها القوات الروسية أو قوات النظام السوري وفقاً لما أورده مرصد إيروورز من بيانات ومعلومات، وهذا العدد يفوق عدد الهجمات التي نفذتها قوات التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة بخمسة أضعاف وذلك خلال الفترة الزمنية ذاتها.

ولقد استهدفت روسيا المدارس أيضاً، فقد قتل أطفال سوريون وهم يدرسون، أما في أوكرانيا، وبسبب تعليق الدراسة، لم يكن هناك طلاب في الصفوف عندما ضربت القنابل مدارسهم، إلا أن تلك الضربات خلفت إصابات، إذ في ماريوبول، أصاب صاروخ كلية الفنون التي لجأ إليها 400 شخص على الأقل هرباً من القصف.

بالرغم من عدم تعرض أي أحد للقتل، إلا أن تدمير المدارس وتخريبها يمزق قلب المدينة ومستقبلها، ففي مدينة خاركيف وحدها، أعلن رئيس بلديتها عن تعرض 48 مدرسة للتدمير، وفي عموم أنحاء أوكرانيا، تم استهداف المئات من المدارس.

استهدفت شبكات المياه والغاز والكهرباء في سوريا، أما في أوكرانيا، فقد تعرضت محطة الطاقة الواقعة شرقي البلاد لهجوم حتى قبل أن تشن روسيا غزوها بشكل كامل، ولذلك انقطعت الكهرباء عن البلاد بسبب تدمير تلك المرافق، وزاد الوضع سوءاً بسبب برد الشتاء القارس في أوكرانيا.

الاستخدام الواسع للأسلحة العشوائية التي لا تميز بين الأهداف

نشرت القوات الروسية أسلحة لا تميز بين الأهداف في أوكرانيا، وذلك عند استهدافها لمناطق مأهولة بالمدنيين في المدن والقرى، فأحالت أحياء بأكملها إلى ركام.

حدث ذلك التدمير على نطاق واسع في أحياء مدينة ماريوبول، حيث أطالت النيران من أمد القصف ومفعوله، إلا أن المدن الأخرى تعرضت لهجوم مماثل، ومنها مدينة فولنوفخا وسشاستيا اللتان تم استهدافهما في بداية هذه الحرب، ولهذا يخبرنا الأهالي بأنَّ 90% من مدينة فولنوفخا قد سُويت بالأرض أو تعرضت لدمار هائل.

ترتفع حصيلة القتلى بين صفوف المدنيين مع هذا النوع  من الهجمات، كما يتعرض الكثير من الناس للقتل، وتصبح عملية دفن الجثث مسألة صعبة، كما يمضي من بقي حياً من المدنيين أياماً في الملاجئ المقامة في أقبية متجمدة من البرد لا ماء فيها بسبب تعطل شبكة المياه، مع تضاؤل المخزون الغذائي يوماً بعد يوم، كما يتبخر الأمل بالإخلاء والخروج من تلك الأماكن مرة إثر مرة.

فيديو يظهر الدمار الذي لحق بأبنية سكنية ومجمع تجاري في ماريوبول بأوكرانيا

هنا تبدو أصداء ما حدث في سوريا واضحة جلية، بفضل الفيديوهات التي تظهر الخرائب التي تذكرنا بمقطع فيديو لحلب، إذ في سوريا، استخدمت القوات الروسية "الصواريخ الفراغية"، التي تتمتع بقوة تفجيرية قاتلة وبوسعها أن تسحب الأوكسجين من الهواء، مئات المرات عند استهدافها للأحياء السكنية ذات الكثافة السكانية العالية.

استخدمت روسيا أيضاً أسلحة لا تميز بين الأهداف في كلا البلدين، وشملت تلك الأسلحة القنابل العنقودية التي تتناثر من العبوات التي تحملها، إلى جانب صواريخ غراد وهي عبارة عن أسلحة عشوائية غير موجهة تستخدم في ساحات القتال المفتوحة.

تسببت الذخائر العنقودية بأضرار كبيرة بين صفوف المدنيين في سوريا كونها استخدمت 567 مرة، وتسببت بمقتل ما لا يقل عن ألفي مدني. ولقد استخدمت تلك الذخائر بشكل واسع في أوكرانيا، بدءاً من خاركيف في شمال شرقي البلاد وصولاً إلى ميكولاييف في جنوبيها، حيث ذكر رجل بأن أحد جيرانه قتل وأصيب آخر بجروح خطيرة بسبب القنابل العنقودية التي استهدفت قريته.

يقول فاضل عبد الغني وهو رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان: "لا يمكن وصف ما فعلته روسيا في سوريا، فقد دمرت الهجمات المكثفة مناطق بأكملها"، ثم تحدث عن الحصار الذي طبق في عام 2018 على ضاحية الغوطة الشرقية التي كانت بيد الثوار، فقال: "كانت هنالك 12 طائرة حربية على الأقل تقوم بقصف منطقة مدنية معينة وعندما تفرغ تلك الطائرات من عملها، تأتي 12 طائرة أخرى لتتابع العمل".

استعانت روسيا بالحروب أيضاً لتطور من أساليبها ولتختبر أسلحتها الجديدة، إذ تباهى وزير الدفاع الروسي بتجريب أكثر من 300 نوع جديد من الأسلحة في سوريا، وفي أوكرانيا، زعمت روسيا بأنها استخدمت للمرة الأولى صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت.

الممرات الإنسانية

يتمثل القسم الرابع من "دليل العمل" بالإعلان عن إقامة ممرات إنسانية، إذ في كل من سوريا وأوكرانيا، عرضت روسيا إقامة ممرات مخصصة لإخراج المدنيين من المناطق التي تتعرض لحصار أو قصف عنيف، ثم قامت في آخر دقيقة بسحب فرصة تأمين ممر آمن للمدنيين إلى مناطق خارج منطقة النزاع.

An evacuation operation from the embattled city of Aleppo on December 15 2016.

عمليات الإخلاء من مدينة حلب المحاصرة في 15 من كانون الأول 2016

أصبح مشهد الحافلات المصطفة بانتظار بعثة الإنقاذ، التي ستضطر فيما بعد للتريث عند استمرار القصف مألوفاً في سوريا، ويتكرر المشهد ذاته في أوكرانيا اليوم.

لعل أسوأ ما حل في أوكرانيا هو ما شهدته مدينة ماريوبول، إذ بعد مرور أسابيع على الهجمة وعلى الآمال الزائفة، فر الآلاف من الناس ضمن قافلات خاصة مؤلفة من سيارات شخصية بمجرد أن انتشرت أقاويل في المدينة تفيد بأن نقاط التفتيش الروسية أصبحت تسمح للمدنيين بالعبور، إلا أن من لا يمتلكون سيارات اضطروا لاختيار الخيار القاسي المتمثل بالسير على الأقدام لقطع العديد من الأميال، أو البقاء في المدينة المدمرة.

وفي سوريا، كانت روسيا تعلن في بعض الأحيان عن إقامة ممرات بمفردها دون التنسيق مع المنظمات الدولية مثل هيئة الأمم المتحدة، ما يعني عدم قدرة تلك المنظمات على مراقبة وضبط تلك الممرات بحسب ما تراه إيما بيلز، وهي باحثة غير مقيمة لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن. ولهذا كانت تلك الممرات التي تُفتح في بعض الأحيان لفترات قصيرة جداً، غير مفيدة أو أنها تفضي بالمدنيين إلى مناطق تقع تحت سيطرة قوات الجيش السوري الذي كان هؤلاء الناس يختبئون هرباً منه.

وتعلق بيلز على ذلك بقولها: "إن الدرس المهم المستفاد من سوريا هو أنه عندما تطمح روسيا بشكل صريح لتحقيق نصر عسكري وسياسي فلن يوقفها أي شيء قبل أن تحقق ذلك، ولذلك تستخدم الممرات الإنسانية لتحقيق تلك الأهداف".

اتُهمت روسيا وحلفاؤها ما لا يقل عن سبع مرات بقتل وجرح مدنيين في سوريا عند استهدافها للقوافل الإنسانية، والتي تشمل قوافل تحمل مواد غذائية، ما تسبب بمقتل ما لا يقل عن 44 شخصاً بحسب البيانات الصادرة عن مرصد إيروورز.

إن افتتاح ممرات حتى ولو كانت غير مجدية يعتبر بمثابة مؤشر ينذر بوقوع هجمة مكثفة وشيكة، إذ يقول كايلي أورتون وهو محلل مختص بالشأن السوري: "تزعم روسيا عادة بأنها عندما تعطي الفرصة للناس حتى يرحلوا، فإن كل من يبقى هو "إرهابي" وبالتالي لابد من أن يتحول إلى هدف عسكري مشروع، وقد تم تطبيق هذا النهج الشائن في حلب".

التضليل الإعلامي

ثمة علامة أخرى فارقة موجودة في كتاب: "دليل العمل في سوريا" وتتمثل بالإنكار المتكرر والممنهج، مع إطلاق المعلومات المضللة حول القتلى والإصابات بين صفوف المدنيين وكذلك حول جرائم الحرب، إذ حتى الآن، لم توافق روسيا على أنها تسببت بقتل أي مدني في سوريا، كما ليست لديها آلية واضحة لحساب الأثر والضرر الذي خلفته عملياتها على المدنيين.

ومنذ أن غزت روسيا أوكرانيا، انطلقت آلة الدعاية الروسية في الداخل لتعمل بأقصى ما لديها من سرعة، حيث منعت نشر أبسط حقيقة وهي وصف عملية الغزو بأنها حرب، بل سمتها عملية خاصة، حيث زعم بوتين بأن جنوده يحاربون لتحرير تلك البلاد من "النازية" بالرغم من أن رئيسها يهودي!

وعلى المستوى الدولي، حاولت روسيا أن تنكر بعضاً من أبشع الفظائع التي ارتكبتها في أوكرانيا، إذ حتى الحامل التي قتلت في ماريوبول لم يتركوها وشأنها لتموت بكرامتها، بل إن السفارة الروسية في لندن زعمت بأن صورها وهي في النزع الأخير "ملفقة".

روسية تقتحم نشرة الأخبار للتعبير عن معارضتها للحرب على أوكرانيا

إن ذلك يشبه الهجمات التي تعرضت لها منظمة الخوذ البيضاء المدنية التي تعمل على إنقاذ الناس، والتي أصبحت من بين الضحايا السوريين الذين تعرضوا لأشد حملة تضليل إعلامي روسية عدوانية، وذلك لأن تلك الحملة نجحت في تحقيق مبتغاها، بعدما اشتهرت منظمة الخوذ البيضاء بتصويرها لعمليات الإنقاذ التي تتم بعد القصف مباشرة، إلا أن روسيا اتهمتها عدة مرات بتزوير وتلفيق المجازر التي تقوم بتصويرها.

كما مضى المتحدث الرسمي الرئيسي لدى وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف لما هو أبعد من ذلك، حينما زعم دون أن يقدم أي دليل بأن القوات الأوكرانية كانت تخطط لنشر "فيديوهات ملفقة" حول قتلى مدنيين، ضمن حملات "اعتمدت النهج المتبع لدى الخوذ البيضاء".

ترى الباحثة السورية سارة كيالي لدى منظمة هيومن رايتس ووتش،  بأن الحملة التي شنت في سوريا على مدار سنوات عديدة نجحت في تشكيك الكثيرين بالأضرار والخسائر التي يتعرض لها المدنيون، وتابعت قائلة: "لقد تعرضنا لحملة تضليل إعلامي معقدة أطلقها الإعلام الروسي على وجه الخصوص ضد أشخاص مثل منظمة الخوذ البيضاء، وللأسف، حققت تلك الحملة نجاحاً كبيراً ضمن أوساط كثيرة".

مخاوف حيال الخطوة التالية

إن الخطوة التالية التي يمكن لروسيا أن تخطوها بالنسبة لما ما حدث في الحرب السورية هي أن تقوم باستخدام الأسلحة الكيماوية، بيد أن روسيا لم تستخدم السلاح الكيماوي في سوريا، إلا أن حليف بوتين، أي الأسد قام بنشر تلك الأسلحة بطريقة مخالفة للقانون واستهدف من خلالها المدنيين مرات عديدة، ولهذا كانت سوريا إما أن تقوم بإنكار تلك الهجمات أو تدعي بأنها مجرد عمليات "تضليل" يمارسها الثوار، غير أن الجهة التابعة للأمم المتحدة والتي تشرف على السلاح الكيماوي أكدت بأن النظام السوري قام بنشر غازات كيماوية بينها غاز الأعصاب المعروف بالسارين.

هذا ولقد حذر القادة الغربيون من احتمال تخطيط روسيا للقيام بهجوم مماثل في أوكرانيا، وذلك لأنه سبق للدولة الروسية أن استخدمت غاز الأعصاب وسماً إشعاعياً في هجمات نفذتها على الأراضي البريطانية.

إن كذب موسكو في اتهامها لأوكرانيا بامتلاك أسلحة بيولوجية وكيماوية يعتبر "مؤشراً واضحاً" على أن فلاديمير بوتين أصبح يفكر، بعدما اعتراه اليأس، باستخدام تلك الأسلحة بنفسه، بحسب ما ذكره الرئيس الأميركي جو بايدن، وذلك لأن بوتين هدد باستخدام السلاح النووي بشكل مبطن عندما أصدر أوامره لقوات الردع النووية حتى تصبح بحالة تأهب قصوى.

إن هذا التهديد، في حال تنفيذه، سيخرج بوتين حتى عن نصِّ دليل العمل في سوريا، فالعالم الغربي الذي أحجم عن التدخل في كلا الحربين حتى بعد تعرض المدنيين للحصار والتجويع والقصف لم يقرر بعد كيف سيرد على ذلك.    

 المصدر: غارديان