icon
التغطية الحية

كيف أوقع مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي بأحد خنافس تنظيم الدولة؟

2022.07.06 | 12:36 دمشق

المصدر: ميدل إيست آي
المصدر: ميدل إيست آي
ميدل إيست آي - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

استأجر كامران فريدي فيلا فارهة في إسطنبول سبق أن استعان بها آين ديفيس لتكون ملاذه الآمن، وآين هذا أحد أعضاء خلية الإعدام لدى تنظيم الدولة، ولكن هل كان اعتقال بقية أفراد تلك الخلية مجرد "ضرر جانبي" خلال العملية التي نفذها مكتب التحقيقات الفيدرالية؟

كان كامران فريدي محسناً سخياً، معروفاً بين الأوساط التي تنقل بينها في باكستان وتركيا، حيث كان يقدم المساعدة للفلسطينيين والسوريين والأيتام المحتاجين. إلا أن لفتات فريدي السخية لم تعجب كل من التقى بهم.

كان فريدي يتحدث بلهجة أميركية تخفي أصوله الباكستانية، كما كان يقود سيارة حمراء من نوع مرسيدس، ويلبس ساعة رولكس. وبالرغم من أنه كان يتخفى في بعض الأحيان خلف قبعة بيسبول ونظارة سوداء، فإنه لم يبذل جهداً كبيراً لإخفاء شكل حياته الموسرة.

يخبرنا عنه متطوع يعمل لدى إحدى المنظمات الإغاثية السورية تعرف إلى فريدي في تركيا، فيقول: "كان دوماً يسأل إن كانت هنالك مشاريع بوسعه أن يشارك فيها، وكان دوماً يريد أن يدفع كل شيء عن أي أحد، إلا أن هذا الأسلوب لا يعجبني".

وبما أن فريدي يحمل الجنسيتين الباكستانية والأميركية، لذا فقد سافر إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا وذلك في ذروة الحرب السورية، وتحدث عن بناء ميتم هناك من خلال منظمة  IHH الإنسانية التركية.

كان لديه معارف وعلاقات مع منظمات خيرية موجودة في قونية، والتي تعتبر مركزاً للإغاثة السورية في الجنوب التركي، وقد أخبر معارفه بأنه يخطط لشراء مدرسة إسلامية من أجل الأطفال السوريين الذين أصبحوا لاجئين في تركيا.

بدا فريدي المعروف لدى بعض الأتراك باسم أبو محمد أميركا كرجل أعمال ناجح، فقد أسس شركة للاستيراد والتصدير في تركيا، وأخذ يتاجر بالجملة، كما أبدى اهتمامه بقطاع السياحة في تركيا.

وبحسب أحد الأشخاص الذين التقوا به، ذكر فريدي بأنه دخل بالسر بتجارة القطع الأثرية، إذ يقول ذلك الرجل: "أخبرنا بأنه يتاجر بتلك المواد، وأخرج لنا تماثيل لبوذا وما شابهه، وأخبرنا بأنه يسافر لهذا السبب، أي أن ذلك هو المجال الذي يعمل به".

إلا أن هنالك الكثير من الأمور المخفية في حياة فريدي القائمة على السفر والتجوال.

إذ في تشرين الثاني 2015، بدأ محققون أتراك بالبحث في وضع ذلك الباكستاني بعد استئجاره لفيلا فارهة قبل بضعة أشهر في منطقة سيليفري وهي ضاحية بحرية تقع غربي إسطنبول، وهكذا دهمت شرطة مكافحة الإرهاب تلك الفيلا بناء على معلومات وصلت إليها حول قيام أشخاص موجودين في تلك الفيلا بالتخطيط لهجوم في إسطنبول باسم تنظيم الدولة.

تم إلقاء القبض على ستة رجال، بينهم آين ديفيس، وبريطاني يعتقد أنه عضو آخر في خلية الإعدام لدى تنظيم الدولة التي تعرف باسم "الخنافس"، وقد صدرت بحقه مذكرة حمراء من قبل جهاز الإنتربول.

بعد ذلك تبين في المحكمة بأن وكالتي الاستخبارات الأميركية والبريطانية أبلغتا مسؤولين أتراكاً بأن فريدي لا تربطه أي علاقة بتنظيم الدولة، بل بجبهة النصرة، وهي جماعة مقاتلة سورية متشددة تمركزت في إدلب، وكانت وقتئذ ما تزال مرتبطة بتنظيم القاعدة.

أما الشيء الذي يبدو بأن المسؤولين الأتراك لم يكونوا على علم به وقتئذ، ولم يطلعهم عليه معارفهم لدى وكالات الاستخبارات الغربية، هو أن كامران فريدي نفسه كان يعمل لصالح منظمة أخرى ألا وهي مكتب التحقيقات الفيدرالية.

لم يكن فريدي من بين الرجال الستة الذين ألقي القبض عليهم في الفيلا الموجودة في سيليفري عند مداهمتها في ساعة مبكرة من يوم 12 تشرين الثاني، بل إنه غادر إسطنبول متوجهاً إلى نيويورك عبر أمستردام بعد ذلك ببضعة أيام.

وخلال تحقيق استمر لشهر، تمكنت صحيفة ميدل إيست آي من جمع الأحداث المحيرة التي تحيط بمجرم الشوارع الباكستاني الذي تحول إلى عميل للمخابرات الأميركية، ومدى تأثيره على من أصبحوا يدورون في فلكه، وكيف انتهت به الأمور في السجن بعد خلافه مع رؤسائه في الاستخبارات الأميركية.

فيلا من أجل عائلة كبيرة

كان الوليد خالد الآغا بحاجة إلى بيت، بيت كبير، وهو شاب فلسطيني، كان وقتئذ في أواسط العشرينيات من العمر، لكنه ترعرع في باكستان قبل أن يسافر إلى تركيا ويحصل على حق اللجوء هناك برفقة أمه وشقيقاته التسع.

لم يتضح كيف وصل الآغا وعائلته إلى تركيا، لكنه اعترف فيما بعد بأنه دخل البلاد بطريقة غير شرعية، إلا أنه زعم أنه سافر إلى تركيا من باكستان مباشرة، ولهذا اتهمته النيابة بأنه كان في سوريا.

للآغا زوجتان وأربعة أطفال، وتشمل عائلته والدته وشقيقاته، حيث كانوا جميعاً يعيشون في شقة في منطقة شيرين أفلار وسط إسطنبول، إلا أن جيرانهم كانوا يشتكون للشرطة منهم بسبب الضجيج الذي يصدرونه.

 

Faridi (C), with Alagha (R) and another man in Konya, in a copy of a photo from Alagha's phone (MEE)

فريدي (في الوسط) برفقة الآاغا (إلى اليمين)، ورجل آخر في قونية ضمن نسخة لصورة وجدت في جوال الآغا

 

كان وضع اللاجئ بالنسبة للآغا يعني عدم قدرته على توقيع عقد إيجار باسمه، بصرف النظر عن قدرته على تحمل نفقات السكن الواسع الذي يكفي لعائلته الكبيرة.

ولكن كان لديه معارفه، وذلك لأن عائلة الآغا تنحدر بالأصل من غزة، لكنه نشأ في باكستان بعد سفر والده إليها في ثمانينيات القرن الماضي لينضم إلى حركة المجاهدين العرب التي حاربت الاتحاد السوفييتي في دولة أفغانستان المجاورة.

وبالإضافة إلى كونه مقاتلاً، كان أبو الوليد الفلسطيني عالماً جهادياً مشهوراً، وقد سبق أن أثنى عليه زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري عندما وصفه بأنه: "رجل السيف والقلم".

خلال تحقيقات الشرطة وشهادته أمام المحكمة، ذكر الآغا بأن أحد معارفه عرفه إلى فريدي في باكستان بوصفه شخصاً بوسعه مساعدته، وعنه يقول: "كان كامران فريدي مشهوراً بإحسانه وبمساعدته للأيتام والفلسطينيين والسوريين".

إلا أن مصادر أخرى ذكرت بأن فريدي احتضن الآغا نظراً لسمعة أبيه الذي انضم إلى الجماعات المقاتلة التابعة للمعارضة السورية، والتي سيطرت عليها وقتئذ فصائل إسلامية متشددة مثل جبهة النصرة وأحرار الشام، حيث ذكر أحد المصادر الآتية: "استفاد فريدي من اسم الوليد ليدخل هذا العالم، إذ يجب أن تكون معارفك عميقة ومتجذرة، وهكذا شق فريدي طريقه من خلال وليد، إذ ظل يتحدث عن مدى عظمة أبيه".

ذكر الآغا أنه بقي على تواصل مع وليد عبر الهاتف لمدة ثمانية أو تسعة أشهر، بعد ذلك أرسل إلى فريدي صوراً لمشروع عقاري جديد لفت نظره في سيليفري، يتألف من فيلات فارهة مزودة بمسابح وشواطئ خاصة تناسب العائلات الكبيرة.

وبحسب ما ذكره الآغا، فإن فريدي وافق على استئجار إحدى تلك الفيلات لصالح عائلة الآغا مقابل مبلغ ثلاثة آلاف ليرة تركية بالشهر، أي ما يعادل 1100 دولار وقتئذ، ثم سافر إلى إسطنبول لإتمام المعاملات الورقية في آب 2015.

وهكذا تعمقت العلاقة بين الرجلين، فأصبح فريدي يستعين بالآغا في بعض صفقاته التجارية بحسب ما ذكرته المصادر. كما طفق الرجلان يبحثان عن مكتب ليعملا معاً في إسطنبول، وسافرا معاً إلى قونية في أيلول 2015 ليمضيا إجازة عيد الأضحى في تلك المدينة التركية المعروف عنها بأنها محافظة من الناحية الدينية.

أمضى الآغا يوماً واحداً في قونية، التي تبعد عن إسطنبول مسيرة ثماني ساعات بالسيارة أي 700 كلم، وخلال جلسات الاستماع في المحكمة، طرحت عليه أسئلة حول السبب الذي دفعه هو فريدي ليقطعا كل تلك المسافة بالسيارة من أجل زيارة قصيرة، فأجاب الآغا بأن فريدي دعاه للصلاة في قونية، وأضاف بأنه كان يمتلك سيارة جميلة، أي تلك السيارة المرسيدس، حيث قال: "يمتلك أبو محمد (أي فريدي) الكثير من الأموال، وقد ذكر بأنه يحب السفر كثيراً".

إلا أن العلاقة بين الرجلين شابهها بعض التوتر.

إذ ذكر أحد المصادر الذي يعرف كلا الرجلين بأن: "وليد وفريدي كانا يحفران لبعضهما بعضاً، إذ ذكر فريدي بأنه لا يمكن الوثوق بوليد، وتكلم عنه بالسوء، إلا أن ذلك بدا غير منطقي لأنه يتكلم عنه بالسوء ويدفع له إيجار بيته في آن معاً".

ثم إن من التقوا بفريدي شكوا بأنه لا يمكن الوثوق به، كما ثارت شكوكهم حول دوافعه وهويته، حيث قال أحدهم: "كان يأتي ويذهب فحسب، وكان يخبر أحدهم بشيء، ويقول للآخر شيئاً مختلفاً تماماً. كان يقول إنه يعرف أحد المشايخ، وعندما سألنا الشيخ إن كان يعرفه استغرب وسأل: عن ماذا تتحدثون؟ وكشفناه غير مرة وهو يكذب، لكننا لم نواجهه على الإطلاق، ولذلك صرنا نقول إن هذا الشخص كله هراء".

بيد أن علاقات فريدي كانت راسخة بما فيه الكفاية، وهذا ما دفعه للسفر إلى شمال غربي سوريا حيث كانت جبهة النصرة مسيطرة، وليتنقل في ذلك المكان من دون أن يثير أية شكوك.

تشكلت جبهة النصرة كفصيل مقاتل في سوريا عام 2011 بموافقة أبي بكر البغدادي، الذي أصبح فيما بعد خليفة لدولة الخلافة المزعومة، بما أنه حينئذ كان يترأس عمليات تنظيم القاعدة في العراق.

ولكن بحلول عام 2013، انفصل البغدادي عن تنظيم القاعدة، ثم دخلت النصرة وتنظيم الدولة في نزاع وجودي شرس، حيث تنافست كل منهما على ولاءات المقاتلين الأجانب، وعلى الأسلحة والمناطق على حساب أرواح المئات من الناس.

بقيت جبهة النصرة على ولائها لتنظيم القاعدة، غير أنها تعاملت مع فصائل ثورية سورية وقاتلت إلى جانبها ضد كل من قوات النظام السوري وتنظيم الدولة.

 

Kamran Faridi, photographed at a road junction on the M4 highway outside Saraqib (MEE)

فريدي يقف عند مفترق الطريق على طريق إم 4 السريع القريب من مدينة سراقب السورية 

 

وفي عام 2015، عندما كان فريدي في إدلب، تحولت جبهة النصرة إلى عنصر أساسي داخل جيش الفتح، وهو عبارة عن تحالف ثوري سيطر وقتئذ على المناطق الواقعة في شمال غربي سوريا.

وفي العام التالي، فكت النصرة ارتباطها بتنظيم القاعدة، وأطلقت على نفسها اسم جبهة تحرير الشام، ثم أصبحت الفصيل الأساسي ضمن هيئة تحرير الشام، وهو تحالف مقاتل يسيطر على معظم المناطق في إدلب.

أظهرت صور مأخوذة من جوالات وحواسيب متنقلة تمت مصادرتها في مداهمة؛ وجود فريدي في المناطق التي كانت المعارضة تسيطر عليها في سوريا خلال عام 2015. حيث ظهر في إحدى الصور وهو يرتدي قبعة بيسبول، ونظارات شمسية، ومسدسه على خصره، وفي صورة أخرى ظهر واقفاً داخل مكتب أمام علم يحمل عبارة الشهادة، تستخدمه جبهة النصرة كراية لها عادة، هي وغيرها من الجماعات الإسلامية المقاتلة.

كما ظهر في لقطة لشاشة هاتف محمول وهو يرفع إصبعه باتجاه مفترق الطريق على طريق إم4 السريع خارج مدينة سراقب، والتي كانت معقلاً لجبهة النصرة.

وقد تضمنت المواد التي تمت مصادرتها من تلك الهواتف صوراً لإذن إقامة في تركيا يعود لفريدي، مع هوية سورية تحمل صورته مع اسم محمد العمر، ورد فيها بأن ولد في جنوب أفريقيا.

في أثناء المحاكمة، اكتشف الآغا أنه أصبح هو الآخر تحت المراقبة بسبب صور تظهره وهو يستعرض أسلحة ثقيلة، في حين تظهر صور عثر عليها في هواتفه وحاسبه المحمول سيارات تحمل لوحات ورقماً تابعاً لمرور حلب، ما يشير إلى أنه كان في سوريا برأي النيابة التركية.

إلا أن الآغا ادعى بأنه التقط تلك الصور في مناطق العشائر بباكستان، حيث تنتشر حيازة السلاح هناك بكثرة، وزعم أنه من الخطأ اتهامه بأن له علاقاته مع تنظيم الدولة، وذلك لأن ولاءه يعود لجهة أخرى، حيث قال في المحكمة: "إنهم يصفوننا بالكفرة، ويقولون عنا إننا كفار حماس، ويصفون الفلسطينيين بالكفرة، ثم لماذا أؤذي تركيا ولم يحتضنني أحد سواها؟"

من لندن إلى سوريا فإسطنبول

في مطلع تشرين الأول 2015، طلب آين ديفيس المساعدة من قادة تنظيم الدولة الموجودين على الحدود السورية في العبور إلى تركيا، بحسب ما ورد في إحدى الروايات لتسلسل الأحداث التي تصل إلى مداهمة البيت في سيليفري الواردة في سجلات المحكمة التركية.

وضع أحد تطبيقات المراسلة مع رقم هاتف معين كان ديفيس يستخدمه تحت المراقبة، وهكذا تم تعقبه إلكترونياً عندما قطع الحدود ليصل إلى إسطنبول في 7 تشرين الثاني.

وأشارت سجلات الهاتف التي قدمت للمحكمة بأن ديفيس كان على تواصل مع الآغا وهو يعبر الحدود إلى تركيا، وفي الوقت ذاته، استعان الآغا برقم هاتف آخر للبقاء على تواصل مع فريدي.

تقدمت الشرطة وقتئذ بمذكرة تفتيش لمداهمة الفيلا، حيث ورد في تلك المذكرة التي استشهدت بمصادر موثوقة بأن ديفيس معروف بأنه عنصر رفيع المستوى لدى تنظيم الدولة ومن المحتمل أنه شارك في اجتماعات وأنشطة تخص ذلك التنظيم في دولتنا، بالإضافة إلى مشاركته في أعمال استفزازية ومشينة.

وقد طالبت تلك المذكرة بالسماح بمصادرة كل السكاكين والأسلحة النارية التي يعثر عليها في تلك الفيلا.

وخلال الساعات الأولى من صباح 12 تشرين الثاني، دهمت شرطة مكافحة الإرهاب التركية الفيلا، واعتقلت ديفيس مع الآغا وأربعة رجال آخرين. وبعد أيام على المداهمة، أعلن مسؤولون أتراك تعطيلهم للاستعدادات الأخيرة من أجل هجوم تنظيم الدولة على إسطنبول.

بدت تلك الرواية منطقية جداً عقب هجمات تنظيم الدولة في باريس التي وقعت في 13 تشرين الثاني، أي بعد يوم على المداهمة، حيث قتل المسلحون 130 شخصاً.

وفي اليوم الذي وقعت فيه المداهمة، أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن هجوم وقع في بيروت، قتل فيه 42 شخصاً وذلك في تفجيرين انتحاريين وقعا في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية.

كما وقعت أحداث مهمة أخرى يوم المداهمة، حيث قتل محمد إموازي في غارة نفذتها طائرة أميركية مسيرة في الرقة، عاصمة دولة الخلافة المزعومة في سوريا.

 

Aine Davis

اعترف ديفيس بأنه كان يأخذ صوراً برفقة مسلحين في سوريا بهدف الاستعراض لا أكثر

 

اشتهر الإموازي الذي يحمل الجنسية البريطانية في الإعلام البريطاني والأميركي باسم "الجهادي جون"، وهو مقاتل مقنع مسؤول عن سلسلة من عمليات قطع الرؤوس التي نفذت بحق رهائن غربيين ونشرت على القنوات الإعلامية لتنظيم الدولة.

كما تم التعرف إليه بوصفه قائداً لجماعة تعرف باسم الخنافس، وهي مؤلفة من أربعة أشخاص تعود أصولهم للندن، شغلوا مناصب قيادية في تنظيم الدولة، وقد ورد في الإعلام بأن آين ديفيس هو عضو آخر في تلك الخلية.

إلا أن ديفيس أنكر في المحكمة أي صلة تربطه بتنظيم الدولة، وأنكر معرفته بالإموازي في سوريا، وفسر سبب ربط الإعلام لهما بذلك التنظيم بأنهما كانا يصليان في الجامع ذاته الواقع غربي لندن.

سافر ديفيس إلى إسطنبول ليحصل على جواز سفر مزور، وهناك علم بأمر المذكرة الحمراء التي أصدرها الإنتربول لاعتقاله، لكنه لم يرغب بالعودة إلى المملكة المتحدة. فقد ورد في مذكرة الإنتربول بأن هنالك مواد صودرت من هاتف زوجة ديفيس في المملكة المتحدة، وتلك المواد تشتمل على صور له برفقة: "بنادق، وعلم إسلامي، وشهيد، ومسلحين آخرين".

وقد أدينت زوجة ديفيس، واسمها أمل الوهبي، بجريمة إرهابية في عام 2014، وذلك عندما حاولت أن ترسل إلى زوجها مبلغ 20 ألف يورو نقداً، حيث توقعت الشرطة بأن ذلك المبلغ سيذهب لدعم الحركة الجهادية في سوريا.

كما ورد في المذكرة الحمراء بأن ديفيس أشار في رسائله لزوجته بأنه: "في الطليعة"، في إشارة إلى تبوئه لمركز متقدم في تشكيل عسكري قتالي يتقدم ضمن الأراضي المعادية.

إلا أن ديفيس أنكر أنه مقاتل، وذكر بأنه سافر إلى سوريا في مطلع الحرب ليقدم الإغاثة هناك، وأمضى معظم وقته في غازي عنتاب بتركيا منذ ذلك الحين، واعترف بأنه تصرف بكل غباء عندما ظهر في تلك الصور برفقة بنادق ومقاتلين مسلحين، وهي الصور ذاتها التي انتشرت في الصحف البريطانية. غير أنه ذكر أمام المحكمة بأن الجميع يلتقط صوراً مع مسلحين حتى يتباهى بها.

البحث عن أدلة

دارت تساؤلات حول كامران فريدي طوال أشهر من المحاكمات القانونية التي جرت في محكمة إسطنبول في الوقت الذي بحثت فيه النيابة عبثاً عن أدلة تدعم مزاعم المسؤولين حول تخطيط الرجال الذين اعتقلوا في الفيلا لتنفيذ هجوم كبير.

وفي نهاية المطاف، اضطرت النيابة للاعتراف بعدم وجود أدلة، وذلك لأن المداهمة والتحذيرات التي تتصل بهجوم وشيك، بنيت على معلومات قدمها ضابط ارتباط من مكتب التحقيقات الفيدرالية موجود في السفارة الأميركية، بحسب وصفهم.

وفي بيان قدم للمحكمة في نيسان 2016، ذكرت النيابة بأن بعض من ألقي القبض عليهم في المداهمة التي تمت في 12 تشرين الثاني لديهم علاقات واضحة مع ثلاثة رجال آخرين تعرف إليهم مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي بأنهم خبراء بالمتفجرات والأسلحة.

وقد لعب هؤلاء الرجال الثلاثة دوراً فاعلاً في أعمال إرهابية وقعت قبل ذلك في باكستان وأفغانستان، كما لهم صلة بمداهمة حدثت في وقت سابق بساحة تقسيم، حيث تم ضبط متفجرات وأسلحة نارية ومصادرتها من بيت تسكنه مجموعة مؤلفة من عراقيين.

والغريب في الأمر أن أحد الرجال الذين وصفوا بأنهم خبراء بالمتفجرات تم التعرف إليه باسم فيصل، وكان هذا الرجل يتواصل عبر الهاتف مع الآغا. وفيصل هو الاسم الأوسط لكامران فريدي، على الرغم من عدم وجود أي دليل في الوثائق يؤكد بأن هذين الاسمين يعودان للشخص ذاته.

Prosecutors said photos of Alagha indicated he had been in Syria. Alagha said photos of him with guns were taken in Pakistan (MEE)

نسخة عن صورة للآغا في سوريا

ألقت الشرطة التركية القبض على رجلين من هؤلاء الرجال، أحدهما باكستاني ادعى الآغا فيما بعد بأنه صديق الطفولة ونسيب له، إلا أن الشرطة أطلقت سراحهما من دون توجيه أي تهمة إليهما.

وهكذا خلصت النيابة إلى عدم وجود أساس لرفع قضية ضد من ألقي القبض عليهم في المداهمة التي قامت على أساس استعدادهم لشن هجوم.

حيث ذكرت النيابة أمام المحكمة الآتي: "لا توجد أدلة كافية لرفع دعوى حق عام ضدهم بتهمة ارتكابهم لجريمة، باستثناء تقرير استخباراتي قدمته دولة أجنبية، وهذا التقرير لا يرقى إلى مرتبة الدليل".

ومع ذلك بقي كل من ديفيس والآغا وبقية من ألقي القبض عليهم في السجن.

وفي نهاية الأمر، وبعد مرور سنة على ذلك، أدين كل من ديفيس والآغا ومحمد أحمد حمدان الخلايلة وهو أردني ألقي القبض عليه في تلك الفيلا، بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي. وفي أيار 2017، حكم على هؤلاء الثلاثة بالسجن لمدة سبع سنوات ونصف.

محتال كراتشي

لم يعرف حتى الآن ماهية الدور الذي لعبه كامران فريدي في جمع هؤلاء الرجال معاً إلى أن ألقي القبض عليهم في فيلا بسيليفري يوم المداهمة، كما لم يعرف ما إذا كان هذا الرجل هو مصدر تلك المعلومات الاستخباراتية التي نقلها مكتب التحقيقات الفيدرالية إلى الشرطة التركية التي دهمت المقر على الفور أم ليس كذلك.

إذ بحسب وثائق قانونية، ذكر فريدي فيما بعد بأن شخصية قيادية في جبهة النصرة كلفته بإخراج ديفيس من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في سوريا، إلا أن الشكوك حول تورط وكالات استخبارات غربية في تلك القضية بقيت تدور خلال تلك الدعوى التي رفعت أمام محكمة إسطنبول.

وفي جلسة استماع أخرى، ذكرت محامية أحد المدعى عليهم، بعدما أزعجها أمر استمرار احتجاز موكلها حتى بعدما اعترفت النيابة بعدم وجود أدلة ضده، بأن القضية تلوثت "بمعلومات مضللة قدمتها أجهزة استخبارات غربية مثل الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية".

إلا أنه لم يتضح إن كان أحد المسؤولين الأتراك قد أدرك بأن فريدي كان يعمل لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالية على الأراضي التركية في أثناء المداهمة.

فقد تبين بأن مكتب التحقيقات الفيدرالية تواصل مع مسؤولين أتراك في شباط 2016 ليقترحوا عليهم أن يعمل فريدي خفية لصالح المخابرات التركية، إلا أن المسؤولين الأتراك رفضوا هذا العرض بحجة افتضاح أمر فريدي منذ مدة.

فقد تعامل فريدي بالفعل مع مكتب التحقيقات الفيدرالية لمدة تفوق العقدين، بحسب المعلومات التي تتصل بمهنته والموجودة على حسابه والتي عثرت عليها قناة جيو نيوز الباكستانية.

نشأ فريدي، الذي أصبح عمره اليوم 58 عاماً، في كراتشي، وهناك بدأ بالاحتيال على الناس في الشوارع قبل أن يصل إلى السويد ويهاجر منها إلى الولايات المتحدة في عام 1991، حيث اشترى هناك محطة للوقود في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا.

 

Faridi joined the FBI's Joint Terrorism Task Force in New York after the 9/11 al-Qaeda attacks in 2001 (MEE)

فريدي عقب انضمامهإلى فرقة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية في نيويورك بعد أحداث 11 سبتمبر

 

وبعدما تواصل مع مكتب التحقيقات الفيدرالية لرفع شكوى إثر مضايقة الشرطة له، تم تجنيد فريدي ليندس بين أفراد عصابة تتحدث لغة الأوردو، ثم أصبح يعمل مخبراً بدوام كامل في عام 1996.

وفي عام 2001، وبعد هجمات 11 سبتمبر التي نفذها تنظيم القاعدة في الولايات المتحدة، انضم فريدي إلى فرقة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية في نيويورك.

ويقال إنه سافر إلى مناطق مختلفة في العالم ليندس بين شبكات تنظيم القاعدة في جنوب شرقي آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وأميركا الجنوبية، ومنع وقوع هجمات محتملة. كما ذكرت مصادر أخرى أنه تمت إعارته لأجهزة استخبارات أخرى.

إلا أن فريدي أقيل من وظيفته لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية فجأة في شباط 2020 حيث طرد عقب شقاق مع مديريه حول كمين شارك فيه للإيقاع برجل أعمال باكستاني اسمه جابر موتيوالا، إذ اتهم مكتب التحقيقات الفيدرالية موتيوالا بأنه عضو رفيع في شركة تمثل عصابة متخصصة بالجريمة المنظمة في الهند وباكستان والإمارات ولها علاقاتها مع الجماعات المقاتلة.

وقد خضع مدير تلك الشركة، واسمه داوود إبراهيم، لعقوبات مجلس الأمن الدولي، الذي وصفه بأنه "يستغل منصبه بوصفه أحد أهم المجرمين في العالم السفلي في الهند طوال العقدين الماضيين لدعم تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به".

إلا أن موتيوالا الذي ألقي القبض عليه في لندن في عام 2018 وتم ترحيله إلى الولايات المتحدة بتهمة الاتجار بالمخدرات، حافظ على براءته وذكر بأنه ضحية لذلك الكمين.

إذ خلال تلك العملية، رتب مخبرو مكتب التحقيقات الفيدرالية عملية تهريب لأربع كيلوغرامات من الهرويين من كراتشي إلى الولايات المتحدة، إلى جانب غسل الآلاف من الدولارات عبر أرباح تجارة المخدرات.

إلا أن الأوراق القانونية الصادرة عن الحكومة الأميركية والمنقحة جزئياً وصفت المخبر الأساسي لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية الذي شارك في تلك العملية بأنه: "مواطن أميركي ولد في باكستان، وقدم نفسه كأحد ممثلي المافيا وشركات الجريمة المنظمة الروسية الموجودة في نيويورك".

وبعد طرده من عمله، صرح فريدي لمحامي موتيوالا بأن مديريه في مكتب التحقيقات الفيدرالية طلبوا منه تلفيق أدلة ضد موتيوالا.

بعد ذلك سافر إلى المملكة المتحدة في آذار 2020 ليدلي بشهادته لصالح موتيوالا الذي طعن بقرار تسليمه وترحيله لدى المحكمة العليا.

إلا أن فريدي لم يصل إلى قاعة المحكمة، إذ ألقي القبض عليه في مطار هيثرو في الثاني من آذار بموجب مذكرة توقيف أميركية، وهكذا عاد بالطائرة مباشرة من حيث أتى من دون أن يتعرض لدعوى تقضي بتسليمه.

وفي جلسة الاستماع الخاصة بترحيل وتسليم موتيوالا في لندن، وضع محامو الرجل تصريح فريدي بين يدي المحكمة، وعندئذ طالب محامو الحكومة الأميركية بتأجيل القضية على الفور.

وبعد ذلك بفترة قصيرة، أسقطت وزارة العدل الأميركية التهم المنسوبة لموتيوالا وسحبت طلب تسليمه، ثم أطلق سراح موتيوالا فعاد إلى باكستان في نيسان 2020.

وفي تصريح للشركة القانونية التي ترافعت عن موتيوالا في لندن، ورد الآتي: "ثمة شكوك كبيرة حول سبب هذا القرار والذي يعود إلى ذكر محامي شركتنا لمخبر مكتب التحقيقات الفيدرالية كامران فريدي، وحول ما ذكره من أن مكتب التحقيقات الفيدرالية طلب منه صياغة وتلفيق أدلة ضد جابر صديق (موتيوالا)".

ورأت تلك الشركة القانونية بأن الطريقة التي منع بها فريدي من الإدلاء بشهادته ترقى إلى انتهاك لعملية المحاكمة وبأن ذلك نوع من أنواع سوء التصرف من قبل النيابة.

وفي شهر تشرين الثاني من العام الماضي، حكمت محكمة في نيويورك على فريدي بأنه مذنب بسبب تهديده لرؤسائه السابقين في مكتب التحقيقات الفيدرالية بعدما خسر وظيفته هناك، فحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات.

وقد عبر فريدي عن غضبه بسبب عدم دفع مكتب التحقيقات الفيدرالية له آلاف الدولارات التي يعتبر ذلك المكتب مديناً له بها بخصوص  نفقات لم يسددها ذلك المكتب وذلك بحسب التقارير التي ضمت لملف القضية.

كما حاول فريدي الطعن في الحكم، إلا أنه تعرض لاتهامات أخرى تتصل بحديثه إلى الصحافة حول عمله، ولذلك لا يمكن التواصل مع فريدي حالياً لإتاحة الفرصة له للتعليق على هذا الموضوع.

إلا أن أحد الأشخاص الذين كانوا على معرفة بعمل فريدي ذكروا بأنه لعب دوراً مهماً طوال سنوات طويلة عمل خلالها على اختراق الشبكات الإرهابية ومنع تنفيذ مخططاتها، فأنقذ بذلك أرواح كثيرين، كما عرض حياته للخطر.

وذكر ذلك المصدر بأن مكتب التحقيقات الفيدرالية دمر فريدي تماماً وذلك عندما حاول أن يقول الحقيقة، في حين علق أحد الناطقين الرسميين باسم مكتب التحقيقات الفيدرالية على الموضوع بقوله: "لا تعليق لدينا".

هوكي الطاولة وسيارات التصادم

في الوقت الذي تحدث فيه الجميع عن القضية التي اعتقل بموجبها ثلاثة أشخاص كانوا يخططون لشن هجوم داخل فيلا قريبة من إسطنبول، تبين بأن اثنين منهما كانا من حملة الجنسية البريطانية، أما الثالث فكان يحمل الجنسيتين البريطانية والتركية، وقد تم إطلاق سراح الجميع.

ثم نصحتهم المحكمة بالمطالبة بتعويض عن الأشهر العشرة التي أمضوها في السجن، حيث أطلق سراح الوليد خالد الآغا من السجن في تركيا في مطلع هذا العام، إلا أنه رفض التعليق على القضية.

أما الأردني محمد أحمد حمدان الخلايلة الذي أدين في تلك القضية، فقد تم إطلاق سراحه هو أيضاً، بحسب ما أكده محاميه.

Kamran Faridi outside a restaurant in Idlib City in a photo taken from Alwalid Khalid Alagha's phone (MEE)

فريدي يقف أمام مطعم إدلب العز

ومن المزمع أن يتم إطلاق سراح آين ديفيس المحتجز حالياً في سجن سنجان بأنقرة، ومن ثم سيجري ترحيله إلى المملكة المتحدة في التاسع من تموز الجاري، مع إمكانية حدوث تأخير بسبب الإجراءات الإدارية.

إلا أن المحامي الذي عينته المحكمة من أجل ديفيس رفض التعليق على الموضوع عندما طلب منه ذلك.

أما المصادر التي التقت بفريدي في تركيا فقد ذكروا بأنهم لديهم شكوك لأن غالبية من ألقي القبض عليهم في المداهمة لا يمثلون سوى "ضرر جانبي" في الكمين الذي كان يستهدف ديفيس بشكل رئيسي، وصرحوا بأن غالبية من أتوا إلى الفيلا في الأيام التي سبقت المداهمة كانوا على علاقة بفريدي.

ومن بين صور كامران فريدي التي عثر عليها مسؤولون أتراك في هاتف الآغا ثمة صورة تظهره وهو يقف أمام لافتة كتب عليها إدلب العز، والتي تعود لمطعم أقيم في مدينة إدلب.

وبحسب المصادر فإن هذا المطعم كان مكاناً معروفاً حينئذ لعقد اجتماعات خاصة بالمقاتلين الأجانب وقادة الفصائل المرتبطة بجبهة النصرة وغيرها من الجماعات المتشددة.

إلا أن عناصر من هيئة تحرير الشام ذكروا بأنهم لم يتعرفوا إلى صور فريدي وبأنهم لا يعرفون من هو، وأضافوا بأن تنظيمهم طبق إجراءات جديدة منذ عامين وذلك للتحقق من هوية الأجانب بسبب مشكلات وقعت في السابق مع أشخاص مجهولي الهوية غير معروفة أصولهم ارتبطوا بهيئة تحرير الشام ومن سلفها من جماعات.

يذكر أن "لجنة الغنائم" التابعة لجبهة النصرة استولت فيما بعد على مطعم إدلب العز، وهذه اللجنة وضعت يدها على أبنية عامة في المناطق التي تخضع لسيطرة تلك الجماعة، إلا أن تلك المباني أصبحت في حالة يرثى لها بعد استهدافها بغارات جوية على يد جيش النظام.

تم تجديد ذلك المطعم وترميمه في ظل حكم هيئة تحرير الشام، حيث فتح أبوابه من جديد بفضل إدارة مدنية له بعدما تحول إلى مجمع ترفيهي يشتمل على ألعاب فيديو، وسيارات متصادمة، وهوكي الطاولة، وماكينات للإمساك بألعاب محشوة تمثل حيوانات، بحسب ما ذكره أحد الصحفيين الغربيين الذين زاروا ذلك المكان، الذي تغير اسمه ليصبح: ديزني لاند.

 المصدر: ميدل إيست آي