كلية الشريعة بجامعة إدلب تتمدد

2023.07.17 | 05:08 دمشق

كلية الشريعة بجامعة إدلب تتمدد
+A
حجم الخط
-A

تنتهي اليوم امتحانات الفصل الثاني التي تقدم إليها أكثر من ثمانية عشر ألف طالب وفق أحدث إحصاءات جامعة إدلب، التي تعدّ رسمية لدى السلطة القائمة هناك بسبب تبعيتها لوزارة التعليم العالي في حكومة الإنقاذ السورية المرتبطة بهيئة تحرير الشام.

ويمكن النظر إلى قسم الشريعة في الجامعة بوصفه الأبرز في العام الدراسي الذي يوشك على الانصرام، وذلك لأسباب عديدة. فمن جهة أولى نال القسم استقلاله هذا العام بعد أن انفصل عن شقيقه الحقوق في كلية الشريعة والحقوق، ومنذ السنة الدراسية الأولى. لكن الأهم هو إحكام قبضته التوجيهية على كل كليات الجامعة عبر المواد الشرعية الأربع التي يفرضها منذ سنين على طلاب الاختصاصات المتنوعة. توصف هذه المواد بالمقررات الشرعية لغير المختصين، وتواكب الطالب منذ دخوله إلى الجامعة. فيدرس العقيدة الإسلامية في السنة الأولى، وفقه العبادات في الثانية، والمذاهب الفكرية المعاصرة في الثالثة، والسيرة النبوية في الرابعة، بعد أن حلت الأخيرة محل مقرر سابق هو الثقافة الإسلامية.

ليس هذا الأمر جديداً لكن ما فعلته كلية الشريعة في هذا العام الدراسي هدف إلى زيادة تمكين هذه المواد بفرض قسم عملي لها من عشرين علامة، لا يمكن التقدّم إلى الامتحان النظري من دون تجاوزه بعلامة نجاح من ثماني درجات يمكن للطالب الحصول عليها تلقائياً بمجرد الدوام على المحاضرات، وهو هدف القسم العملي كما يبدو، بالإضافة إلى امتحان عملي على شكل مذاكرة من اثنتي عشرة درجة، وثمانين للنظري.

هذه المواد التي تفرضها على طلابها كفيلة بأن تجعلهم مشايخ مبتدئين بالإضافة إلى اختصاصاتهم الأساسية، فما تقدّمه مقررات العقيدة والفقه والسيرة يماثل ما يدرسه طلاب السنة الأولى في كليات الشريعة

لا يقول تعريف الجامعة بنفسها شيئاً عن هذا، بل يركز على التميز في التعليم، وبناء مجتمع المعرفة، وضمان معايير الجودة، وهي الكلمة التي تتكرر فيه بشكل مفرط. لكن هذه المواد التي تفرضها على طلابها كفيلة بأن تجعلهم مشايخ مبتدئين بالإضافة إلى اختصاصاتهم الأساسية، فما تقدّمه مقررات العقيدة والفقه والسيرة يماثل ما يدرسه طلاب السنة الأولى في كليات الشريعة، ولا يقتصر على «ما لا يسع المسلمَ جهلُه» من العقائد والأحكام التي يتلقاها التلاميذ المسلمون في مراحل عمرية أبكر عادة. ففي العقيدة يدرس الطالب مصادر المعرفة ومصادر التلقي وقواعد الاستدلال، قبل أن يدخل إلى أركان الإيمان ومراتبه وتفصيلاته. وفي فقه العبادات يبدأ من أحكام المياه وأنواع النجاسة قبل أن يصل إلى الوضوء، فالصلاة بأركانها والسنن التي تؤدّى فيها من أبعاضٍ وهيئات، انتهاء بكيفية غسل الميت وتكفينه ودفنه، مما لا يحتاج إليه المسلم العادي كما هو معروف.

لكن درّة تاج هذه المواد، وأهم ما ترى الكلية أنها أنجزته في هذا العام، إصدارها كتاب «معالم في الفكر والثورة» الذي جعلته مقرر مادة المذاهب الفكرية لطلاب السنة الثالثة غير المختصين، وأدمجته في منهاجها هي باقتطاع أربعين علامة من مادة التاريخ الإسلامي لطلاب السنة عينها في كلية الشريعة والقانون. ومرة أخرى قُسّمت هذه العلامات إلى عشرين للعملي تهدف إلى الإغراء بالدوام على المحاضرات التي اتصفت هنا بسمةٍ خاصة لأن من يلقيها هو الشيخ عبد الرحيم عطون، رئيس المجلس الشرعي في هيئة تحرير الشام وأحد أبرز قياداتها.

يحتل هذا المقرر، إذاً، موقعاً مركزياً في ما تريد الهيئة بثه من قناعات في أذهان الطلاب الذين شاء قدرهم أن يدرسوا في الجامعة في مناطق سيطرتها. وهو يمثل أحدث طبعات أفكارها المتغيرة بعد أن أعدته ثلة من الأساتذة المعتمدين في «شعبة المناهج في كلية الشريعة» لا تُذكر أسماؤهم.

ينقسم الكتاب إلى بابين مختلفين؛ يتناول الأول منهما المذاهب الفكرية المعاصرة في مواجهة رؤية صلبة للإسلام، ويقيم بين هاتين المنظومتين تعارضاً جذرياً إلا في بعض التفاصيل. وينظر إلى الفكر الغربي الحديث بوصفه ينطلق من رؤية واحدة تقوم على المادية والعقلانية والفردية وتنتج عنها تيارات متداخلة هي العَلمانية والليبرالية والحداثة والعولمة والنسوية والإلحاد. وفي مواجهتها يقدّم الكتاب الإسلام على أنه النظام الأمثل بسبب مصدره الإلهي، من دون أن يتبنى تياراً إسلامياً محدداً أو يركز على السجال الفكري لبقعة معينة. فلا يذكر سوريا إلا عرَضاً، بخلاف الباب الثاني الذي يتفرغ لتاريخ هذا البلد بعد مدخل عن العالم الإسلامي.

ينسجم كل ذلك مع توجهات الهيئة في إدماج نفسها في بيئات الثورة وتبنّي شعاراتها بالتدريج، سعياً للتفرد بقيادتها نحو «كيان سنّي» سبق أن بشرت به مراراً

ويمكن تلخيص الرسائل التي يرتكز عليها الباب في خمس؛ أولاها قراءة مسلمة سنّية للتاريخ السوري منذ أواخر العهد العثماني حتى اليوم، وثانيها الاستناد إلى المظلومية السنّية كسبب رئيسي لقيام الثورة، وثالثها دمج الثورة والجهاد بما يؤدي إلى اعتبار مشروع جبهة النصرة، ووريثتها هيئة تحرير الشام، جزءاً إسلامياً طبيعياً من الحراك، ورابعها النظر إلى الحكم الإسلامي بوصفه نتيجة تلقائية لواقع أن أغلبية السوريين من السنّة بالأصل، وخامسها أن الأنظمة القائمة في إدلب، كحكومة الإنقاذ وما يتفرع عنها، هي ذراع «ثورة الياسمين» للدفاع عن الوجود السنّي في البلد والمنطقة.

ينسجم كل ذلك مع توجهات الهيئة في إدماج نفسها في بيئات الثورة وتبنّي شعاراتها بالتدريج، سعياً للتفرد بقيادتها نحو «كيان سنّي» سبق أن بشرت به مراراً.

تطلب الهيئة من الذين يتعاملون معها أن يقيسوها إلى تاريخها. كأن يلاحظوا، مثلاً، أن هذا الكتاب أرصن وأقل حدة من مقرر العام الفائت للمادة ذاتها. أو أن ينتبهوا إلى أن تدريس عطون قسم «فكر الثورة» في الجامعة يعدّ انفتاحاً بالمقارنة مع ماضيه كأبي عبد الله الشامي، حين كان يدرّس كتابه «في ظلال دوحة الجهاد» للمنتسبين الجدد إلى جبهة النصرة أو لدورات تطويرها. لكن المرء لا يتبين سبباً لهذا الإلزام إلا أنها سلطة أمر واقع تستند إلى القوة التي لا تدوم.

من أسئلة مادة «المذاهب الفكرية المعاصرة» الموحدة لهذه السنة
من أسئلة مادة «المذاهب الفكرية المعاصرة» الموحدة لهذه السنة