icon
التغطية الحية

قبور بلا هوية.. سوريون فقدوا حياتهم على الحدود التركية اليونانية

2021.10.23 | 16:01 دمشق

قبور بلا هوية.. سوريون فقدوا حياتهم على الحدود التركية اليونانية
سوريون فقدوا حياتهم على الحدود التركية اليونانية (تويتر)
إسطنبول - متابعات
+A
حجم الخط
-A

أورد موقع "مهاجر نيوز" تقريراً سلّط فيه الضوء على مقبرة بالقرب من الحدود اليونانية التركية في شمال شرقي اليونان، تضمّ رفات أشخاص فقدوا حياتهم في أثناء محاولتهم اجتياز نهر (إيفروس) على الحدود بين اليونان وتركيا.

وكتبت معدّة التقرير أسماء بعض الأشخاص "المحفورة على شواهد قبور بيضاء في مقبرة تتربع على قمة هضبة بجوار قرية سيديرو التي تبعد نحو 25 كيلومترا عن الحدود اليونانية التركية" بحسب تعبيرها.

"المرحوم مصطفى رهوان (حلب/سوريا 1983 - 2014)، المرحوم محمد فارس عويس (فلسطيني مواليد مخيم اليرموك 1992)، سميه محمودي (أفغانستان 1993 - 2021)" من بين الأسماء التي حُفرت على تلك الشواهد.

الموت غرقاً أو من البرد!

على قطعة أرض صغيرة تحيطها الأشجار وتطل على جبال وغابات، ترقد أجساد المهجّرين في تلك المقبرة الوحيدة في منطقة إيفروس شمال شرقي اليونان، بعدما كلفتهم حياتهم محاولة عبور الحدود من تركيا إلى اليونان عبر نهر إيفروس، الذي يشكل الحدود البرية الوحيدة بين البلدين ويمتد على طول 200 كلم.

أغلب المهجّرين هلكوا إما غرقا في النهر الحدودي أو تعرضوا لانخفاض حاد في درجة حرارة أجسادهم وتوفوا بين الأحراج والوديان أو واجهوا مشكلات أخرى. معظم شواهد القبور لا تحمل أسماء، فالراقدون فيها من المهجّرين مجهولي الهوية.

بين نباتات أحرقت أوراقها أشعة الشمس وورود قليلة ذبلت، تصطف شواهد القبور الحجرية البيضاء ويقدر عددها بحوالي 200. لكن لا يبدو أن أحدا يملك معلومات دقيقة عن كيفية سير الأمور في هذه المقبرة، في وضع يماثل إلى حد ما ظروف المهجّرين المارين في منطقة إيفروس. ففي الطريق المؤدية إليها، لا توجد أية إشارة، وحتى داخل المقبرة ليس هناك أي توضيح حول المكان.

دفن المهجّرين على الطريقة الإسلامية

توجه فريق مهاجر نيوز للقاء إمام جامع قرية سيديرو الأقرب إلى المقبرة، حيث قال: "أعمل هنا منذ ثلاثة أعوام، وأتبع الطقوس الإسلامية لدفن الموتى". لكنه لم يستطع أن يجيب عن أي من الأسئلة المتعلقة بقصة هذا المكان وبدايته، موضحا: "قبل وصولي بوقت طويل، كان هناك الكثير من الأشخاص المدفونين هنا".

خلال اتصال هاتفي مع عمدة بلدة سوفلي التي تتبع إليها القرية، شدد المسؤول المحلي باناجيوتيس كالاكيكوس على شعوره "بالفخر والامتنان" لوجود هذه المقبرة التي "تمنح الموتى بعض الكرامة"، بحسب تعبيره. لكن عند طرح المزيد من التساؤلات حول المقبرة التي تخلو من الرموز الدينية، لم يبد العمدة ارتياحه بالحديث حول ذلك، وختم قائلا "لماذا تولون اهتمامكم بالأموات بدلا من الأحياء؟". إذ تبيّن أن هذه المقبرة باتت موضوعا حساسا ولّد خلافا بين السكان.

الخلاف كان نابعا من اتباع الشعائر الإسلامية لدفن الموتى من المهجّرين مجهولي الهوية، لاسيما في ظل عدم قدرة تحديد دين المتوفى لقلة توافر المعلومات المتعلقة بالشخص. وبحسب عمدة البلدة، فإن المهجّرين الذين استطاعوا التعرف على هويتهم وتأكيد انتمائهم للدين المسيحي، يُدفنون في مقابر أخرى في المنطقة.

وتوفر البلدية تكاليف العناية بالمقبرة والحفاظ على نظافتها عبر تكليف عامل نظافة يأتي من قرية كوموتيني المجاورة مرة واحدة شهريا، لتنظيف مقبرة المجهولين التي قلّما يدخلها أحياء وزوار.

استمرار حالات الوفاة على الحدود التركية اليونانية

قبل دفن المهجّرين في هذه المقبرة، تمر جميع الجثث في مستشفى مدينة أليكسندروبولي. يتولى الطبيب الشرعي بافليس بافليديس تشريح الجثث لمعرفة أسباب الوفاة ومحاولة التعرف على هوية الضحايا والتواصل مع عائلاتهم.

منذ بداية العام الحالي، لقي 38 مهجّرا حتفهم في منطقة إيفروس على الجانب اليوناني، وفقا لما أكده الطبيب الشرعي لمهاجر نيوز. في السنوات العشرين الماضية، كان بافليديس مسؤولا عن تشريح جثث 500 شخص، أغلبهم بقوا مجهولي الهوية.

لا أعلم إن كان سينتهي بي الأمر جثة هامدة تلتهمها الحيوانات

إلى جانب القبور، حُفرت ثلاثة أماكن في الأرض تجهيزا لجثث جديدة. قال المفتي "أحيانا تصلنا جثث في حالة تحلل متقدم ويجب البدء بإجراءات الدفن بأسرع وقت يمكن، لذلك نجهز دوما أماكن دفن جديدة".

حالات التحلل التي تصيب جثث المهجّرين الموتى ليست أمرا نادرا. يشرح الطبيب أنه في بعض الحالات "من الممكن انقضاء أسابيع قبل أن تعثر السلطات على جثة الضحية، وبذلك تكون الجثة تحللت وتغيرت ملامحها لاسيما الوجه، خصوصا في حالات الغرق".

التجهيز لدفن الموتى مسبقا يعكس الصورة القاتمة لوضع المهجّرين في شمال شرقي اليونان. فالمنطقة الحدودية بأكملها محظورة وتخلو من وجود المنظمات غير الحكومية، التي تندد بممارسات حرس الحدود وتتهمهم بإعادة المهجّرين قسرا إلى الضفة التركية، ما يدفع المهجّرين إلى اتخاذ مخاطر أكبر لتجنب الشرطة قبل بلوغ وجهتهم النهائية.

في أثناء زيارة قرية سيديرو، التقى فريق مهاجر نيوز بشاب سوري عبر النهر الحدودي منذ نحو 10 أيام ولا يزال يمشي في الغابات المحيطة بالمنطقة مختبئا من الشرطة. يقول الشاب: "في أثناء مسيري وجدت جثتين أعتقد أنهما لمهجّرين. الأمر مرعب ولا أعلم إن سينتهي بي الأمر جثة هامدة تلتهمها الحيوانات". مهاجر نيوز يتابع قصة الشاب السوري الذي لا يزال يكمل رحلته، وفي آخر تواصل هاتفي معه قال الشاب العشريني: "تعرضت لإصابة بالغة في قدمي في أثناء الهرب من سيارة شرطة رأيت أضواءها تقترب باتجاهي. وأواجه حاليا صعوبة في إكمال المسير".