icon
التغطية الحية

"قاتل في جنازة المقتول".. لماذا اختار الأسد مدينة دوما لظهوره يوم الانتخابات؟

2021.05.27 | 16:02 دمشق

2021-05-26t104419z_78498681_rc2lnn9kjvcr_rtrmadp_3_syria-security-election.jpg
رئيس النظام بشار الأسد أثناء إدلائه بصوته بمدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية - رويترز
إسطنبول - وسيم الخطيب
+A
حجم الخط
-A

منذ استعادة نظام الأسد لسيطرته على الغوطة الشرقية، وتهجيره معظم أهلها نحو الشمال السوري، واظب على تهميشها في مختلف المجالات الخدمية والاجتماعية والاقتصادية، حيث يعاني المقيمين هناك من انقطاع شبه تام للكهرباء والمياه ومعظم الخدمات الأساسية، فضلاً عن الانتهاكات التي تمارسها الحواجز والمفارز الأمنية على مداخل مدنها وبلداتها ضد الأهالي، باعتبارهم من أوائل المحاربين ضد النظام.

مع إطلاق بشار الأسد حملته للانتخابات الرئاسية، تحت شعار "الأمل بالعمل"، شعر أهالي مدينة دوما، أكبر مدن الغوطة الشرقية، أن هناك شيئا ما يتغير، فالكهرباء أصبحت تأتي لساعات أكثر، ومجلس المدينة، التابع للنظام، واظب على إيصال المساعدات العينية والغذائية لفقراء المدينة ومحتاجيها، وهو أمر لم يعتادوا عليه، وفق مصادر موقع "تلفزيون سوريا" هناك.

وقبل أسابيع من موعد انتخابات النظام الرئاسية، بدأ العقيد في فرع الأمن العسكري، نعيم ديوب، باستدعاء أصحاب الفعاليات الاقتصادية والتجارية في مدن وبلدات الغوطة الشرقية، وتكليفهم بتغطية نفقات الحملة الانتخابية للأسد في المنطقة.

وعلى مبدأ "الإتاوات"، فرض الضابط في مخابرات النظام على صناعيي الغوطة وتجارها دفع مبالغ مالية كإثبات للولاء لنظام الأسد، صُرف معظمها خلال الأسابيع التي سبقت الانتخابات، في طباعة صور الأسد وتزيين المدينة بها.

أما النائب في برلمان النظام، عامر تيسير خيتي، ابن دوما، والذي يصفه أهالي الغوطة بأنه "صبي إيران المدلل"، أقام احتفالاً فنياً ضخماً، استمر لأربعة أيام سبقت الانتخابات، روّجت له وسائل إعلام النظام، تحت شعار "من غوطة الأمل حيّ على العمل".

واستخدم خيتي مجلس المدينة لإجبار الأهالي على حضور احتفالاته، التي زينها بمجموعة من المطربين والمغنين، السوريين واللبنانيين، الذين أحييوا لياليها، ووزّع خلالها مساعدات عينية ومواد غذائية لأهالي الغوطة.

وفي ليلة الثلاثاء الماضي شهدت الغوطة الشرقية استنفاراً أمنياً وإغلاقا للمداخل المؤدية على معظم مدنها وبلداتها، دون أن يعرف أحد أسباب ذلك، ليدرك أهالي الغوطة، صباح أمس الأربعاء، أن كل ما سبق كان استعداداً لقدوم رئيس النظام، بشار الأسد، إلى مدينة دوما التي ارتكب فيها أفظع جرائمه الكيميائية، للإدلاء بصوته في انتخاباته الرئاسية، موجهاً بذلك رسائل للداخل والخارج على حدٍ سواء، خاصة وهو محاط بمن قال إعلامه إنهم أهالي دوما المشاركون في "العرس الانتخابي".

 

لماذا دوما؟

تعتبر مدينة دوما من أبرز مدن محافظة ريف دمشق، وأكبر مدن غوطتها الشرقية، وكان أهلها من أوائل الثائرين ضد نظام الأسد إبّان اندلاع الثورة السورية في العام 2011، حتى تهجير معظمهم منها في نيسان من العام 2018.

ويمكن اعتبار استعادة النظام سيطرته على مدينة دوما، من ضمن باقي مناطق الغوطة الشرقية، الخطوة الأكبر التي حرص النظام على القيام بها، بدعم من حلفائها الروس والإيرانيين، بهدف تثبيت سيطرته وإحكام "نصره" على المعارضة ضده.

وفي سبيل ذلك، ارتكب نظام الأسد والميليشيات الداعمة لقواته عشرات مجازر ضد المدنيين في مدينة دوما، كان آخرها في السابع من نيسان من العام 2018، حيث قصف النظام مدينة دوما بالأسلحة الكيميائية، مرتكباً مجزرة راح ضحيتها أكثر من 70 مدنياً، وفق تقارير حقوقية.

وبعد المجزرة بأيام قليلة، هجّر النظام أبناء المدينة ومقاتليها إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، لتخلو المدينة تماماً من المعارضة المسلحة، ويعيش من بقي من أهلها في ظل ظروف أقل ما يمكن القول عنها أنها "انتقامية"، من جرّاء وقوف أهلها إلى جانب المعارضة ضد الأسد.

الآن، وبعد أكثر من ثلاث سنوات من هذه الأحداث، اختار الأسد وزوجته مدينة دوماً مكاناً ليدليا فيها بصوتيهما في انتخاباته الرئاسية، موجهاً في ذلك رسالة واضحة لكل من يعارضه، داخل سوريا وخارجها، من السوريين وغيرهم، يؤكد فيها أنه ما زال على رأس النظام، وأن نظامه غير مهتم بالآراء الغربية المنتقدة لانتخاباته، معتبراً أن "قيمتها صفر".

 

قاتل يمشي في جنازة المقتول

يرى رياض الدوماني، وهو طبيب مقيم في مدينة دوما، أن قدوم الأسد للإدلاء بصوته في مدينة دوما "رسالة واضحة للسوريين المعارضين بشكل عام، وللمجتمع الدولي بشكل عام، الذي راهن بالكثير أن نظامه سيسقط عبر هذه المدينة"، مضيفاً أن الأسد يريد "تقديم البرهان للغرب أن المدينة التي كانت تعارضه في السابق، ترحب به اليوم وتعطيه أصوات ناخبيها، الذين أجبروا على المشاركة في مسرحيته السخيفة".

وأشار الدوماني، وهو اسم مستعار فضّل استخدامه، أن الأسد يقول في ذلك "أنا اليوم هنا من دون الطائرات ولا المدافع، بل مع الهتافات من الأهالي، على عكس ما يقول الإعلام المعادي وما يروّج له".

ويعتبر الطبيب الدوماني أن الدليل على ذلك هي مجموعة الخدمات التي يحاول نظام الأسد تقديمها للمدينة مؤخراً قبل بداية الانتخابات، عبر المجالس المحلية التابعة له، والمراكز الحكومية التي يعيد بناءها وترميمها في مدينة دوما بشكل أسرع من باقي المناطق، فضلاً عن بسط سيطرته الأمنية على عموم مدن وبلدات الغوطة الشرقية.

أما ليلى الشامي، وهو اسم مستعار لمعلّمة لغة إنكليزية فضّلت عدم كشف هويتها، فترى أن الأسد "اختار مدينة دوما تحديداً، لأنها كانت أبرز وآخر معاقل الثورة ضده في المدينة"، مشيرة أنه يريد بذلك "التأكيد للغرب أن المعارضة ضده انقلبت تأييداً".

ووصفت الشامي ظهور الأسد في مدينة دوما خلال انتخاباته بأنه "كالقاتل الذي يمشي في جنازة من قتل"، موضحة أن "الأسد قتل وشرّد الآلاف من أهالي المدينة، وظهوره هنا بعد ذلك أصعب من أصعب هزيمة".

ذكرى المجزرة مستمرة لأجيال

من جهة أخرى، يرى مراقبون أن اختيار الأسد لمدينة دوما جاء بهدف طمس مجزرة الكيماوي التي ارتكبتها قواته هناك، خاصة وأن المجتمع الدولي يدينه للاستخدام المتكرر للسلاح الكيميائي، ومؤخراً اتخذت "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" إجراءً ضده، حيث تم تجريده من حقوقه وامتيازاته في المنظمة.

إلا أن الطبيب الدوماني يرى أن "المسؤولية عن مجزرة الكيماوي لا تخفى على أحد، سواء دخل الأسد إلى دوما أم لا"، ويضيف "هو يكمل المسرحية التي قادتها روسيا منذ البداية، عندما اقتادت الأطباء إلى لاهاي لتكذيب الرواية، ومن ثم عادت فرق مجهولة لمسح وردم المناطق المستهدفة، وعرقلة فرق التحقيق".

وأشار إلى أن الأسد "بات اليوم متأكداً أنه لم يبق من الاتهامات والإدانات الدولية سوى الورق الذي لا قيمه له، وبالتالي هو يتجاهل مسألة الكيماوي، ولزيارته أبعاد أكبر من مدينة دوما، تجسّد انتصاره على الثورة التي خرجت ضده".

من جانبها، قالت المعلمة الشامي "لا أعرف إذا كان من الممكن أن تمسح زيارة الأسد آثار مجزرة الكيماوي، لكني أعتقد أن شهداء المجزرة شهود أحياء، يذكرون أهلهم في الغوطة الشرقية كل يوم بما حدث قبل ثلاث سنوات، وذكرى المجزرة مستمرة لأجيال وأجيال قادمة، لن ينساها أحد مهما حصل".

لماذا شارك أهالي دوما في الانتخابات؟

تؤكد مصادر موقع "تلفزيون سوريا" أن معظم أهالي الغوطة الشرقية عموماً، ومدينة دوما خصوصاً، أُجبروا على المشاركة في الانتخابات، حيث لا يخلو بيت في المنطقة من شهيد أو جريح أو مهجّر أو معتقل، كما أن أهالي الغوطة، وعبر سنوات الحصار، خسروا أموالهم وأرزاقهم وأعمالهم، وفي الفترة الأخيرة كانوا يعيشون في ظل ظروف اقتصادية خانقة، فمن الصعب أن يقبل أحد انتخاب الأسد برضاه، وفق تعبير الدكتور الدوماني.

ويضيف الدوماني أن "الاحتفالات التي نظّمها داعمو الأسد، والمساعدات الغذائية والكهرباء وغيرها من الخدمات، كفيلة أن تدفع البعض للذهاب لصناديق الاقتراع، وحتى إن رفض أحد ما هذه المساعدات، فلن يستطيع التهرّب من المشاركة في الاقتراع، فمجلس المدينة لديه قوائم بجميع السكان، ولن يمر عدم مشاركة أحد في الانتخابات مرور الكرام".

وأكد على أن مكاتب الإحصاء التابعة لمجلس المدينة كانت تدور في جميع الأحياء وتسجل أسماء السكان وتوزع السلل الغذائية بغرض الإحصاء من شهور، وبذلك لديها تفاصيل كاملة عن سكان المدينة، وتراقب على الخصوص من أجروا "التسويات" وبقوا فيها.

ورأى الدكتور الدوماني أنه "ربما قد يكون هناك من لم يشارك في الانتخابات، لكني متأكد أنه سيعيش في خوف من الملاحقة والاعتقال، فبكل تأكيد هناك من يراقب ويلاحق الناس أمنياً، ليس في دوما فحسب، بل في جميع مناطق الغوطة الشرقية".

أما المعلمة الشامي، فأوضحت أن "زيارة الأسد خطاب لأهالي الريف الدمشقي عموماً، مفادها أنني باقٍ فوق رؤوسكم، وسأكون رئيسكم رغماً عنكم"، مشيرة إلى أن "ذلك ما حصل فعلاً، فالأهالي في وضع صعب للغاية، لن يستطيع أحد تخيل كيف يعيشون، وانتخابهم للأسد لن يغير في نتيجة الانتخابات شيئاً".

ووصفت الشامي مدينة دوما اليوم بأنها "كالشاة التي لا يضر سلخها بعد ذبحها"، مؤكدة أن "المدينة كما يعرفها أهلها لم تعد كذلك، فمعظمهم هُجّروا عنها، ومن بقي منهم يعيش في خوف وذل دائم، ومن يتحكم بها اليوم مجموعة من الفاسدين والمنتفعين، الذين قد يقوموا بأي شيء ليثبتوا ولاءهم للأسد".