icon
التغطية الحية

في عيد الأم.. سوريات صامدات في وجه طوفان الاستبداد والظلم |صور

2021.03.21 | 05:55 دمشق

1616255686761.jpg
نساء سوريات أمام خيمة في يوم عيد الأم (خاص تلفزيون سوريا)
+A
حجم الخط
-A

 

"ربما ناداني فلم أسمعه، أو استغاث بي ولم أنجده" تتمتم السيدة أحلام السعود، بحرقةٍ هذه الكلمات، وتقلب بين كفّيها ورقة "بيان وفاة".

 

منذ 21 شباط 2012، تاريخ اعتقال ابنها "عبد الله السعود" طالب علم الاجتماع من قبل أجهزة النظام الأمنية تفتقد "أحلام" معايدةً في عيد الأم بصوته ونبرته التي عهدتها.

وثيقة وفاة ممهورة بتاريخ 15 نيسان 2014، كانت كفيلةً أن تقطع كل حبال الأمل التي عقدتها من أجل لقائه ولم شمل قلبها مع ابنها البكر "عبد الله" الذي قضى تعذيباً في سجون النظام، لتصبح "أم الشهيد المعتقل"، كما تحب أن تُكنّى، وهو ما جعلها اليوم في عيد الأم في ضيقٍ، بحسب ما قالت.

1616255686738.jpg

"بأي حال عدت يا عيد"، إنه قول الشاعر، والعبارة الأكثر استهلاكاً في أوساط السوريين مع كل عيد سواء أكان اجتماعياً أو دينياً أو وطنياً، في ظل ما يعيشونه من نكبة تاريخية على الصعيد الإنساني والاجتماعي والسياسي، ولن يستثني هذا التعميم عيد الأم الذي يصادف اليوم 21 من آذار/ مارس من كل عام، لدى السوريات المكلومات بـوطنهنّ أولاً، وبأبنائهنّ، وأرضهنّ وبيوتهنّ.

والسوريّةُ اليوم، معتقلة أو أمّ معتقل أو أم شهيدٍ، أو مشردة في مخيمات البؤس والعذاب، على هامش حرب دموية شنها النظام وحلفاؤه على الشعب السوري منذ انتفاضته قبل عشر سنوات.

وفي إحصاءات نشرتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان في ذكرى الثورة السورية العاشرة قبل أيام، ذكرت أنّ نحو 16 ألف سيدة قضوا على يد أطراف النزاع السوري وأكثر من 9 آلاف أخرى قيد الاعتقال القسري، يتصدر النظام قائمة الأطراف المتورطة بنسبة فاقت الـ 88% بحسب التقرير.

1616255686746.jpg

لم تنتهِ الفاجعة

حطت رحال التهجير بالسيدة "أحلام" وعائلتها في مدينة اعزاز شمال حلب، بعد الحملة العسكرية للنظام وروسيا على مدينتها معرة النعمان أبرز مدن جنوب إدلب وتهجيرها منها قسراً، تقول: "أعيش اليوم مهجرة في اعزاز بعيدة عن قبر أمي".

وتتابع في حديثها لموقع تلفزيون سوريا: "أفتقد ولدي عبد الله، وكيف يحتفي بي أولادي ويحضّرون الهدايا البسيطة ويتآمرون فيما بينهم لمفاجأتي بهذا اليوم".

عائلة مشتتة 

تشكو "أحلام" راضيةً، تشتت عائلتها اليوم، فبعد فقد ابنها "عبد الله"، غيّب التهجير ابنها "عبد الرحمن" في تركيا، وتوضح أن حفيدَيها مازن وعبد الله لا تعرفهما إلا بالصور ومن خلال مكالمات الفيديو، وتردف: "أتوق أن أحضنهم وأن يتعرفا عليّ".

لم يتوقف الأمر عند ابنها "عبد الرحمن"، إذ ودّعت قبل أربعة أشهر ابنتها "لمى" وعائلتها إلى ألمانيا، و"ربما نلتقي في هذه الدنيا وربما يكون اللقاء في الجنة" تقولها بحسرة.

1616255686753.jpg

بالرغم من معاناتها، تهوّن على نفسها بقولها: "بعد عشر سنوات من الثورة، والحمد لله أننا صامدون، ثابتون على مبادئ ثورتنا"، وتردّد "سأصبر وأصبر وأصمد حتى تنتصر ثورتنا ويسقط هذا المجرم الذي هدم بلادنا وقتل أولادنا وعذبهم وهجّر أهلنا من أرضنا".

أمهات مُبعدات عن أرضهنّ

وحيدةً في خيمة متواضعة مع أربعة أطفال، تعيش اليوم "سارة أحمد المحيميد" 30 عاماً، وهي مهجرة من قرية النيحة بريف مدينة معرة النعمان الشرقي.

تعتمد "سارة" على طفلها الأكبر 11 عاماً، العامل في جمع "المواد البلاستيكية" من مكبات النفايات، لتأمين معيشتها، بعد أن قضى زوجها بقصف جوي على القرية، وانتهى بها المطاف في مخيم "المعتصم بالله" قرب بلدة حزانو شمالي إدلب.

في عيد الأم، تأمل لأبنائها مستقبلاً أفضل، وتتحسر على فقدان ربّ الأسرة وعلى حرمانها وأطفالها متعة الأعياد، وتوضح في حديثها أنّها لا تكاد تشعر بمرور عيد الأم، وهو يوم اعتيادي في ظل كدّها للبحث عن لقمة العيش وتأمين حياة كريمة لأطفالها.

أمّا السيدة "وضحى المحمد"، مهجرة من قرية أبو مكي جنوب إدلب، على الرغم من حالها المأساوي، على حدّ وصفها، ما زالت تحبّ أن تُهدى من قبل أولادها وتهدي أمها في عيد الأم.

1616255686769.jpg

وتقول لموقع تلفزيون سوريا: "الحياة بدها تستمر، وهيك الله كتب علينا، أشو بدنا نسوّي يا خاي".

وفي إحصائية لفريق "منسقو الاستجابة" بلغت أعداد الإناث المقيمات في مخيمات النازحين شمال غربي سوريا نحو 328 ألفاً، بينهنّ نحو 10 آلاف أرملة من دون معيل.

في هذا السياق، يقول "محمد حلاج" مدير الفريق، إنّ الخسارة البشرية بفعل الهجمات العسكرية هي أبرز ما واجهت السيدات السوريات، إضافةً إلى دعم منحصر بالسلل الغذائية وسلل النظافة والكرامة، في حين تغيب المشاريع التي تحافظ على خصوصية السيدات ووضعهنّ المتردي وخاصةً في مخيمات النزوح.

ويضيف لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ الأم السورية في المخيم تعمل من أجل تأمين لقمة عيش عائلتها، فضلاً عن عمليات الإنجاب والإرضاع المنهكة، بالتوازي مع غياب الغذاء المناسب.

مواقع التواصل جدار الذكريات

وجد "أحمد خطاب" الواصل مؤخراً إلى النمسا، بعد تهجيره من مدينته سراقب شرق إدلب في تطبيق "فيس بوك" جداراً مناسباً ليعبر عما يجول في خاطره وقلبه من مشاعر وأحاسيس في مناسبة عيد الأم، إلا أن كلماته كانت في حضرة والدته التي توفت خلال رحلة لجوئه، فكتب على صفحته الشخصية "ودعناها بالتاسع من الشهر العاشر عام 2020، وطلعنا في رحلتنا، ثاني يوم دخلت المستشفى وضلت تقاوم حتى تطمنت وصلنا إلى النمسا وتوفّت.....".

يشير "الخطاب" لـ موقع تلفزيون سوريا، إلى أنّه للآن لم يصدق خبر وفاة والدته، وذلك لأنه لم يكن شاهداً على ذلك، ويقول: "أكثر ما يحز في نفسي هو حين وفاتها، كان يجب أن يكون هناك محرم لإنزالها إلى القبر ومع الأسف لم يتوفر، الأمر الذي اضطر عمي وأصدقائي لتولي هذه المهمّة".

ويرجع شريط الذكريات بـ "الخطاب" إلى أيام احتفالهم بعيد الأم سابقاً، يضيف قائلاً: "في كل عيد كان لنا طقس، أحياناً يكون في المقالب أو المزاح يعقبها تقديم هدية"، لكن الكلمة الأكثر صدقاً ولن نسمعها بعد اليوم من أمي هي "أنتو هديتي"، مبيناً أنّ والدته رزقت بأولادها بعد 16 عاماً من الانتظار.

المرأة السورية.. عشر عجاف

تشير الناشطة النسوية، "ثريا حجازي" مديرة منظمة حررني العاملة في الشمال السوري، إلى أنّ المرأة السورية كانت شريكاً أساسياً، منذ انطلاق الثورة السورية بكل المجالات، ومع زيادة العنف الممنهج من قبل النظام السوري، من قتل واعتقال ونزوح وتهجير تحملت المرأة السورية العبء الأكبر من هذه الحرب، فهي من ناحية فقدت الابن وفقدت المعيل وتحملت ثقلاً اقتصادياً كبيراً في ظل ظروف معيشية صعبة ومعقدة".

ومن ناحية أخرى، توضح "حجازي" أنّ السيدة كانت عرضة لكل أشكال العنف والابتزاز والاستغلال وخاصة العنف الجنسي الذي مارسه النظام لإخضاع عوائلهن من الذكور والانتقام من الناشطات والناشطين المطالبين بالتغيير وإجبارهم على الاعتراف، مما سبب مزيداً من الإقصاء الاجتماعي والسياسي للنساء".

وتضيف، عن ماهيّة عملهن: "نحن كنساء نعمل سواء من خلال منظمات المجتمع المدني أو ضمن الحركات والتجمعات السياسية النسوية للاستجابة لاحتياجات النساء وأيضا نعمل على استثمار طاقاتهن وتجاربهن ليس بوصفهن ضحايا، ولكن بوصفهن خبيرات يفهمن طبيعة النساء، وأشكال العنف الذي يواجهنه في حياتهن".

وتختم حديثها لموقع تلفزيون سوريا، "ما تزال المرأة السورية تعاني في المخيمات وفي كل بقعة على الأراضي السورية وأيضاً دول اللجوء من نقص الخدمات الأساسية ولا سيما الصحية وتعاني من حالة فقر شديد يجعلها عرضة كما أسلفت للاستغلال ولكل أشكال العنف".

في حين تجد "أسماء المحمود" ناشطة في مجال تمكين المرأة أيضاً، أنّ المرأة السورية المعتقلة سابقاً، أيضاً ما زالت تعاني من مسألة القبول المجتمعي، إذ يعاملن كضحايا وليس كناجيات وهو ما يؤثر بشكل سلبي على دورهنّ.

وتتابع قائلةً: "أم المعتقل وأم الشهيد، يبذلن دوراً بارزاً اليوم في الساحة الاجتماعية في عملية بناء السلام، من خلال تفعيل أنشطة تناصر المعتقلين والمعتقلات وتندد بالانتهاكات التي أدت إلى فقداهنّ وحرمانهنّ من أبنائهنّ".