icon
التغطية الحية

فورين بوليسي: الولايات المتحدة أمام مسؤولية أخلاقية تتمثل بمنع التطبيع مع الأسد

2022.01.20 | 12:49 دمشق

رجل يحمل طفلاً أصيب بجراح بقصف للنظام على دوما في 6 شباط 2018
رجل يحمل طفلاً أصيب بجراح بقصف للنظام على دوما في 6 شباط 2018
فورين بوليسي - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تعلمنا من التاريخ بأنه عندما يصبح رئيس أحد البلاد على استعداد لارتكاب مجزرة، حتى ولو ضد شعبه، فإن العالم يجب أن يتكاتف ويتحد لمنعه من القيام بذلك، وذلك عبر عزله وتوجيه اتهامات له ومحاكمته وإصدار حكم بحقه على الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية.

قتل خلال الحرب السورية أكثر من 350 ألف إنسان، وتشوه الآلاف من السوريين بسببها، كونها تضمنت أكثر من 300 هجمة بالسلاح الكيماوي، غالبيتها ارتكبت على يد نظام بشار الأسد. وهنالك جرائم ضد الإنسانية، ولهذا لابد أن يتذكر الجميع ما اقترفه الأسد من ذنب للأبد كونه أصبح ضمن قائمة أسوأ الجزارين المستبدين في العالم.

إنكار أسدي مستهجن

بيد أن الأسد ينكر بأن لديه أسلحة كيماوية، ولم يتعاون مع المفتشين الدوليين بشكل كامل، كما أنكر بأن طائراته الحربية أسقطت براميل متفجرة على مناطق ذات كثافة سكانية عالية، بل إنه ينكر وجود تلك البراميل أصلاً، وينكر استهداف المدنيين العزل عمداً. بالرغم من أن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا التي أسسها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، نقلت وبالتفصيل على مدار عشر سنوات عمليات السلب والنهب الإجرامية التي قام بها الأسد، بالإضافة إلى ما مارسته جهات فاعلة غير تابعة للنظام مثل تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، إلا أن الأسد أنكر كل ذلك بطريقة لا تصدق!

بدايات التطبيع

والآن، يبدو أن تقادم الزمن وضعف الذاكرة جعلا المجتمع الدولي ينسى أهم قواعد الجيوبوليتيكا، وهي: لا تفاوض مع الإرهابيين. إذ بعد الدعم الذي تلقاه الأسد من روسيا وإيران، بقي هو ونظامه المجرم في السلطة حتى اليوم. وبالرغم من الظلم والوحشية التي مايزال الأسد يمارسها على الشعب السوري، بدأت المنطقة بإعادته هو وعصابته المجرمة إلى حظيرتها.

إذ ابتداء من الاجتماع الذي عقد في أيلول 2021 على هامش أعمال الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة، التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري بنظيره السوري فيصل المقداد، لأول مرة منذ بداية الثورة السورية قبل عشر سنوات خلت، فأعلن شكري الذي أغمض عينيه عن المجازر التي امتدت لعقد من الزمان بأن الوقت قد حان "لإعادة سوريا إلى موقعها في العالم العربي".

أما الأردن فقد أعاد فتح التجارة واستعاد العلاقات مع نظام الأسد، وتبعته الإمارات من فورها في ذلك، حيث أرسلت وزير خارجيتها، عبد الله بن زايد للقاء الأسد في تشرين الثاني الماضي. إذ بالرغم من مرور سنوات سادها الشجب والإدانة، والاجتماعات الدولية الطارئة، والتقارير التي لا تنتهي حول فظائع ارتكبها نظام الأسد وتم توثيقها بشكل كامل، يبدو أن ثمة رسالة حزينة ترسلها منطقة بلاد الشام وهي: "اقتل شعبك واحم نظامك واختبئ في مكان محصن تحت الأرض، وفي غضون بضع سنوات، سيساعدك العالم على الخروج وسيغسل أدرانك وينظفك وسيعيد تشكيلك".

إلا أننا لن نسمح بحدوث ذلك، إذ علينا ألا نسمح لوصفة الأسد السحرية بالبقاء على المستوى السياسي أن تتحول إلى ردة فعل أساسية يمارسها أي ديكتاتور ضد أي احتجاج أو أي معارض. وهنا ينبغي على الدبلوماسيين والنواب الأميركيين أن يصلوا إلى أعمق نقطة في أرواحهم ليتذكروا الإنسانية التي تجمعنا، إذ عليهم أن يخبروا شركاء الولايات المتحدة في الأردن والإمارات ومصر بأن أي تقارب مع نظام الأسد أمر غير مطروح البتة.

تفعيل قانون قيصر... ضرورة لمنع التطبيع

يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بتطبيق قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا بشكل كامل وفرض عقوبات على كل من يتجاوزه، فقد تم سن قانون قيصر لحماية الشعب السوري وللحفاظ على وحدة الأراضي السورية (أحد من كتبوا هذا المقال قام بكتابة قانون قيصر كما كتب قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية). لذا من المهزلة السماح لتلك الرسالة القوية التي تتمثل بضرورة رسم حد واضح ضد نظام الأسد من قبل الولايات المتحدة، بأن تتهاوى وتسقط.

إن قانون قيصر يفرض عقوبات على أي نشاط يعمل "على تسهيل بقاء أو توسيع الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي أو النفط أو المنتجات النفطية للحكومة في سوريا بشكل كبير"، وتلك نقطة مهمة للغاية لأن المخططات الساعية لتزويد لبنان بالغاز الطبيعي تحاول نقل الغاز المصري عبر الأنابيب السورية، وبعضها لم يتم إنشاؤه بعد. وفي حال ساهمت عمليات تقديم الغاز للبنان بتسهيل بقاء أو توسيع إنتاج الغاز الطبيعي أو النفط في سوريا، عندها يصبح من الواضح بأن عملية إنشاء أو صيانة البنية التحتية القديمة بصرف النظر عن غرضها المهم المتمثل بمساعدة الشعب اللبناني، تقوم على تجاوز لقانون قيصر.

ولذلك ينبغي على إدارة بايدن أن تفرض القانون بدقة وأن تقف في وجه أي تطورات من شأنها أن تدعم أو تشجع صناعة الطاقة في ظل نظام الأسد، وأن تقوم عوضاً عن ذلك بالبحث عن بدائل تشمل نقل شحنات عن طريق البحر أو الاستفادة من الموارد المتجددة لتأمين الطاقة للبنان.

ضرورة محاسبة الأسد على جرائمه منعاً للتطبيع

عبرت إدارة بايدن عن اهتمامها بمسألة المحاسبة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في مختلف أنحاء العالم، والآن حان الوقت لنفخ الروح في تلك الأهداف السامية ودفع الجهود الساعية لمحاكمة الأسد. كما ينبغي على إدارة بايدن أن تستعين بكل ما أوتيت من قوة على الصعيد الدبلوماسي لفضح وحشية الأسد وجرائمه التي لا يمكن أن تسقط أو تغيب عن الأذهان وذلك في كل المحافل الأممية والدولية.

وفي خطوة جريئة، يجب على مجلس الشيوخ الأميركي أن يصدّق على تعيين الرئيس جو بايدن لبيث فان شاك كسفيرة متجولة من أجل العدالة الجنائية العالمية، إذ بمجرد أن يصدّق مجلس الشيوخ على ذلك، ستقوم تلك السفيرة على الفور بتحويل محاسبة الأسد وزمرته إلى أولى أولوياتها كسفيرة. إذ بحسب ما ورد في قانون قيصر، يتعين على فريق تلك السفيرة التنسيق مع وزارة العدل الأميركية وغيرها من الوكالات وذلك بالنسبة لجمع وتصنيف الأدلة، والحفاظ على تسلسلها وسريتها، فضلاً عن استشارة خبراء قانونيين لديهم باع طويل في المحاكمة على جرائم الحرب. وبمجرد أن يتم إصدار التهم، ينبغي رفع إخطارات حمراء بمساعدة الإنتربول للأسد وأتباعه.

إن الخبر السار هنا هو أن إحدى المحاكم أظهرت بأن محاكمة الأسد وضباطه أمر ممكن. إذ بناء على مبدأ الولاية القضائية الشاملة للقانون الدولي، أصدرت محكمة في ألمانيا حكماً بإدانة ضابط سابق لدى جهاز مخابرات الأسد بجرائم حرب، وذلك في أول محاكمة جنائية من نوعها على مستوى العالم بالنسبة للجرائم والفظائع التي ارتكبت في سوريا.

الهدف من استبقاء القوات الأميركية في سوريا

إذن، لا يمكن للولايات المتحدة أن تحاول فرض أي نوع من أنواع الحلول العسكرية بالنسبة للأزمة السورية، بل عليها أن تمتنع عن القيام بذلك، إلا أن إدارة بايدن كانت محقة عندما قررت الاحتفاظ بقوات عسكرية لها في شمال شرقي سوريا منعاً لعودة تنظيم الدولة للظهور في تلك المنطقة. لأن وجود هذه القوات في هذه المنطقة يذكر العالم بالمصالح الأميركية، ويفتح نافذة على الصراع الذي يعيشه الشعب السوري، ويعزز التنسيق مع القوات المعادية للأسد.

وبالرغم من أن إدارة بايدن قد أعلنت بأنها لا تعتزم "تطبيع أو تحسين" العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، كما أنها لم تشجع أي أحد على القيام بذلك، إلا أن بوسعها اتخاذ إجراءات ملموسة بشكل أكبر، مثل إبلاغ دول المنطقة بشكل واضح وصارم بالعقوبات التي يمكن أن تتعرض لها بموجب قانون قيصر أو فرض عقوبات أخرى عليها في حال تطبيعها مع الأسد.

بوصلة الأخلاق بحاجة لقيادة أميركية

من دون القيادة الأميركية المنحازة لبوصلة الأخلاق الدولية في سوريا، من الصعب أن تتمسك دول المنطقة أو دول أخرى في العالم بموقفها المعادي لهذا الديكتاتور، وإننا ليسعدنا أن يقوم كلا الحزبان الديمقراطي والجمهوري بإرسال تلك الرسالة مؤخراً لبايدن والتي وجهت باسم رئيس لجنة العلاقات الخارجية وأعضاء رفيعي المستوى من مجلس الشيوخ إلى جانب أعضاء من لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب، لأنهم طالبوا فيها بإحياء القيادة الأميركية في سوريا، وقد عبرت تلك الرسالة عن قلق من كتبوها إزاء قيام دول عربية بتوسيع علاقاتها مع دمشق، وحذروا إدارة بايدن من "إبداء موافقة ضمنية على التعامل الدبلوماسي الرسمي مع النظام السوري لأن ذلك سيمثل سابقة خطيرة بالنسبة للحكام المستبدين الذين يسعون لارتكاب جرائم مماثلة ضد الإنسانية".

أهمية الانتقال السياسي في سوريا

إن الانتقال السياسي في سوريا لحكومة تمثل الشعب وتحفظ السلم والاستقرار مع جيرانها يتطلب من الولايات المتحدة أن تقوم بتركيز سياستها الخارجية على سوريا، إذ من دون إيلاء هذا الهدف الأولوية، ستبقى سوريا جرحاً نازفاً من جهة، كما ستولد الإرهاب من جهة أخرى.

كما ينبغي على الدول العربية الشريكة للولايات المتحدة ألا تعود زاحفة لحضن الأسد، بسبب تأويلاتها الخاطئة لعدم اكتراث الولايات المتحدة بقضية الانتقال السياسي في سوريا. كما يجب علينا ألا نسمح لهم بأن يستشعروا بأن واشنطن قد تصالحت مع وجهة نظر موسكو التي تسعى لخدمة مصالحها، والتي ترى بأن الأسد الذي يتربع على خرائب خمدت نارها للتو، وذلك بدعم من روسيا وإيران، قد انتصر في النزاع الذي قام في سوريا.

مع تركيز الولايات المتحدة المتزايد على التحديات التي فرضتها الصين، وعلى جائحة كوفيد-19 العالمية، وعلى التغير المناخي، ينبغي على إدارة بايدن أن تكون حذرة في إصدار أي إيحاء يدل على أنها لا تبالي بمستقبل سوريا، لأن ذلك يمكن أن يشجع ومن دون قصد غيرها من الدول على قبول ما لا يمكن قبوله. بل يجب على الولايات المتحدة أن تزيد من ضغوطاتها وأن تثني على أي موقف قوي ضد إعادة الأسد يمكن أن تبادر به دول عربية أخرى مثل السعودية وقطر.

مضت سنوات على استخدام الأسد للسلاح الكيماوي ضد شعبه وعلى ارتكابه لجرائم حرب، وماتزال تلك الذكريات حية في أذهان أهالي الضحايا وأصدقائهم من السوريين، ويشمل ذلك عدة أقارب لأحد من كتبوا هذا المقال، ثم إن الآلاف المؤلفة من السوريين ماتزال قابعة في سجون النظام، حيث يتعرضون للتعذيب والتجويع والأمراض والاغتصاب. لذا فإن الوقت قد حان لإحياء تلك الذكريات وللمطالبة بالعدالة بحق ذلك الجزار المقيم في دمشق، إذ لم يعد هنالك أي مكان له ولا لجلاوزته بين الشعوب المتمدنة.

المصدر: فورين بوليسي