عون.. درس نصف قرن لن نستفيد منه

2022.11.03 | 05:44 دمشق

عون.. درس نصف قرن لن نستفيد منه
+A
حجم الخط
-A

بعد سنوات من الحرب تحكمت الميليشيات في لبنان، فقد اللبنانيون الأمل في تغيير الواقع حتى أصبحت طروحات التقسيم هي الغالبة. وصل بشير الجميل للرئاسة فاستبشرت الجبهة اللبنانية وجمهورها بقيام الدولة التي يريدون. اغتيل الجميل قبل استلامه الرئاسة لتدخل الجبهة اللبنانية في نزاعات داخلية عمّقت جراح الشرقية ومناطق الجبهة.

استلم الرئيس أمين الجميل أخو بشير الرئاسة دون أن يكون له شعبيته ولا قوته في زمن قوة الميليشيات، ليزداد النزيف دون القدرة على الخروج من دركات الحرب ولا حتى القدرة على انتخاب خلفا له ليوكل مهمة قيادة البلاد لحكومة عسكرية يرأسها قائد الجيش العماد ميشال عون اختلف على شرعيتها.

خرج عون بعناوين استهوت المسلمين قبل المسيحيين، خرج متسلحا بالجيش اللبناني، المؤسسة التي تحظى بإجماع اللبنانيين، ليطالب بتوحيد بيروت ومنها لتوحيد لبنان، خرج ليطالب بإنهاء الميليشيات وإنهاء التدخلات الخارجية. تنفس اللبنانيون الصعداء عله يكون أمل قيام الدولة وانتهاء الحرب.

ارتفعت شعبية عون للقمة عندما قرر تحويل خطاباته الرنانة لأفعال فبدأ بقصف الميليشيات في ضفتي بيروت كما قصف الجيش السوري في لبنان.

قبل ١٣ تشرين ١٩٩٠ وبعد اتفاق الطائف رفض عون تصديق أنه أصبح خارج اللعبة حتى أنهيت حالته في ١٣ تشرين حيث هرب نحو السفارة الفرنسية ومنها إلى فرنسا تاركا شعاراته خلفه وتاركا مغامرته تحصد مئات القتلى والجرحى.

حارب عون الدنيا واعتقد بأنه سيفوز وراهن رهانات مجنونة كرهانه على فوز صدام حسين على أميركا في حرب الخليج الثانية، وبالتالي انعكاسه إيجابيا عليه في لبنان، ورهانه على وقوف فرنسا في وجه الولايات المتحدة مانعة إنهاء حالته، أو قدرته سحق القوات اللبنانية في عملية سريعة وغيرها من الرهانات.

هذه الحسابات لا تهم الجماهير بل سير عون عكس التيار جعله بطلا في عيون غالبية اللبنانيين.
عاد عون بعد خروج القوات السورية من لبنان بنفس الزخم الشعبي، بل ازدادت الشعبية بعد تعاون قوى ١٤ آذار على إقصائه فانفجرت جماهيرية عون في ما عرف بـ"تسونامي عون" في انتخابات عام ٢٠٠٥ وحتى انتخابات ٢٠٠٩.

ظل عون يطلق شعارات تستهوي الشعب وخاصة المسيحيين باستعادة القوة ومحاربة الفساد والدولة العميقة. كان الحلم بأن يصل عون للرئاسة وبأن يحرك بعدها عون العصا السحرية ويغير وجه الجمهورية فور استلامه للقيادة.

لم يعرف عون طريق الإنجاز إلا بالشعارات فتراكمت جميع أنواع الأزمات في عهده وكان التعطيل سيد الموقف

كما قبل الطائف عقد عون كل أنواع الاتفاقات ليصل للرئاسة ولكنه هذه المرة وصل، عذره المناصرون والمحبون في هذه المروحة من التحالفات مع من يجاهر بعدائهم بأنها الطريقة الوحيدة للوصول، إلا أنه وفور الوصول سيغير المسير ويطبق الشعارات فيتغير مصير لبنان نحو الدولة الحلم واستعادة حقوق المسيحيين.

بعد عام ٢٠٠٩ بدأت شعبية عون بالتراجع كلما تقدم في السلطة دون أن يفقد نواة شعبيته الصلبة حتى وصل إلى رئاسة الجمهورية.

لم يعرف عون طريق الإنجاز إلا بالشعارات فتراكمت جميع أنواع الأزمات في عهده وكان التعطيل سيد الموقف فتكدست الملفات وانهار الاقتصاد ومن خلفه الليرة، ونزل اللبنانيون للشوارع في ١٧ تشرين الشهير، وانفجر مرفأ بيروت مخلفا مئات القتلى والجرحى والمتضررين دون أن يغير عون شيئا من خطابه أو عمله. حافظ عون على خطابه الشعبوي ورمي المسؤولية على الآخرين، في حين يسيطر على ثلث الحكومات دون حلفائه ورئاسة الجمهورية، وأكبر كتلة برلمانية ونسبة كبيرة من وظائف المسيحيين الحساسة في الدولة.

خرج عون قبل أيام من القصر والجموع من حوله يخاطبهم وكأنه حديث عهد بالسياسة، وكأنه قائد نضالي بجسد لم يعد يقوى على مثل هذه الخطابات، وبعد سنوات على الحكم لم يستطع التصرف فيه. على الرغم من كل ما جرى في لبنان حافظ عون على جزء من الشعبية وجيرها لصهره ورئيس حزبه النائب جبران باسيل قائد انهيار قطاع الطاقة في لبنان والديون المتراكمة منه.

انتظر كثيرون عون لنصف قرن تقريبا ليصدموا صدمة جعلت كثيرين يرتدون عن السير خلف عون وجعلت آخرين يرفضون تصديق الحقيقة

حتى اليوم يحافظ عون على مجموعة جماهرية معه منعتها العاطفة وأحيانا المصلحة من التخلي عنه. لم تستطع أن تتقبل الحقيقة المرة بأن عون لن يفعل شيئا من الأحلام التي زرعها، وما زالت تراهن بالعاطفة على أنه سيفعل شيئا يوما ما.

أما الحقيقة التي يوثقها كل العارفين وهي أن عون ٨٩ كان مهووسا بكرسي رئاسة الجمهورية، وتلطى خلف الشعارات الرنانة للوصول للحلم وهو كرسي بعبدا. بعدها باع واشترى في كل الاتجاهات والهدف لم يكن الإصلاح بل الرئاسة فوصل، وعندما وصل بعد عقود ولم يكن يملك الخطة ولا الرؤية لأن الهدف قد تحقق وهو الوصول للقمة. فتصرف عندها عون كمن وصل للتقاعد وحان وقت الراحة بالنسبة اليه.

انتظر كثيرون عون لنصف قرن تقريبا ليصدموا صدمة جعلت كثيرين يرتدون عن السير خلف عون وجعلت آخرين يرفضون تصديق الحقيقة.

لا يقتصر الأمر على عون بل على معظم جماهير الأحزاب اللبنانية، أو الزعامات اللبنانية بعبارة أدق، التي استفاق منها البعض وأدرك بأن الشعارات بعيدة كل البعد عن الحقيقة، إلا أن الغالبية لا تزال تصدق الزعيم وخطابه ليظهر أمامنا تجربة واضحة في جمهور انتظر وصول زعيمه للقمة ليصل وتظهر معه زيف الشعارات. درس العماد عون بالفرق الشاسع بين الشعارات والعمل والنيات والأهداف الكامنة، درس غاية في الأهمية لا يبدو الشعب قادرا على تقبله أو التصرف على أساسه.