icon
التغطية الحية

عن الثقافة وتقدير الكلاب والرئيس وكابوس الاعتقال

2023.03.19 | 14:38 دمشق

اعتقال
مصطفى علوش
+A
حجم الخط
-A

لا أريد أن أشعر بالحنين إلى الوطن، فهذا الوطن يأتيني في الحلم على شكل كابوس اعتقال، حيث أتخيل نفسي قد وصلت إليه مسافراً، زائراً، وسوف يتمّ اعتقالي من قبل من يدعّون حماية الوطن من الأعداء، وأُمضي الليل هارباً من الكابوس إلى أن أصحو وأحمد السماء على أني نجوت منهم، ومن نشرات أخبارهم!

الكلب المحترم

لا أعرف متى يمكننا أن نتخلص من بعض موروثاتنا الشعبية المتعلقة بقيمة الكلاب، خاصة حين يتم شتم الآخر بأنه كلب.

فالكلاب المدرّبة التي ساهمت وتساهم في انتشال الضحايا من تحت أنقاض الزلزال الذي حدث في 6 شباط، تستحق أن يصنع لها ولمن يدرّبها تماثيل حقيقية. فهذه الكائنات أثبتت ومنذ زمن طويل أنها صديقة وفية للبشر وتخدمهم في مختلف الظروف وحين يتخلى الجميع عنك يا إنسان ستجد كلبك ينتظرك.

كم نحتاج هذه الأيام إلى تجديد اللغة وتنظيفها بعد أن لوثها الطغاة والمرضى بقاموسهم القاتل، فمفردة الحبّ ولشدة مزجها بالتفاهة الإعلامية والإعلانية تمّ تخريبها واستهلاكها

قواعد اللغة

ذات مرة، قال الراحل محمد الماغوط في "المهرج":

"المدرس: تنهار قواعد اللغة.

المهرج: إلى جهنم وبئس المصير وهل هي قواعد صواريخ؟"

كم نحتاج هذه الأيام إلى تجديد اللغة وتنظيفها بعد أن لوثها الطغاة والمرضى بقاموسهم القاتل، فمفردة الحبّ ولشدة مزجها بالتفاهة الإعلامية والإعلانية تمّ تخريبها واستهلاكها، وتم" تكسير مفهوم العدالة عبر مزجه برائحة الإجرام والإرهاب بحجة المقاومة ومقاومة الأعداء، وتحولت مفردات الياسمين ودمشق وقاسيون والتاريخ والمجد والعبق وكل هذه المترادفات إلى مفردات بلاستيكية، لا رائحة لها، حيث ماتت فيها الحياة بعد أن صارت دمشق أسوأ مكان للعيش في العالم.

كم نحتاج إلى كلاب تنقذ الضحايا لاكلابٍ تنهش العابرين، كم نحتاج إلى إعلام يراقب الدولة ويراقب كل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لا إعلام تصنعه السلطة من مخبرين، وكتاب تقارير. كم نحتاج إلى دولة نواتها المؤسسات، لا دولة منسوجة من الاستخبارات.نحتاج إلى دمشق بلا فروع الأمن العسكري وبلا استخبارات الجوية لمراقبة وتعذيب وقتل الناس، نحتاج إلى دمشق أخرى، دمشق كما غنتها فيروز لا كما غناها الديك وعلي وبقية المهرجين. نحتاج إلى دمشق الناس لا دمشق الوهم والرعب.

صورة فخمة للسيد الرئيس في غرفة النوم

رغم أنه يزعم أنه ليس أحد شخصيات رواية 1984 كان يعلق متفاخراً صورة فخمة للقائد، الأمين العام للحزب في غرفة نومه مع أحد أقواله التاريخية. ولأنه كان مؤمناً بتحقيق أهداف الحزب، فقد كان دائماً ينظر للصورة كلما أنهى عملية المضاجعة كجزء من وفائه للقيادة والقائد. وغالباً ما كان يردد الشعار في آخر الليل وفي الصباح.

بعد وفاته، قال أحد الورثة: رحمه الله أمضى عمره بلا زواج. حيث لم تقبل به أي امرأة.

ناشط و مع الثورة

حتى كتابة هذه السطور يمكن لنا أن نقدّر أنه قد حظر أكثر من خمسة آلاف شخص على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وكل من تمّ حظرهم أشخاص خالفوه الرأي فقط لا غير. وليس بينهم بعثي واحد.

ترى لو قيّض لثورتنا السورية اليتيمة أن تنتصر وكان هذا الشخص في موقع وزير الداخلية، لكنا جميعاً في المعتقل ويحاكمنا هذا الثورجي بتهمة وهن عزيمة الأمة.

الثقافة ليس رفاه ورفاهية

الثقافة ليست رفاهية بشرية نحتاج إليها في عطلاتنا وأعيادنا لنتزين بها مؤقتاً ونخلعها بعد انتهاء المناسبات، الثقافة روح الحياة وجمالها، فالمهندس المعماري حين يكون بعيداً عن الثقافة تصبح مشاريعه المعمارية كتلاً إنشائية إسمنية جامدة، لا حياة فيها.

وحين تخلو بلد ما من السينما أو المسرح وحين يلاحق الكتاب والفنانين من قبل مخبرين لا يعرفون الفرق بين الفاعل والمفعول، ولا يعرفون الفرق بين القاضي والمتهم، آنئذ تصبح البلاد قاحلة، ميتة بلا حياة ولا جمال. الثقافة ليس مادة كمالية نكمل بها أوقات فراغنا، الثقافة أن تعرف معنى العدل حين يكون الظلم معيار الحاكم وأتباعه، والثقافة أن تغني مع عشاق الغناء وأن ترسم مع الرسامين وأن تسبح مع هواة السباحة، الثقافة أن تزرع العشب في كل طرقات العمر وأن تترك الحرية ترقص متباهية في كل المفارق. الثقافة أن تخجل من الفساد والسرقة  وأن تخجل من عيوبك لا من إيجابياتك. الثقافة أن تعلي من حقوق الإنسان وتجعل تلك الحقوق أغنية يومية يعرفها الجميع ويدافع عنها الجميع.