icon
التغطية الحية

عمها الشاعر الكبير نزار قباني.. شاعرة سورية تقدم "ألف ليلة وليلة" من جديد

2021.11.26 | 15:57 دمشق

femmes-constantine.jpg
إيكونوميست- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

إنها واحدة من أقدم القصص في العالم، ومن أكثرها تنقلاً وشهرة، فقد انتقلت "ألف ليلة وليلة" التي ظهرت في القرن الثامن الميلادي في الهند وبلاد فارس إلى العراق وسافرت بعدها إلى مصر وسوريا، قبل أن تحط الرحال في أوروبا الغربية أوائل القرن الثامن عشر الميلادي، حيث ظهرت أول ترجمة لها من العربية إلى الإنجليزية مباشرة على يد هنري تورينز الذي كان ضابطاً في الجيش البريطاني، وذلك في عام 1838. وعبر انتقالها من الشرق إلى الغرب، ثم عودتها إلى الشرق مجدداً، أصبحت تلك القصص بمنزلة أهم عمل في الأدب العالمي.

بيد أن تلك التنقلات جيئة وذهاباً كان لها عيوبها ونقائصها هي أيضاً، وذلك لأن النسخ الغربية من ألف ليلة وليلة حرفت الحكايات الأصلية وشوهتها، إذ جرى ذلك في معظم الأحيان إرضاء لأوهام المستشرقين حول الشرق الأوسط. وفي تلك الأثناء، وبالرغم من أن الخطر الذي يهدد النساء والبراعة في تقديم القصة يعتبران جوهر الحكاية، فإنه حتى الآن لم تنشر أي امرأة ترجمة إنجليزية كاملة للقصة التي تدور وتعود إلى البداية، لذا، فإن كل هذه العوامل جعلت من النسخة الجديدة التي ترجمتها ياسمين سيل، وهي شاعرة بريطانية من أصول سورية، نسخة غاية في الأهمية.

يثير هذا الكتاب تساؤلاً بسيطاً ومهماً جداً وهو: هل بوسعكم أن تسردوا قصة كما تفعل شهرزاد لتنقذوا حياتكم؟ إذ بعدما اكتشف السلطان شهريار بأن زوجته خانته، قام بقتلها، وفي نوبة قرف وكره لكل النساء، أخذ يتزوج ويقتل ضحاياه من النساء الواحدة تلو الأخرى كل يوم. وعندما أتى دور شهرزاد، طلبت منه أن تقص عليه حكاية قبل أن تموت، فوافق، وعندها أسرته بأسلوبها، بيد أن شهرزاد كانت تكف عن السرد عند الفجر، وتعده بأن تكمل القصة في الليلة التالية. وهكذا استمرت شهرزاد في سرد قصصها طوال ألف ليلة وليلة، إلى أن وقع السلطان في غرامها، وبذلك أنقذت حياتها.

في خضم هذا المشهد الذي تسيطر عليه حالة كره المرأة في بداية القصة، تظهر شهرزاد كإحدى البطلات الأكثر دهاء وحنكة في الأدب، ولكن الترجمة تفقد القصة الكثير من هذا الجانب. إذ يرى باولو ليموس هورتا، وهو مؤرخ أدبي، بأن القصص كانت مليئة بالعنصرية والتمييز على أساس الجنس في عيون الأجيال السابقة من قارئيها باللغة الإنجليزية. ثم أتت النسخة التي ترجمها إدوارد لين بين عامي 1839-1841 لتحمل نكهة تعبر عن تفاصيل القصور المزخرفة والثياب الرقيقة المثيرة. أما في الترجمة التي ظهرت في عام 1885، فيرى هورتا بأن ريتشارد فرانسيس بورتون "أضاف صفات سلبية للنساء في القصص"، حيث أزال "صفاتهن الإيجابية وتلك التي تتصل بحريتهن وانعتاقهن"، كما أضاف نكات عنصرية.

وبدورها اعتمدت تلك الترجمات التي تعود للعصر الفيكتوري على نسخة فرنسية ظهرت في مطلع القرن الثامن عشر على يد أنطوان غالان، وشملت العديد من القصص المعروفة، مثل قصة "مصباح علاء الدين السحري" و "علي بابا والأربعين حرامي" وهي قصص لم تكن موجودة في النص الأصلي العربي، ولهذا اعتقد الباحثون بأن غالان هو من ألفها، واستمروا على ذلك الاعتقاد طوال قرون، بيد أن بحثاً ظهر أخيراً أثبت بأن القاص السوري حنا دياب، هو من كان يسرد تلك القصص في باريس، ثم أتى غالان ليحرف تلك "القصص اليتيمة" بما يتناسب مع ذوق القارئ الغربي الذي يحب أن تفصل خطوط واضحة بين الخير والشر مثلاً.

مع كل الأعمال الخيالية الجليلة، يمكن لأي قراءة جديدة أن تأتي بمعان جديدة، كما يمكن أن تحمل معها حقائق تستمر إلى الأبد. وهذا ما نجحت فيه إيميلي ويلسون في عام 2017 من خلال ترجمتها الجديدة للأوديسة التي ألفها هومر، وهي أول ترجمة تقوم بها امرأة وتنشر باللغة الإنجليزية. وكذلك الأمر بالنسبة للنسخة الجديدة من "ألف ليلة وليلة" وهي عبارة عن مختارات من النسخة الكاملة التي أصبحت قيد الترجمة، والتي يتم الاعتراف فيها بدور القاص السوري حنا دياب. في الحقيقة، ما يزال الجنس والعنف والعلاقات غير المتكافئة بين الجنسين موجودة في هذه النسخة، ولكن في النسخ السابقة هنالك تشييء للشخصيات الأنثوية ورفع لقدر الشخصيات الذكورية، مثل شخصية الخليفة هارون الرشيد ووزيره جعفر، أما في هذه النسخة فتقوم عملية السرد الأنثوية بتجريد السلاطين القتلة وشخصيات الجن التي لا تعرف الرحمة من أسلحتهم.

لنأخذ مثلاً مقطعاً يتحدث عن امرأة عنيدة تعترف في نسخة بورتون بأن: "القدر لا يمكن أن يجتنب... ولهذا يمكن للمرأة أن تفعل ما تشاء" أما في النص الذي ترجمته ياسمين فيتحول ما يبدو بأنه عناد أنثوي إلى حالة استقلالية نبيلة، حيث نجد الشخصية ذاتها تقول: "لقد ظن أني ملكه وبإمكانه أن يستبقيني لنفسه، ونسي بأن ما يخبئه القدر لا يمكن لإنسان أن يغيره، وكذا الأمر بالنسبة لما تريده المرأة".

أو لنأخذ مثلاً: "قصة الحمال والبغداديات الثلاث" الأثيرة على قلب المترجمة ياسمين، التي يظهر فيها الحمال الذي ورد اسمه في العنوان بحسب رأيها: "مدهوشاً عندما عرف أنه يمكن للمرأة أن تحيا حياة كريمة بلا رجال". وهنا نكتشف بأن ياسمين ترجمت مقطعاً حذفه بيرتون وفيه تسخر النساء من عضو الحمال التناسلي. وفي الوقت الذي يصر فيه الحمال في نسخة بورتون على أن: "متعة النساء بلا رجل أقصر من أن تقاس"، نجد الوصف أكثر إنصافاً في ترجمة ياسمين، حيث ورد: "كما أن متعة الرجال لا تكتمل بدون النساء، كذلك متعة النساء بدون الرجال".

بيد أن التطور يعتبر جزءاً لا يتجزأ من قصة "ألف ليلة وليلة"، فقد جعلت اللغة البسيطة والجهل بشخصية مؤلف النص وتقليد سرد القصة مشافهة من تلك القصة أقرب إلى طقس أدبي منها إلى ثقافة سائدة. وحول ذلك يخبرنا الروائي عمر العقاد فيقول: "من الصعب تحديد متى سمعت تلك القصص لأول مرة، لأنها لا بد أن وصلت إليك عبر الجينات. فقد تحولت هذه القصص إلى أيقونة موجودة في كل مكان".

وبما أنها تربت في كنف عائلة تضم كتاباً ومؤلفين مبرزين، فقد كان عم والدها الشاعر السوري الكبير نزار قباني، لهذا ترددت ياسمين قبل أن تشرع بهذا العمل الذي سبق لغيرها أن اشتغله.

بيد أن إتقانها للعربية والإنجليزية والفرنسية، إلى جانب أذنها الشعرية، أنتج هذا النص الغنائي الجديد، كما قدم السيد هورتا الحواشي والشروحات التي وضحت السياق للمترجمة وساعدتها في انتقاء مفرداتها، إلى جانب اختيار المئات من الصور والرسومات التي تسمح للقارئ بالسفر في تلك الحكايات وتاريخها بطريقة بصرية، بيد أن هذا ليس كل شيء، إذ تقول المترجمة ياسمين: "كلما أمضيت وقتاً أطول مع هذا النص، قلت معرفتي به، وإدراكي لماهيته، لكونه نصاً متغيراً وجذاباً وغير مستقر".

يذكر أن نسخة "ألف ليلة وليلة مع حواشيها" الذي ترجمته ياسمين سيل وحرره باولو ليموس هورتا، صدر عن دار ليفيرايت، ويتألف من 816 صفحة، وسعره 45 دولاراً.  

 

المصدر: إيكونوميست