icon
التغطية الحية

شاعر المخيمات نادر شاليش.. نكبات متتالية وديوان "أطميات" لم يطبع (بروفايل)

2021.09.14 | 17:46 دمشق

whatsapp_image_2021-09-14_at_3.35.30_pm.jpeg
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

لم يكن يدري قائل قصيدة "أَرْسَلْتُ رُوْحِيْ إلَى دَارِيْ تَطوف بِهَا" بأن كلماته ستتردد على مسامع ملايين السوريين ممن أُبعدوا عن منازلهم، ويتجدد ذكرها مع كل موجة نزوح تسببت بها قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية والقوات الروسية، ولم يكن يدري بأن شطر قصيدته الذي قال فيه " مَالِيْ بِأَطْمَةَ لا شَاةٌ ولا جَمَلُ" سيصبح عنوان حياة مئات الآلاف من المهجرين من مناطق سورية مختلفة إلى مخيمات الشمال السوري.

نادر شاليش أو شاعر المخيمات أو شاعر الأطميات كما يسمى، لم يحظ بفرصته في الظهور الإعلامي إلا أن أبيات قصيدته التي صورت بعدسة رديئة الجودة قبل سبعة أعوام خلدت ذكراه وحُفرت في قلوب السوريين مدى الحياة.

ولد الشاعر نادر شاليش عام 1940 في بلدة كفرنبودة أقصى الريف الحموي الشمالي، وعاش فيها يتيماً بعد وفاة والده عندما كان طفلاً ذي عامين فقط، وقامت جدته بتربيته، كان كثير التغيب عن المدرسة بسبب اشتغاله برعي الأغنام لتأمين لقمة العيش مع إخوته، لكنه كان ذكياً نبيهاً، وهو ما ساعده على الحصول على الشهادتين الإعدادية والثانوية بشكل حر (التقدم لامتحان الشهادة دون الدوام في المدرسة كبقية الطلاب).

من قائد كتيبة دبابات في حرب تشرين إلى مدرس

بعد حصوله على الثانوية العامة تطوع نادر الشاليش في الكلية الحربية عام 1959، ومع دراسته في الكلية الحربية عاود التعليم واستطاع دخول كلية الشريعة في جامعة دمشق، وحاز منها على شهادة الليسانس.

بعد عامين من تطوعه في الكلية الحربية، وفي عام 1961 تم تسريحه خارج الجيش السوري بذريعة انفصال الوحدة عن مصر، وتقدم بعدها بطلب إلى وزارة الدفاع، وتم قبوله في الجيش وحصل على عدة ترقيات حتى وصل إلى رتبة نقيب، وقاد إحدى كتائب الدبابات في معركة تشرين التحريرية ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1973، وبعد انتهاء الحرب تم نقله من مرتبات الجيش السوري ووزارة دفاعه إلى العمل في فرع أمن الدولة التابع لإدارة المخابرات العامة، وعمل فيها حتى عام 1982 عندما اندلعت انتفاضة جماعة الإخوان المسلمين في حماة وبعض المناطق السورية، ولكونه من محافظة حماة وحائز على شهادة الشريعة الإسلامية تعرض للسجن لستة أشهر، ونقل بعدها للعمل بوظيفة مدنية تتبع لوزارة الدفاع مجدداً بعد إخراجه من العمل في المخابرات العامة، وتابع عمله في وظيفته الجديدة حتى عام 1987 ليترك العمل فيها وينتقل إلى التعليم بشهادة الشريعة الإسلامية في السلك التربوي، وذلك حتى تقاعده عام 1991.

عشرون عاماً إضافية عمل فيها نادر شاليش بالزراعة كسائر أهالي ريف حماة، إلى جانب استمراره في إعطاء الدروس الخصوصية للطلاب بشكل مجاني.
 

من طلائع الثوار.. يعرف النظام جيداً

ومع انطلاق الثورة السورية في ربيع 2011 كان من أول المحرضين ضد نظام الأسد في منطقته، فيبحث عن تجمعات الشباب الثائرين ويعطيهم النصائح ويوقد عزائمهم.

كما كان لعمله في الجيش سابقاً دور في فهمه لطبيعة النظام، فبينما كان الشباب الثائر ينتظر سقوط نظام الأسد بالأيام والأسابيع كنظامي بن علي في تونس ومبارك في مصر، كانت للشاعر نادر شاليش كلمة يرددها على الدوام يقول فيها "إن هذه الحرب لن تخمد قبل أقل من عشر سنوات كحد أدنى وليس كما تعتقدون"، وكان يضع خبراته العسكرية في خدمة الثوار ويقدم لهم النصائح.

كما كان من أوائل النازحين أيضاً، حيث نزح من بلدته كفرنبودة أول مرة عام 2012 وذلك بفعل القصف، وبسبب تعلقه الشديد ببلدته ومنزله اختار النزوح إلى قرية بعربو القريبة التي تطل على قريته بشكل مباشر بسبب موقعها الجغرافي المرتفع، وبقي فيها لأربعة أشهر، لكن القصف الشديد الذي تعرضت له قرية بعربو مكان نزوحه وسائر المنطقة، دفعه إلى النزوح إلى الحدود السورية التركية.

في عام 2012 كانت قرية أطمة على الحدود السورية التركية شبه منسية ولم يكن يدري الشاليش الذي اختارها وجهة لنزوحه أنها ستكون المنفى الأخير لمئات آلاف السوريين من الذين نزحوا وتهجروا من مختلف المناطق السورية.
 

سلسلة من النزوحات والنكبات.. من كفرنبودة إلى نارلجا التركية

أقام الشاليش في مخيم على طرف قرية أطمة الشمالي الغربي لعام واحد فقط، عمل خلاله ببيع البنزين مع ولده على جانب الطريق الواصل بين قرية أطمة والمخيم، وذلك قبل انتقاله إلى العيش في بلدة الريحانية التركية الحدودية مع سوريا في إقليم هاتاي، ومنها إلى بلدة نارلجا القريبة من أنطاكيا في الإقليم ذاته.

في الفترة التي خرج فيها إلى تركيا أصيب بالتهاب رئتيه، مما تسبب بإصابته بمرض الربو ولم يستطع النهوض منه والتغلب عليه لتوالي الصدمات، حيث فقد ولده الكبير، وتبعه فقدان ولده الصغير بطعنة سكين في تركيا إثر عراك مع شبان أتراك، وخسارته للقضية وخروج القتلة دون سجن، وتلاها مقتل أحد أحفاده المقاتلين ووفاة الآخر.

تفاقم مرض نادر شاليش بسبب الحزن الكبير على الأولاد والأحفاد والدار وحال الثورة السورية، وأصبح يتردد على المشافي بين الحين والآخر، إلى أن دخل المستشفى آخر مرة في الـ 20 من آب الماضي، وعند إعطائه لقاح كوفيد 19 في المستشفى ساءت حالته الصحية أكثر، ونقل إلى العناية المشددة حتى وفاته في تاريخ 13 من أيلول 2021، ودفن في مقبرة Tayfursökmen قرب مدينة الريحانية التركية.

 

 

خلال العام الذي أقام فيه الشاليش في مخيم أطمة تأثر كثيراً بفراق داره وتفجرت في جوفه ينابيع الشعر وكتب ثاني قصائده وأشهرها، التي حملت عنوان "رسالة الروح إلى الدار" وألقاها أمام عدسات أحد الناشطين، ومنها انتقلت إلى الشاشات والمنصات، حتى أصبحت القصيدة التي تعبر عن مأساة كل نازح ومهجر، وترتبط بكل رحلة تهجير جديدة، وفي ما يلي نص القصيدة:

 

 

أرسلــــــت روحي إلى داري تطوف بها …   لما خطانا إليها ما لها سبل

أن تســـأل الــــــــــدار إن كانـت تـــذكــرنا …   أم أنها نسيت إذ أهلها رحلوا

أن تسأل السقف هل ما زال منتصبا.. فوق الجدار شموخا رغم ما فعلوا

أم أنــها ركعـــت للأرض ســـاجــــــدة … تشكو إلى الله في حزن وتبتهل؟

أن تسأل النخل هل أكمامه نضجت... أن تسأل التين والزيتون متصل

أما القطوف من الأعناب دانية … مثل اللآلئ كالحوراء تكتحل

أم شجرة التوت والأغصان فارعة … ناءت بحمل وقد طابت بها الأكل

هيهات يا دار أن تصبو الحياة بنا … ويرجع الجمع بعد النأي مكتمل

لكن روحي ستبقى فيها ساكنة … مالي بأطمة لا شاة ولا جمل

إن مت يا دار أو طال الفراق بنا … فالصبر يا دار لا يضعف لنا أمل

لا بد لليل من صبح يبدده … ويسطع النور والظلماء ترتحل

ويرجع الحق فوق الكون عالية … راياته البيض لا كفر ولا دجل

علائم الصبح قد لاحت مبشرة .. لم يبق في الساح لا عزى ولا هبل

فأول النصر للأوثان نكسرها … فعل الخليل وفعل المصطفى مثل

أو في حماة يدوس النصب نعلهم … والجحش يصعد عن تمثالهم بدل

يا للتفاهة ظنوا أننا بهم … ما للصدارة في أوساطنا رجل
وتوالت القصائد المنددة بوجه النظام والمحرضة للثوار، والتي تتحدث عن أمنياته في العودة إلى داره وهزيمة نظام الأسد، في ديوان شعره الذي حمل اسم "الأطمّيات" والمكون من قرابة الستين صفحة، وأبرز قصائده:

 

  • نشيد الثورة
  • منهاج ثورة الكرامة
  • مأساة الخالدية
  • حرب الإرادات
  • رسالة الروح إلى الدار

الديوان الذي حمل بين صفحاته وفي سطوره كثيرا مما يعبر عن السوريين، بقي كما كاتبه يتيماً وحيداً منسياً مكتوباً بخط يد كاتبه ولم يحظ بفرصة الطباعة حتى الآن، وهو ما انتقده الإعلامي حسين العمر في حديثه لموقع تلفزيون سوريا بقوله: "الكثير من العظام والثوريين النظيفين من شعراء وكتاب وناشطين وقادة لم نسمع بهم إلا عند موتهم، فهذا يعني بأن هناك آخرين موجودين بيننا على قيد الحياة، فلماذا ننتظر الموت حتى نذكر محاسن الأشخاص؟.. اذكروا محاسن أحياءكم".

 

WhatsApp Image 2021-09-14 at 3.35.30 PM.jpeg

 

وأضاف العمر: علينا البحث عن مثل هؤلاء الثوار وإظهارهم وتقديرهم وهم على قيد الحياة.

وكان قد نشر العمر على صفحته على فيس بوك نعوة للشاعر الشاليش كتب فيها:

العم نادر شاليش عرفته كما لم يعرفه أحد، وكما أعرف هذا الكوكب المنافق.. الآن تذكروا شعره وشاعريته، بعد أن حار وجاب مئات الجهات لطبع كتاب شعر كتبه في خيمته في مخيم أطمة، قبل أن ينتقل للعيش في دكان صغير في الريحانية، هو وأحفاده الأيتام، لم ينظر لحاله أحد، وكما كل مرة، لا نعرف قيمة الأشخاص إلا وهم تحت التراب.. تباً تباً، سيبقى كتابه الذي أهداني إياه في منزله بالريحانية وهو مطبوع على ورق (a4 عادي) دليلا على نفاق هذه الفترة بائتلافها ومنظماتها وموظفيها النرجسيين".

 

 

كما رثاه الشاعر الديري هاني الشيخ في منشور على صفحته على فيس بوك كتب فيه:

يا نادرُ .. الدارُ عن أصحابها تَسَلُ

والنبض في كِسَرِ الأحجار مشتعلُ

لم تنسنا الدار والجدران شامخة

وإن تقطع نحو الملتقى السبل

للدار روح ولا تنسى ولو هُدِمت

لو هجّرونا ولو قالوا لها: رحلوا

الدار تعلم أنا لم نخُنْ حجرا

والدار تدري مغول العصر ما فعلوا

والدار تشهد أني قد سجدت بها

ما كان فيها لغير الله مُبتهل

يدري بها التين والزيتون لوعتنا

والنخل يعلم أنا خير من بذلوا

رحلتَ يا شاعرا أبكى مشاعرنا

فاقرأ سلامي لقوم للعلا رحلوا

في جنة الخلد دار لا فناء لها

وليس في أرضها كفر ولا دجل

لا يرحل الحرف حتى الحشر ممتشقاً

سيف العزائم يحدو شدوَه الأمل

يا نادرُ اعلم بأن الحق منتصر

مهما تجبَّر في طغيانه هُبلُ