icon
التغطية الحية

عسكرياً وإنسانياً.. ما الذي تحمله "أستانا 16" للسوريين في إدلب؟

2021.07.06 | 10:05 دمشق

idlib-ruinen-101_v-original.jpg
ما فائدة مسار أستانا في ظل تصعيد النظام وروسيا العسكري على محافظة إدلب - AFP
إدلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

تحتضن العاصمة الكازاخستانية "نور سلطان" يومي الأربعاء والخميس المقبلين، الجولة السادسة عشرة من مباحثات مسار "أستانا" حول سوريا، بمشاركة وفود من الدول الضامنة (تركيا - روسيا - إيران)، وممثلين عن نظام الأسد والمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، إضافة لمشاركة هيئة خاصة من الأمم المتحدة، وكلاً من الأردن ولبنان والعراق بصفة مراقبين.

 

وقالت وزارة الخارجية الكازاخستانية في وقت سابق، إن جدول أعمال المحادثات يتضمن الوضع الراهن في سوريا، وإيصال المساعدات الإنسانية، واستئناف عمل اللجنة الدستورية السورية، وإجراءات بناء الثقة، مثل تبادل الأسرى والإفراج عن المعتقلين والبحث عن المفقودين.

ويتزامن موعد عقد هذه الجولة من المباحثات، مع تصعيد عسكري روسي على محافظة إدلب شمال غربي سوريا، يعد الأعنف منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في المحافظة بين موسكو وأنقرة في آذار من عام 2020، كما يأتي اللقاء قبل أيام قليلة من اجتماع مجلس الأمن الدولي للتصويت على تجديد آلية دخول المساعدات الإنسانية الأممية إلى شمال غربي سوريا عبر معبر باب الهوى، وسط مخاوف من استخدام روسيا لـ "الفيتو"، وإغلاق المعبر أمام القوافل الأممية.

 

جولة جديدة على وقع التصعيد في إدلب

في الجولة الماضية من مباحثات "أستانا" (رقم 15)، توافقت الدول الضامنة للمسار على تمديد اتفاق التهدئة في إدلب، لكن وبعد أسبوع واحد من انتهاء الجولة صعدت روسيا من قصفها المدفعي على الريف الجنوبي للمحافظة.

ومنذ بداية شهر حزيران الماضي، تتعرض بلدات جنوبي إدلب وغربي حماة لقصف مدفعي وصاروخي شبه يومي من جانب نظام الأسد والقوات الروسية، وارتفعت حدة التصعيد في 3 من تموز الجاري، حيث تم استهداف منازل المدنيين ومدرسة ومركزاً للدفاع المدني السوري ومنشآت خدمية جنوبي إدلب، ما أدى لمقتل 9 مدنيين بينهم 6 أطفال وجنين، إضافة إلى إصابة 14 مدنياً آخرين.

وقال المتحدث باسم وفد المعارضة في "أستانا"، أيمن العاسمي، إن خروقات النظام وعملية التصعيد التي كانت تعقد لأجلها جولات أستانا وجنيف ستكون إحدى القضايا المطروحة على أجندة الاجتماع المقبل، موضحاً أن "النظام يصعد ويستخدم الإجرام لتحقيق مآرب عسكرية وسياسية".

وأفاد الباحث السياسي، مالك الحافظ، بأن خرق الاتفاقيات المتعلقة بإدلب مستمر، وأنه لا جديد في الأمر سوى رغبة روسيا الجادة هذه المرة في التقارب مع واشنطن.

وأضاف الحافظ، في حديث لـ موقع "تلفزيون سوريا"، أن التصعيد في إدلب كان وما يزال وسيلة للتفاوض وعقد التفاهمات والتوافقات، مشيراً إلى أن بنود البيانات الختامية لجولات أستانا لا معنى لها فعلياً، فهي تعاد في كل جولة، وما يتم بحثه لا يصدر أهمه في البيانات الختامية.

وأردف أن "التفاوض بالنار كان عنوان المرحلة الماضية ومحطته الرئيسية في إدلب".

 

ملفات ساخنة على طاولة "أستانا"

تأمل روسيا في تحقيق تقدم بمسار "أستانا"، وربما تسعى من خلال عقد هذه الجولة -تزامناً مع التصويت على قرار تمديد دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا- إلى توظيف المسار من أجل الحديث عن إنجاز إنساني.

ومن المتوقع أن تُطرح "ملفات ساخنة" على طاولة المباحثات في الجولة الجديدة، ومنها ما يتعلق بمنطقة خفض التصعيد (إدلب)، بعد أن أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبل أيام، إلى ضرورة تنفيذ بروتوكول 5 آذار 2020 بين تركيا وروسيا، الذي يقضي بإنشاء ممر أمني منزوع السلاح على جانبي طريق "إم 4" المار من محافظة إدلب.

وحول أجندة الاجتماعات، ذكر العاسمي أن "الأجندة مستجدة دائماً، ومدى الاتفاق عليها يكون حسب الجدية من قبل الروس تحديداً، ولكن واضح أن القضية تتعلق بالمعابر وخاصة أن الموضوع الإنساني مهم لكل السوريين".

وأشار إلى أن المعارضة تحرص أن تستمر المساعدات لكل المناطق، وبقاء المعابر مفتوحة لضمان دخول المساعدات عبرها، مضيفاً بالقول: "هناك بوادر أمل وحلحلة في قضية المعابر".

وبالرغم من يأس السوريين من المسارات السياسية بمختلف مسمياتها، كونها لم تأت لهم بجديد يخفف من معاناتهم، إلا أن "العاسمي" يعتقد أنه في قادم الأيام سيكون لهذا المسار (أستانا) ربما فاعلية أكبر، موضحاً أن ذلك يتعلق بالنهاية بجدية روسيا بغض النظر عن إيران.

واعتبر أن للمسار "أهمية ويؤمل منه بتحقيق اتفاقات جديدة تساعد على الحل السياسي، والمزاج الدولي يساعد بهذا، خاصة التفاهمات غير المعلنة بين الروس والأميركان".

ويتوقع الباحث السياسي، مالك الحافظ، أن تكون أهم الملفات الحاضرة في المباحثات المقبلة، تتصل باللجنة الدستورية التي تأخر انعقاد جولتها السادسة قرابة الـ 6 أشهر، إضافة إلى إمكانية تفعيل المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب، ورسم حدودها والاتفاق على آليات التنفيذ، واستمرار التنسيق بخصوص المعتقلين والمختفين قسرياً.

 

ما فائدة المسار في ظل التصعيد العسكري؟

من المنطقي القول إن الفائدة من استمرار المعارضة السورية في حضور اجتماعات "أستانا" مرهونة بجدية روسيا في التعاطي مع المسار وتحقيق تقدم فيه، لكن الواقع لا يشير إلى ذلك، فلو كانت موسكو عازمة على تحقيق تقدم في الحل السياسي، لما صعدت في القصف، واستمرت في حصد أرواح المدنيين، ولوّحت بورقة إغلاق المعابر الإنسانية للقضاء على السوريين جوعاً.

وذكر الباحث، مالك الحافظ، أن روسيا صعدت عسكرياً في إدلب قبل لقاء بوتين - بايدن في مدينة جنيف منتصف الشهر الفائت، لتساوم على هذه الورقة أمام بايدن، بينما تصعد قبل أستانا تحت ذرائعها المختلفة، من أجل فتح ملف ما تسميه الانتهاء من القوى المصنفة على قوائم الإرهاب في الشمال الغربي من سوريا.

ولذا أرادت روسيا الضغط على تركيا من أجل فتح هذا الملف الذي سيؤدي بالتالي إلى سيطرتها بالأغلب على محيط الطريق إم 4، ووصل قاعدتها في الشمال الشرقي بالقاعدة الرئيسية في حميميم، فضلاً عن مكاسب أخرى اقتصادية وسياسية.

وتعتبر روسيا أن إعلانها إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب بعد رسائلها العسكرية، هو خطوة متقدمة لبناء مسار حواري بين موسكو وواشنطن، يمكن أن يُبنى عليه كثير في الملف السوري، بحسب "الحافظ".

وأشار إلى أن روسيا متمسكة بـ"أستانا"، كون المسار حقق لها كثيرا من النفوذ على الأرض السورية، كما أن موسكو عملت من خلال أستانا على إفراغ مسار جنيف من تأثيره وتمييع القرار الدولي 2254، وتنفيذ بنوده وفق الرؤية الروسية بالانطلاق من مسار أستانا والتمدد في مناطق مختلفة من سوريا وقضمها بالتتالي، ما منحها النفوذ السياسي بعد السيطرة العسكرية.

 

مسار "أستانا" يغرد بعيداً عن واشنطن

ترفض الولايات المتحدة المشاركة في مسار "أستانا"، وسبق أن قال السفير الأميركي لدى كازاخستان، وليم موزير، إن بلاده تعتبر "محادثات جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة أفضل طريقة لحل النزاع في سوريا، وبالتالي لا تخطط للعودة كمراقب إلى ما يسمى بصيغة أستانا".

وأضاف السفير الأميركي "نعتقد أن صيغة جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة هي أنسب عملية لحل هذا الصراع، لذلك، لا نريد أن نكون مراقبين في عملية أخرى الآن".

وحول هذه النقطة، وجدوى الاجتماعات في ظل غياب واشنطن، قال "الحافظ" إن "أستانا" ليس بالمسار السياسي البحت، فهو مسار عسكري تقني أكثر ما يكون مساراً سياسياً.

ويرى أن روسيا أوجدت المسار من أجل التشويش على جنيف، ومحاولة خلق مسار مواز للمسار السياسي يكون أكثر تأثيراً منه وأكثر إنجازاً، حتى تكسب لاحقاً الرهان السياسي.

وأما واشنطن فهي بعيدة عن المسار - حسب الحافظ - بسبب قلة فعاليتها في الملف السوري والانسحاب من الجنوب والشمال السوري وإغلاق غرف الموك والموم.

ويعتقد أن واشنطن أرادت الابتعاد عن الفاعلية المباشرة في ملفات تعتبر خارج ملف مكافحة الإرهاب وقتال تنظيم الدولة، وفي الوقت نفسه لم تكن تنوي الاعتراف بمسار خلقته روسيا مقابل إضعاف مسار جنيف.

بدورها تشير الأكاديمية مرح بقاعي، إلى أن الملف السوري لم يكن يوماً بعيداً عن واشنطن، وتضيف: "إذا لم تكن واشنطن حاضرة، ستكون مراقبة، وحاملة للعصا والجزرة في آن معاً، وعندما تحتاج للضغط تجتمع بالدول الفاعلة في سوريا، كما حدث مؤخراً في إيطاليا، من أجل الضغط وإنجاح اتجاه الحل السياسي، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254".

وأما الباحث أسامة آغي، فقد أوضح في حديث لـ موقع "تلفزيون سوريا" أن الولايات المتحدة لا تريد مراقبة ما يفعله الروس، أو "التصفيق" لهم، وتعلم واشنطن أن الروس مأزومون حالياً، ويريدون الخروج من "عنق الزجاجة"، وهذا مرتبط بوجود تفاهمات واضحة وصريحة بين واشنطن وموسكو.

 

اللجنة الدستورية.. مراوحة في المكان

أشار البيان الختامي للجولة 15 من محادثات "أستانا" إلى ضرورة احترام النظام الداخلي ومبادئ العمل الأساسية للجنة الدستورية وإحراز التقدّم في عملها، حتى تتمكّن مِن أداء مهامها المتمثلة في إعداد وصياغة إصلاح دستوري للاستفتاء لاحقاً.

وحينذاك جاء في البيان: "مِن أجل ضمان عمل اللجنة الدستورية بشكل مستدام وفعال، أكدت الدول الضامنة على التزامها بعمل اللجنة وأهمية تواصل المبعوث الأممي غير بيدرسون مع الأطراف السورية (بهذا الخصوص)". ومنذ ذلك الحين لم تعقد الأطراف المعنية باللجنة الدستورية جولة جديدة.

وذكرت بقاعي، وهي عضو في اللجنة الدستورية، في حديث لـ موقع "تلفزيون سوريا" أن اللجنة معطلة من طرف نظام الأسد وروسيا، حيث عطّل النظام كل الجلسات السابقة، سواء عبر عدم الموافقة على برنامج العمل، أو الامتناع عن الحضور، أو وضع محددات معينة لقاء استمراره في اللجنة.

ويشير مالك الحافظ، إلى أن روسيا أرادت تمرير الانتخابات الرئاسية، لتكسب بذلك وفق اعتقادها نصراً سياسياً، تساوم به خلال الفترة التي تلي الانتخابات، لذا لم يكن مجدياً لها عقد أي جولة جديدة من اللجنة الدستورية قبل الانتهاء من تنصيب بشار الأسد من جديد.

وتابع: "كذلك كان لا بد من اختبار النظرة الأميركية مع الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، والبدء بعدها بمرحلة جديدة تكون من ضمنها أعمال اللجنة الدستورية".

 

مستقبل التصعيد في إدلب وحدوده

سعت روسيا إلى الضغط على تركيا قبيل اجتماع أستانا، من خلال تكثيف القصف على الأحياء السكنية في ريف إدلب، ومحيط القواعد التركية في المنطقة، وفي وقت سابق أوضح الدفاع المدني السوري أن قوات النظام وروسيا تتبع سياسة ممنهجة شمال غربي سوريا تتلخص بالحفاظ على حالة من اللاحرب واللاسلم، بهدف منع أي حل سياسي على الأرض، كما تتعمد التصعيد قبل أي استحقاق سياسي أو اجتماع على المستوى الدولي لبعثرة الأوراق السياسية وفرض واقع عسكري وإنساني يبعد الأنظار عن الحل السياسي الذي يتهرب منه النظام.

وعن سبب التصعيد ومستقبله، ذكر رئيس وفد المعارضة السورية في "أستانا" أحمد طعمة، أن روسيا تصعد وتوتر الأجواء في إدلب قبل كل جولة من جولات أستانا، وتهدف بذلك إلى الضغط على المفاوض، سواء تركيا أو المعارضة.

وبحسب طعمة فإن ذلك "لن يؤثر أبداً على الوفد المفاوض، ولن يجعله يقدم تنازلات"، وقال إنهم متمسكون بمواقفهم ومبادئهم ولن يتم "التزحزح" عنها.

وفي حديثه لـ موقع "تلفزيون سوريا"، توقع طعمة عودة روسيا إلى الاتفاقيات المبرمة حول إدلب، التي تقضي بتثبيت خطوط التماس، ووقف إطلاق النار، وذلك بعد انتهاء جولة المفاوضات المرتقبة.

ولفت إلى أن نظام الأسد زاد من خروقه لوقف إطلاق النار، لأنه يريد بعثرة الأوراق، وإثارة "زوبعة" هنا وهناك، ولكن في المحصلة لا يوجد أمامه مجال لتحقيق تقدم عسكري، خاصة أن "الرد العسكري يكون قاسياً عليه".

وعند سؤال طعمة عن دلالة تذكير وزير الخارجية الروسي بإنشاء منطقة خالية من السلاح في إدلب، قبل أيام من عقد جولة أستانا الجديدة، أجاب بالقول: "عندما ستبدأ المفاوضات، سنستفسر عن هذه المسألة، ولكن لا أتوقع أن تشن روسيا هجوماً برياً في إدلب، ولا يوجد أي معطيات تشير لذلك".

 

ما احتمالية تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية؟

بعد أيام من انتهاء جولة أستانا السادسة عشرة، سيعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً للتصويت على تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا، من باب الهوى الحدودي مع تركيا لمدة عام آخر، ويتوقع أن يحضر هذا الملف بقوة في اجتماع أستانا، في محاولة تركية لإقناع الروس بعدم استخدام الفيتو وتعطيل الآلية.

وسبق أن أجاب مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية على سؤال عما إذا كان بايدن تلقى أي التزامات من بوتين بإبقاء أو حتى توسيع عملية تقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا بالقول: "لم تكن هناك أي التزامات، لكننا أكدنا بوضوح أن هذا الأمر يحظى بأهمية كبيرة بالنسبة لنا، وإذا كان هناك أي تعاون في المستقبل بشأن سوريا، فينبغي أن نرى بالدرجة الأولى توسيع الممر الإنساني".

ورجح الباحث أسامة آغي، أن يتم تمرير قرار تمديد إدخال المساعدات في مجلس الأمن، ولكن قد يكون هناك تبادل منفعي، وربما تقبل روسيا بالإبقاء على معبر باب الهوى مفتوحاً أمام المساعدات، وفتح معبر اليعربية الحدودي مع العراق، مقابل الحصول على مكسب في ملف آخر.

من جانبه أكد الحافظ أن روسيا "تدرك جدية الولايات المتحدة حيال ملف المعابر والمساعدات الإنسانية، وتعلم أن هذا الملف وما سيتبعه خلال الفترة القريبة المقبلة هو بمنزلة اختبار أميركي للروس".

وبيّن أن موسكو تحتاج إلى الولايات المتحدة، وكلما طال أمد الاستعصاء السياسي في سوريا وتأخرت إعادة الإعمار فإن خسارات روسيا تتزايد على عكس الولايات المتحدة.

ويضيف "لن تغلق روسيا آخر المعابر المستقبلة للمساعدات الإنسانية، التمديد لسنة أو ستة أشهر لمعبر باب الهوى هو أحد الاحتمالات، والترجيحات تتحمل أن يرتفع عدد المعابر إلى اثنين (باب الهوى واليعربية)"، مشيراً إلى أن "روسيا بحاجة الولايات المتحدة، وفترة رئاسة بايدن قد تكون الأكثر ملائمة لبوتين من أجل إحداث تقارب بين الروس والأميركان في سوريا".