icon
التغطية الحية

عدنان الجاسم.. طبيب اختار البقاء في سوريا لكن كورونا هزمته

2020.12.17 | 13:04 دمشق

unnamed.jpg
واشنطن بوست- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كان لدى الطبيب عدنان الجاسم كل الأسباب التي تدفعه لمغادرة سوريا التي مزقتها الحرب، بعدما نجا من قذيفة كسرت بسببها ساقاه، كما كانت عروض العمل في الخارج تنهال عليه.

غير أن عدنان ظل ملتزماً بمعالجة الأهالي في بلده، ولهذا لا عجب أن نجده في الصفوف الأمامية عند بدء ظهور أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا في شمال غربي سوريا خلال هذا الصيف.

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا يقتل 10 أطباء في دمشق

ولكن بحلول 6 أيلول، بدأ د. عدنان يحس بالمرض، وبعد مرور أربعة أيام توفي هذا الطبيب البالغ من العمر 58 عاماً.

وهنا يخبرنا ابن خالته د. زياد العيسى الذي يعيش في باريس فيقول: "كان موته مأساوياً"

فقد طلب العيسى من الأطباء أن يضعوا عدنان تحت جهاز تنفس، إلا أن أوان ذلك كان قد فات، فقد توفي في اليوم التالي.

اقرأ أيضاً: "نقابة الأطباء" في دمشق تنعى 17 طبيباً قضوا بكورونا

ويحدثنا د. زياد العيسى مدير القسم الفرنسي لدى مجمع الرعاية الطبية ومنظمات الإغاثة الذي أسسه أطباء سوريون في عام 2012 لتقديم الرعاية والمعدات وغيرها من المساعدات بشكل مجاني للمشافي والعيادات في الداخل السوري، فيقول عن ابن خالته: "لقد اهتم بالكثير من الناس وأنقذ الكثير من الأرواح، لكننا لم نستطع إنقاذه".

 

 

يذكر أن د. عدنان هو السبب الذي دفع د. زياد الذي يصغره بخمس سنوات إلى امتهان الطب.

فقد نشأ هذان الطبيبان في منطقة ريفية، إلا أن والد عدنان كان أول من خرج عن التاريخ الطويل للعائلة في زراعة القمح والقطن، وأخذ يرتاد الكلية، ثم عاد إلى قريته ليمارس مهنة التعليم فيها.

وقد زرع والد عدنان فيه حس الواجب تجاه خدمة مجتمعه، ولهذا عاد عدنان بعدما أنهى دراسة الطب في دمشق وتخصص بالتخدير إلى قريته.

ولدى هذا الطبيب مع زوجته التي تعمل طبيبة نسائية، أربعة من الأولاد، وقد زاولا مهنة الطب في دير الزور بالمنطقة الشرقية، القريبة من الحدود مع العراق.

ثم اندلعت الحرب السورية عقب انتفاضة استلهمت مسارها من الربيع العربي، فبدأت باحتجاجات سلمية في عام 2011، ثم تم تصعيدها إلى ثورة مسلحة بعد القمع الذي مارسه النظام ضدها.

ولهذا أصبحت حياة الطبيب وأسرته عرضة للخطر، إذ بوصفهما طبيبين كانا يصبحان موضع شك بمجرد أن تستولي جماعة جديدة على تلك المنطقة، بدءاً من قوات النظام وحتى مقاتلي تنظيم الدولة.

وخلال السنة الماضية فقط، تعرضت 85 منشأة صحية في الشمال السوري لهجمات بحسب ما أورده مجمع الرعاية الطبية ومنظمات الإغاثة. ولهذا كان يتم نقل المعدات الطبية إلى مشاف تحت الأرض لحمايتها من القصف. فقد أصبح الاختباء في مكان آمن بمجرد سماع صوت الطائرات وهي تنفذ غارات جوية فوق رؤوس الناس عادة يومية بالنسبة ليوم العمل الاعتيادي في حياة الدكتور عدنان، كما أنه عالج في بعض الأحيان أطباء زملاء له عندما أصيبوا بسبب القصف.

جدير بالذكر هنا أنه قتل في الحرب السورية نحو نصف مليون إنسان، وتعرض أكثر من مليون لإصابات، في حين هرب قرابة 5.6 ملايين نسمة فتحولوا إلى لاجئين معظمهم توزعوا بين دول الجوار. بينما ظل نحو 6 ملايين سوري من بين 23 مليون سوري قبل الحرب يعيشون في بلدهم كنازحين فيها.

وقد غير الدكتور عدنان وأسرته مكان إقامتهم عدة مرات بسبب العنف، كان من بينها تلك القذيفة التي دمرت بيته قبل أربع سنوات، عندما اختبأ هو وزوجته وأولاده في القبو. يومئذ تعرضت ساقاه لكسور فخضع لعدة عمليات جراحية قبل أن يتمكن من المشي مجدداً.

وقد وصلت للدكتور عدنان عروض من أطباء غادروا البلاد قبله، إذ دعوه من خلالها للانضمام إليهم إلى العمل في تركيا، حيث يمكنه أن يستقدم أسرته.

وهنا يخبرنا ابن خالته زياد بأن رده كان نفسه دوماً وهو: "إذا لم يعد يوجد أطباء هنا، فمن الذي سيساعد الناس؟"

 

كانت منظومة الرعاية الصحية في سوريا بالأساس تعاني عندما ظهرت أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا. ومنذ عام 2017، عمل الدكتور عدنان في وحدة العناية المركزة بمشفى الباب، تلك المنطقة التي تسيطر عليها تركيا في شمال غربي سوريا، بما أن تركيا تدعم مقاتلي المعارضة في حربهم ضد بشار الأسد.

وقد بذل الدكتور عدنان الجاسم قصارى جهده في تعليم زملائه العاملين وكذلك المرضى كيفية الوقاية من الفيروس حسبما ذكر ابن خالته، إلا أنهم كانوا يعانون من نقص في الكمامات والقفازات والملابس الواقية والمعقمات بل حتى كانوا يعانون من عدم توفر الصابون.

وعندما أتى الدكتور عدنان إلى بيته مريضاً، طلب من أسرته ألا تقلق، كونه سيستريح حتى يتعافى خلال فترة الحجر الصحي، إذ ظن أنه سينجو كما سبق أن نجا من الموت مرات عديدة.

اقرأ أيضاً: وسط إجراءات احترازية.. دفن طبيب في الباب توفي بـ كورونا (صور)

ولكن في غضون أيام، أصبح يعاني من صعوبة في التنفس، وانتهى به الأمر إلى وحدة العناية المركزة نفسها التي عالج فيه العديد من المرضى، حيث أمضى هناك ليلة واحدة فقط قبل أن يسلم الروح.

ويحدثنا الدكتور زياد عن ذلك فيقول: "خلال هذه الحرب، ترك الآلاف من الأطباء البلد لأنه لم يعد بوسعهم أن يعيشوا فيها ولا أن يتحملوا قسوة الحياة هناك، لكنه عاش هناك بالرغم من كل الظروف، بالرغم من الجوع والخوف والهجمات، والقصف لأنه كان يعرف بأن الناس يحتاجون إليه. وهذا ما يجعل منه إنساناً استثنائياً، وهؤلاء الأطباء قلة".

اقرأ أيضاً: كورونا.. وفاة مدير "الصحة المدرسية" في مصياف بحماة

كان الدكتور عدنان يحلم بافتتاح مستشفى في سوريا يقدم الخدمات الطبية مجاناً للجميع يوماً ما، ولهذا تتمنى أسرته أن تحقق هذا الحلم تكريماً لذكراه.

إذ تخطط ربا السيد زوجة الدكتور عدنان أن تواصل مزاولة مهنة الطب في سوريا، وهي تربي ابنها البالغ من العمر 14 عاماً بمفردها. في حين ينوي الابن الذي أصبح في الثامنة عشرة من عمره أن يصبح طبيباً هو أيضاً، ولهذا يفكر بدراسة الطب في أوروبا، لكنه يخطط للعودة إلى بلده ليواصل العمل الذي بدأه أبوه.

اقرأ أيضاً: وفاة طبيب سوري في بريطانيا بفيروس كورونا

لقد تحول الدكتور عدنان الجاسم إلى مصدر إلهام بالنسبة للكثيرين، حسبما ذكر الدكتور زياد الذي عاد مرات كثيرة إلى سوريا ليتطوع بالعمل فيها كطبيب، ولذلك يقول عن ابن خالته: "لقد أحب بلده، وعشق وطنه، كما كان يحب مساعدة أهله وشعبه".

  المصدر: واشنطن بوست