icon
التغطية الحية

طلاب جامعة دمشق بين أزمة الكهرباء والأسعار والمواصلات

2022.01.11 | 05:07 دمشق

hndst.jpg
كلية الهندسة- دمشق (إنترنت)
دمشق- هيام العبد الله
+A
حجم الخط
-A

"أقطع مسافة نصف ساعة مشياً من جامعتي إلى منزلي بحذائي الذي يسرّب الماء كي لا أضطرّ لدفع 1500 ليرة كإيجارٍ سيّارة أجرة مشتركة". يقول أدهم (21 عاماً) طالب هندسة النسيج في كلية الهندسة الميكانيكية بدمشق لـ موقع تلفزيون سوريا، واصفاً وجهاً من أوجه المعاناة التي يقاسيها في رحلته اليوميّة من وإلى جامعته.

وتشهد دمشق وريفها وسائر مناطق سيطرة النظام موجة غلاء غير مسبوقة بأسعار السلع الغذائيّة والاستهلاكيّة وأجور النقل، إضافة إلى تقنين جائر للتيّار الكهربائيّ يمتدّ في بعض المناطق إلى 20 - 22 ساعة انقطاع يوميّاً؛ ما ينعكس بشكل سلبيّ على طلاب الجامعات الذين يعتمد جُلهم على الحواسيب والإنترنت للقيام بوظائفهم ومتابعة شؤونهم التعليميّة.

فكيف تنعكس أزمتا الغلاء وانقطاع الكهرباء على طلبة الجامعات في دمشق؟ وما الخيارات التي يتخذونها للتأقلم مع هذا الواقع؟ وإلى جانب أزمتي الكهرباء والغلاء، ما هي التحدّيات والصعوبات التي يواجهها الطلاب الوافدون من المحافظات للدراسة في دمشق؟

الغلاء.. كابوس الطلبة في جامعة دمشق

بالإضافة إلى معاناته بسبب ارتفاع أجرة المواصلات من الجامعة وإليها، ثمّة أوجه أخرى من المعاناة التي يكابدها الطالب العشرينيّ للحدّ منها؛ ويقول أدهم: "لا يُسمح لنا بالغياب من محاضرات قسم العمليّ، وهو ما يضطرّني للذهاب يوميّاً إلى الجامعة، ولذلك لا يمكنني الالتزام بأيِّ عملٍ أو وظيفة، لذا لا يمكنني الصرف على نفسي أو شراء مستلزمات دراستي من محاضرات ومعدّات".

يعيش أدهم صراعاً داخليّاً؛ فيشعر الشاب بالخجل والعجز كلّما وجدَ نفسه مضطرّاً لأخذ مصروفه من والده المسنّ "الذي يكابر على نفسهِ في العمل" ليساعد أدهم في إتمام دراستهِ الجامعيّة.

ويحتاج أدهم إلى قرابة 150 ألف ليرة شهريّاً (نحو 40 دولاراً) يصرف جلّه على المواصلات وثمناً للمحاضرات ومستلزمات دراستهِ، ويعجز في كثير من الأحيان عن سدّ رمقه بلفافة جبنة أو مشاركة زملائه كأس شاي في المقصف: "ثمن كأس الشاي 500 ليرة وثمن سندويشة الجبنة 1500 ليرة، وبالطبع لا يمكنني شراؤهما بشكل مستمرّ لذلك كثيراً ما أتحاشى الجلوس مع أصدقائي في مقصف الجامعة".

ونتيجة للارتفاع الذي شهدتهُ السلع الرئيسيّة ولا سيّما المشتقّات النفطيّة (بنزين، مازوت) نهاية العام الفائت، أصبحت تتراوح أجرة المواصلات الدائمة إلى الجامعات كالباصات الخاصّة ما بين 30- 50 ألف ليرة شهريّاً (بين 8.5 و 14 دولاراً)، بينما تصل أجرة النقلة الواحدة من دمشق أو إليها في المركبات المشتركة (ميكرو باص أو تاكسي) إلى 3 آلاف ليرة للشخص الواحد.

وفي سياق متصل ارتفعت أسعار المحاضرات؛ فتراوح سعر المحاضرة ما بين 600 ليرة إلى 800 ليرة، ويحتاج الطالب وسطياً إلى شراء عشرين أو ثلاثين محاضرة شهريّاً حسب التخصّص، وعلى الجهة الأخرى يعاني بعض الطلبة في بعض التخصّصات من غلاء المستلزمات الرئيسيّة لمجال تعليمهم.

ريما (22 عاماً)، طالبة هندسة معلوماتيّة بجامعة دمشق، وهي واحدة من الطالبات اللواتي يعانين من عجز في تأمين المستلزمات الضروريّة لمجال تعليمها، تقول في حديثها لـ موقع تلفزيون سوريا: "نحتاج في دراستنا إلى العمل والتدرُّب على برامج حديثة حتَّى نكون مستعديّن للدخول إلى سوق العمل بعد التخرُّج، وهذه البرامج تحتاج إلى حواسيب بمواصفات عالية تتراوح أسعارها ما بينَ المليوني ليرة (570 دولاراً) وخمسة ملايين (1400 دولار)، ومجرَّد التفكير في اقتناء حاسوب بتلك المواصفات يعدُّ حلماً بالنسبة لي".

وتجاهد ريما منذ سنوات لاقتناء حاسوب يساعدها على التدريب بغية الاحتراف ولكن دون جدوى، حيث تلتزم الشابّة في دوامها الجامعيّ معظم أيّام الأسبوع وهو ما يحول دون التزامها بوظيفة ثابتة يمكنها أن تدخّر من راتبها ثمن جهاز من تلك الأجهزة.

التقنين الكهربائيّ في جامعة دمشق.. كارثة حقيقيّة

لا تقتصر معاناة طلبة دمشق على غلاء كلفة التعليم والمستلزمات الأساسيّة من محاضرات وأجهزة وأدوات، ولكن يُضاف إليها التقنين الجائر للكهرباء الذي يمتدّ إلى 20 ساعة في دمشق وإلى 22 ساعة في بعض مناطق سيطرة النظام وما يستتبعه من انقطاع للإنترنت.

زياد (20 عاماً) طالب في كلّية الهندسة المعماريّة بجامعة دمشق أيضاً، يعتمد اعتماداَ كلّيّاً على حاسوبهِ المحمول (اللابتوب) للدراسة ولتنفيذ مشاريعه الجامعيّة التي تحتاج إلى برامج تصميمٍ اختصاصيّة وفي عملهِ كمهندسٍ مع إحدى الشركات الخارجيّة، ويشكِّل انقطاع التيّار الكهربائيّ أزمة حقيقيّة لزياد الذي يوضح لـ موقع تلفزيون سوريا: "لا أرى الكهرباء إلّا لساعة أو لنصفها كلّ ستّ ساعات هنا في سقبا (ريف دمشق)، وعند اشتداد البرد لا تأتي الكهرباء أبداً في مدينتنا، وهو ما يضطرَّني للذهاب إلى المقاهي التي تستعمل المولّدات لإتمام عملي أو دراستي".

ويضيف: "إذا كنت سأذهب كلّ يوم إلى مقهى بسبب الكهرباء والإنترنت، فسأضطرّ لدفع مرتَّبي الشهريّ كاملاً في تلك المقاهي، وبالتالي لن يكون لعملي أيّة نتيجة".

أمّا أدهم فيعلق: "الكهرباء هي الكارثة الحقيقيّة، فانقطاعها يعني عدم القدرة على الدراسة أو العمل أو القيام بأيّ شيء آخر، لأنّ كلّ شؤوننا الجامعيّة وغير الجامعيّة تحتاج إلى الحواسيب والإنترنت".

وصرّح وزير الكهرباء في حكومة النظام "غسان الزامل" الشهر الماضي أنّ سبب زيادة ساعات التقنين هو اعتماد المواطنين على الكهرباء للتدفئة والطبخ إلى جانب استخدامهم أدوات كهربائية ذات نوعية "رديئة" تستهلك الكثير من الطاقة، بحسب تعبيره.

وكان قد سبق للزامل أن تنبّأ بشتاء بارد للسوريين في أكتوبر/ تشرين الأوَّل من العام الماضي متذرّعاً بالنقص الكبير في كمّيات الغاز والمحروقات، ووصلت اليوم ساعات التقنين في بعض مناطق دمشق وريفها (صحنايا، داريا، جرمانا، التضامن..) إلى 20 أو 22 ساعة يوميّاً.

الوافدون إلى جامعة دمشق.. أزمات مضافة

وبينما يكابد زياد وأقرانه للتكيّف مع أزمات كالغلاء وانقطاع التيّار الكهربائيّ والإنترنت، يضطرّ حسّان (24 عاماً)، الطالب الوافد من قرية سلمى في ريف اللاذقيّة للدراسة في دمشق، إلى العيش تحت وطأة أعباء مادّيّة وخدميّة مضاعفة، حيث يدفع مبلغ 100 ألف ليرة (28 دولار) كإيجار شهريّ للشقّة التي يتشارك وزملاؤه العيش فيها؛ لعدم توفّر غرف شاغرة في السكن الجامعيّ في دمشق.

ويضاف إلى هذا المبلغ ثمن المواد الرئيسيّة من خبز وغاز والتي يشتريها حسّان ورفاقه غير مدعومةٍ كونهم لا يملكون "بطاقة ذكيّة"، علاوةً على تكاليف السفر بينَ المحافظات، يقول: "تخلّيت عن تقليد الزيارة الشهريّة لمنزل والديّ توفيراً للمال بعدما وصلت تذكرة (بولمان) دمشق- اللاذقية إلى 10 آلاف ليرة (3 دولارات)".

ويضيف: "نضطرّ إلى تعبئة جرّة الغاز (أسطوانة) بـ40 ألف ليرة (11 دولاراً)، بينما نشتري ربطة الخبز بـ 1500 ليرة، هذا عدا عن مصاريف المأكل والمشرب والمواصلات من وإلى الجامعة".

وإلى جانب حسّان يوجد الآلاف من الطلبة الوافدين إلى دمشق والذين يعانون من أزمات مشابهة؛ فتحكي ليليان لـ موقع تلفزيون سوريا: "استأجرت وصديقاتي شقّة غير مفروشة في مدينة جرمانا بمبلغ 275 ألف ليرة شهريّاً (79 دولاراً)، ولم نستطع تدبّر شيء من لوازم المنزل إلا بعض "فرشات" النوم وغازا صغيرا لتسخين طعامنا ومشروباتنا، لكنّنا بالمقابل نضطرّ إلى غسل الملابس على أيدينا حتّى في أيّام البرد، وليس لدينا برّاد لحفظ أطعمتنا ولا مدفأة نستدفئ بها".

وإزاء كلّ تلك المصاعب والضغوطات التي يتعرَّض لها الطلبة في دمشق وريفها، لا تلوح في أفقهم حلول سوى الهجرة خارج البلاد كونهم _بحسب ليليان_ لا يأملون بتحسُّن الأوضاع التي لا تنفكّ تزداد سوءا.