icon
التغطية الحية

شح المياه يُهدد محاصيل عفرين.. الأسباب والحلول

2023.08.06 | 06:46 دمشق

1
قطاف الزيتون في مدينة عفرين - الأناضول
+A
حجم الخط
-A

اضطر مئات المزارعين في منطقة عفرين بريف حلب شمالي سوريا، للتخلي عن حقولهم، وتركها هذا العام من دون سقاية بسبب تدني منسوب المياه في المنطقة إثر عوامل عدّة ضربت المنطقة، ليُترك المزارعون النازحون لمصيرهم، وسط مساع مستمرة في إيجاد حلول إسعافية كلفتهم الكثير من دون جدوى.

ومنذ أشهر تعالت أصوات الفلاحين في مناطق جنديرس ودير بلوط وعفرين لإيجاد حلول جذرية تُنقذ المنطقة من كارثة حتمية، متهمين الجانب التركي والسلطات المحلية بعدم مراعاة حال الفلاحين ومستقبل أراضيهم.

وتحظى منطقة عفرين بتنوع محاصيلها وزراعاتها بدءاً من الأشجار المثمرة كالزيتون والرمان والتفاح والفستق الحلبي والجوز وغيرها، وانتهاءً بالخضراوات الموسمية، إذ يعود غنى هذه المنطقة بالزراعة لتحليها بمقومات عدّة من أبرزها المناخ المناسب ووفرة المياه وخصوبة التربة وسهولة الحصول على المياه الجوفية.

وتبلغ المساحة المزروعة في منطقة عفرين 92 ألفاً و981 هكتاراً، إذ تمثل أشجار الزيتون نسبة 90 في المئة مع عدد يقارب 14 مليون شجرة، في حين بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل الأخرى 10 في المئة تقريباً.

كارثة تُهدد المزروعات

أحمد غنام مزارع في مدينة عفرين يقول لـ"تلفزيون سوريا" إنه اضطر هذا العام إلى زراعة أرضه البالغة ثلاثة آلاف متر مكعب مرة واحدة فقط، إثر انخفاض مستوى المياه في الآبار الجوفية وتراجع ساعات التشغيل، بالإضافة إلى قطع المياه من الجانب التركي وامتناعه عن تعويض النقص الحاصل في مياه منطقة عفرين إثر الجفاف.

وأضاف غنام أنه سنوياً يزرع أرضه ثلاث مرات، لكن هذا العام وقف عاجزاً أمام قلّة المياه، وغياب الحلول من قبل المجلس المحلي لعفرين والجانب التركي الذي يرعى المنطقة، لافتاً إلى أن استمرار الحال يُنذر بكارثة تهدد المزروعات وقلة الإنتاج، وخاصّة أن منطقة عفرين تعتبر السلة الغذائية في الشمال السوري لخصوبة أرضها ووفرة مياهها.

ولا يختلف الأمر عند المزارع محمد السامي الذي يقطن مدينة عفرين، إذ أوضح أن الجانب التركي هو المسؤول بالدرجة الأولى عن الجفاف الحاصل في عفرين، مؤكداً خلال حديثه لـ"تلفزيون سوريا" أن كثيرين من مزارعي عفرين الأصليين أو النازحين أصبحوا في حالة يأس لأن مزارعهم قد جفت تماماً.

وصبَّ السامي جام غضبه على السلطات التركية في المرتبة الأولى والسلطات المحلية في عفرين على وجه الخصوص، قائلاً: "لا أحد يساعدنا.. لا منظمات إغاثة ولا أي جهة".

أسباب قلة المياه

مدير غرفة الزراعة في منطقة غصن الزيتون، غازي عجيني، قال لـ"تلفزيون سوريا"، إن الخسارات التي يشكو منها المزراعون في المنطقة إثر قلّة المياه وانخفاض منسوبها تعود لثلاثة أسباب أولها انخفاض مياه سد ميدانكي عقب الزلزال الذي ضرب المنطقة في شهر شباط الماضي، إذ قرّرت لجنة المهندسين في غصن الزيتون وقتئذ بفتح المياه على الأراضي الزراعية وخفض منسوب مياه السد تخوفاً من زلزال مرتقب، إذ تم تزويد المزارعين بالمنطقة بمياه وفيرة استطاعوا سقاية محاصيل القمح.

والسبب الثاني وفقاً لعجيني يعود إلى غياب الوعي الكافي لدى المزارعين بقوانين الري في المنطقة وتحديداً المزارعين المهجرين من أرياف حماة وإدلب، والذين يقومون باستئجار أراضي أهالي عفرين ويسعون خلال سنة واحدة إلى زرع الأرض أربعة محاصيل متتالية، من دون دراية كافية منهم بأن مياه سد ميدانكي الذي يُغذي المنطقة لا تكفي سوى لموسم واحد، الأمر الذي اعتبرَه المزارعون بأنهم تعرضوا للخسارة أمام أجور استئجار الأرض سنويا والتي لا تقل عن 1500 دولار لكل هكتار في عام واحد.

وأرجع عجيني خلال حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا" تراجع منسوب المياه أيضاً إلى قلة الأمطار الموسمية العام الماضي على عفرين والجفاف الذي يضرب البلاد منذ ثلاث سنوات والذي تأثرت به أنهار سوريا عموماً من أبرزها نهرا الفرات والخابور اللذان انخفضت نسبة مياههما إلى أمتار.

سد ميدانكي

يقع سد ميدانكي على بعد 70 كيلومتراً من مدينة حلب (غرباً) و12 كيلومترا عن مدينة عفرين بالقرب من قرية ميدانكي، كما تكمن أهميته باعتباره منشأة مائية ضخمة تزوّد المنطقة بالمياه، وكان يضم مضخات لإرواء المناطق حتى مدينة اعزاز شمالي حلب.

يخزن السد المياه بحجم 190 مليون متر مكعب، ويروي مساحة أكثر من 31 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في منطقة عفرين، وكان يؤمن مياه الشرب لعفرين واعزاز بكمية 15 مليون متر مكعب قبل بداية الثورة.

وفق إحصائيات مشروع السد الذي دشن في نيسان 2004، فإن ارتفاعه يبلغ 73 مترا، يتربع على بحيرة بطول 14 كيلومترا وعرض 650 متراً.

سد الحمام لتغذية الأراضي التركية

يُقدر المهندس الزراعي يوسف الحسن المعروف بـ"أبو خالد الكرنازي" الذي يملك صيدلية زراعية في بلدة جنديرس أن نسبة الأراضي المتضررة إثر قلة المياه تتراوح بين 50 إلى 60 في المئة من أراضي منطقة عفرين، مؤكداً أن مئات الأراضي تعرضت للجفاف ما أدّى إلى فقدان المزارعين لمحاصيلهم.

وأوضح في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن السبب الرئيسي وراء قلة المياه هي قيام تركيا باستجرار مياه عفرين وميدانكي إلى سد الحمام الذي أنشأته منذ قرابة العامين والتي بدورها تقوم بسقاية الأراضي التركية عن طريقه، من دون النظر إلى حال الأراضي السورية أو تعويض النقص الحاصل.

وأشار إلى أن قلة منسوب المياه يعود أيضاً إلى فقدان المياه المخزنة في سد ميدانكي عقب حدوث الزلزال، إذ عملت السلطات في المنطقة على هدر المياه في الأراضي الزراعية خوفاً من انفجاره، لافتاً إلى أن الحل الوحيد لتجاوز هذه الأزمة هو فتح تركيا المياه من جانبها إلى سد ميدانكي وتعويض النقص الحاصل، بيد أن تركيا ترفض إلى اليوم هذا الإجراء.

ولفت إلى أنه إذا نظرنا اليوم إلى السبب الحقيقي وراء هذه المشكلة فالسبب عائد أيضاً إلى طمع أصحاب الأراضي في عفرين في تضمين أراضيهم سنوياً بمبالغ كبيرة إلى المزارعين المهجرين الذين يعملون على زرع الأرض 4 مرات في العام الواحد، الأمر الذي يُسبب في هلاك الأرض وعدم إجراء دورتها الزراعية المطلوبة وبالتالي عدم إنتاج الأرض بشكلها الطبيعي والمطلوب.

وأكّد أن هنالك نسبة 60 في المئة من المزارعين يقومون بزرع أراضيهم موسمين في العام و30 في المئة منهم يزرعون أراضيهم ثلاث مرات و10 في المئة 4 مرات، مضيفاً أن أصحاب بساتين الزيتون مسبقاً كانوا يعتمدون على أشجار الزيتون فقط، ولكن اليوم باتوا يعرضون المساحات بين أشجارهم للنازحين طمعاً منهم، إذ بات إيجار الأرض البالغة مساحتها هكتاراً واحداً بين الزيتون 500 دولار أميركي، وباتوا يزرعونها "كمون وحبة البركة والفول وأصناف بقوليات أخرى"، ما تسبب بهلاك الأرض وحاجتها لمياه أكثر.

أهمية عفرين

تُصنف منطقة عفرين على أنها منطقة جبلية، إذ تتميز بتنوع تضاريسها بين الجبال والسهول، ويمر منها نهر عفرين الذي يعتبر من أهم المصادر التي تمد الأراضي الزراعية السورية بالمياه، ويمتد ضمن الأراضي السورية مسافة 85 كيلومتراً، كما تضم عفرين سد ميدانكي الذي أنشئ عام 1984 والذي كان يُعرف بـ"سد 17 نيسان"، والذي شكل خلفه بحيرة واسعة، ما جعل المنطقة المحيطة بالبحيرة مركز اصطياف.

وتشتهر منطقة عفرين أيضاً بإنتاج زيت الزيتون والحمضيات والكروم، وتعتبر مركزاً تجارياً وإدارياً مهماً في شمالي سوريا، وإلى اليوم تعتبر عفرين السلة الغذائية الأوفر في شمالي سوريا، كما تضم المنطقة معامل ومنشآت صناعية كبيرة، خصوصاً تلك التي تعتمد على المنتجات الزراعية مثل معاصر الزيتون.

حرب المياه مشروع صهيوني دولي

بدوره، يرى المحلل والخبير الاقتصادي عمر الحبال في حديث خاص لموقع "تلفزيون سوريا" أنه لفهم قضية مياه نهر عفرين لا بد من الإضاءة على جذور حرب المياه في البلاد العربية، موضحاً أن بناء السدود على الأنهار الدولية وتعبئتها لإنتاج الطاقة الكهربائية وتنظيم تدفق المياه ليست مشكلة، لكن الكارثة تكمن عندما يتم توزيعها داخل دولة ما على حساب الدول الأخرى التي تشترك معها في مياه تلك الأنهر منذ آلاف السنين لتبني حضارات عظيمة على شواطئها وأهمها حضارات ما بين النهرين.

واسترسل قائلاً: "منذ أوائل عام 1973 ظهرت مخططات حصلت وزارة الزراعة العراقية وقتئذ على نسخة منها، لبناء سلاسل من السدود مع عشرات آلاف الكيلومترات من الأقنية الرئيسية والفرعية على نهري دجلة والفرات لتقوم بتوزيع مياه دجلة والفرات إلى داخل تركيا شرقاً وغرباً من المنابع حتى حدود سوريا والعراق، يومئذ سمعتُ معاون وزير الزراعة في دولة الوحدة بين مصر وسوريا، العميد مصطفى حمدون يقول: "ما لم يكن لدينا 2000 طائرة لدكّ تلك السدود فلن تصل قطرة ماء لا لسوريا ولا للعراق، لأنه كان واضحاً أنه ليس مجرد مشروع اقتصادي بل مشروع حرب مدمرة يهدف إلى تمكين تركيا من هضم مياه دجلة والفرات على حساب سوريا والعراق.

وأكمل: "تلك الدراسات والمخططات قامت بها مؤسسات دولية خارجية عندما كانت تركيا في الحضيض مالياً واقتصادياً وسياسياً فأتت هذه الدراسات وتنفيذها، والتي موَّلها صندوق النقد الدولي وتبنّتها تل أبيب كمشروع طويل الأمد لتدمير وتهجير الشعبين السوري والعراقي، وهذا الذي بتنا نلمس نتائجه بعد خمسين عاماً من ظهور دراساته".

وتابع الحبال: "يهدف المخطط إلى تعطيش سوريا والعراق وتهجير وتدمير حضارات ما بين النهرين ولتصبح سوريا والعراق صحارى لا تكاد تكفي لرعي الأغنام وتهجير مدن عظيمة قدمت للبشرية ما لم تقدمه أقوام أخرى عبر التاريخ".

خلاصة الكلام، إن حال المياه الذي وصلت إليه سوريا، يؤكد تدهورها على كل النواحي، ومن أبرزها الناحية الكمية، ما يُهدد مستقبل الزراعة في شمالي سوريا، وعدم قدرة السوريين في السنوات المقبلة على توفير الغذاء نتيجة نقص المياه، وسيمتد أثر تردّي واقع المياه إلى بقية الأنشطة من الصناعة والسياحة.