icon
التغطية الحية

شح الأمطار وجفاف الأودية والصقيع.. تحديات ترهق مزارعي شمالي سوريا

2023.03.10 | 05:13 دمشق

مشاكل الزراعة شمالي سوريا
يشهد ريف حلب الشمالي موجة صقيع حادة بينما تسبب شح الأمطار في استنزاف مخزون المياه الجوفية
حلب - حسين الخطيب
+A
حجم الخط
-A

يواجه المزارعون في منطقة ريف حلب الشمالي والشرقي، تحديات كبيرة نتيجة شح الهطولات المطرية المعتادة خلال فصل الشتاء، حيث انخفضت إلى مستويات قياسية خلال الأعوام الزراعية الماضية، ما ساهم في تراجع إنتاج مختلف أنواع المحاصيل الزراعية، فضلاً عن تأثرها بموجات الصقيع.

وتسبب شح الهطولات المطرية في استنزاف مخزون المياه الجوفية من قبل المزارعين الذين بدؤوا يكثفون عدد الآبار بغية تغطية الأراضي الزراعية التي كانت تعتمد على الزراعة البعلية، مستخدمين الطاقة الشمسية التي وفرت عليهم تكاليف باهظة، ما زاد استهلاك المياه الجوفية في الزراعة.

فيما اتجه بعض المزارعين، في مناطق اعزاز وصوران ومارع، إلى ري مشاريعهم الزراعية عبر الأودية التي تعتمد على الهطل المطري، وهذه الأودية تجري في الأراضي الزراعية، وتعتمد على الهطل المطري في جريانها، لكنها في الوقت ذاته لا تغطي الحاجة في ظل حجم الاستهلاك والاستغلال.

شح الهطولات المطرية

يترقب المزارع محمد شوكان، 45 عاماً، بشكل يومي نشرة الطقس على هاتفه المحمول، كونه يملك أرضاً تقع في قرية سندف بريف حلب الشمالي، ويزرعها بمحاصيل زراعية في مقدمتها القمح والشعير، وتعد الزراعة، حسب وصفه، مدخولاً سنوياً يعينه على تأمين احتياجات عائلته.

وقال شوكان لموقع "تلفزيون سوريا" إن زراعته "ترتبط بالهطولات المطرية الشتوية، التي تساهم في نموها وإنتاجها، لكن انخفاض نسبه الهطل المطري يهدد محصولي الزراعي، ولا سيما أنني استدنت الحبوب والأسمدة من التجار، بهدف زراعة الأرض وسدادها عند الحصاد حسب الاتفاق".

وأضاف أنه "خلال العام الماضي، لم تكفِ منتوجات المحاصيل الزراعية التكاليف الموضوعة، بمعنى أن نسبة الربح ضعيفة جداً، وكان مصراً على إيجار أرضه الزراعية لهذا العام عوضاً عن زراعتها، لكنه لا يستطيع فالأرض ترتبط به ولا عمل له سوى الزراعة".

وبلغت نسبة الهطل المطري التراكمي إلى السنوي، خلال هذا العام في منطقة الشمال السوري بأحسن أحوالها، 45 %، في 5 و6 و7 من شهر شباط الماضي، لكنها في الغالب كانت تتراوح بين 30 و35 %، ما يعني أن الهطولات المطرية منخفضة بشكل كبير، ما انعكس سلباً على القطاع الزراعي في المنطقة.

وقال مدير مديرية زراعة حلب في الحكومة السورية المؤقتة، حسن الحسن، إن "نسبة الهطول المطري 45 % من المعدل السنوي في أغلب المناطق، تعتبر نسبة قليلة، بعد انقضاء أغلب فصل الشتاء، ولا سيما شهري كانون الثاني وشباط".

وأضاف الحسن، خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، أن "توزع الأمطار كان مقبولا إلى حد ما، باستثناء انقطاع الهطول المطري من تاريخ 29 تشرين الثاني حتى 21 كانون الأول، حيث كانت نسبه الهطول المطري ضعيفة جداً ولم تتجاوز 2 ملم، ما وضع المزارعين في موقف محرج للغاية، وخاصة أن ذلك التوقيت يرتبط بوقت البذار".

جفاف الأودية

تعتمد نسبة كبيرة من المزارعين في مدن وبلدات مارع واعزاز وصوران، وعفرين على مياه الأودية لري المحاصيل الزراعية، وتعويض الجفاف الحاصل عن الهطولات المطرية في الشمال السوري، والذي دفع معظم المزارعين إلى العزوف عن الزراعة، والعمل في مهن مختلفة.

فيما يدخل الشمال السوري عشرات الأودية قادمة من الأراضي التركية بأسماء مختلفة بحسب ما يطلق عليها في كل مدينة وبلدة، وتشكل مياه الأمطار التي تهطل والثلوج على أعالي الجبال والسفوح الجبلية مصدراً أساسياً لجريانها، لكن على ما يبدو أن نسبة الهطل المطري في الأراضي الجنوبية التركية مماثلة لنسبة الهطل المطري في سوريا ما أدى إلى جفاف الأودية رغم عدم جفافها خلال السنوات الماضية.

المزارع مصطفى الرشيد، يملك أرضاً زراعية في محيط وادي طفشين شمالي منطقة مارع في ريف حلب، ويروي أرضه الزراعية من الوادي خلال فترات جريانه، التي باتت نادرة خلال فصل الشتاء والتي لا تتجاوز 12 ساعة فقط، بسبب الاستهلاك الكبير وشح المياه الواردة في الوديان.

قال الرشيد لموقع "تلفزيون سوريا" إن "ري الأراضي الزراعية عبر الوادي تعويضاً لشح الهطل المطري الذي كنا نعتمد عليه، وخلال السنوات الماضية التي كانت جافة في بعض الأحيان لم يتوقف الوادي فالهطل المطري في الجانب التركي جيد نسبياً، لكن هذا العام كان الجريان شحيحاً".

ويضيف أن "معظم المزارعين توجهوا إلى الري عبر الوادي، لكن يتم قطعه من بعضهم حتى تعبئة خزان ترابي من المياه (بركة)، وهو مجهز للري، ما تسبب في عدم وصول المياه بكميات كافية إلى أرضي الزراعية مما يهدد في جفاف المحصول الزراعي".  

وأوضح أن "عددا من المزارعين الذين يعتمدون على الري من المياه الجوفية توجهوا إلى الري عبر الأودية بغية توفير تكاليف استجرار المياه، من جوف الأرض ثم إلى خزان المياه (البركة)، ومنها إلى خطوط الري، وهذه الطريقة تكلف ثلاثة أضعاف الري عبر الأودية".

ويعد جريان الأودية فرصة يمكن استغلالها، كونها لا تخضع بطبيعة الحال لسلطة قانونية تحقق الاستفادة لجميع المزارعين، مع الإبقاء على نسبة جيدة من الجريان، وإنما تعم فيها الفوضى فكل شخص وسلطته يرغب بري محصوله الزراعي بأكبر الكميات، بينما لا يحصل العديد من المزارعين على إمكانية الري لمرة أو مرتين في السنة.

كما أن توجه المزارعين أصحاب الآبار الزراعية الذين يستهلكون كميات كبيرة من المياه لري المحاصيل كالبطاطا والفول وغيرها التي تحتاج إلى ري مضاعف، ساهم في تقليل فرصة حصول مزارعين آخرين على مياه الأودية.

الصقيع يهدد القطاع الزراعي

وتشهد منطقة ريف حلب الشمالي موجة صقيع حادة من شأنها الضرر للمحاصيل الزراعية، حيث سجل آخر هطول مطري في 7 شباط الماضي، وبحسب توقعات الأحوال الجوية، فإن موجة الصقيع مستمرة لأسبوع آخر، ما يعني أن الوضع يزداد سوءا أمام المزارعين.

وقال المهندس حسن الحسن إن "موجات الصقيع المتلاحقة والجفاف المطبق على المنطقة لها تأثير واضح على الحقول البعلية، حيث يتطلب النبات كمية من المياه لتعويض الضرر الناتج عن الصقيع، ويجب توفيرها عن طريق الري في حال الجفاف وانقطاع الهطول المطري وإلا يتراكم أضرار الصقيع وبعده أضرار الجفاف".

وأضاف أن "المزارعين الذين يملكون مصدرا مائيا بديلا عن الأمطار، وقاموا بتعويض من خلال ري المحصول الزراعي لمرة واحدة على الأقل، فإن نسبة الضرر ضعيفة مقارنةً مع المزارعين الذين لم يستطيعوا ري محاصيلهم، لا سيما أنه خلال الفترة القريبة القادمة لا يوجد أي مؤشرات لمنخفض قادم".

 وأوضح مدير مديرية زراعة حلب في الحكومة السورية المؤقتة أنه خلال العام الماضي تعافت الحقول التي تم ريها، بعد موجة الصقيع بشكل واضح واستعادت نشاطها، أما الحقول البعلية وخاصة في منطقة الباب وجرابلس فلم تصل لمرحلة الحصاد، لذلك حق المزارع التخوف على محصوله نتيجة الظروف البيئية التي سادت المنطقة في السنوات الأخيرة.

إلى ذلك، يبقى المزارعون في الشمال السوري أمام محنة كبيرة، تحيكها تحديات واقعية متأثرةً بالتغيرات المناخية والبيئية التي ما زالت تحاصرهم من كل حدب وصوب، وتهددهم بالجفاف، في وقت تمثل الزراعة مصدر رزق لمعظم سكان المنطقة.