icon
التغطية الحية

سورية من بين كل اثنتين تعرضت لشكل من أشكال العنف الرقمي

2022.12.10 | 20:35 دمشق

التعليقات المسيئة والرسائل غير المرغوب بها أكثر أشكال العنف الرقمي الذي تتعرض له النساء (موقع تلفزيون سوريا)
التعليقات المسيئة والرسائل غير المرغوب بها أكثر أشكال العنف الرقمي الذي تتعرض له النساء (موقع تلفزيون سوريا)
إسطنبول - مزنة عكيدي
+A
حجم الخط
-A

"أرسلي لي 500 دولار أميركي أو سأنشر صورك بأوضاع غير لائقة، فقد تمكنت من اختراق كاميرا حاسوبك واستوديو الصور خاصتك". هذه كانت الرسالة التي تلقتها غنى بعد أن تمكن شخص مجهول من اختراق بريدها الإلكتروني.

في عصر الإنترنت انتقلت السلوكيات الاجتماعية السلبية إلى الفضاء الرقمي وكان تطورها وسهولة القيام بها ثمناً للانفتاح التكنولوجي. ثمناً لعل النساء يدفعن القسم الأعظم منه، فقد تحولن لفرائس سهلة الوصول من قبل وحوش افتراضيين، وأصبحن عرضة للعنف الرقمي من ابتزاز، وتحرش، وتهديدات بالأمن أو السلامة، وأحياناً ورقة ضغط لتصفية حسابات لم يكنّ طرفاً فيها، فتتحكم بتصرفاتهن على الإنترنت انتهاكات يجرمها القانون ويعاقب عليها في حال اخترن الوقوف في وجهها.

ابتزاز إلكتروني عابر للقارات يخترق أنظمة عالية الأمان

غنى سيدة سورية في عامها الـ39 اختارت دراسة الماجستير في إحدى جامعات إسطنبول وكأحد الأنظمة في الجامعة يتم إنشاء بريد إلكتروني للطالب المنتسب باسمه الشخصي الكامل على معرفات الجامعة. تقول غنى لموقع تلفزيون سوريا إن المشكلة بدأت عندما فقدت القدرة على استخدام بريدها الإلكتروني لتتفاجأ بكمية هائلة من الرسائل ذات محتوى فاضح أرسلت باسمها الشخصي لمستخدمين آخرين، ووجدت في صندوق بريدها الوارد رسالة تهديد من مخترق البريد يخيرها فيها بين دفع 500 دولار أميركي أو نشر صور لها بأوضاع غير لائقة بعد أن اخترق كاميرا حاسوبها واستوديو الصور خاصتها.

عند تعقب موقع الرسائل الجغرافي تبين لغنى بأنها أرسلت من عدة بلدان ما يرجح بأن المبتزين مكونون من فريق يتوزع في عدة مواقع.

يوضح المحامي حسام الدين أوغلو مسؤول القسم العربي في شركة "ايتشر" (içer) مفهوم الجرائم الإلكترونية قانونياً في حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا، ويفيد بأن أي اعتداء معلوماتي يقوم به الجاني باستخدام وسائل الاتصال الحديثة بهدف ابتزاز الضحية أو تشويه سمعتها بغرض تحقيق مكاسب مادية أو معنوية وحتى سياسية، وتوفر هذه الخصائص يعني التعرض لجريمة إلكترونية بغض النظر عن مكان وجود الجاني وحدوده الجغرافية.

لجأت غنى إلى فريق الدعم التقني في الجامعة الذين عبروا عن استغرابهم الشديد بعد أن أكدوا لها بأن أنظمة الجامعة عالية الأمان ولا يمكن اختراقها إلا في حال مشاركة كلمة سر البريد الإلكتروني مع أحد ما، وهذا ما جزمت غنى بعدم حدوثه.

تواصل موقع تلفزيون سوريا مع فريق "سلامتك" المختص بالأمن الرقمي لتوضيح أسباب حدوث اختراقات من هذا النوع الذين وضحوا أنه لا يمكن الجزم بسبب حدوث هذا الاختراق دون القيام بتحليل جنائي رقمي عملي. لكن نظرياً هنالك عدة أسباب محتملة أبرزها:

عدم تأمين الناجية لحسابها بشكل صحيح، حيث يتوجب استخدام كلمة سر قوية طويلة وفريدة من نوعها وتفعيل ميزة التحقق بخطوتين على كل حساب أو منصة توفر هذه الميزة، أو قد يكون السبب تحميل الناجية لبرنامج خبيث أو النقر على رابط خبيث قد وصلها من جهة ما وأدى إلى سيطرة المهاجم على ملفاتها وتشغيل الكاميرا الخاصة بها. وأخيراً يقول فريق سلامتك إن السبب قد يكون وقوع غنى ضحية لهجوم "هندسة اجتماعية"

ويوضح فريق سلامتك مفهوم "الهندسة الاجتماعية" في سياق أمن المعلومات والأمن الرقمي بأنها تتحقق من خلال استخدام الحنكة والحذاقة من قبل المهاجم، لخداع الضحية بحيث تقوم بشكل إرادي وطوعي بكشف معلومات سريّة للمهاجم أو إعطائه الفرصة للوصول للمعلومات السرية. ولا تعتمد أساليب الهندسة الاجتماعية على معرفة تقنية عميقة فيتسطيع أي شخص يتوفر لديه قدر معين من الحنكة والدهاء القيام بهجمات "الهندسة الاجتماعية".

وعند التعرض لمشكلات مماثلة يوفر مشروع سلامتِك الهادف لتعزيز مفهوم المواطنة الرّقمية الآمنة لدى المجتمع السوري جميع الأدوات والسلوكيات اللازمة لاستخدام شبكة الإنترنت بشكل آمن وفعال، ويقدم مختلف أنواع الدّعم والمساعدة التقنية العاجلة للأفراد والمؤسسات للحد من المخاطر الرقمية.

فتاة تستخدم لتصفية حسابات مع والدها

في أوساط تعتبر الأنثى فيها كياناً يسهل المساس به تتحول النساء والفتيات إلى وسيلة للي الذراع  وأداة لتصفية الحسابات والخلافات حتى وإن لم تكن طرفاً مباشراً بها، وهذا ما حدث مع سما (16 عاماً) المقيمة في مرسين بعد أن جرى خلاف بين والدها ومجموعة من زملائه في العمل حسب روايتها.

 تقول سما لموقع تلفزيون سوريا إنها على الرغم من عدم امتلاكها لصفحة شخصية على فيس بوك تهافتت على والديها رسائل من المعارف والأصدقاء يستنكرون فيها رسائل مخلة مرسلة من صفحة تحمل اسم ابنتهم.

وتوضح سما أن الأمر تزامن مع خلافات بين والدها وأشخاص عاملين معه، وعلى الرغم من تأكد والدها من أن أصحاب المشكلة هم من انتحلوا شخصيتها بصفحة زائفة انتقاماً منه إلا أنه فضل عدم اللجوء للشرطة تجنباً للتعرض لضغوطات أكبر واكتفى بالاستعانة بأحد الأقارب التقنيين لإغلاق الصفحة المزيفة.

تتحدث سما عن قساوة تلك التجربة وأثرها النفسي عليها وتقول إنها حتى مع معرفة الجميع في النهاية بأنها ليست صاحبة الرسائل المخلة إلا أنها تشعر بالخجل عند مقابلة كل شخص تلقى محتوى فاضح باسمها.

أجرى تلفزيون سوريا استطلاع رأي شمل 52 سيدة من مختلف الفئات العمرية والحالات الاجتماعية لاختبار العنف الرقمي وأثره على السيدات السوريات، ووفقاً  لنتائج الاستطلاع تعرضت واحدة من كل سيديتن لشكل من أشكال العنف الرقمي مثل تلقي رسائل غير مرغوب فيها، تعليقات مسيئة، تحرش عبر الإنترنت، تسريب أو مشاركة للبيانات الشخصية، ابتزاز إلكتروني أو أي نوع من أنواع المضايقات عبر الإنترنت.

استطلاع رأي

معجب مهووس

تعتبر الشخصيات العامة وصفحاتهم بيئة خصبة للانتهاكات الإلكترونية فيسمح المتابعون لأنفسهم بانتهاك خصوصية تلك الشخصيات وأحياناً ينصبون أنفسهم أوصياء على تلك الشخصية ويحق لهم التدخل في أدق التفاصيل. أجرى تلفزيون سوريا حواراً مع مؤثرة سورية على مواقع التواصل الاجتماعي تقيم في تركيا، فضلت عدم الإفصاح عن هويتها واختارت اسماً مستعاراً هو "رنا"، نظراً لحساسية قصتها وحفاظاً على سلامتها بحسب تعبيرها، فرنا التي يتابعها أكثر من 100 ألف متابع على منصتي فيس بوك وانستغرام، تعرضت لعنف وابتزاز رقمي وصل بها حد تغيير منزلها ورقم هاتفها خوفاً على سلامتها.

بدأت قصة رنا حين أراد أحد المتابعين الارتباط بها، وبعد رفض رنا المتكرر لهذا الارتباط بدأ هذا الشخص يرسل إليها تهديدات على عدة مستويات، مثل نشر معلومات مغلوطة عنها وفضحها أمام المتابعين وإلحاق الضرر بها كشخصية عامة، وتهديدات أخرى تتعلق بأمنها وسلامتها فضلت عدم الإفصاح عن تفاصيلها.

استطاعت رنا توثيق تلك التهديدات وقدمتها لمحامي ضغط من خلالها على الجاني وتمكن من إيقافه عن انتهاكاته بعد أن شرح له تبعات سلوكياته قانونياً، وتراجعت رنا عن تقديم شكوى بعد تعهد المعجب بعدم التعرض لها مجدداً.

ينصح فريق سلامتك بالتروي عند التعرض للعنف الرقمي، والمسارعة بتوثيق المحادثات وجمع الأدلة كلقطاتٍ للشاشة أو تسجيلاتٍ تثبت التهديد والابتزاز. بالإضافة الى أي دليل يمكن أن يدين المبتز من أجل ملاحقته قانونياً.

ويشير المحامي آغا أوغلو بأن المقيمين في تركيا الذين يتعرضون لأي نوع من الجرائم الإلكترونية يستطيعون تقديم شكوى إلى أقرب مركز أمني بوساطة وحدة الجرائم الإكترونية في الولاية التي يقيمون فيها، كما يستطيع السوريون تلقي الدعم  اللازم من خلال الاتصال بالرقم 157 الناطق باللغة العربية والمخصص من قبل دائرة الهجرة لخدمة الأجانب وتلقي شكاويهم.

أوصياء افتراضيون

على الرغم من أنها كانت الأقسى إلا أن تجربة رنا مع المعجب المهووس لم تكن التجربة السلبية الوحيدة التي تعرضت لها كشخصية عامة "امرأة" على مواقع التواصل الاجتماعي، فتقول رنا إنها عانت كثيراً من تعليقات المتابعين المسيئة وتساؤلهم المستمر عن رجال عائلتها "عديمي الأخلاق" الذين يسمحون لها بارتداء ملابس معينة والظهور العلني على مواقع التواصل الاجتماعي.

تقول رنا "يسمح المتابعون لأنفسهم بوضع المرأة بقوالب معينة من حيث اللباس وطريقة الظهور، وخروج المرأة عن القوالب التي في أذهانهم يعطيهم الإذن بأن يكونوا أوصياء عليها وينتقدوها بطريقة تسيء لها ولعائلتها أحياناً ".

 التعرض لضغوطات مستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي دفع رنا لإغلاق حساباتها لفترة مؤقتة، أو تخصيصها وجعلها صفحات مغلقة أحياناً، فيما تعتمد الآن سياسة إغلاق التعليقات على صفحاتها لتجنب التعرض لمضايقات من هذا النوع.

وفقاً  لنتائج الاستطلاع الذي أجراه تلفزيون سوريا تأتي "التعليقات المسيئة" في المرتبة الثانية بعد "تلقي رسائل غير مرغوب فيها" التي حلت بالمرتبة الأولى كأحد أكثر أشكال العنف الرقمي ضد النساء، ويتحكم قلق التعرض للعنف الرقمي بسلوك ثلثي  النساء على الإنترنت مثل لجوئهن إلى عدم مشاركة صورهن الشخصية أو حذفها، أوعدم التعليق أو المشاركة في الصفحات العامة، وأحياناً الاضطرار إلى تغيير رقم الهاتف.

استطلاع رأي

من وجهة نظر قانونية يقول المحامي حسام الدين آغا أوغلو بأن قائمة أنواع الجرائم الإكترونية تطول وتتضمن على سبيل المثال لا الحصر :الابتزاز والتشهير، انتهاك الخصوصية .السب والقذف عبر السوشيال ميديا، جريمة الدخول في نظام معلومات الآخرين، انتهاك الحياة الخاصة ، ومشاركة الصور والفيديوهات الخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتختلف عقوبات الجرائم الإلكترونية باختلاف الجريمة وقد تصل عقوبات بعض الجرائم إلى الحبس لعدة سنوات وإضافة إلى الحبس تتضمن بعض العقوبات غرامات قضائية.

جدة يتحرش بها شاب

 لا يحدد سلوك النساء على الإنترنت -كنشر صورهن أو تعميم ملفاتهن الشخصية- تعرضهن للمضايقات الإلكترونية أو عدمه، فيكفي أن يكون الحساب على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي باسم امرأة لتكون ضحية محتملة للانتهاكات الرقمية كما حدث مع غادة، السيدة السورية الخمسينية المقيمة في إسطنبول حين تعرضت للتحرش الجنسي الرقمي من قبل شاب في مقتبل العمر كما قالت في حديثها لموقع تلفزيون سوريا.

تلقت غادة رسائل جنسية من شاب يصغر أولادها على حد وصفها، واكتفت بحظره بعد توبيخه، وتروي غادة تجربتها باستنكار واستغراب شديدين خاصة وأن نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي محدود جداً على حد وصفها وأن مواليدها وعمرها معروضان على صفحتها بشكل صريح.

قام المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة بإجراء استقصاء شمل أكثر من 11,500 مستخدم ومستخدمة لشبكة الإنترنت ممن هم فوق الـ18 ومقيمين في عدة بلدان عربية. ووفقاً لنتائج الاستقصاء  اعترف أكثر من 1 من كل 3 رجال تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا بأنهم ارتكبوا شكلًا من أشكال العنف الإلكتروني ضد النساء. وعند سؤالهم عن أسباب ارتكابهم للعنف الرقمي ضد المرأة، أجاب 26% منهم "لأنه حقهم"، في حين أشار 23% آخرون أنهم قاموا بذلك "بغرض التسلية".

لا تجرد الطبيعة "الافتراضية" للعنف الرقمي من كونه نوعاً من أنواع العنف المدانة دولياً وقانونياً، فوفقاً لموقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة يعتبر العنف الرقمي نوعاً من أنواع العنف ضد النساء، ويتنافى هذا الشكل من الانتهاكات مع مبدأ عدم التمييز الذي تنص عليه المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعديد من العهود والمواثيق الدولية ما يؤكد على ضرورة توجيه الجهود للحد منه ورفع الوعي تجاهه.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من "JHR" صحفيون من أجل حقوق الإنسان".