سوريا.. عن الموقف الأوروبي

2021.12.12 | 05:02 دمشق

15929854210.jpg
+A
حجم الخط
-A

أوروبا لا تعترف برئيس النظام السوري بشار الأسد، ولا تريد علاقات دبلوماسية معه، ولا ترى مبررا لدعوته لحضور القمة العربية المقررة في الجزائر في آذار المقبل. هذه اللاءات وردت في كلمة المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل في كلمة خلال مشاركته بمؤتمر حوار المتوسط، الذي انعقد، أخيرا، في العاصمة الإيطالية روما. ومن حيث الشكل لم يأت المسؤول الأوروبي بجديد، فبعض هذه المواقف سبق لها أن تكررت على ألسنة مسؤولين أوروبيين آخرين، وفي بيانات صدرت عن اجتماعات أوروبية على مستوى رفيع، ولكن إعادة تأكيدها اليوم هو المهم بحد ذاته، لأنه بمثابة جرس إنذار تجاه القضية السورية التي تراجع الاهتمام الدولي بها، وجرى تركها لروسيا وتركيا وإيران، وهي دول لديها أجنداتها الخاصة داخل سوريا، في وقت يواصل النظام السوري ارتكاب الجرائم ضد الشعب السوري، وعلى رأسها حرب التهجير.

توقيت الموقف الأوروبي مهم جدا لثلاثة أسباب. الأول هو التأكيد على وجود أغلبية أوروبية تعارض أي علاقة مع النظام، وتؤيد محاسبته وإيجاد حل يقوم على أساس القرارات الدولية الخاصة بالمسألة السورية منذ عام 2011. والسبب الثاني هو التقاطع مع الموقف الأميركي، الذي يقف على أرضية اللاءات الثلاثة، التي صدرت عن بوريل. ويفيد ذلك في تعزيز التفاهمات الأميركية الأوروبية تجاه مستقبل سوريا. والسبب الثالث هو التحركات العربية من عدة جهات للتطبيع مع النظام السوري، والتي تقوم بها علانية كل من الإمارات والأردن والجزائر، وبعض هذه الدول ذهبت بعيدا في دعم الأسد، مثل أبوظبي التي أرسلت وزير خارجيتها عبد الله بن زايد إلى دمشق.

وما يشكل مبررا وعاملا مساعدا للتشدد في الموقف الأوروبي، هو أن النظام السوري يستمر في رفض كل الحلول المطروحة، ومنها القرار 2254، وتعطيل أعمال اللجنة الدستورية التي تدور في حلقة مفرغة منذ نحو عامين

وما يشكل مبررا وعاملا مساعدا للتشدد في الموقف الأوروبي، هو أن النظام السوري يستمر في رفض كل الحلول المطروحة، ومنها القرار 2254، وتعطيل أعمال اللجنة الدستورية التي تدور في حلقة مفرغة منذ نحو عامين، والهدف من المماطلة هو كسب الوقت، وتمييع القضية، وتحقيق قضم تدريجي للمناطق الخارجة عن سيطرته. ويعزز من ذلك ترجمة روسيا وإيران للقرارات الدولية، بما يناسب مصالحهم ويخدم النظام، ومثال ذلك "عملية أستانا" التي تحولت إلى آلية لإعادة تمكين النظام عسكريا. وكل ذلك لا يشجع الولايات المتحدة وأوروبا على اتخاذ أي موقف يمكن أن يستفيد منه النظام، وهذا سلوك ثابت منذ بداية انفجار الوضع في سوريا، وهو ما لا تريد روسيا أن تتعاطى معه وتأخذه في حساباتها، وهي تواصل الرهان على الحل العسكري، الذي كلما تقدم على الأرض زاد في تعقيد الوضع، ورفع من كلفة الخسائر.

الموقف الأوروبي يقول، باختصار، إن أوروبا قد لا تستطيع فعل ما يغير الوضع الراهن في سوريا، ويقتصر دورها في هذه المرحلة على تقديم المساعدات الإنسانية، إلا أن أي حل فعلي بسوريا لا يمكن أن يتم من دون الولايات المتحدة وأوروبا، وهذه هي المسألة التي يكابر الروس والإيرانيون أمامها، ولا يريدون الاعتراف بها، من أجل توفير الوقت، ووقف الاستنزاف الحالي. غير أن منع الحل وفق المعايير والمصالح الروسية الإيرانية من قبل الولايات المتحدة وأوروبا لا يكفي وحده، بل يتطلب الأمر الانتقال من التمترس وراء التعطيل إلى تقديم آلية تضع حدا للتفرد الروسي الإيراني، بما يخفف من معاناة الشعب السوري، ويضع التسوية على طريق الحل، وفي ذلك تصبح أميركا وأوروبا شريكين أساسيين في منطقة ذات ثقل جيوبولتيكي. ومن دون ذلك سوف يستمر الوضع في التدهور، وتتحول سوريا إلى دولة فاشلة تشكل عبئا دوليا وإقليميا لعدة عقود، وهذا ليس في مصلحة أحد، وستكون روسيا وإيران في مقدمة الخاسرين من بين اللاعبين على الساحة السورية.