سوريا بين ثورتين

2019.11.15 | 17:15 دمشق

10201928112619221715327_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

تقبع سوريا اليوم جغرافياً بين ثورتين، واحدة في الشرق والأخرى في الغرب، واحدة في العراق والأخرى في لبنان، هاتان الثورتان الكبيرتان ربما تكونان من أهم الثورات التي تشهدها الأمة العربية، بسبب احتدام الصراع العربي الإيراني، وتململ الشعوب العربية من سيطرة النظام الإيراني على بلاد المشرق العربي، فسيطرة إيران عبر عملائها على لبنان والعراق باتت أمرا لا يحتمل بسبب إغراق البلدين بالفساد والإفساد والمفسدين حتى درجة باتت الدولتان قاب قوسين أو أدنى من إعلانهما كدولتين فاشلتين.. سوء خدمات وانعدام الأساسيات، بطالة ونهب للمال العام وعنصرية وفساد سياسي، كل ذلك سببه وعنوانه واحد، ألا وهو إيران.. التي تقبع صامتة في ذلك البلد المكلوم المسمى سوريا، متمركزة عبر ميليشياتها وقادتها العسكريين في المساحة الجغرافية الواقعة بين العراق ولبنان، تتفرج وتتآمر بصمت على حراك الشعبين في العراق ولبنان، حيث لم يعد بإمكانها القيام بما قامت به سابقاً ومنذ تسع سنوات لإخماد ثورة الشعب السوري من فتح نيرانها على الشعب الأعزل لإجباره على العودة عن مطالبه.

ما يجعل تجربة الثورة في لبنان والعراق مختلفة عن تجربة الثورة في سوريا، إن الثورة السورية كانت متقدمة زمنياً على الأخيرتين من جهة، ومن جهة أخرى أدى تدويل القضية السورية والتدخل الإقليمي فيها إلى تحويلها إلى ميدان صراع وصندوق بريد إقليمي.. أما اليوم وبعد وصول الإقليم إلى ذروة صراعه ووصول الأطراف القوية فيه إلى خطوط اللاعودة، تركيا وإيران والسعودية، فإن أي تأزيم في الإقليم سيكون له ارتدادات دولية ومحلية على المجتمع الإيراني وخصوصاً أن إيران تتحمل مسؤولية 80% مما يجري في الإقليم الشرق أوسطي من حيث عسكرة وتسليح الميليشيات وقتل المدنيين وإجبار الحكومات العميلة لها على تنفيذ سياساتها العنفية.

العقيدة الإيرانية حالياً ولحسن الحظ تتمثل في محاولة استيعاب ثورتي العراق ولبنان حتى الحد الأقصى وما بعد الحد الأقصى إن لزم الأمر والحؤول دون تفجير الأوضاع في هذين البلدين الذين تعتبرهما إيران

إيران لن تقبل بخروج دول الهلال الشيعي من سيطرتها، وهي استطاعت جر الحصان العربي إلى المياه الفارسية ولكنها عجزت حتى اليوم في جعل الدول العربية تشرب من تلك المياه

بحكم المنتهي أمرهما والملحقين تلقائياً بالسياسات الإيرانية، على خلاف اليمن وسوريا الذين لا تزال المعارك السياسية والعسكرية مشتعلة حول السيطرة عليهما بين إيران من طرف وروسيا وأميركا والغرب وتركيا والعرب من جهة ثانية..

إيران لن تقبل بخروج دول الهلال الشيعي من سيطرتها، وهي استطاعت جر الحصان العربي إلى المياه الفارسية ولكنها عجزت حتى اليوم في جعل الدول العربية تشرب من تلك المياه، فالشعوب في العراق ولبنان وقبلها سوريا، ضاقت من شدة الفساد والفقر والعجز المالي وضعف التنمية والبطالة المنتشرة في بلدانها، والتي تتحمل إيران المسؤولية عنها.

ويبقى الشعب السوري يتفرج بصمت وفرح مضمر على الشتائم التي تنهال على إيران في العراق ولبنان، والتي كانت تقال سابقاً في المدن السورية.

إن رد الفعل الشعبي المتفاقم في الشارع العربي فضح بشكل لا لبس فيه كل الأقنعة الزائفة التي تزينت بها إيران، عبر إعلامها الصادر باللغة العربية والموجه للشعب العربي، من قيم ومقاومة وحرية شعوب وشعارات بات الجميع يعرف كنهها وكذبها.

لقد دشنت الهتافات في بغداد وبيروت والمنتظرة في دمشق وصنعاء، انتهاء عصر الهيمنة الإيرانية على الشرق العربي، وستنتظر سوريا حتى تحين الفرصة من أجل خروج مظاهرات مليونية ترسم العلاقة بين الدولة السورية والجمهورية الإيرانية، سيصرخ الشعب بمشاعرهم من السياسات الإيرانية في بلدانهم، وسينتظر السوريون موعد تجدد مطالبتهم بحريتهم، عبر بوابات بغداد وبيروت، فلا حرية لدمشق دون حرية لبغداد، ولا حرية في بيروت دون حرية في دمشق.. والحرية في مدائن الشرق ستعني يوماً الحرية في القدس وطهران وبقية مدن الشرق.