icon
التغطية الحية

رفيق الجولاني وبيت أسراره.. كبسة زر تنهي حياة القحطاني صاحب المسار الشائك

2024.04.05 | 08:38 دمشق

516666666666666666
ميسر بن علي الجبوري (أبو ماريا القحطاني)
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

لم يتوقع القيادي في هيئة تحرير الشام "ميسر بن علي الجبوري"، الملقب بـ "أبو ماريا القحطاني"، أن تكون نهايته بهذه البساطة، فلم يستدع الأمر سوى حزام ناسف، كان كفيلاً باغتيال "بيت أسرار" زعيم التنظيم "أبو محمد الجولاني"، بعد مسيرة طويلة من العمل المحفوف بالمخاطر، والتنقل المشبوه بين أكثر من محافظة سورية، إلى أن استقر به الحال في إدلب شمال غربي البلاد.

كان الجميع يرقب الخطوة التي سيعلن عنها "القحطاني" بعد خروجه من سجون "تحرير الشام"، لتوضيح مسار علاقته مع التنظيم بشكل عام، وزعيمه الجولاني بشكل خاص، لكن "الجبوري" لم يُصدر موقفاً واضحاً بهذا الخصوص، وكان الموت أسرع لينسف كل مخططاته، ويبعث الطمأنينة في نفوس خصومه داخل الفصيل نفسه، رغم مشاعر الحزن التي يظهرونها والدموع التي يذرفونها على رحيله.

اغتيال القحطاني داخل مضافته

بعد أن أطلقت "تحرير الشام" سراح القحطاني من سجونها في شهر آذار الماضي، عقب اعتقال دام لأشهر لأسباب متضاربة منها العمالة أو التحضير لانقلاب على الجولاني، اتخذ القحطاني من إحدى المضافات في منطقة سرمدا شمالي إدلب مكاناً لاستقبال المهنئين له، ومعظمهم من شيوخ العشائر ممن لهم صلة بالقيادي المذكور.

ومساء أمس الخميس، أعلنت الهيئة عن مقتل القحطاني مطلقة عليه لقب "شهيد الغدر"، من جراء هجوم نفذه أحد عناصر "تنظيم الدولة" (داعش)، باستخدام حزام ناسف، كما نشرت صوراً للقيادي بعد مقتله، ولجثة الشخص الذي فجّر نفسه بالقحطاني وبقايا الحزام الناسف.

9

وقال أحد شهود العيان في فيديو نشرته مصادر مقربة من الهيئة، إنّ ثلاثة أشخاص دخلوا إلى المضافة ومعهم سيف بغرض تقديمه للقحطاني، وعند عزم الأشخاص المغادرة، اقترب أحدهم من الجبوري، بينما خرج الشخصان الآخران بسرعة، ومع تقدم الشخص الثالث إلى القحطاني، فجّر نفسه وقتل معه القيادي البارز في الهيئة.

9

من هو القحطاني؟

تشير المصادر المفتوحة، إلى أن "ميسر بن علي الجبوري" (القحطاني) عراقي الجنسية من مواليد عام 1976، ويُعرف أيضاً بلقب "الهراري" نسبة إلى قرية هرارة العراقية، التي انتقل إليها من قرية الرصيف بعد ولادته فيها.

ووفق المصادر، فإنه وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، التحق القحطاني بالشرطة العراقية، وعمل في مديرية أمن نينوى، لكنه سرعان ما ترك الوظيفة لينضم إلى مجموعة جهادية كان يتزعمها محمد خلف شكارة (أبو طلحة الأنصاري)، وهي إحدى المجموعات التي شكل منها الأردني أبو مصعب الزرقاوي جماعة التوحيد والجهاد.

ومع إعلان الزرقاوي ولاءه لأسامة بن لادن في عام 2004، وتحوّل جماعة التوحيد والجهاد إلى تنظيم "القاعدة" في بلاد الرافدين، كان القحطاني حينذاك يُعرف بين مقاتلي التنظيم باسم "أبي حمزة" و"أبي مصعب" و"الشمري"، قبل أن يستقر على لقب "الغريب المهاجر القحطاني".

ذهب إلى سوريا واحتضن الجولاني

تتضارب المعلومات عن موعد انتقال القحطاني من العراق إلى سوريا، عقب الخلافات مع تنظيم "دولة العراق الإسلامية"، فبعض المصادر تؤكد ذهابه إلى سوريا في عام 2009 للعمل داخل بقالة، وبعضها تشير إلى أنه توجه للأراضي السورية بعد انطلاق ثورات الربيع العربي.

وبعد توجهه إلى سوريا، بقي القحطاني على اتصال مع قيادات جهادية في العراق، وحاول إقناع شيوخ ودعاة في تنظيم الدولة بالانشقاق عن التنظيم أو خلع أميره آنذاك أبو بكر البغدادي، بذريعة سياساته الخاطئة وانتهاكاته الواسعة، وتأسيس بديل جهادي جديد، الأمر الذي دفع قيادات في التنظيم إلى اتهامه بالخيانة، ونعته بـ"البقال الخائن".

ومن أبرز محطات القحطاني في تلك الفترة:

  • المساهمة في تأسيس "جبهة النصرة"، بعد استقباله للجولاني المنتذب من زعيم تنظيم الدولة "أبو بكر البغدادي"، لتأسيس فرع للتنظيم في سوريا.
  • شغل القحطاني منصب الشرعي العام في جبهة النصرة.
  • تولى القحطاني إمارة المنطقة الشرقية من سوريا في جبهة النصرة (دير الزور - الرقة - الحسكة).
  • في عام 2014 عزل الجولاني رفيق دربه القحطاني من منصب الشرعي العام في جبهة النصرة، وعيّن بدلاً عنه الأردني سامي العريدي، ومع ذلك لم يؤثر قرار العزل على العلاقة بين الشخصين، إذ استمر القحطاني في عمله داخل مجلس شورى التنظيم.

"قاهر الخوارج" وصاحب المسار الشائك

لعب "القحطاني" دوراً أساسياً في قتال تنظيم "داعش" وخلاياه في محافظة دير الزور، بعد تفجّر الخلاف بين التنظيم وجبهة النصرة، لدرجة أن المؤيدين له أطلقوا عليه لقب "قاهر الخوارج"، في إشارة إلى عناصر تنظيم الدولة.

ومع انحسار نفوذ جبهة النصرة في دير الزور لصالح "داعش"، اضطر القحطاني للتوجه إلى درعا برفقة مقاتلين من المنطقة الشرقية، وخاض هناك مواجهات ضد "جيش خالد بن الوليد" المرتبط بـ "داعش"، محاولاً تأسيس إمارة للنصرة في حوران، لكن الفصائل المحلية هناك، قطعت الطريق عليه ومنعت كل المحاولات الرامية إلى تمكينه من أي مركز قيادي في المحافظة.

وفي رحلة مشبوهة تسودها الشكوك، توجه القحطاني من درعا إلى محافظة إدلب مروراً بمناطق تخضع لسيطرة النظام السوري، وأشيع حينذاك أن القحطاني دفع رشى لقوات النظام اشترى من خلالها الطريق نحو معقل التنظيم في إدلب.

ومع وصوله إلى إدلب، حاول القحطاني استعادة أمجاد الماضي، عبر استقطاب مقاتلي المنطقة الشرقية بحكم العلاقة السابقة بينهم، بهدف تأسيس تشكيل خاص به يضم معظم المقاتلين المنحدرين من دير الزور والرقة والحسكة، إلا أن الجولاني استطاع احتواء القحطاني ومنحه مناصب قيادية ونفوذ ضمن "جبهة النصرة" ثم "جبهة فتح الشام"، ثم "هيئة تحرير الشام".

قيادي برتبة ناشط

نشط القحطاني خلال السنوات الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنشأ على مدار أعوام عشرات القنوات والحسابات على تطبيقي "تويتر" و"تلغرام"، ليخصصها بشكل رئيسي للدفاع عن الهيئة، ومهاجمة خصومها، لا سيما جيش الإسلام.

وكان من اللافت أن للقحطاني "جيشاً إلكترونياً" خاصاً به، مهمته إنشاء الحسابات ومديح القحطاني نفسه عبر وصفه بـ "الخال" وكتابة الأشعار له، وإرفاقها مع صوره التي لم يُظهر وجهه بشكل كامل خلالها، إذ اعتمد على "القناع" ثم "الكمامة" لإخفاء ملامحه.

وخصص القحطاني حساباته أيضاً لكيل المديح للجولاني، وشيطنة كل من يعاديه، مركّزاً على فصائل الجيش الوطني السوري، وبدرجة كبيرة جيش الإسلام، وبعض المؤسسات المحسوبة على المعارضة، كـ الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة والمجلس الإسلامي السوري.

وجاء في أحد المنشورات التي تحدث فيها القحطاني عن الجولاني: "لقد صاحبت خيار القادة في العراق والشام، لم أجد رجلاً برزانة عقله وعمق تفكيره وبعده عن الانتقام للنفس، ومن يسألني عن منهج الشيخ الجولاني أقول له شهادتي مجروحة بصاحبي ورفيق دربي الذي يحمل منهج أهل السنة، تعلمت منه الكثير".

مرحلة صعود ودور لاختراق الخصوم

خلال السنوات الماضية، كان من الواضح أن القحطاني يعدّ واحداً من قادة الصف الأول في "هيئة تحرير الشام"، حيث ظهر في عشرات المناسبات برفقة الجولاني، سواء في الفعاليات العسكرية أو المدنية أو العشائرية.

تزامناً مع ذلك، نسج القحطاني شبكة مصلحية بالتعاون مع القيادي الآخر في هيئة تحرير الشام، جهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور)، لتصبح العلاقة أشبه بتحالف وتيّار داخل التنظيم ينافس بقية التيارات في الهيئة.

ومنذ عام 2020، أُوكلت مهمة اختراق مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري لـ "القحطاني" و"زكور"، عبر شراء الولاءات بالمال وكسب مجموعات وفصائل من الجيش للعمل ضمن حلف غير معلن مع الهيئة لتسهيل ملف التمدد في ريف حلب الشمالي والإمساك بنقاط القوة، لا سيما الاقتصادية.

ونجح القحطاني باستمالة عدد من فصائل الجيش الوطني، منها فرقة "السلطان سليمان شاه" (العمشات)، وفرقة الحمزة، و"أحرار الشام - القطاع الشرقي"، و"الفرقة 50"، وحركة "نور الدين الزنكي"، لتتكلل هذه الجهود بتشكيل "تجمع الشهباء" خارج مظلة الجيش الوطني، الذي انخرط في عدة مواجهات ضد الفصائل العسكرية العاملة تحت مظلة وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، قبل أن تتلاشى هذه الجهود تدريجياً مع ظهور أزمة "العمالة" داخل الهيئة للعلن منتصف عام 2023، والتي كان اعتقال "القحطاني" وانشقاق "زكور" أحد نتائجها، بالتالي فقدان الهيئة لنقطة القوة وصلة الوصل مع الحلفاء شمالي حلب.

اعتقال القحطاني ونسج للاتهامات

وفي شهر آب 2023، كشف موقع تلفزيون سوريا بناء على تقاطع مصادر أمنية، أنّ الجهاز الأمني في هيئة تحرير الشام أوقف "القحطاني" بتهمة التنسيق مع التحالف الدولي، وذلك عقب إلقاء القبض على خلية اعترفت بتورّطه، إلا أن المصادر أوضحت أن التهمة المعلنة ليست هي السبب الحقيقي الذي دفع هيئة تحرير الشام لاعتقال "القحطاني"، إنما المخاوف من تحركاته من دون تنسيق مع قيادة الهيئة، والتي سبّبت قلقاً لقيادات متنفذة مثل الرجل الثاني في الهيئة "أبو أحمد حدود"، وقيادي آخر متنفذ يدعى "المغيرة البدوي أو المغيرة بنش" وهو ابن حمي أبي محمد الجولاني.

وفي اليوم التالي من تحقيق موقع تلفزيون سوريا قالت "تحرير الشام"، في بيان رسمي إن القيادة العامة شكلت لجنة تحقيق خاصة بشأن "أبو ماريا القحطاني"، والتي استدعت الأخير على الفور "لمساءلته بكل شفافية ووضوح تقديراً منا لدرء الشبهات وإزالة اللبس".

وتوصلت لجنة التحقيق إلى أن القحطاني "أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل"، ووفقاً للبيان، أوصت اللجنة، بتجميد مهام القيادي العراقي وصلاحياته، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.

ومع مضي أشهر على فتح ملف العمالة، جرت عملية إخراج مكثفة للمعتقلين بتهمة العمالة من سجون هيئة تحرير الشام، وحينذاك جرى الحديث عن احتمالية إطلاق سراح أبي ماريا القحطاني، في سياق مساعي الجولاني لوضع اللمسات الأخيرة على "ملف العمالة" وجعله من الماضي، بعد أن استفاد منه في "تحجيم وتقليم أظافر مختلف التيارات داخل الهيئة، على حساب تعزيز سلطته المركزية".

واستشعرت عدة شخصيات توجه الجولاني بالفعل للإفراج عن القحطاني، وهو ما دفع بعضهم - ومنهم الشرعي السابق في الهيئة أبو الفتح الفرغلي - إلى مهاجمة الهيئة، إذ أكد الأخير أنه يملك أدلة على "عمالة القحطاني"، قائلاً: "بلغني -وأرجو أن تكون إشاعة- أن المدعو أبا ماريا ميسر بن علي القحطاني قد يفرج عنه خلال الأيام القادمة، وإني أشهد الله وأشهد الناس أن هذا الرجل لا أشك لحظة في عمالته لأعداء الدين (التحالف أو الأميركيين)، وعندي من الأدلة الموثقة عليه الكثير الكثير مما لا يجعل أحداً يشك لحظة فيما ادعيت عليه".

وأضاف: "أطالب -إن كان للإشاعة حظ من الصحة- أن أعرض الأدلة على القضاء، فإني أدعي عليه علناً بالعمالة، وأطالب بمحاكمته بمقتضاها فوراً، تخليصاً للإسلام والمسلمين من شره، فهو من أشر وأقذر العملاء الذين اخترقوا المسلمين في السنوات الأخيرة، وأهريق على يديه الكثير الكثير من الدماء المعصومة، وبثت أراجيف وأكاذيب، وحرفت مناهج"، بحسب وصفه.

وفي ختام محطات القحطاني قبل مقتله، برّأته "هيئة تحرير الشام"، عبر بيان نشرته بتاريخ 7 آذار الماضي من التهم الموجهة له، وأعلنت إطلاق سراحه، وذلك بعد نحو 6 أشهر من اعتقاله، موضحة أن القرار جاء "بعد الاطلاع على قضية (المتهمين بالعمالة) وبعد ثبوت براءة من كان موقوفاً في هذه التهمة، ولأن الموقوف ميسر الجبوري تم توقيفه بناء على شهادات وردت من موقوفين على هذه التهمة، ولأن الدليل الذي أوقف لأجله ظهر للجنة بطلانه".