icon
التغطية الحية

"الداتا السرية" تؤرق الجولاني.. ما مصير الأزمة الداخلية في هيئة تحرير الشام؟

2023.12.26 | 06:55 دمشق

آخر تحديث: 26.12.2023 | 10:21 دمشق

يلقّب "زكور" بـ"الصندوق الأسود" ويعتبر من قادة الصف الأول في هيئة تحرير الشام - إنترنت
يلقّب "زكور" بـ"الصندوق الأسود" ويعتبر من قادة الصف الأول في هيئة تحرير الشام - إنترنت
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

تتواصل ارتدادات الأزمة الداخلية في هيئة تحرير الشام، بعد أن اهتزت صورتها إثر عدم اكتمال اعتقالها للقيادي البارز المنشق عنها "جهاد عيسى الشيخ" (أبو أحمد زكور) من مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع بين الطرفين، تتمثل بفتح "الداتا السرية" من قبل زكور، ونشر الفضائح المتبادلة بين الجانبين على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويلقّب "زكور" بـ"الصندوق الأسود"، إذ يعتبر من قادة الصف الأول في هيئة تحرير الشام، وعُرف بقربه من زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني منذ أن كانا سويّة في العراق، وقد رسما معاً إلى جانب القيادي الآخر المعتقل "أبو ماريا القحطاني" خطط اختراق مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري واستقطاب فصائله شيئاً فشيئاً.

بدأت ملامح خطط "الجولاني وزكور والقحطاني" لاختراق فصائل الجيش الوطني بالظهور منذ عام 2021، لكنها ومع قرب نهاية العام الجاري بدأت معالم تلك الخطط بالتفكك والتشظي بسبب العداء بين القائمين عليها.

تسلسل زمني للأحداث

لفهم تعقيدات الأزمة الداخلية في هيئة تحرير الشام، لا بد من سرد مبسط للأحداث، وقد كانت على الشكل الآتي:

  • علم موقع تلفزيون سوريا في شهر حزيران الماضي من مصادر خاصة قيام هيئة تحرير الشام بحملة دهم واعتقال سرية طالت عدداً من القياديين البارزين في "جهاز الأمن العام" التابع لها في عدة مناطق في إدلب، بتهمة العمالة لروسيا والنظام السوري والولايات المتحدة.
  • في 16 تموز الماضي أعلنت "هيئة تحرير الشام" رسمياً، ضبط خلية تعمل لـ صالح جهات معادية، وهو تأكيد لِما كشفه تلفزيون سوريا في تقرير خاص.
  • في 14 آب الماضي، أكّدت مصادر مطلعة لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ الجهاز الأمني في هيئة تحرير الشام أقدم على توقيف القيادي البارز فيها "أبو ماريا القحطاني" بتهمة التنسيق مع التحالف الدولي، وذلك عقب إلقاء القبض على خليةٍ اعترفت بتورّطه.
  • أعلنت هيئة تحرير الشام في 17 آب عن تجميد صلاحيات "القحطاني"، مضيفة أنه "أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل"، ومنذ ذلك الحين يغيب القحطاني عن المشهد.
  • علِم موقع تلفزيون سوريا في 5 كانون الأول الجاري من مصادر خاصة أن القيادي البارز في الهيئة جهاد عيسى الشيخ المعروف بـ"أبي أحمد زكور" وصل إلى مفترق طرق بخلافاته مع "الجولاني"، بعد عدة أشهر من الأزمة التي بدأت باعتقال الهيئة للقيادي "أبو ماريا القحطاني" المقرّب من الشيخ.
  • دهمت قوات تحرير الشام مزرعة ومقر سكن زكور في منطقة رأس الحصن بالإضافة إلى مقار مجموعات تتبع له في عدة مناطق أبرزها باتبو وعقربات شمالي إدلب في 12 كانون الأول، وكان ذلك بمثابة إعلان إنهاء نفوذه، ولتفرقة أتباعه داخل الهيئة.
  • في 14 كانون الثاني أعلن "زكور" خروجه من هيئة تحرير الشام، متهماً إياها بقضم مناطق سيطرة الجيش الوطني وتفكيك فصائله.
  • بعد ذلك بأيام انتشر بيان لـ"هيئة تحرير الشام" تعلن فيه عزل "زكور"، وتجريده من صلاحياته.
  • تمكنت هيئة تحرير الشام في 19 كانون الأول من اعتقال القيادي جهاد عيسى الشيخ بعد اقتحام مقر يختبئ فيه داخل مدينة اعزاز، إلا أن قوة من الأمن التركي والجيش الوطني تمكنت من تخليص "زكور" من أيدي "تحرير الشام" في منطقة عفرين.
  • تبنت الهيئة مهاجمة مدينة اعزاز بريف حلب، بهدف اعتقال "زكور"، موجهةً له عدة تهم بقضايا فساد مالي.

فضح الأسرار.. نقطة اللاعودة

وعند انشقاقه، قال "زكور" في بيان نشره على حسابه في منصة "إكس"، إنّه خرج من "جبهة فتح الشام" (الاسم السابق للهيئة) عام 2017، بسبب "سياسة التخوين والتغلب على فصائل الثورة السورية"، ثم عاد للهيئة وتسلم ملف العلاقات مع الجيش الوطني السوري.

كان من المقرر والمتفق عليه مع "تحرير الشام" حسب بيان "زكور"، إنهاء الخلافات وبناء علاقات جديدة، والعمل على مساعدة الفصائل في رفع السوية العسكرية ونقل الخبرة إليها، والعمل على بناء مشروع تشاركي يشمل الجميع من دون إقصاء أحد.

عقب ذلك بدأت قيادة هيئة تحرير الشام بتغيير السياسة تدريجياً، ويقول "زكور "إن الهيئة خالفت الاتفاق عبر السيطرة والهيمنة وقضم الفصائل وتفكيكها، والسعي إلى السيطرة العسكرية والأمنية والاقتصادية في مناطق الجيش الوطني، والعمل الأمني من خطف وغيره من دون التنسيق مع أي جهة، وتوجيه التهم المعلبة والجاهزة لكل مخالف لنهج قيادة الهيئة وتشويه صورته سواء كان من داخل الهيئة أو خارجها، حسب البيان.

وبعد نجاة "زكور" من الاعتقال، بدأ بنشر صوتيات يبدو فيها غاضباً، كما بدأ الإعلام التابع له بنشر تهم وأسرار من داخل هيئة تحرير الشام، ومنها:

  • زكور اتهم الجولاني بالوقوف وراء تفجير داخل معبر أطمة بعناصر من الجيش الحر في عام 2016 تسبب بمقتل العشرات، وتفجير سيارات مفخخة في الأتارب غربي حلب.
  • اتهم زكور قيادة هيئة تحرير الشام بالعمالة وتجارة المخدرات.
  • اختراق الفصائل السورية.
  • فتح السجون أمام وفود من الاستخبارات الأميركية والبريطانية.
  • ألمح الإعلام التابع لـ زكور إلى مسؤولية تحرير الشام عن خطف القياديين السابقين في الهيئة، عصام الخطيب، وأبو شعيب المصري من مدينة اعزاز.
  • اتهم الإعلام التابع لـ زكور هيئة تحرير الشام بقتل قادة في جند الأقصى، وقتل ابن القيادي السابق في الهيئة أبو مالك التلي.

وبعد مرور أيام على محاولة اعتقال زكور، نشر الأخير صوتية قال فيها إنه لم يفتري على هيئة تحرير الشام بشيئ مما أورده من تهم، مضيفاً أن في "جعبته الكثير، لكن بعض الأشخاص تكلموا معه وطلبوا منه التهدئة وعدم إخراج الأسرار"، وهو ما قبله زكور.

وأضاف زكور: "إن سرّبتم شيئاً سأسرّب، وإن تكلمتم سأتكلم، وأنا لم أكن مطلوباً أمنياً، ولم أخطط للانقلاب على الجولاني، لقد أصبحتم بالنسبة لي أعداء".

ومع استمرار الأخذ والردّ بين الجانبين على وسائل التواصل الاجتماعي، تُطرح العديد من التساؤلات عن مصير الأزمة داخل هيئة تحرير الشام، لا سيما أن "زكور" يعد من قادة الصف الأول، وله ثقل من الناحية العشائرية قد يؤهله إلى إعادة بناء قوة عسكرية ضمن مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري.

"داتا سرية وكنز ثمين"

قال الصحفي والكاتب السياسي غسان ياسين، إنّ "زكور" بمثابة "هدية مجانية وكنز ثمين قُدم لتركيا، لأنه شخص غير عادي في الهيكل الأساسي لهيئة تحرير الشام، ولديه الكثير من الملفات والمعلومات والاسرار عن الهيئة".

وأضاف ياسين في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن ما يحوزه زكور يمكن وصفه بـ"داتا سرية" تشمل تفاصيل عن شبكة العلاقات التي صنعها خلال السنوات الماضية للتمدد الناعم ضمن مناطق نفوذ الجيش الوطني، موضحاً أن هذه الشبكة تضم أسماء غير معروفة، بالتالي فإنها ستتكشف، وسيكون من السهل تفكيك الشبكة وإنهاء أي تمدد جديد للهيئة.

ويعتقد أن المعلومات التي حصلت عليها تركيا - وستحصل عليها تباعاً - ستشكّل عامل ضغط كبير على الجولاني، قد ينتج عنه المزيد من الضبط له وتقليل ثم اختفاء الهوامش التي كان يتمتع بها، ووفق ياسين فإن انشقاق زكور بما يملكه من معلومات فضلاً عن ثقله في الهيئة يعد "ضربة كبيرة لن يصحو الجولاني منها بسهولة".

من جهته استبعد الباحث وائل علوان، أن يكون لتركيا دور مباشر بانشقاق "زكور" عن هيئة تحرير الشام، حيث تُعتبر الهيئة كبقية التشكيلات الجهادية السلفية، تشهد انشقاقات متكررة ومتتالية نتيجة الخلافات، لا سيما بسبب المنعطفات التي شهدها الفصيل.

في الوقت نفسه، رأى علوان في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن انشقاق "زكور" يعتبر الأول من نوعه داخل هيئة تحرير الشام، لما يحمله من امتداد عشائري، ولكونه "أحد الأشخاص المعدودين على الأصابع ممن أسسوا التنظيم في سوريا".

ما مصير الأزمة داخل الهيئة؟

وضع الباحث علوان احتمالاً بأن يُسمح لـ"زكور" بالبقاء في ريف حلب الشمالي، وتشكيل فصيل في المنطقة، كونه يتمتع بشعبية عشائرية، مستبعداً أن تتأثر الهيئة بشكل كبير بانشقاق جهاد عيسى الشيخ، كون القطاع الجغرافي الذي تسيطر عليه ما زال منضبطاً.

وتابع: "لقد تأثرت الهيئة وتضعضعت، لكن الجولاني وفريقه يمكنهم ضبط الأمر مع مرور الوقت، كما أن زكور قادر على تشكيل حالة استقطاب جديدة شمالي حلب، قد تعقّد الخريطة وتصّعب امتداد الهيئة في المنطقة"، مشيراً إلى أن الهيئة لم تفقد نفوذها بشكل كامل بريف حلب، كما أن تأثرها المحدود في إدلب لن ينعكس على طبيعة السيطرة الكاملة على المحافظة أمنياً واقتصادياً وحكومياً.

بدوره رجح الكاتب غسان ياسين تصاعد الأزمة ومزيدا من الانقسامات داخل هيئة تحرير الشام، لعدد من الأسباب، أولها أن بنية الهيئة قائمة حالياً على الولاء المناطقي وليس الجهادي، فأساس تكوين الهيئة كان "الهدف العقدي الجهادي"، لكن مع غياب المعارك، برز العامل المناطقي في الهيئة، فهناك جماعات مختلفة داخل الهيئة، منها محسوب على إدلب، ومنها على المنطقة الشرقية من سوريا، وأخرى محسوبة على حلب.

وقد يسهم انشقاق "زكور"، واستمرار الاعتقالات من قبل هيئة تحرير الشام للمقربين منه بزيادة الصدوع المناطقية، لتظهر لاحقاً عبر انشقاقات وخلافات جديدة، دون أن يتمكن الجولاني من ضبطها، وفق ياسين.

وعن ما يمكن أن يحوزه "زكور" من معلومات، قال الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، رائد الحامد: "لا بد أن أي قائد من قيادات الصفوف الأولى في الهيئة يمتلك الكثير من الملفات التي تدين قيادات أخرى، وفي ذات الوقت يمتلك التنظيم أيضاً الكثير من الملفات التي تدين بشكل ما هذا القيادي أو ذاك، لكن تظل هذه القيادات خارج دائرة المحاسبة ما لم تكن هناك خلافات ذات طابع شخصي في الغالب ضمن الصفوف القيادية الأولى، بمعنى أن معظم التنظيمات - إن لم تكن جميعها - تفتقر إلى هياكل قضائية تمتلك صلاحيات ولها كيان اعتباري يتمتع بالاستقلالية".

واستبعد الحامد في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن يشكل ما يجري داخل هيئة تحرير الشام خطراً مستقبلياً على كيان الهيئة ومستقبلها، لأسباب، أهمها أن الهيئة تجاوزت الأزمة الأكثر تهديداً لوجودها وهي أزمة اعتقال القحطاني، الذي يعود له الفضل في بناء الكتلة البشرية لجبهة النصرة نواة تشكيل هيئة تحرير الشام وقيادتها، لذلك تبدو أزمة القيادي زكور لا شيئ قياساً إلى أزمة القحطاني، وفق تقديره.

لقد ‏فشل الجولاني في اعتقال زكور، ولو نجح لأسدل الستار عن آخر الأشخاص الذين يمثلون تحدياً للسلطة المطلقة له، ومع نجاة زكور وبدء نشره بعض المعلومات التي يصعب التحقق منها فإن "سمعة" الجولاني التي بناها خلال السنوات الأخيرة ستتضرر بالتأكيد، وسيكون أمام تحد غير مسبوق لمشروعه، وفق تقدير الباحث عبد الرحمن الحاج، الذي اقتبس قولاً لزكور جاء فيه "أنا اللي سويته (الجولاني) هو بيعرف، بيعرف كان يبكي كالولد الصغير عالكرسي"، ويعتقد الحاج أن هذه بالضبط المديونية التي شعر الجولاني أن التخلص منها ضروري للاستفراد بقرار الهيئة في إدلب، وهي التي تدفعه لتصفية رفاق الأمس.