icon
التغطية الحية

رسلان بداية.. بيان محكمة كوبلنز يشير إلى هرم منظم لارتكاب الجرائم في سوريا

2022.01.19 | 11:54 دمشق

047297dd-12f2-405f-8408-82a35d914c34.jpg
 تلفزيون سوريا ـ عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

أسئلة كثيرة أثيرت حول محاكمة أنور رسلان الضابط في جهاز الاستخبارات السابق في نظام الأسد، بعد إدانته من قبل محكمة ألمانية، بالسجن مدى الحياة لارتكابه جرائم ضد الإنسانية في سوريا.

وبعد ذلك الحكم، ما هو انعكاسه على سير العدالة فيما يخص القضية السورية، وما إمكانية أن تحمل المحاكمة أبعاداً أخرى، باعتبار أن نظام الأسد ما زال متمسكاً بالسلطة بعد كل الجرائم المتهم بارتكابها، ويسيطر على مساحة واسعة من البلاد، وملايين اللاجئين والمهجرين وآلاف المعتقلين، في ظل انسداد أفق الحل السياسي، وهل هي حقاً بداية لمشوار طويل مقبل في المحاكم الأوروبية أو الدولية؟

سجن مدى الحياة

ويوم الخميس الماضي، (13 كانون الثاني 2022) قضت محكمة كوبلنز، بعد جلسات ماراثونية طويلة، على أنور رسلان، بالسجن مدى الحياة لإدانته بارتكاب جرائم تعذيب وقتل بحق معتقلين سوريين.

وعُدت المحاكمة سابقة عالمية في محاسبة أحد المنتسبين لنظام الأسد على جرائم التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، باعتبار أن المحكمة اعتمدت على شهادات الشهود قبل إدانة رسلان في التهم الموجهة إليه، والتي حصرت في "ارتكاب جريمة ضد الإنسانية، على هيئة تسبب في إحداث موت، تعذيب، حرمان من حرية بصورة جسيمة، اغتصاب وإكراه جنسي في اتحاد جرائم مع جريمة قتل، وجرائم اعتداء جسدي خطر، وسلب حرية مستمر، واحتجاز رهائن.." وفق بيان المحكمة الألمانية الذي اطلع تلفزيون سوريا عليه.

وبدأت محاكمة العقيد رسلان في 23 نيسان من العام 2020، بعد اتهامه بالإشراف على قتل 58 شخصاً وتعذيب 4000 آخرين في فرع المخابرات المعروف باسم "فرع الخطيب" بدمشق، خلال الفترة الممتدة ما بين 29 نيسان من العام 2011 وحتى 7 أيلول من العام 2012.

ويشرح بيان المحكمة تفاصيل الجرائم التي أدين بها رسلان في فرع الأمن الذي كان يرأس التحقيق فيه، مستعرضاً شهادة 80 شاهداً، إلى جانب معلومات الخبراء، وما تم رفعه من إثباتات وثائقية وإثباتات معاينة.

الضابط السابق رسلان الذي يعتبر نفسه بريئاً من كل التهم الموجهة له، التزم الصمت طوال فترة المحاكمة، ولكن ضابط العمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب الذي تلقى تدريبه في روسيا، تحدث بورقة دفاعه التي تلاها محاميه، أنه لم يشارك في قمع التظاهر في الشارع، وأن هذا ليس من اختصاص فرعه الذي كان يترأس قسم التحقيق فيه، قائلاً: إن ما حصل في الحولة ومقتل عدد من أفراد عائلة زوجته، كانت من الأسباب التي دفعته للانشقاق عن النظام واللجوء إلى ألمانيا فيما بعد.

وترى المحكمة أن مغادرة "رسلان" لسوريا لم تكن في حالة اضطرارية كما ادعى، حيث كان بإمكانه المغادرة في وقت مبكر ليتجنب ارتكاب هذه الجرائم.

Capture.PNG
بيان محكمة كوبلنز

لقراءة بيان محكمة كوبلنز الألمانية كاملاً باللغة العربية اضغط هنا 

ماذا عن العدالة؟

الحكم الذي أدين به رسلان، يفتح الباب مشرعاً أمام جرائم أكبر بكثير ارتكبت وما زالت ترتكب في سوريا على مدار العقد الماضي، ولم يتم إيقافها أو محاولة العمل جدياً على إدانتها وتجريم مرتكبيها سوى عبر البيانات أو التحرك السياسي الذي يبدو أنه فقد الجدوى منه.

ويقول وولفغانغ كاليك، رئيس المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان الذي قاد قضية رسلان، إنه "من الصعب الحديث عن العدالة نظراً لتعذيب مئات الآلاف من الأشخاص وموت عشرات الآلاف نتيجة لذلك"، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

في حين قال باتريك كروكر، المحامي في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان الذي مثل العديد من الناجين في المحاكمة إن "المحاكمة هي الأولى من نوعها في جميع أرجاء العالم، إلا أنها لا تشكل سابقة قانونية بالطريقة التي تعمل بها القضايا في النظام القانوني الأميركي أو البريطاني. ومع ذلك، يمكن للمحاكم الأخرى الاستشهاد بالحكم والأدلة التي تم الاستماع إليها في "كوبلنز"، على حد قوله.

ولفت كروكر إلى أنه مع استخدام روسيا والصين حق النقض لعرقلة محاولات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إحالة نظام الأسد في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن دولاً مثل ألمانيا تطبق مبدأ الولاية القضائية العالمية على الجرائم الخطيرة ستصبح مكاناً لمثل هذه المحاكمات بشكل متزايد.

وهذه المحاكمة، هي واحدة من أكثر من 12 قضية تنظر ألمانيا فيها جميعها تتعلق بجرائم ارتكبت في سوريا، وفقاً لتقرير صدر العام الماضي عن منظمة حقوق الإنسان، في حين تعتبر محكمة "كوبلنز" غير متعلقة بالحكومة الألمانية، لكن بحسب قوانين حقوق الإنسان في الدستور الألماني، يمكن إثبات انتهاك حقوق الإنسان من خلال الأدلة والشهود، لهذا لا تهدف هذه المحاكمة فقط لإدانة المتهمين، بل لإدانة نظام الأسد بالكامل.

أهمية استثنائية

وهذا يدفع للتساؤل، إن كانت إدانة أنور رسلان ستفتح الطريق أمام محاكمة رموز من نظام الأسد في المستقبل القريب، ولو غيابياً؟ وبالإجابة عن هذا السؤال قال "محمد صبرا" الخبير القانوني، وكبير المفاوضين السابق في الهيئة السورية العليا للتفاوض (تمثل المعارضة): "لا شك بأن قرار محكمة كوبلنز يحمل أهمية استثنائية في إمكانية ملاحقة أي مرتكب لجرائم ضد الإنسانية أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وسيكون لهذا الحكم أثره المعنوي في المحاكم الأوروبية الأخرى لترابط الأنظمة القضائية الأوروبية، ولذلك قد نرى في الفترة المقبلة قبول بعض الدول الأوروبية التي كانت مترددة لهذا النوع من الدعاوى". 

ويعتقد صبرا في حديث خاص مع موقع "تلفزيون سوريا" أن "موضوع محاكمة رموز نظام الأسد غيابياً، مختلف، لأنه يتعلق بالقضاء الجنائي الدولي سواء كان عبر الطريق العادي أي محكمة الجنايات الدولية أو عبر الطريق الاستثنائي أي محكمة دولية خاصة تشكل من أجل هذه الغاية تحديداً". 

وأكّد القانوني السوري، أن "المحاكم الأوروبية لا تملك الولاية القضائية اللازمة لمحاكمة النظام (كنظام سياسي ارتكب جرائم ضد الإنسانية)؛ لكنها تملك بشكل واضح القدرة على محاكمة أي عضو من أعضاء النظام وصل إلى أراضيها في حال كان هناك وقائع وأدلة تشير إلى ارتكابه لانتهاكات جسيمة وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني". 

مجرم بذاته

وبخصوص إن كانت المحاكمة التي تمت لـ "رسلان" نظرت إليه كمجرم حرب أم كأحد أركان نظام الأسد؟ قال محمد صبرا إن "طبيعة التجريم والعقاب في كل الأنظمة القضائية في العالم المتحضر تقوم على أساس فردية التجريم والعقاب، فالإنسان لا يحاكم إلا استناداً لوقائع محددة ارتكبها أو أمر بارتكابها أو اشترك بارتكابها أو ساهم بأي شكل من أشكال المساهمة الجرمية بارتكابها محرضاً أو متدخلاً أو شريكاً". 

ولفت إلى أن "هذا المبدأ أساسي في كل النظم القانونية، وأنور رسلان حوكم باعتباره مرتكباً لجريمة ضد الإنسانية ولجرائم حرب، وهذه الجرائم ذات طبيعة خاصة إذ إنها لا ترتكب إلا ضمن إطار نظام سياسي أو نظام حكم أو صيغة من صيغ القدرة على السيطرة على جزء من الأرض والسكان كما هو الحال في الميليشيات". 

وبالتالي فإن تقديم أنور رسلان للمحاكمة بصفته الفردية لا يعني على الإطلاق أن المحاكمة لا تحمل في طياتها إدانة لمجمل انتهاكات نظام بشار الأسد وهذا الأمر واضح جداً في حيثيات الحكم التي ربطت بين ارتكاب رسلان للجرائم المدان بها وبين الأوامر الصادرة من رأس النظام في سوريا، بحسب "صبرا".

محكمة الجنايات الدولية والمحاكم الأوروبية

وبما أن محاكمة رسلان تحمل في طياتها إدانة لجرائم نظام الأسد بحق السوريين، هل تساعد في نقل الملف لمحكمة الجنايات الدولية؟ يعتقد "صبرا" أن "هناك محاولات جرت في السابق لإحالة ملف الانتهاكات في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية وقدمت فرنسا مشروعي قرار إلى مجلس الأمن لكن الفيتو الروسي منع وصول الملف إلى المحكمة، كذلك جرت محاولة بريطانية، وأيضاً أجهضت بسبب الموقف الروسي".

وأردف أن "الحكم (على رسلان) كشكل يحمل قيمة قانونية ومعنوية كبيرة وسيشكل ضغطاً معنوياً على المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية للبدء بعملية جمع أدلة وإن كان ذلك لا يعني الإحالة لمحكمة الجنايات الدولية لأن الإحالة تحتاج لقرار من مجلس الأمن، وهذا غير متوفر في الوقت الحالي". 

في المقابل "لا شك أن الحكم سيشجع المحاكم الأوروبية الأخرى على قبول دعاوى استناداً لمبدأ الاختصاص القضائي الشامل، لكن يجب الانتباه أن هذا المبدأ يكون عادة ضمن الشروط الإجرائية لكل دولة على حدة، فالقضاء الألماني مثلاً لديه قانون عقوبات دولي، بينما لا يتوفر مثل هذا القانون في أغلب الدول".

وأكّد المحامي السوري أن "مبدأ الولاية القضائية الشاملة ما يزال يعتمد على القوانين المحلية للدولة وهو لا يطبق القانون الدولي العرفي أو القواعد القانونية الدولية مباشرة، بل إنه يطبق القانون المحلي أو تلك القواعد التي أعطاها المشرع الوطني صفة القوة الإلزامية في الدولة المعنية"، مشيراً أن "الحكم في قضية رسلان يشكل خطوة مهمة إلى الأمام في سياق منع التفلت من العقاب". 

ماذا عن محاكمة المنشقين؟

وكانت هناك أصوات سورية قد نددت بمحاكمة المنشقين عن نظام الأسد، "من وازع أخلاقي"، باعتبار أن العديد منهم انحازوا إلى جانب الشعب ضد من يرتكب الجرائم بحقهم، خاصة في السنة الأولى والثانية من عمر الثورة السورية، وهنا شدد محمد صبرا على أن "الخشية من موضوع محاكمة من انشق عن النظام هي خشية غير مبررة ولا تستند إلى أساس، فأنور رسلان لم يحاكم لأنه انشق عن النظام، ولم يحاكم على أفعال قام بها بعد انشقاقه عن النظام، بل إن الوقائع التي حوكم بها تتعلق بفترة عمله ضمن أجهزة أمن نظام الأسد".