دماء في أريحا وثرثرة في جنيف

2021.10.24 | 06:18 دمشق

616d62394c59b7599b7f3300.jpeg
+A
حجم الخط
-A

هناك من يريد أن يجعل من المجازر بحق السوريين أمرا عاديا، تتم بصورة آلية من دون رد فعل، ومن الثرثرات التي تحصل في غرف مغلقة في جنيف وغيرها، أحداثا مهمة، واختراقات كبيرة على المسار السوري. هذا هو المنطق الذي يسري في وسائل إعلام روسيا وعلى ألسنة مسؤوليها، الذين يبررون للنظام السوري ارتكاب المجازر على نحو يومي بحق المدنيين، وآخرها مجزرة أريحا يوم الأربعاء الماضي التي ذهب ضحيتها عدد من أطفال المدارس. رد الفعل الروسي يتمثل في أن هذا عمل عادي، يمكن أن يحصل كل يوم، طالما أن النزاع متواصل بين النظام، ومجموعة من الفصائل تحمل السلاح، والأمر ذاته حين يقوم النظام بقصف القوات التركية التي توجد في سوريا. وتفسر موسكو الأمر بأنه تراشق طبيعي يجري بين الجيش السوري الرسمي والقوات التركية، وتضع موسكو نفسها خارج المعادلة، حينما تصور الشأن السوري على هذا النحو، وتختزله في هذه المقاربة، التي تسقط مسؤوليتها كدولة محتلة في نظر غالبية السوريين.

يرى هذا الإعلام أن أردوغان رفض ذلك لأنه يريد البقاء في سوريا، لأن ذلك وحده الذي يبقيه في دائرة الضوء، وعلى تجاذب دائم مع كل من موسكو وواشنطن

تبسيط روسي مدروس، وعملية تذاكي من أجل الضغط على تركيا، لكي تنسحب من المناطق التي توجد فيها بسوريا. وكلما وصلت المباحثات إلى طريق مسدود، ولم يحصل الروس على تنازلات من تركيا لصالح النظام، يتم الإيعاز للمدفعية بالضرب في الأماكن الموجعة، وبالتالي فإن اختيار أطفال المدارس هدف مدروس، وليس عبارة عن قصف عشوائي. ومن اختار هذا الهدف يريد توصيل رسالة سياسية صريحة وواضحة، تقول إن هذا هو الطريق الوحيد أمام النظام من أجل استعادة بقية الأراضي التي خرجت عن سيطرته. وفي هذا السياق تسير المكالمة التي أجراها رئيس النظام بعد ساعات من مجزرة أريحا، مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وتتحدث صحف روسية عن أن الإمارات اشترطت على النظام تقديم مساعدات، أن يقوم بطرد القوات التركية من سوريا، ويحرض الإعلام الروسي على تركيا، ويتهمها بأنها حولت طريق إم 4 طريق حلب اللاذقية إلى خط جبهة رئيسي، ومن دون فتح هذا الطريق وتسليمه للنظام فإن خسارة اقتصادية كبيرة تلحق به، وتتساءل الصحف الروسية عن سبب وجود تركيا في سوريا، طالما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمن للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إقامة شريط حدودي بعمق 6 كلم على الحدود السورية التركية كمنطقة آمنة لإيواء اللاجئين السوريين، وفي نفس الوقت من أجل إبعاد كل خطر كردي عن تركيا. ويرى هذا الإعلام أن أردوغان رفض ذلك لأنه يريد البقاء في سوريا، لأن ذلك وحده الذي يبقيه في دائرة الضوء، وعلى تجاذب دائم مع كل من موسكو وواشنطن. يضاف إلى ذلك الاستعدادات التي تجري من الطرف التركي للقيام بعملية عسكرية ضد "قسد"، والتي قد يؤدي إلى شرخ روسي تركي كبير، في حال تمت من دون تفاهم مسبق يقوم على تبادل التنازلات.

المعارضة السورية عبارة عن سرب من الحمائم، لا هدف لها سوى السلام والتسامح بين السوريين، ولا يهمها سوى إنجاز دستور

إلى ذلك جرت جولة جديدة في جنيف من اجتماعات اللجنة الدستورية، من أجل كتابة دستور جديد لسوريا، وسط عملية نفاق لا حدود لها من الأطراف كلها، بما فيها الولايات المتحدة التي أرسلت هذه المرة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش الذي لم يبخل بالصور التذكارية على أعضاء وفد المعارضة السورية. هذا الوفد الذي بذل غاية الجهد ليبرهن على أن المعارضة السورية عبارة عن سرب من الحمائم، لا هدف لها سوى السلام والتسامح بين السوريين، ولا يهمها سوى إنجاز دستور، وهذا يعني أن المسألة السورية جرى اختزالها إلى إصلاح دستوري، ولذلك استمرت الجلسات يوم الأربعاء، وكأن مجزرة أريحا لم تحصل، وأبسط ما كان يمكن أن يفعله رئيس وفد المعارضة هادي البحرة هو الاحتجاج رسميا أمام الوفد الروسي الحاضر بقوة، من خلال ألكسندر لافرنتييف ممثل بوتين والخبير المفوض بتصفية القضية السورية من خلال الثرثرات في الكواليس.