دكتاتورية الأسد الأشد قسوة

2022.08.29 | 06:40 دمشق

دكتاتورية الأسد الأشد قسوة
+A
حجم الخط
-A

ما الذي تعلمه الأسد بعد 11 سنة من الثورة الشعبية؟ هذا سؤال تصعب الإجابة عنه الآن بالنظر إلى استحالة الوصول إلى الأسد والطلب منه الإجابة بصراحة. لكن يمكن الإجابة عن هذا السؤال هنا بالنظر إلى السياسات التي اتبعها الأسد خلال العامين الماضيين والتي تكشف عن المهمة التي قام بها وكيف نظر لسنوات الحرب وما تعلمه منها.

الإجابة التي يمكن الحصول عليها هي اعتقاده أنه "انتصر" صحيح أن الكلفة كانت تدمير بلدٍ بكامله من حيث الديمغرافيا والنسيج الاجتماعي والاقتصاد والمكانة الدولية وكلها مؤشرات على مدى نجاح الرئيس أو فشله، لكن الأسد كأبيه لا يكترث بكل ذلك، أولويته هي البقاء في الحكم لمدى الحياة والنجاح بالتوريث كما فعل والده من قبل، البقاء في الحكم عبر القسوة والعنف والقتل غريزة أساسية لدى عائلة الأسد، ففنّ الحكم لديهم يعني البقاء بالحكم فترة أطول مهما كانت الكلفة على الآخرين.

نجح الأسد الأب من قبله في إنهاء دور المؤسسات وسحقها وتدميرها وبناء أجهزة أمنية مركبة تركيبا طائفيا كاملا كي تضمن له الولاء بشكل مطلق تدافع عن هدف الأسد لا الوطن الذي تسكن فيه.

فالمؤسسات القسرية هي الوسيلة الدفاعية الأخيرة للديكتاتور في سعيه من أجل ضمان استمراره السياسي، إلا أنها العقبة الرئيسية في وجه بلوغ مبتغاه. كما تحاجج شينا غريتنز في كتابها "الدكتاتوريون وشرطتهم السرية" فهي تذهب إلى أن المستبدين يواجهون معضلةً قسريةً: "فيما إذا كان عليهم تنظيم أجهزة الأمن الداخلي لتكون قادرةً على حمايتهم ضد الانقلابات، أو بغية التعامل مع خطر تهديد الاضطرابات الشعبية. وَيرجع السبب في ذلك إلى أن تنظيمها لتكون ممانعةً لحدوث الانقلابات يتطلب إنشاء منظماتٍ مفككة وَقائمة على أساس العزل الاجتماعي، في حين أن الحماية من الاضطرابات الشعبية يتطلب إقامة منظماتٍ مركزيةٍ شموليةٍ، فليس بوسع المستبدين الجمع بين بلوغ الحماية القصوى ضد كلا الخطرين المهددين".

لكن برأيي نجح الأسد في القيام وتأسيس كلا النوعين من الأجهزة بفضل "العصبية العلوية" التي ضمنت ولاء مطلقا له رغم تفكك الجيش بشكل كامل لكن استمرت وحداته بالعمل بناء على المتبقي.

اعتماد جهازٍ قسريٍ استئثاري سوف يمنح عملاءه محفزاتٍ اجتماعية وَماديةٍ ملموسةٍ لتصعيد العنف بدلاً من العمل على التخفيف من حدته

تجادل غريتنز أنه لدى تسلم الحكام السلطويين للسلطة، يتحتم عليهم (وَهو ما يقومون به) الاختيار لأي خطرٍ مهددٍ منهما سوف يمنحون الأولوية. وَبالتالي، سيكون للخيار الذي اختاروه تبعاته وَعواقبه العميقة الأثر على المواطنين الذين يعيشون في ظل حكمهم. فاعتماد جهازٍ قسريٍ استئثاري سوف يمنح عملاءه محفزاتٍ اجتماعية وَماديةٍ ملموسةٍ لتصعيد العنف بدلاً من العمل على التخفيف من حدته، كما يعيقهم من جمع المعلومات الاستخبارية التي يحتاجون إليها للنجاح في تحديد وَاتخاذ الخطوات القمعية الوقائية المنشودة. من جهةٍ أخرى، فإن الجهاز الاحتوائي المتماسك المعد لمواجهة الاضطرابات الجماهيرية، سيوفر مقدراتٍ استخباريةٍ أفضل لقمع المواطنين، وَسيشكل حافزاً لممثليه لاستخدام أدنى أشكال العنف وَالاعتماد بدلاً من ذلك على أشكال القمع البديلة، بما فيها الرقابة وَالأعمال الوقائية المنشودة. فإلى جانب ما يتمتع به الجهاز القمعي الموجه نحو الجماهير من طاقة استخباريةٍ كبيرة، فإنه أكثر قدرةً أيضاً من نظيره الممانع للانقلابات، على اكتشاف وَمواجهة التغيرات التي تطرأ على طبيعة التهديدات، ما سيؤدي إلى ظهور نماذج تنبؤية للتغيرات المؤسساتية تمتاز بعدم اعتمادها الكلي على الحلول وَالطرق التي تم اتباعها في الماضي إضافةً إلى عدم تقيدها التام ببلوغ الوضع الأمثل الذي هدف إليه التصميم العقلاني.

انشقاق رئيس الوزراء وكبار الضباط لا يؤثر في دور هذه الأجهزة وقمعها، وحجم الضغط الخارجي لا يؤثر أيضا في نوعية هذه الأجهزة ووظيفتها في التعذيب والقتل

برأيي هذا هو الدرس الذي تعلمه الأسد من الثورة الشعبية عام 2011 هو تأسيس بناء الأجهزة الأمنية لمواجهة هذا النوع من الخطر بالاعتماد على الولاء الطائفي الكامل فانشقاق رئيس الوزراء وكبار الضباط لا يؤثر في دور هذه الأجهزة وقمعها، وحجم الضغط الخارجي لا يؤثر أيضا في نوعية هذه الأجهزة ووظيفتها في التعذيب والقتل.

المسألة تحتاج إلى تفصيل أكبر بكثير طبعا ليست مساحته هنا، لكن لا بد من التوقف عند الدور الذي لعبته هذه الأجهزة في ضمان الولاء الكامل للأسد على حساب أي دور وطني لسوريا ودورها في المستقبل.