icon
التغطية الحية

دعم عسكري ومشاريع تنموية وتجنيس.. لماذا تهتم تركيا بلبنان؟

2021.09.28 | 07:02 دمشق

wn-wnayb-alryys-altrky.jpg
عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

يشهد لبنان في السنوات القليلة الماضية أزمة متصاعدة هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي، حيث لم تتمكن النخب السياسية الحاكمة من تحقيق استقرار اقتصادي ولو جزئياً يوقف مشهد الانهيار الذي تسير به البلد ذي الموارد الفقيرة.

ومع الصعود الإقليمي لتركيا حاولت على مدار سنوات أن يكون لها تأثير في العديد من الملفات العربية، خصوصاً التي تشهد أزمات، محاولة حجز موطئ قدم لها بالمنطقة عبر قوتها الناعمة أو الصلبة إن احتاج الأمر.

ولطالما كان لبنان الذي أنهكته الأزمات والحروب، بقعة لتقاسم النفوذ الدولي الإقليمي، خصوصاً في ظل تمدد إيران بالمنطقة عبر ميليشيات طائفية مسلحة، يقودها حزب الله في لبنان، وهو ما ضاعف مشكلات البلد الشرق أوسطي.

ومع الأحداث المتسارعة وبؤر الصراع المشتعلة في المنطقة العربية، ما الذي يمكن أن تحققه تركيا من اهتمامها المتزايد مؤخراً في لبنان، رغم حجم الأزمات المشتعلة على أراضيه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟

اهتمام تركي ملحوظ بلبنان

تشير زيارة رئيس الأركان اللبناني العماد جوزيف عون للعاصمة أنقرة بدعوة من نظيره التركي يشار غولر، يوم الجمعة (29 أيلول 2021) إلى توثيق تركيا لعلاقاتها مع الدولة اللبنانية.

وأدرجت تركيا لبنان في "برنامج المساعدة العسكرية الخارجية التركي" منذ عام 2015، وقدمت له مساعدات متنوعة على مدار السنوات السابقة شملت ذخائر حيّة، وقطع غيار للدبابات وناقلات جنود مدرعة، ومعدات عسكرية، إلى جانب إعلانها في 2018 توسيع إطار مساعداتها ليشمل المؤسسات الأمنية اللبنانية.

وعلى عكس إيران والسعودية وفرنسا، لم تدعم أنقرة أي حزب سياسي لبناني بما في ذلك الجماعة الإسلامية (تحمل فكر الإخوان المسلمين)، ما جعلها مبتعدة عن الاستقطاب السياسي الحزبي الذي تقوده تلك الدول، في الوقت الذي بدأت فيه تركيا تحظى بدعم شعبي، خصوصاً في الوسط السني المهمش إلى حد ما ببعض مدن الشمال اللبناني مثل طرابلس وعكار.

 

رئيس أركان لبنان ونظيره التركي

 

ورغم العلاقات الجيدة نسبياً بين الحكومة التركية ونظيرتها اللبنانية، فإنه لا يوجد لها أي حليف سياسي معلن في المجلس النيابي اللبناني أو مجلس الوزراء، سوى بعض العلاقات الشخصية التي نمت مؤخراً بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء اللبناني السابق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري المحسوب على السعودية.

وقبل إعلان الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة اللبنانية في 15 تموز 2021، زار تركيا أكثر من مرة والتقى بالرئيس أردوغان، ما أثار جدلاً في الأوساط السياسية اللبنانية.

وعندما كُلف نجيب ميقاتي تشكيلَ الحكومة اللبنانية في تموز الماضي، هنأه أردوغان خلال اتصال هاتفي وتمنى أن "يوفق سريعاً في إنجاز الحكومة المناسبة لمعالجة الأوضاع اللبنانية في هذه المرحلة الصعبة".

وشهدت المرحلة السابقة ارتفاع نسبة التنسيق الأمني بين رئيس جهاز المخابرات التركي حقان فيدان ورئيس الأمن العام اللبناني عباس إبراهيم، وهو شخصية أمنية زاد نفوذها وعلاقاتها بشكل كبير في لبنان.

ومنذ سنوات تحاول تركيا أن ترسّم حدودها البحرية مع لبنان في البحر الأبيض المتوسط، ما يحقق للطرفين مكاسب مهمة في منطقة شرق المتوسط حيث يوجد احتياطي كبير جداً من الغاز وصراع دولي محموم عليه.

 

أردوغان والحريري (إنترنت)

انفجار ميناء بيروت والدعم التركي

وبدت تركيا أكثر اهتماماً بلبنان حينما وقع انفجار ميناء بيروت في 4 آب 2020، والذي خلّف مقتل قرابة 200 شخص وإصابة أكثر من 6 آلاف آخرين، ودمارا هائلا في المنطقة، وخسائر تتجاوز قيمتها 15 مليار دولار.

مباشرة عقب الانفجار، أجرى الرئيس التركي محادثة هاتفية مع نظيره ميشال عون، أعرب خلالها عن مساندة تركيا حكومة وشعباً للشعب اللبناني، واستعداد أنقرة لدعم بيروت في كل المجالات التي تحتاج إليها، لا سيما في المجال الصحي.

وفي اليوم التالي للانفجار، غادر إلى بيروت وفدٌ تركيٌ مكوّن من 37 خبيراً من وزارة الصحة والهلال الأحمر التركي، وأرسلت مساعدات إنسانية وطبية وعربات إنقاذ ووحدات استجابة للطوارئ وخيام.

وعلى الصعيد السياسي أجرى نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي ووزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو زيارة تضامن إلى بيروت في 8 آب 2020، التقوا خلالها بكبار المسؤولين، وقدموا مساعدات متنوعة ضخمة للمتضررين.

 

تركيا والقوة الناعمة

تعتمد الحكومة التركية بقيادة أردوغان على استراتيجية "القوة الناعمة" بشكل أساس في سياساتها الخارجية، من خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية والتعليم والثقافة والفن، إلى جانب الدعم العسكري الشديد الأهمية.

وقد بدأ الأتراك العمل على زيادة النفوذ في لبنان ببطء ولكن بدأب ملحوظ اعتباراً من عام 2010، حينما زار أردوغان البلد باستقبال حافل، وألقى خطاباً جماهيرياً في قرية الكواشرة بشمال لبنان التي يحمل أبناؤها الجنسية اللبنانية لكن جذورهم تركمانية ويتحدثون اللغة التركية إلى جانب العربية.

وعبر بناء الشبكات ونسج العلاقات مع المجتمعات المحلية السنيّة خصوصاً في طول لبنان وعرضه، وعلى مختلف المستويات حققت أنقرة حضوراً جيداً.

وعلى مدار العقد الماضي، لم تتوقف الحكومة التركية، عن تقديم المنح الدراسية سنوياً، والانخراط بالنشاطات الثقافية، ومنح الجنسية التركية لآلاف اللبنانيين.

كما استثمرت أنقرة في إعادة تأهيل رموز الحقبة العثمانية، بينها محطة قطار طرابلس في خط سكك الحجاز التاريخي، وكذلك افتتحت مراكز ثقافية يتعلّم فيها الآلاف اللغة التركية.

 

تجنيس لبنانيين

وإلى جانب المشاريع التنموية التي تحقق أثرها الملموس، عملت الحكومة التركية على منح الجنسية التركية لآلاف اللبنانيين من التركمان أو الذين لديهم أصول تركية، وقد قال وزير الخارجية التركي بعد حادثة انفجار مرفأ بيروت إن الرئيس أردوغان أعطاه "تعليمات بمنح الجنسية الى أي تركماني لبناني أو من له أصول تركية".

ورغم عدم وجود أرقام رسمية عن الحاصلين على الجنسية التركية من اللبنانيين، فإن تقارير لبنانية محلية أكّدت حصول 9600 منهم عليها حتى نهاية 2019، وقرابة 18 ألفاً آخرين قدموا طلبات للحصول عليها.

 

الجنسية التركية (إنترنت)

كم بلغ التبادل التجاري بين تركيا ولبنان؟

من الناحية التجارية، فقد استورد لبنان بحدود المليار دولار من تركيا في العام 2018، وصدّر لتركيا أقل من 130 مليون دولار للعام نفسه، ما يعني وجود خلل كبير في الميزان التجاري بين البلدين.

وأدى رفع التأشيرة عن اللبنانيين إلى تدفق مئات الآلاف منهم للسياحة في تركيا سنوياً، بمعدل وسطي يقارب 300 ألف سائح سنوياً، ومع الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان انتقل كثير من المستثمرين إلى تركيا.

ومن أبرز تلك الاستثمارات ضخامة، فتح "بنك عودة" (أحد أكبر المصارف اللبنانية وينتمي إلى الفئة ألفا)، فرعاً له في تركيا.

كما ساهمت شركات تركية خاصة اعتباراً من نهاية 2012 بتأجير 3 بواخر توليد طاقة كهربائية للبنان الذي يعاني من نقص كبير في إنتاج الكهرباء.

 

مساعدات تركية إلى لبنان

تحركات مرتبطة بسوريا وترسيم الحدود

ويرى أستاذ العلاقات الدولية والسياسية التركي د. سمير صالحة أن "التحرك التركي المتنامي في لبنان مرتبط بزيادة الدعم العسكري واللوجستي للجيش اللبناني، كما أنه مرتبط بتطورات عديدة مثل المشهد في سوريا، وموضوع ترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط".

وقال صالحة في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا": إن "السياسة التركية في لبنان مرتبطة بسياسة أنقرة الإقليمية ككل، وبدأت منذ عام 2008 تحديداً، في ظل رغبة الحكومة بإعادة التموضع الإقليمي مع العديد من العواصم الإسلامية". 

وأضاف: "رغم أن لبنان دولة صغيرة المساحة، فإنها تحتل موقعاً جغرافياً مُهماً، ولذلك أبدت تركيا اهتماماً بها وتُرجم ذلك عملياً من خلال رفع مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين ورفع التأشيرات عن اللبنانيين، وعبر المساعدات الإنسانية ومشاريع التنمية".

ولفت الأكاديمي التركي إلى أن السياسة التركية تميّزت أنها كانت منفتحة على جميع الطوائف وشرائح المجتمع اللبناني في الشمال والجنوب، والتحرك التركي كان يتم دائماً عبر القنوات السياسية والدبلوماسية، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني مثل مؤسسة (تيكا)".

وأشار إلى أن "بعض الفئات اللبنانية حاولت تعكير صفو العلاقات التركية اللبنانية الجديدة مثل: المجموعات الأرمنية المتطرفة وبعض القوى المرتبطة بإيران بسبب الموقف التركي المساند للشعوب في سوريا والعراق، إلا أن هذه السياسات لم يكن لها تأثير كبير ولم تدم مع إبقاء أنقرة على سياستها المتوازنة".

وأشارَ في ختام حديثه إلى أن "السياسة التركية الجديدة مرتبطة بوجود مجموعات من حزب العمال الكردستاني التركي (تصنفه أنقرة إرهابياً) التي تستغل الحالة الأمنية السيئة في لبنان للتموضع هناك، وأظن أن نقاشات مشتركة بين الجانبين تمت حول مواجهة هذه المجموعات الإرهابية".

زيارة ذات رسائل سياسية

في المقابل قال المحلل السياسي اللبناني طارق شندب: "لا أعتقد أن تركيا تعمل على تقوية نفوذها في لبنان، إنما تقدم مساعدات اجتماعية للعائلات التي تنحدر من أصول تركية، وتركيا بالمحصلة وريث الدولة العثمانية التي كان لبنان جزءاً منها، وعدد كبير من اللبنانيين يرتبطون دينياً وثقافياً واجتماعياً مع الأتراك.

وأضاف شندب في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أنه "يوجد الكثير من الآثار العثمانية في لبنان خصوصاً في طرابلس، تعمل الحكومة التركية على إعادة ترميمها والاهتمام بها".

وأشار إلى أن "تركيا تقدم مساعدات للجيش اللبناني، وزيارة قائده إلى أنقرة رسالة مهمة جداً من الناحية السياسية، وتحمل في طياتها شكراً للحكومة التركية على دعمها الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وتدحض الإشاعات المغرضة التي استهدفت تركيا زاعمة أنها تدعم جماعات إرهابية في لبنان، وهو غير صحيح، إنما هي تقدم مساعدات لفقراء البلاد".

ويرى شندب أن "هناك استهدافاً للمكوّن السنيّ في المنطقة، وبالتالي يجب أن يكون لتركيا دور في حماية هذا المكون، ولذلك فأمن لبنان هو جزء من أمن تركيا والعكس صحيح، خصوصاً في ظل الانتهاكات التي تقودها إيران وميليشيا حزب الله في لبنان وسوريا والعراق".

واختتم شندب حديثه بالقول: إنه "لدى تركيا أصدقاء كثر في الشارع اللبناني، وهذا يزداد يوماً بعد يوم، لذلك فهي نجحت في خطتها بدعم المجتمع اللبناني وتوثيق صلاتها به".