درس في الاستقرار من تونس

2019.07.30 | 23:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

على مدى عقود طويلة من حكم التسلطية العربية وتحديداً منذ فترة السبعينيات كان الاستبداد العربي يفاخر بأنه ضامن للاستقرار في منطقة يملؤها الاضطراب والفوضى والإرهاب والإسلام المتطرف إلى غير ذلك، لكن في كل مرة يثار السؤال حول الخلافة تصل القلوب الحناجر خوفا من وفاة المستبد، وخوفا من المصير المجهور الذي ينتظر الوطن بعد ذلك.

كان هذا السؤال ذاته يتكرر في كل مرة في تونس لدرجة جعلت الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي وصل إلى الحكم بانقلاب أبيض ضد الرئيس بورقيبة في عام 1987، جعلته يقوم بتعديل الدستور في عام 2010 بهدف السماح له بالحكم بولايات لا محدودة في الحكم، والحجة الرئيسية في السماح له بالحكم مدى الحياة كانت ضمان الاستقرار في تونس التي تهددها الفوضى من داخلها، ومن قبل شعبها الذي يحب أن يشيع الاضطرابات.

هذا الأسبوع توفي رئيس تونس الديمقراطية الباجي القايد السبسي عن عمر يناهز 92 عاما، استلم بعدها وفق ما هو منصوص عليه بالدستور

لم تثر أسئلة الخوف على مستقبل الوطن بسبب موت الرئيس السبسي، الكل يعرف أن الموت نتيجة حتمية لكل إنسان، المهم كيف يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة ووفق المعايير الدستورية

وخلال فترة انتقالية رئيس المجلس التشريعي أو البرلمان محمد الناصر الذي لم يجد أحداً يحاجج في شرعيته والذي تعهد باحترام الدستور إلى حين عقد انتخابات رئاسية تحمل وافداً جديداً إلى قصر قرطاج.

إنه الدرس الحقيقي في الاستقرار أن الديمقراطية هي التي تحقق الاستقرار الحقيقي، فلم تثر أسئلة الخوف على مستقبل الوطن بسبب موت الرئيس السبسي، الكل يعرف أن الموت نتيجة حتمية لكل إنسان، المهم كيف يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة ووفق المعايير الدستورية والمؤسساتية وهو ما لم تحققه أية دولة عربية، وهو السبب الذي من أجله اندلعت الثورات العربية بدءاً من تونس وانتهاء بالجزائر، إنه حق الشعوب في اختيار حكامها بطريقة ديمقراطية ومسؤولة، فلم يعد مقبولا الضحك على عقول المجتمعات العربية بالقول إن الرئيس الخالد هو الأبرع والأفهم والأول في كل شيء، إنه ببساطة ممثل للشعب الذي اختاره عبر صناديق الاقتراع ليحقق برنامجه الانتخابي الذي اختاره الناخبون بناء عليه.

تلك المسألة على بساطتها وبدهيتها في القرن الحادي والعشرين ما زالت تكلف العرب الكثير من الأرواح والدماء لأن نخب السلطة تريد أن تتمسك بها مهما كانت التكلفة على الوطن، لننظر ما جرى بسوريا، من المستحيل وصف الأسد أو أيا من مؤيديه بالوطنية، إنهم لا يستحقون وصفهم بالسورية على اعتبار أن الوطنية السورية هي مجموعة من القيم تجمع السوريين فيما بينهم بينما الأسد اتبع كل الوسائل والسبل من أجل تحريض السوريين ضد بعضهم البعض ومن أجل قتل كل من يخالفه ويعارضه، شرعيته سقطت مع إطلاق أول رصاصة ضد المتظاهرين السلميين في درعا، لكنه ما زال يعاند قدر الشعوب لأنه نسخة مضاعفة من الدكتاتورين العرب، نسخة

هل يمكن أن نتعلم من التجربة التونسية درساً واحداً فقط يحفظ كثيراً من الأرواح والدماء وهو أن الاستبداد لم يحقق يوما الاستقرار

دموية لا تتكرر كثيرا، وجدناها عبر التاريخ في هتلر وموسوليني والخمير الحمر، أما النسخ الدكتاتورية فهي كثيرة للأسف في البلدان العربية وإفريقيا أما نسخ الإبادة فهي لا تتكرر كثيرا، فالأسد وعصبته الطائفية مليئة بالحقد على سورية والسوريين، وواهم من سيعتقد أن الأسد يجلب معه الاستقرار، إنه الفوضى الدائمة والعذاب الدائم لمن بقي على قيد الحياة من السوريين.

هل يمكن لنا أن نقرأ الدرس التونسي بعناية؟ هل يمكن أن نتعلم من التجربة التونسية درساً واحداً فقط يحفظ كثيراً من الأرواح والدماء، وهو أن الاستبداد لم يحقق يوما الاستقرار، وأن الديمقراطية والمؤسسات هي فوق الأشخاص وهي من تضمن الاستقرار على المديين القريب والبعيد، في ذلك دروس مهمة خاصة تلك النخب التي تتدافع وتتحكم في كل مصر وليبيا والجزائر وسوريا، إذا كان لدى هذه النخب بقايا وطنية عليها أن تعي الدرس التونسي وأن تدرك أن الديمقراطية هي الاستقرار الحقيقي وأنها تفتح الأبواب مشرعة من أجل تحقيق التنمية وضمان الفرص الاقتصادية والاجتماعية التي تعيد الثقة بالوطن لدى الشباب والنخب الصاعدة عبر تحميلها الراية كما هي سنة الحياة، فهي تحمل فخر الوطن بعد ضمان الجيل الأول تسليم الراية للجيل الذي بعده.