icon
التغطية الحية

داعش ومخدرات وفوضى.. هذه نتائج تطبيق نموذج درعا في مسار التطبيع مع النظام

2023.01.07 | 09:40 دمشق

حاجز تفتيش لقوات النظام في درعا - التاريخ 21 أيلول 2021
حاجز تفتيش لقوات النظام في درعا - التاريخ 21 أيلول 2021
Yahoo News -ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أظهرت الميليشيات والقمع السياسي والعنف مدى هشاشة "حالة السلام" في الجنوب السوري حيث كان من المفترض للتسوية التي توسطت روسيا لعقدها أن تنهي القتال بين النظام السوري والمعارضة التي حاولت إسقاطه.

في شوارع ومدن محافظة درعا هنالك ما يذكرنا ببدايات الثورة السورية التي قامت في آذار 2011، وذلك بعدما خرج معارضو الأسد من جديد ضده قبل أيام قليلة في احتجاجات أنشدوا فيها أغاني الثورة وحملوا علمها الذي بات يمثل سوريا، كما هتفوا في مدينة جاسم خلال هذا الشهر: "يا درعا حنا معاكي للموت، حنا معاكي لنموت!" وأيضاً: "الشعب يريد إسقاط النظام" في تكرار للشعار الذي رفعته ثورات الربيع العربي ابتداء من عام 2011.

وفي مقطع فيديو يصور تلك الأحداث، ظهر مسلحون على أسطح الأبنية وأخذوا يستهدفون المتظاهرين الذين كان بينهم أطفال، فصاح الراوي في الفيديو: "النظام يطلق النار على الناس".

قتل ما لا يقل عن نصف مليون إنسان في سوريا طوال 12 عاماً، حيث سحقت البراميل المتفجرة وعمليات التعذيب حتى الموت في سجون النظام عظام المدنيين السوريين. ثم بدأ الأسد يسترجع الأراضي التي سيطر عليها الثوار لسنوات، وذلك بفضل دعم إيران وروسيا له، وأخذ يفرض اتفاقيات مصالحة مع الثوار في تلك المناطق بوساطة روسية أو أممية، والتي هددهم من خلالها إما بترحيلهم أو نزع سلاحهم مقابل حصولهم على عفو.

بيد أن انهيار تلك الصفقات والاتفاقيات الذي بات واضحاً كانت له تداعيات شملت نطاقاً أوسع.

نموذج درعاوي غير جذاب

فقد راقبت كل من إسرائيل والأردن بتحفظ متوتر تزايداً لوجود الميليشيات المدعومة إيرانياً على حدودهما، إلى جانب زيادة عدد تجار المخدرات والمتطرفين في المناطق التي تخضع لسيطرة الأسد رسمياً. في حين فضل معظم السوريين الرحيل إلى منطقة أخرى سواء داخل الشرق الأوسط أو في أوروبا.

تسهم الفوضى التي تسود الجنوب السوري هي أيضاً في إضعاف أمن الشمال السوري، فقد جمع الكرملين بين وزيري دفاع سوريا وتركيا في موسكو خلال الأسبوع الماضي، في محاولة لإقناع أنقرة بالسماح لروسيا بفرض شكل من أشكال الترتيبات على غرار تلك التي تمت في المناطق الجنوبية، وذلك ضمن المناطق التي تسيطر عليها "قسد" وتلك التي تخضع لسيطرة المعارضة في الشمال السوري.

إذ عبر وكالة الأنباء الروسية الرسمية، تحدث مسؤول روسي عما جرى في ذلك الاجتماع فقال: "نوقشت طرق لحل الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين، بالإضافة إلى الجهود المشتركة لمحاربة الجماعات المتطرفة في سوريا".

بيد أن الخبراء يعتبرون نموذج درعا نموذجاً غير جذاب بالمطلق.

إذ يقول الباحث التركي ميتي سوهتا أوغلو المتخصص بشؤون الشرق الأوسط: "بات نظام الأسد يفقد السيطرة على درعا، فقد زادت الفوضى في مجال الأمن داخل الجنوب السوري منذ أن عاد لسيطرة النظام، حيث صارت العديد من الأطراف المتصارعة تحارب بعضها بعضا لتثبت وجودها على الأرض ولتمنع الآخرين من تنفيذ مخططاتهم، ما أدى لاستمرار ظهور الفوضى في تلك المنطقة".

بقي الجنوب السوري في حالة توتر وارتياب شديدين منذ أن توسط الكرملين في الاتفاق الذي عقد بين مقاتلي المعارضة ونظام الأسد في عام 2018، وإلى جانب المقاتلين السابقين، يشمل الخليط المتقلب من العناصر الفاعلة في تلك المنطقة فلول تنظيم الدولة التي تجوب المناطق النائية، ومهربي المخدرات المرتبطين بالنظام الذين يحملون معهم الكبتاغون وغيره من المواد المخدرة عبر الحدود الأردنية لتصل تلك المواد إلى الجزيرة والخليج العربيين.

دولة مخدرات

يعتقد مراقبون بأن إيران وحلفاءها قد تورطوا بعملية إثارة الفوضى والاضطراب في هذه المنطقة الاستراتيجية، المتاخمة لمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، العدو اللدود لطهران.

Daraa has seen protests against the Assad regime, alongside violent crackdowns and increasing lawlessness (AFP/Getty)

مشهد لأحد شوارع درعا

إلا أن أبشع المجرمين هناك ما يزالون يتمثلون بالقوات والميليشيات المرتبطة بالنظام والتي أخذت تشن عمليات من قاعدة كانت تديرها روسيا في السابق، لكنها أصبحت اليوم بيد إيران وميليشيا حزب الله. أما شقيق الأسد، ماهر، فبات يوصف بزعيم العصابة لدوره الذي يلعبه مع الميليشيات المدعومة إيرانياً وشبكات تهريب المخدرات، والتي ساعدت على تمويل النظام في وقت من الأوقات بعد خضوعه لعقوبات دولية ثقيلة.

يعلق سوهتا أوغلو على ذلك بقوله: "لقد تحولت سوريا إلى دولة مخدرات بحق".

مظاهرات ضد الأسد من جديد

يذكر أن القوات الروسية صارت تقوم بممارسات خارجة عن القانون، تشمل الخطف مقابل الفدية، وخطف المعارضين بالقوة. إلا أن تلك الممارسات كانت السبب الذي دفع لخروج مظاهرات عارمة بعد اعتقال شقيقة زوجة أحد قادة الثوار السابقين وبقائها رهن الاحتجاز.

وحول تلك الحادثة، يخبرنا نوار صبان من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية فيقول: "تتعرض درعا لمخاطر أمنية بصورة يومية، ولهذا فإنه بوسع أي شيء أن يحرض على قيام مظاهرات واسعة النطاق، غير أن ما حدث في هذه المرة هو أنهم اعتقلوا إحدى قريبات مقاتل سابق في الجيش السوري الحر، وهذا خط أحمر".

Demonstrators raise Syrian opposition flags and signs in a rally against talks in Moscow between Turkey and Assad’s regime in Syria (AFP via Getty)

متظاهرون سوريون يعبرون عن احتجاجهم على المحادثات بين تركيا ونظام الأسد

خرجت أولى المظاهرات ضد النظام وقواته في 21 كانون الأول واستمرت بصورة متقطعة لتشمل ما لا يقل عن ستة مدن في درعا.

وخلال الأيام القليلة الماضية خرجت تقارير متفرقة حول العنف هنا والذي شمل قيام قوات الأمن بفتح النار على حشود المتظاهرين، ولكن وقعت في الوقت ذاته عمليات اغتيال طالت ما لا يقل عن ثمانية مسؤولين أمنيين موالين للأسد، بحسب روايات عدد من الصحفيين السوريين الناشطين الذي يعملون بسرية داخل البلد.

يشتكي السوريون في محافطتي درعا والسويداء الجنوبيتين من أنهم ضحية لقوات الأسد والميليشيات التي تدعمها إيران ولفلول تنظيم الدولة أيضاً. كما أن بعض مقاتلي المعارضة السابقين الذين رفضوا اتفاق التسوية الذي توسطت روسيا من أجله في تموز عام 2018 أصبحوا أقرب لتنظيم الدولة وصار همهم تصفية حساباتهم.

Drivers queue for petrol in December 2022 as Syria struggles under an economic crisis (AP)

رتل لسيارات سورية اصطفت عند إحدى محطات التزود بالوقود في كانون الأول 2022

فلول داعش في الجنوب السوري

ألغت فصائل المعارضة السابقة نفسها وحدها غير مرة عند قيامها بالتصدي لتنظيم الدولة. إذ في أواسط شهر تشرين الأول الماضي، قتل مقاتلون سابقون في المعارضة أحد القياديين السابقين لدى تنظيم الدولة، واسمه أبو الحسن الهاشمي القرشي، والذي استهدفه مقاتلون من المعارضة. وفي 25 كانون الأول، وردت أنباء حول قيام "الجيش الحر" في الجنوب بقتل قيادي آخر في تنظيم الدولة من أبناء المنطقة اسمه الحركي أبو لؤي القلموني.

يذكر أن تنظيم الدولة نفذ تفجيرات انتحارية استهدفت المعارضة وعناصر للنظام، كما أسس محكمة إسلامية بمدينة جاسم قبل أن يتم اكتشافها وإغلاقها.

وعن ذلك يعلق سوهتا أوغلو بالقول: "يجوب مقاتلو تنظيم الدولة تلك المناطق، وتحدث فيها اغتيالات وعمليات قتل كثيرة، إلا أنه من الواضح بأن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام اسمياً في الجنوب السوري غير آمنة، إذ هنالك عمليات خطف وسرقة وقتل وتفجيرات".

Syrians trying to withdraw money in Damascus in November amid growing economic pressure (AFP via Getty)

سوريون يحاولون سحب أموالهم في دمشق في شهر تشرين الثاني الماضي وسط ضغوطات اقتصادية متزايدة

زادت حالة الفوضى التي فاقمت حالة الانهيار الاقتصادي التي تزامنت مع عودة ظهور حالات إصابة بكورونا من المصاعب والمشاق التي يعاني منها المواطن السوري العادي، لذا من المحتمل لكل ذلك أن يحرض على خروج المزيد من الاحتجاجات. ومما يزيد الطين بلة هو أن نظام الأسد يرى في العنف والقمع السبيل الوحيد لعلاج أي ضيق أو انزعاج يبديه أبناء الشعب.

إذ عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع في السويداء خلال الشهر الماضي ليعبروا عن غضبهم بسبب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وغلاء الأسعار، قامت قوات النظام بفتح النار عليهم، ما دفع صبان للقول: "أي نوع من أنواع المشكلات الأمنية في درعا يعتبر مبرراً آخر لاستخدام مزيد من العنف واعتقال مزيد من الناس.. ولكن هل يزعج ذلك النظام؟ لا أعتقد".

 المصدر: Yahoo News