icon
التغطية الحية

حرب وزلزال.. خريجو جامعات دمشق وحلب تتقطع بهم سبل العودة إلى شمالي سوريا

2023.04.22 | 05:44 دمشق

حرب وزلزال.. خريجو "جامعات النظام" تتقطع بهم سبل العودة لشمالي سوريا
كلية "الهمك" بجامعة تشرين في اللاذقية
اللاذقية ـ علي أحمد
+A
حجم الخط
-A

يعيش السوريون أزمات متتالية اقتصادية واجتماعية، فكيف الحال بالنسبة لمن اضطر لترك منزله، وأجبرته الظروف على الاستقرار في مدينة غير مدينته فبات غريباً في وطنه؟.. وهو حال كثير من سكان إدلب وبعض مناطق حماة وعفرين وغيرها من مناطق شمال غربي سوريا الخاضعة لسيطرة المعارضة.

قسم من هؤلاء قدم مع عائلته واستقر في مدن جديدة، ولكن قسماً جيداً منهم يعيشون من دون عائلاتهم وهؤلاء طلاب جامعات شن النظام عملياته العسكرية وهم بعيدون عن أهاليهم وتقطعت كل سبل العودة أمامهم.

تعيش هلا وأختها في اللاذقية منذ عام 2011 ودخلتا الجامعة سويةً، اعتادت الأختان زيارة أهلهم كل فترة ولكن بعد خروج إدلب بالكامل من سيطرة النظام لم يعد بمقدورهم العودة فأكملتا دراستهما الجامعية في مجال الصيدلة، واليوم تتحضران للعودة لديارهما وترك اللاذقية دون معرفة إن كان من عودة إليها.

تقول الأختان لموقع تلفزيون سوريا "وسائل التواصل الاجتماعي هونت علينا هذا الوقت كله ووجود بعض الأقرباء هنا، عدا عن ذلك لكان الوضع أصعب بكثير". وعن طريقة عيشهم وتدبرهم المصروف فكان أهلهم يرسلون لهم الأموال عن طريق وسطاء وبشق الأنفس.

سوريون مغتربون داخل سوريا

بعد سنين الحرب الطويلة في سوريا يقبع كثير من السوريين اليوم خارج مدنهم وقراهم، وخصوصاً من اضطرته الظروف للنزوح أو حرمته من لقاء أهله.

فكثير من أهالي إدلب وعفرين وجرابلس يقطنون اليوم في اللاذقية وغيرها من المدن السورية التي تخضع لسيطرة النظام السوري، وإضافة لذلك هنالك كثير من طلاب هذه المناطق ممن التحقوا بجامعات اللاذقية ودمشق وطرطوس قبل أن تغلق معابر إدلب وحماة نهائياً. وأغلب هؤلاء دخلوا الكليات الطبية والهندسات.

تقول "ريم ـ اسم مستعار" وهي مهندسة تخرجت حديثاً إنها دخلت الجامعة وبعدها أغلقت كل الطرق التي تصلها بأهلها داخل إدلب، وبحكم صعوبة العودة بقيت في اللاذقية طوال فترة دراستها الجامعية. أما اليوم وبعد تخرجها لم يعد لها مكان ضمن اللاذقية وعليها أن تبحث عن طريقة تعود بها لأهلها لصعوبة البقاء في اللاذقية، وتضيف لموقع تلفزيون سوريا "لم أر أهلي منذ أكثر من خمس سنوات، بداية كانت هنالك وسيلة للتنقل، أما اليوم فأنا أعاني في كل شيء؛ معاملات الدولة، إيجارات البيوت، حتى البحث عن عمل".

ريم وغيرها كثر من سكان مناطق إدلب وعفرين يعيشون اليوم في مناطق النظام وهم مغتربون فعلياً ضمن بلادهم، غرباء عن هذه المدن وفي الوقت نفسه غير قادرون على العودة.

تتابع ريم أن معظم من بقي من سكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في مناطق النظام هم إناث بحكم أن الشبان هربوا خارج البلاد خوفاً من ملاحقات أمنية أو اقتياد للخدمة العسكرية، ومادفع ريم ومثيلاتها للبقاء وتحمل كل المضايقات هو الحصول على الشهادة الجامعية. "من الصعب شرح مايعنيه وجود فتاة إدلبية في اللاذقية وكمية الخوف والقلق التي أعيشها، ولكن الأمل بتغير الواقع هو مادفعني للاستمرار حتى حصولي على شهادتي الجامعية" كما تقول.

أما علي، وهو طبيب أنهى دراسته الجامعية ودخل مرحلة الاختصاص، لكنه لم يرغب بالعودة لعفرين والسفر خارج سوريا، وقرر استكمال مرحلة الاختصاص في أحد المشافي قبل أن تخرج عفرين عن سيطرة "وحدات حماية الشعب" ويصبح من الصعب الدخول لها. يوشك علي اليوم أن يصبح اختصاصيا ويقع أمام خيارين إما البقاء في مناطق النظام أو محاولة العودة إلى عفرين واستعداده للمخاطرة بمستقبله.

"لا أعرف ما الخطوة المقبلة، وهل أستطيع البقاء ضمن مناطق النظام كغريب عن البلاد وصعوبة الحصول على موافقات أمنية، وفي الوقت نفسه قد لا يسمح لي بالدخول لعفرين أو حتى العمل هناك" يضيف علي.

فتح الطريق الدولي "إم 4" وعودة المعابر للعمل ولكن

منذ بداية العام الحالي والأخبار تتوارد عن فتح الطريق الدولي M4 الواصل بين اللاذقية وحلب والذي كان مقرراً دخوله العمل ما قبل 2011، ومع انتشار هذه الأخبار دخل لقلوب السوريين الأمل الذي انقطع منذ أكثر من خمس سنوات، وبالأخص سكان عفرين ومناطق إدلب الخارجة عن سيطرة النظام السوري.

لكن طريق العودة اليوم صعب جداً، خصوصاً أن الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 شباط الماضي عرقل المساعي لفتح الطريق بشكل أكبر. فاليوم تحتاج عودة أي طالب أو نازح يقطن في مناطق النظام إلى إدلب أن يسلك طريقاً محفوفاً بالمخاطر، فعليه السفر لحلب ومنها إلى مناطق سيطرة "قسد"، ثم عليه تأمين طريق تهريب ليقدر دخول أحد المعابر ومن ثم الوصول، في رحلة تستغرق ما لا يقل عن 60 ساعة تقريباً أي نحو ثلاثة أيام.

تقول رويدا، فتاة أنهت دراستها في كلية الهندسة إنها كانت تحاول جاهدة الحصول على فيزا لدخول تركيا ومن بعدها البحث عن مهرب ليدخلها إلى إدلب ولكن ومنذ بداية العالم الحالي بدأ السوريون يعودون لإدلب وعفرين وجرابلس عبر معابر للنظام والمعارضة و"قسد" وكان يصل سعر تذكرة الدخول من حلب وصولاً إلىإدلب نحو 300 دولار  وأكثر حسب المهرب لتصل اليوم لـ 2000 دولار للشخص الواحد.

"اضطررت للتخلي عن كثير من أغراضي الشخصية الغالية على قلبي، لا يسمح لي بحمل كثير من الحقائب، ودعت اللاذقية بلد اغترابي ضمن سوريا آملة أن أستطيع العودة كمواطنة سورية وليس إدلبية مغتربة".

أطباء ومهندسون مشردون في اللاذقية

يعيش طلاب إدلب والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام الذين دخلوا كليات طبية أو هندسية تخبطاً كبيراً في حسم قرارهم بخصوص العودة لمدنهم أو البقاء ومحاولة العمل في مدن النظام. فالخيار صعب بين تخليهم عن عوائلهم وبناء حياة جديدة أو العودة لمدنهم وما يترتب على ذلك من خسارات مستقبلية كثيرة.

بعد أن أصبحت إدلب بمعظمها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، وعفرين ومناطق أخرى تحت سيطرة المعارضة أنشأت جامعات ومدارس، وأصدرت قوانين تمنع أي شخص حاصل على شهادة من جامعات النظام بالعمل في مناطق المعارضة. وهنا تكمن المعضلة أمام خريجي جامعات مناطق النظام الراغبين بالعودة لهذه المناطق.

"سهى" طبيبة أنهت اختصاصها وتفكر جدياً بالعودة إلى عائلتها في إدلب والعمل هنالك في مهنتها التي تعبت كثيراً فيها، ولكنها تعرف أنه ما من مستقبل ينتظرها هناك ولن تستطيع العمل كطبيبة.

اقرأ أيضا: رفض التصالح مع النظام وصل إلى أسئلة امتحان في جامعة إدلب

تقول لموقع تلفزيون سوريا "من الصعب عليّ البقاء بعيدة عن أهلي كل هذه المدة ولكن الأصعب أن أعود وأجلس في المنزل دون عمل وأجد أشخاصا أقل مني علماً وخبرة يعملون كأطباء فقط لأنهم خريجو جامعات المناطق المحررة".

تحاول سهى المماطلة في العودة والبقاء ريثما يتغير وضع البلاد خاصة أنها سمعت من تجارب صديقاتها ممن عدن لإدلب عن استحالة العمل وأن عليها الانتقال لجرابلس مثلاً إن أرادت العمل كطبيبة، وهنا تكمن مشكلة أخرى. ولا يوجد مايردع حكومة الإنقاذ في إدلب وغيرها من سلطات في مناطق المعارضة من تنفيذ هكذا قرارات أو حتى خوفها على نفسها من الاعتقال لا سيما أنها لم ترجع لإدلب وبقيت في مناطق النظام لوقت طويل.

والحال مشابه بالنسبة لممدوح شاب خريج كلية هندسة معلوماتية، إذ يرغب بأن يؤسس مركزاً لتعليم تقنيات البرمجة ويطور برامج حديثة، ولكنه اليوم عالق في دمشق ويخاف العودة لإدلب خشية اعتقاله أو منعه من العمل بحجة أن شهادته صادرة من جامعات النظام.