icon
التغطية الحية

تعذيب سوري حتى الموت في "غوانتانامو" لبنان .. من يحاكم؟

2022.09.04 | 10:15 دمشق

h
الروايات تعددت حول مقتل السوري بشار السعود في لبنان ـ إنترنت
بيروت ـ فاطمة حوحو
+A
حجم الخط
-A

أثارت الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي للشاب السوري بشار عبد السعود وآثار التعذيب الهمجي على جسده، ردود فعل مستنكرة في العديد من الأوساط التي تعنى بحقوق الإنسان وأوضاع اللاجئين السوريين وبعض الناشطين السياسيين.

لم يصدق كثيرون أن هذا الشاب الذي عذب حتى الموت، قضى في مركز أمن لبناني وليس في مركز تابع لمخابرات النظام السوري في دمشق، والمركز الذي حصلت فيه الحادثة يقع في قرية تبنين قضاء بنت جبيل في محافظة النبطية، أي في المنطقة التي يسيطر عليها حزب الله وحركة أمل.

وكان جهاز أمن الدولة اللبناني قد ألقى القبض على بشار عبد السعود، سوري الجنسية، ضمن حملة توقيفات لمن قيل إنهم أعضاء في "خلية تابعة لتنظيم داعش" تنشط ما بين جنوب لبنان وبيروت، وفقا للرواية التي قدمها الجهاز الأمني في الـ29 من آب الفائت.

و"سبق للخلية،" بحسب زعم البيان، "أن قاتلت في سوريا، وانتقلت إلى لبنان بطريقة غير شرعيّة".

روايات متعددة

لكن الروايات تعددت حول حقيقة ما حصل، ففي الوقت الذي قال فيه أحدهم إن الشاب بشار قبض عليه الأمن العام اللبناني ومعه 50 دولاراً مزيفاً، ولأنه سوري دون ظهر أو دولة تحميه، فقد تم تعذيبه حتى الموت، وبعد قتله وانتشار صور جثته المعذبة بطريقة وحشية قالوا إن تهمته "داعشـي". في حين زعم آخرون أنه قضى إثر جرعة زائدة من المخدرات، وفي الوقت نفسه قال تقرير أمني إنه قضى نتيجة نوبة قلبية.

اقرأ أيضا: مسؤول لبناني يطالب بالكشف عن المتورطين بقتل لاجئ سوري في مقر "أمن الدولة"

وقد أدى انتشار الصور المرعبة عن التعذيب الشديد الذي تعرض له الشاب السوري، إلى حملة استنكار ومطالبات بمحاسبة المتورطين في عملية التعذيب ومحاكمتهم، علماً أن لبنان يسعى منذ أشهر إلى ترحيل اللاجئين السوريين، مما تسبب بإشكاليات داخلية بين رئيس الحكومة ووزراء ناشطين على "خط دمشق" ومع مفوضية اللاجئين، التي رأت أن سوريا ليست مكانا آمنا لإعادتهم.

كما أن تقارير منظمة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب انتقدت الانتهاكات التي يتعرض لها موقوفون، ومن بينهم سوريون في مراكز التحقيقات التابعة لأمن الدولة.

وقد أعطى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي إشارة قضائية بتوقيف الضابط ح. ا. وثلاثة معاونين له في التحقيق المفتوح في قضية وفاة موقوف سوري لدى جهاز أمن الدولة، الذي اتهمه مع أفراد آخرين بالانتماء والعمل لصالح تنظيم "داعش".

وبحسب أوساط أمنية لبنانية فإن قرار توقيف الضابط مع ثلاثة مساعدين له يعكس حرص مديرية أمن الدولة على الذهاب في التحقيق بالحادثة حتى جلاء ملابسات وفاة الموقوف بكل شفافية والالتزام بالمحاسبة، معتبرة أنّ حصول "خطأ" من قبل بعض العناصر لن يحجب حرص المديرية على الالتزام بالقوانين ومراعاة المعاهدات والاتفاقيات التي تؤمّن حصول تحقيقات عادلة وشفافة تحترم حقوق الإنسان.

وكانت مديرية أمن الدولة أصدرت بياناً، أكّدت فيه أنّه بنتيجة التحقيق مع أفراد الخلية اعترفوا بمعلوماتٍ أدّت إلى توقيف شريك لهم، هو السوري الذي يتولى القضاء العسكري راهناً التحقيق في ظروف مقتله.

وأشارت إلى أنه في أثناء التحقيق مع الموقوف السوري، اعترف بأنه ينتمي "إلى تنظيم داعش الإرهابيّ، وأنه كان من عِداد مقاتليه ويدين بالولاء لهم". 

ووفق البيان، سارعت المديرية إلى "وضع الحادثة بيد القضاء المختصّ والذي كانت تُجرى التحقيقات بإشرافه، ويعود إليه حصراً جلاء كامل ملابسات ما حصل، وإجراء المقتضى القانونيّ بإشرافه".

سبق أن سجلت حالات تعذيب كثيرة دلت على وجود سياسة ممنهجة وبغطاء أمني وقضائي للتغطية على جرائم التعذيب التي تحصل في لبنان وعدم الكشف عن هويات مرتكبيها.

غوانتانامو لبنان

قاضي التحقيق في بعلبك الهرمل حمزة شرف الدين، وصف سجن تبنين بـ"غوانتانامو لبنان"، بسبب العنف المفرط والانتقامي ضدّ الموقوفين الذي يمارس هناك، مثل تحطيم أسنان الموقوفين، ضرب الأطفال القصّر بشدّة، ندوب في الوجه بعد مرور شهر على حالة العنف التي أعقبت التوقيف، تشوّه بالجلد بسبب الصعق بالكهرباء، جروح عميقة في الرأس، آثار جسدية بسبب شدّة الكلبشات.

لا يخفى أن هناك كثيراً من أعمال الدهم والتوقيف تحصل بشكل مخالف للقانون في لبنان، بحكم الهيمنة الأمنية لقوى سياسية معينة، ولا تتم بطرق قانونية، أي بإذن من النيابة العامّة وعدم مخابرتها إلّا بعد حصولها، كما تجري عمليات الاستجواب من دون محامين في التحقيق الابتدائي، والإكراه على الكلام، وعدم تسجيل التحقيقات بالصوت والصورة، وخرق قانون سرّية المخابرات والتفتيش في الهواتف وخرق الخصوصية، إلى جانب عدم عرضه على الطبيب الشرعي أو التأخّر في ذلك إلى حين زوال علامات التعذيب، وصولاً إلى عدم تلاوة الإفادة على المستجوب، أو السماح له بقراءتها، وإكراهه على التوقيع. كما أن هناك نهجا يتبع بإخفاء موقوفين.

وفي شهادات سابقة لموقوفين سوريين تم تعذيبهم، أشاروا إلى أن التحقيقات الأولية في مراكز الأمن اللبناني تحصل تحت سيل التهديد والضرب والركل وحتى القتل، إضافة إلى التعليق بالبلانجو، والشَبح، والمنع من النوم والأكل، والصعق بالكهرباء.

وكانت منظمات حقوقية لبنانية دعت إلى احترام الإجراءات والمهل القانونية الواجبة لا سيما المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والقانون 65/2017 وتدريب المحققين على آلية تطبيقها، وضمان آلية تحقيق فعالة، شفافة، مستقلة وحيادية في التقارير التي تتضمن اتهامات بالتعذيب، وملاحقة كل من تتوفّر ضدهم أدلة صالحة قانونياً تشير إلى تورّطهم في جرائم التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، وإيقافهم عن العمل بانتظار نتيجة التحقيق القضائي.

وركزت على ضرورة تفعيل الدور الرقابي للوزارات المعنية (الدفاع – العدل- الداخلية) والسهر على حسن تطبيق القوانين واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة والتي من شأنها إحالة المخالفين للمحاسبة القضائية والإدارية. وحثت على إقرار تعديل قانون معاقبة التعذيب بهدف توسيع تعريف جريمة التعذيب لكي يتلاءم مع التعريف الدولي.

التعذيب في المراكز الأمنية اللبنانية

وبالعودة إلى قضية بشار عبد السعود، فقد أفاد بيان الأمن اللبناني، بأن أفراد الخلية "كانوا يقيمون عند توقيفهم في إحدى القرى الحدوديّة جنوبي البلاد"، وأن هذه المجموعة "سبق أن أدارت شبكة لترويج العملات الأجنبية المزيّفة والمخدّرات، بهدف تمويل عملها ومهامّها".

في 31 من آب، أُعلن عن وفاة بشار بعد نقله إلى المستشفى، وكشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، عن عملية تعذيب أقدم عليها ضابط ومجموعة من عناصر مكتب جهاز أمن الدولة، جنوب لبنان، كانت السبب الرئيسي في وفاة الموقوف السوري.

وأشار تقرير صحي إلى أن الوفاة جاءت نتيجة آثار ضرب وحشي وجلد "لم يترك مكانا في الجثة من دون جروح وكدمات"، لافتاً إلى محاولات للتستر على ما جرى، عبر تسريب معلومات عن "إنجاز أمني حقّقه جهاز أمن الدولة بتوقيفه خلية لتنظيم داعش"، وأنّ الضحية الذي أطلق عليه صفة "القيادي" في داعش، كان تحت تأثير المخدرات، وحاول مهاجمة المحقق وأن العناصر أمسكوا به لتهدئته، قبل أن يصاب بنوبة قلبية استدعت نقله إلى المستشفى حيث توفي".

ويقول المحامي والناشط السياسي علي عباس لــ موقع تلفزيون سوريا، إن "ما جرى هو مخالف لشرعة حقوق الإنسان ولقانون مكافحة التعذيب، ولبنان منتسب لمعاهدة شرعة حقوق الإنسان وقانون مكافحة التعذيب موجود وينص على عدم جواز المس بطريقة عنفية بحق أي موقوف، ونحن حاربنا من أجل الالتزام بالمادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وتعديلها من أجل الالتزام بعدم بدء التحقيق مع الموقوف من دون حضور محام ولحماية الموقوف من التعنيف الذي يمكن أن يحصل ويتسبب باعترافات نتيجة العنف الذي يمارس والضغط على الموقوف تحت العنف، والتعديل يسمح بحق المحامي في طلب طبيب شرعي مباشرة إذا لاحظ وجود علامات عنف استخدمت ضد موكله، وحتى يثبت أنه تعرض للضرب ومن أجل حماية حقوقه التي ثُبّتت في المادة 47 والتي ذهبت إلى أبعد من ذلك، بالإشارة إلى أن التحقيق يجب أن يصور بالفيديو، واليوم يحصل تنازع في هذا التحقيق على أن الكاميرات لم تكن جاهزة في أثناء التحقيق، ولكن نحن كمحامين طالبنا بذلك لحماية حقوق الموقوفين".

ويؤكد عباس أن عمليات التعذيب التي تجري في مراكز أمنية لبنانية، لا تطول الموقوفين السوريين فقط، ولكن ربما عندما يكون الموقوف لاجئا سوريا يعذبونه أكثر من اللبنانيين.

ويتابع "لكن أيضا هناك لبنانيون تعرضوا للتعذيب الوحشي، وهذا التعذيب الذي حصل مع بشار هو تعذيب وحشي لا إنساني، لا توجد جهة رسمية أو ضابطة عدلية في لبنان أو قوى أمنية لها حق في ممارسة أدنى تعنيف بسيط، فكيف بمن ضرب وعذب بطريقة شنيعة أدت إلى وفاته، وهو أمر غير مقبول، وهذه ليست هي الحالة الأولى من نوعها التي تحصل في مركز لأمن الدولة، أمن الدولة جهاز يعمل وحده".

ويشدد أنه "من المفروض أن يوضع له حد وأن يحاسب الأشخاص الذين تعرضوا للموقوف السوري بالضرب مما أدى إلى وفاته تحت التعذيب، أو لغيره، والمهم صدر قرار القاضي بإيقاف ضابط و5 عناصر وسوف تتم محاكمتهم في المحكمة العسكرية، حتى يحاسبوا على التجاوزات وعمليات التعذيب ضد الموقوفين، سواء كانوا سوريين أم لبنانيين أو غيرهم، فالتعذيب غير مقبول وهو أمر مخالف للقانون ومخالف لشرعة حقوق الإنسان ولأبسط حقوق المواطن. ويجب أن يكون الحساب قاسيا لهؤلاء المرتكبين جريمة التعذيب، حتى يكونوا عبرة لغيرهم، النيابة العامة العسكرية تحركت لإيقاف المرتكبين وهو أمر جيد".

لكن يستدرك عباس هنا ليؤكد تمنياته أن لا تكون هذه الخطوة فقط للإعلام حتى يتم استيعاب الأمر، ثم يطلق سراحهم لاحقا، أي يراهنون على نسيان الناس لهذه الجريمة مع الوقت.

ويتابع "يجب الذهاب في المحاكمة حتى النهاية، وإلا فإن ذلك سيولد ردود فعل يمكن أن تصل إلى لمرحلة تفجر الأوضاع، لأنه هذه المسألة ليست لعبة، بل يجب محاكمة الفاعلين، فلا يمكن أن يتم توقيف شخص ويحصل له ما حصل للشاب السوري أو لغير السوريين ويموت حقه. فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته ويجب أن يحصل على محاكمة عادلة". 

ويلفت إلى وجود كثير من الموقوفين اللبنانيين تعرضوا للتعذيب، لكن قصصهم لم تظهر للعلن ولم يكشف عنها للرأي العام وظلت حبيسة الأجهزة. و"نحن نعرف الكثير من هذه الحالات وكيف يجري تعنيف هؤلاء وضربهم للحصول على اعترافات منهم لقلب التحقيقات" على حد قوله.