icon
التغطية الحية

تعديل قانون الاتصالات في سوريا.. كيف يدعم "إمبراطورية" أسماء الأسد؟

2023.12.29 | 11:01 دمشق

آخر تحديث: 29.12.2023 | 12:10 دمشق

قانون الاتصالات في سوريا
لماذا أصدر النظام السوري تعديلا على قانون الاتصالات؟ ـ (إنترنت)
دمشق ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

أثار المرسوم التشريعي رقم (40) لعام 2023 الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد أخيراً كثيراً من التساؤلات حول سببه والغاية منه. ويقضي المرسوم بتعديل المادة 67 من قانون الاتصالات رقم (18) لعام 2010، وتعديلاته عبر زيادة العقوبة والغرامة على من ساعد أو مكن بوسائل احتيالية من الحصول على خدمة من خدمات الاتصالات، بقصد التهرب من دفع الأجور والرسوم المستحقة.

على ماذا تنص المادة 67؟

تنص المادة 67 من قانون الاتصالات رقم 18 لعام 2010، على أن يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وبغرامة لا تقل عن 50 ألفاً ولا تزيد على 500 ألف ليرة سورية، كل من حصل أو ساعد في الحصول على خدمة من خدمات الاتصالات بوسائل احتيالية، مع علمه بذلك، بقصد التهرب من دفع الأجور المستحقة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها الأسد مرسوماً خاصاً لتعديل المادة 67 تحديداً من قانون الاتصالات، ففي عام 2021، أصدر مرسوماً مشابهاً، حمل حينها الرقم 9 لعام 2021، ونص على زيادة العقوبة أيضاً، لتصبح الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من مليون ليرة سورية إلى أربعة ملايين ليرة سورية، لكل من حصل أو ساعد في الحصول على خدمة من خدمات الاتصالات بوسائل احتيالية مع علمه بذلك بقصد التهرب من دفع الأجور المستحقة على هذه الخدمة.

في المرسوم الأخير عام 2023، قسّمت العقوبات على من حصل على الخدمة ومن ساعد ومكن مع تشديد العقوبة على الأخير، حيث نص المرسوم على أن يعاقب بغرامة من 4 ملايين ليرة سورية إلى 8 ملايين ليرة، كل من حصل على خدمة من خدمات الاتصالات بوسائل احتيالية مع علمه بذلك، بينما يعاقب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة من 20 مليون ليرة سورية إلى 40 مليون ليرة سورية كل من ساعد أو مكّن في ذلك، مع تقدير التعويض لجبر الضرر القواعد الناظمة لأجور التصريح المعتمدة من قبل الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد.

ومن صور الاحتيال التي صنفتها (المادة 67) "الاشتراك بهاتف نقال عن طريق تقديم معلومات غير صحيحة بأي طريقة كانت من المشترك للتهرب من الرسوم"، وهنا بيت القصيد.

 قصة شركة الاتصالات "إيماتيل"

في نهاية 2018 تقريباً، تأسست شركة إيماتيل على يد أبو علي خضر (خضر علي طاهر) المقرب من أسماء الأسد والتي بدأت أعمالها تقريباً عام 2019، وتعمل الشركة في بيع الهواتف المحمولة والأجهزة الذكية، وإكسسواراتها، وقطع الصيانة لها، وهي تقريباً تحتكر هذا القطاع وتحديداً منذ عام 2021 عندما أصدرت الحكومة في سوريا قراراً منعت فيه استيراد الهواتف النقالة بما ينسجم مع قرارات مشابهة فيما يخص المستلزمات الكمالية كالسيارات، لكن الغريب حينئذ أن شركة إيماتيل بقيت الوحيدة في السوق السورية التي تستورد وتبيع علناً وحتى أنها تعلن ذلك صراحةً وأمام الجميع ولأنواع هواتف فاخرة وباهظة مثل هواتف الآيفون الحديثة.

 ترافق تأسيس إيماتيل بقرارات من الهيئة الناظمة للاتصالات بضرورة التصريح الإفرادي عن الأجهزة الداخلة إلى سوريا، وبدأت أسعار التصريح (الجمركة) تتصاعد شيئاً فشيئاً إلى عام 2021 حينما صدم السوريون بأسعار ضخمة للجمركة، وذلك دفعهم للاحتيال على القرار وإيجاد طرق مبتكرة تقنية عبر كسر رمز الهواتف (الآي مي) وتعريف الأجهزة التي لم تشترَ من صالات إيماتيل على الشبكة، ما دفع الهيئة الناظمة للاتصلات إلى التحذير من ذلك.

بعد شهر فقط من قرار منع استيراد الهواتف النقالة في 2021، أصدر بشار الأسد مرسومه المذكور أعلاه والقاضي بزيادة عقوبة من يحصل على خدمات الاتصالات بوسائل احتيالية وذلك لأول مرة.

وزير الاتصالات والتقانة حينئذ، إياد الخطيب، ربط بين المرسوم والتحايل بكسر رمز الهواتف المهربة بشكل غير رسمي لتعمل على الشبكة من دون دفع رسوم، وقال لسانا إنه "مع التطور التكنولوجي ووجود طرفيات وتجهيزات يستخدمها بعض الأشخاص لنسخ (الايمي) من موبايل قديم إلى موبايل حديث غير معرف على الشبكة وخاصة بعد توقف التعريف على الشبكة زاد من الأساليب الاحتيالية معتبراً أن التشدد في العقوبات سيحد من ظاهرة استخدام (الإيمي) وهي ممنوعة عالمياً ومحلياً".

كل ذلك أوحى بأن الحكومة تعمل بالفعل لزيادة أرباح شركة إيماتيل، وليس إيماتيل فقط، بل حتى سيريتل التي تستفيد من الجمركة عبر دفع تلك الرسوم في صالتها، وهي الشركة التي سحبت من يد رامي مخلوف عام 2020.

 ما الغاية من تعديل القانون؟

وصلت الرسوم الخاصة بجمركة الهواتف المهربة أخيراً قبل صدور المرسوم الجديد بخصوص العقوبات إلى أرقام ضخمة قد تساوي سعر الهاتف تقريباً أو أقل بقليل في بعض الأحيان، فقد رفعت الهيئة الناظمة للاتصالات قبل أيام من المرسوم الرسوم الجمركية، فلو اشتريت هاتفاً من الحسكة مثلاً أو لبنان بسعر 200 دولار قد تدفع جمركاً لسيريتل مبلغاً يصل إلى 2.5 مليون ليرة بحسب أحد الأمثلة التي عاينها الموقع، ولا توجد أي تصريحات رسمية توضح على ماذا تعتمد الهيئة الناظمة للاتصالات في احتساب القيمة التي يجب أن يدفعها صاحب الهاتف، وإلى اليوم يتم إبلاغ أصحاب الهواتف بالمبالغ من دون توضيح أي شيء.

قبل رفع الرسوم الجمركية وصدور المرسوم الأخير، كانت تجارة الهواتف المحمولة المهرّبة منتعشة بشكل كبير، خاصةً عبر مجموعات "فيس بوك" مع خدمة التوصيل إلى باب المنزل، حيث تُعرض الهواتف وميزاتها عن طريق حسابات بأسماء مُستعارة في المجموعات، ويجري التواصل مع الزبائن بشكل خاص والاتفاق على السعر ومكان التسليم.

وجد الزبائن حينئذ، أن شراء الهواتف المهربة وجمركتها يبقى أرخص من شرائها من صالات إيماتيل بنحو 350 ألف ليرة على الأقل، في حين اتجه آخرون إلى حيل أخرى للهروب من الجمركة والعقوبات الخاصة بكسر الإيمي، عبر شراء جهاز لا يعمل (سكراب) لاستخدام رمزه أو استخدام رمز هاتف قديم في المنزل لتفعيل الهاتف المهرب، ليظهر أمام الشبكة أن الهاتف القديم هو الذي يعمل وليس الجديد، ومن الصعب اكتشاف هذه الحيلة لأن الجهاز القديم لن يعمل على الشبكة وبالتالي لن يعمل هاتفان برمزين متطابقين معاً.

موقع تلفزيون سوريا أنجز تقريراً مفصلاً عن القضية الشهر الماضي، تحدث عن خسائر "إيماتيل وسيرتيل وإم تي إن"، من جراء تحايل المواطنين على القرارات التي يرونها مجحفة وغير منطقية، طالما أن الهواتف في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وفي دول الجوار أقل من سعرها بكثير في سوريا. لكن يتضح أن بشار الأسد تدخل مع الحكومة في قرارات خلال الأعوام السابقة بالتزامن مع إزاحة رامي مخلوف من الواجهة، لدعم إيماتيل وسيريتل لزيادة أرباحهما.