تحولات دولية وانعكاسات محلية

2022.11.23 | 07:02 دمشق

مجلس الأمن الدولي
+A
حجم الخط
-A

عرف العالم على مر التاريخ تحولات اشتهرت بتواريخ محدّدة كتاريخ اندلاع الحروب العالمية، انهيار الاتحاد السوفييتي، أحداث 11 سبتمبر وغيرها. فتحظى اللحظات المذكورة كغيرها باهتمام بالغ كونها منعطفات تغيرت حينذاك المعادلات السياسية في العالم.

إلّا أنّ ما يغفل عنه كثيرون هو أن هذه التواريخ بمعظمها تكون باكورة تراكمات لعقود سابقة من التفاعلات السياسية والتغييرات التي تتسارع حينا وتفتر أحيانا وتعطي مؤشرات لتغيير تاريخي ولو بعد حين.

اليوم يعيش العالم في أحداث تشكل منعطفاً تاريخياً يلاحظ فيه التغييرات التدريجية التي تتشابك فيها العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتنبئ بتغيير قد يحدث قريباً أم بعد عقود وهو ما يعتبر في عمر الأمم قليل ولا نقول هنا تغييراً نحو الأفضل أم الأسوأ، فالكرة ما زالت في الملعب.

اتسمت العقود الأخيرة بنموذج تغنّى به كثر وهو الاتحاد الأوروبي وانتشار أفكار الانفتاح والليبرالية وهو ما يتغير اليوم مع خروج بريطانيا من الاتحاد من جهة والحرب الروسية الأوكرانية وما سبقها من أزمة اقتصادية تدفع اليوم دول أوروبية عديدة لليمين واليمين المتطرف الذي أصبح "ترند" غالب على أوروبا وهو ما ينذر بارتفاع أسهم تحلل فكرة الاتحاد الأوروبي وسعي كل دولة لمصلحتها الشخصية والشعبوية التي تؤدي على المدى الطويل لمزيد من التخبط والانحدار وتشكل نظام عالمي جديد.

يترقّب الجميع ما سيحدث في الحرب الروسية الأوكرانية وهي الحرب الأكبر التي يشهدها الاتحاد الأوروبي منذ عقود بعد أن كان مثالاً للطمأنينة والرخاء

يترقّب الجميع ما سيحدث في الحرب الروسية الأوكرانية وهي الحرب الأكبر التي يشهدها الاتحاد الأوروبي منذ عقود بعد أن كان مثالاً للطمأنينة والرخاء. اليوم يبدو أن هدنة قد بدأت تسري دون أن يعني ذلك انتهاء الحرب فالمصادر تؤكد بأن مفاوضات الهدنة كانت تسعى بها روسية للإعادة التجهيز والتعبئة والتدريب في مقابل إغراء أوروبا بعدم الضغط عليها أكثر في الشتاء الذي يحتاج فيها كل من هم في أوروبا للغاز الروسي للتدفئة بشكل خاص في وقت ترتفع فيه الأسعار بشكل مخيف.

هذه الموجة ترافق معها أخطر فوز يميني في إسرائيل وهي سابقة يترقّب الجميع ما ستؤدي إليه وأي حكومة ستنتج وهل ستؤدي إلى اختلال مسار التفاوض بين أميركا وإيران وهل ستؤثر على اتفاق الترسيم الذي عقد بين لبنان وإسرائيل؟ هذه الأسئلة حساسة ففي حال نجحت ضغوط اليمين الإسرائيلي على إفساد عملية تحسين العلاقة بين إيران وأميركا وعقد الاتفاق المرتقّب فهي بالتأكيد ستساهم في إشعال المنطقة وسيكون أمن الخليج مهدّد بشكل أكبر على اعتبار الخليج خاصرة أميركا الأضعف وهو احتمال خرج من دائرة التحليل نحو التخطيط الذي كشفت عنه عدد من التقارير.

الانعطاف الدولي نحو اليمين يتأثّر بعوامل مختلفة كما يؤثر بمستويات مختلفة على الدولة والشعوب. فقد كان من المتوقّع أن تنسحب الموجة على أميركا في انتخاباتها النصفية فيتم تقييد الرئيس بايدن بمجالس يقودها الحزب الجمهوري وهو ما لم يحدث. لا يعني ذلك أن موجة اليمين العالمية تراجعت أم انحسرت بل هي ضربة ضمن مسار عام تصاعدي.

خيّبت نتيجة الانتخابات النصفية أمل كثر ولكنها أعطت إشارة في الوقت نفسه عن إمكانية صراع إقليمي سيتشكل بين بايدن ونتنياهو وهو ما جعل أمين عام حزب الله حسن نصر الله يسارع ليرفع السقف في انتخابات الرئاسة اللبنانية فيقول بأنه لا يريد "من يطعن المقاومة" وصوّب على قائد الجيش –المرشح الأبرز- دون أن يسميه باعتبار الجيش تآمر مع أميركا في لبنان من خلال غض الطرف عن الثورة غامزاً من بوابة دعم أميركا الدائم للجيش بهدف ضرب المقاومة.

بهذا يكون نصر الله قد وضع قائد الجيش في خانة الأميركي المتآمر على المقاومة. هذا التصلب سبقه دعوة للحوار والتوافق بعد اتفاق الترسيم إلا أن التصعيد في المنطقة استلزم من نصر الله الشد في الاتجاه المعاكس كلاعب أساسي من محور المقاومة.

هذه الحسابات الإقليمية والصراعات المشتعلة والتي تفتر وتشتد بحس الظروف تغيب بشكل تام عن العديد من اللاعبين المحليين فتعتقد بعض الأحزاب أن الزمن لم يتغير وبأن الدول الكبرى ملزمة بمساعدة لبنان وبأن الأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان شيء ثانوي ستحله الدول الكبرى وستتدفق عاجلا أم آجلا المساعدات الأجنبية وبالتالي الأولوية بالنسبة للأحزاب اللبنانية تحقيق المكاسب الشخصية ولو كان ذلك على حساب ضغط إضافي على اللبنانيين في وقت بالغ الحساسية.

ففي حديث مع عدد من النواب اللبنانيين ورؤساء الكتل يتم التصريح بشكل هزلي عن أن كل ما يدور اليوم في لبنان هو فلكلور وتجاذبات شكلية بانتظار "التعليمة" الخارجية.

إن غالبية الكتل اللبنانية تتعامل بخفة كبيرة مع دورها ومع حجم التحديات التي تواجه لبنان والمنطقة وبأن التعامل الخارجي مع لبنان سياسي يخضع لكل قوانين العلاقات الدولية فلا تحاول هذه الطبقة الحاكمة المبادرة لاستغلال لحظات خارجية وتصيد الفرص المفيدة للبنان بل على العكس..

إن غالبية الكتل اللبنانية تتعامل بخفة كبيرة مع دورها ومع حجم التحديات التي تواجه لبنان والمنطقة وبأن التعامل الخارجي مع لبنان سياسي يخضع لكل قوانين العلاقات الدولية فلا تحاول هذه الطبقة الحاكمة المبادرة لاستغلال لحظات خارجية وتصيد الفرص المفيدة للبنان بل على العكس تتمسك بمطالبها الضيقة بانتظار ظرف يسمح لها بتحقيقها.

إذا، فالواضح من التواصل مع الجميع أن لبنان قادم على فترة أصعب بانتظار ما سيحدث بالخارج الخارجية دون أي مبادرة داخلية حقيقية تتعالى عن الفردي باتجاه الجماعي أو مصلحة البلد العليا في لحظة لا تشبه أي من اللحظات التي مر به لبنان طوال تاريخه وهو ما يؤكّد بأن تخبّط لبنان لن ينتهي بتاتاً وبأن ما يحدث اليوم يمكن أن يحدث فيما بعد لو تم علاجه الآن لأنّ النية الداخلية غير متوفرة والأمر معقود على الخارج كان وسيبقى، الآن وإلى أن يقرر اللبنانيين تغيير واقعهم وحكامهم.