بين سوريا وبورما: حوار حول السلمية والعسكرة

2022.02.04 | 06:31 دمشق

101534image1-1180x677_d.jpg
+A
حجم الخط
-A

يصادف هذا الأسبوع مرور عام كامل على الانقلاب العسكري في ميانمار أو بورما، هذا الانقلاب الذي أطاح بالتجربة الديمقراطية المعيبة التي بدأها الجيش في عام 2010، وكي ندقق في تسلسل الأحداث نتابع التالي: 

في آذار 2010 أعلنت الحكومة أن قوانين الانتخابات التي طال انتظارها قد تم تمريرها، مع أحكام لاختيار لجنة انتخابية من قبل المجلس العسكري. لكن الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بزعامة أونغ سان سو كي صوتت على مقاطعة الانتخابات. وفي نوفمبر 2010 - الحزب الرئيسي المدعوم من الجيش، حزب الاتحاد للتضامن والتنمية (USDP)، يدعي فوزًا مدويًا في أول انتخابات منذ 20 عامًا. أشارت جماعات المعارضة إلى حدوث تزوير واسع النطاق وتمت إدانة الانتخابات على نطاق واسع باعتبارها مزيفة. يقول المجلس العسكري إن الانتخابات تشير إلى الانتقال من الحكم العسكري إلى الديمقراطية المدنية. وبعد أسبوع من الانتخابات، أُفرج عن أونغ سان سو كي - التي مُنعت من المشاركة - من الإقامة الجبرية.

وفي أكتوبر 2011 تم إطلاق سراح بعض السجناء السياسيين في إطار عفو عام. و تم تمرير قوانين عمل جديدة تسمح بالنقابات. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) - تقول الزعيمة المؤيدة للديمقراطية أونغ سان سو كي إنها سترشح نفسها للانتخابات البرلمانية، حيث ينضم حزبها إلى العملية السياسية.

وفي انتخابات عام 2015 اكتسح مرشحو الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الانتخابات البرلمانية بقيادة أونغ سان سو كي مما مكنها من تشكيل حكومة. وفي مارس 2016 - أدى هتين كياو اليمين الدستورية كرئيس، مستهلًا حقبة جديدة حيث تتولى حركة أونج سان سو كي الديمقراطية السلطة بعد 50 عامًا من الهيمنة العسكرية.

لكن وعقب انتخابات فبراير 2021 ادعى الجيش حدوث تزوير في التصويت وقام بالإطاحة بالحكومة عبر انقلاب عسكري حيث قام قائد الجيش مين أونج هلاينج بتولي منصب رئيس الحكومة.

قصة سوريا تتردد في بورما، بنفس قصة التدخلات الإقليمية والدولية وتحول الثورة السلمية إلى حرب طاحنة، وكما يتحمل الأسد مسؤولية إدخال سوريا إلى حرب قتلت أكثر من نصف مليون شخص يتحمل الجيش البورمي المسؤولية في الانقلاب على المسار الديمقراطي.

بعدها قامت المظاهرات السلمية في أرجاء كبيرة في العاصمة رانغون كان رد فعل الجيش عليها إطلاق النار مما أدى إلى وقوع 1500 قتيل خلال عام من عمر الانقلاب، وبعدها تأسست خلايا عسكرية من المعارضة يطلق عليها قوات الدفاع الشعبية التي حملت السلام وبدأت تخوض حربا ضد الحكومة والجيش وهو ما يشكل نفس القصة السورية.

حيث أصر نظام الأسد من اليوم الأول على أنه يخوض معركة ضد ما تسميه الحكومة "الجماعات المسلحة". حاولت مخابرات النظام في الواقع إعطاء السلاح للمحتجين من أجل إعطاء مصداقية لادعاءاتهم الزائفة.  ومع ذلك، قوبلت هذه المحاولات في التجريم  بالفشل، اعتادت قوات النظام السوري إطلاق النار يوميًا على جنازات المتظاهرين وسيارات الإسعاف التي توفر الرعاية الطبية للمصابين.  ولكن هذه الأفعال الخطيرة التي ارتكبها النظام وفيها انتهاك مباشر لجميع المعايير الدولية، لم تؤد إلا إلى تعزيز عزم المتظاهرين. ولم يكن كل جنود سوريا سعداء لقتل المدنيين العزل بدم بارد. وعلى الرغم من أوامر النظام بتصفية أي جندي رفض إطلاق النار على المتظاهرين، انتشرت الأخبار عن انشقاقات للمجندين من الجيش.

بعدها  في 29 يوليو 2011، أعلن عقيد القوات الجوية رياض الأسعد انشقاقه عن الجيش وتشكيل الجيش السوري الحر  جنبا إلى جنب مع عدد من الضباط الآخرين، في شريط فيديو نشر على موقع يوتيوب، ودعا الأسعد أفراد قوات النظام إلى "التخلي عن ثكناتهم العسكرية" والانضمام إليه في "إنشاء جيش وطني يمكنه حماية الثورة وجميع فئات الشعب السوري وطوائفه"، تم تشكيل كيان المعارضة المسلحة الرسمية للدفاع عن الاحتجاجات، ومع ذلك لم يبدأ الدفاع المسلح عن سوريا، استغرق الأمر التردد والتناقض الدولي ليقتنع ثوار سوريا بعدم وجود خيار سوى حمل السلاح.

إذاً، قصة سوريا تتردد في بورما، بنفس قصة التدخلات الإقليمية والدولية وتحول الثورة السلمية إلى حرب طاحنة، وكما يتحمل الأسد مسؤولية إدخال سوريا إلى حرب قتلت أكثر من نصف مليون شخص يتحمل الجيش البورمي المسؤولية في الانقلاب على المسار الديمقراطي.

تلك بعض الملاحظات فقط كيف أن الصراع السلمي الشعبي لا يصمد كثيرا في وجه قوة عسكرية طاغية لديها قدرة لا محدودة على التدمير ولا ترتدع لفكرة القانون أو المحاسبة.