بين السخرية والخبث.. من محو أوروبا إلى أمن إسرائيل

2022.08.25 | 06:06 دمشق

وليد المعلم
+A
حجم الخط
-A

غالباً ما تكون السخرية قاسية، ففي العام 2011 خرج وزير الخارجية السوري السابق وليد المعلم ليعلن محو أوروبا عن الخريطة. وفي العام 2011 أيضاً، خرج رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد ليعلن أن أمن إسرائيل من أمن سوريا.

مع الاجتياح الروسي لأوكرانيا والدخول في حرب، كان واضحاً أن الهدف الاستراتيجي هو ضرب أوروبا وإضعافها. وهي التي أصبحت عرضة للابتزاز الدائم من قبل الروس والأميركيين وغيرهم في سياق حرب الغاز والطاقة.

حرب غيّرت موازين قوى دولية وعلى صعيد العلاقات بين الدول. حتّمت انعكاساتها الإستراتيجية تغيراً في مواقف دول كثيرة، وهو ما انعكس على تركيا التي تحاول أن تلعب أكثر من دور من الشرق الأوسط إلى القوقاز وصولاً إلى عمق أوروبا. دور دفع تركيا إلى تطبيع العلاقات مجدداً مع إسرائيل، واللافت أن هذا التطبيع تزامن مع بروز مواقف متعددة من قبل المسؤولين الأتراك حول  النظام السوري، بداية مما أعلنه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو وصولاً إلى ما أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

العبرة في توقيت الإعلان عن اللقاء وقوفاً مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قبل 9 أشهر، فهو يأتي بعد مطالبة صريحة من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضرورة التواصل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد

العبرة في توقيت الإعلان عن اللقاء وقوفاً مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قبل 9 أشهر، فهو يأتي بعد مطالبة صريحة من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضرورة التواصل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد. فجاءت خطوة جاويش أوغلو في هذا السياق، بمعزل عن التوضيح الذي أعقبه للموقف بنتيجة الجدل الذي أثاره، وهذا جزء من فن السياسة، استكمل الموقف بما أعلنه أردوغان حول رفض هزيمة الأسد إنما المراد هو هزيمة الإرهاب، بالإضافة إلى إشارته إلى أن الدول يُفترض أن تبقي قنوات التواصل مفتوحة فيما بينها.

هنا يدخل عنصر السخرية، فبوتين وعلى مرأى الأميركيين يعمل على ضرب مرتكزات الاتحاد الأوروبي، ويهدد أوروبا بسلاح الغذاء والغاز. وأردوغان في معرض انتهاج سياسة استراتيجية جديدة يطبّع مع الإسرائيليين في نفس الوقت الذي يخفّف فيه من حدة التوتر مع النظام السوري. تبقى السخرية الأكبر في من يذهب إلى تصوير ذلك وكأنه انتصار لرؤيته كما يفعل النظام السوري. في حين أن بقاءه لا يرتبط بمدى قوته، إنما بمدى الحجة إليه كبيدق على رقعة الشطرنح وطالما أن لا رؤية دولية واضحة للسعي إلى حل الأزمة السورية.

ما أقدم عليه أردوغان يمكن تصويره من حيث الشكل بأنه من مآثر قمة طهران بين الرؤساء الثلاثة. إذ تعمل تركيا على ثلاثة ملفات، الملف المالي والاقتصادي في الداخل، وملف العلاقات الخارجية أي تصفير المشكلات مع كل الدول الإقليمية المؤثرة لا سيما مع الإسرائيليين والتصفير مع الروس في سوريا، بالإضافة إلى تصفير مشكلاته مع دول الخليج.

أما الملف الثالث فيرتبط بالملف اليوناني إذ تشير التقديرات إلى اتجاه للتصعيد من قبل تركيا باتجاه اليونان على خلفية ملف النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، وهذا سيكون عنصراً ذا بعد استراتيجي، وله مدى سياسي سينعكس إيجاباً لصالح أردوغان في الانتخابات المقبلة.

يعرف الأتراك أن الملف السوري مؤجل للبت فيه، لذلك لا بد من ترتيب بعض الأوراق المرتبطة بحسابات سياسية تركية داخلية وانتخابية، من خلال العمل على إعادة اللاجئين أو مواجهة الأكراد ولو اقتضى ذلك تنسيقاً أمنياً وعسكرياً مع النظام السوري. لكن هذا لا يعني الوصول إلى خواتيم مسار التطبيع التركي مع النظام السوري، إنما سيقى خاضعاً لتوازنات متعددة إقليمياً ودولياً قابلة لتغييره في أي لحظة. لا سيما أن أنقرة تسعى إلى لعب دور أوسع يتجاوز الانحسار في الشمال السوري، وهذا الدور يتوسع من أذربيجان إلى أوكرانيا، ويندرج في خانة تعزيز العلاقة مع الروس ومع الإيرانيين.

من الناحية الأخلاقية والإنسانية تتحمل أنقرة مسؤولية جمّة بلا شك. ولكن أيضاً ثمة مسؤولية ملقاة على عاتق الثورة السورية والمعارضات المتفرقة التي غرقت في شرذمة وضياع سياسي، وصولاً إلى حدود الانقسام ليس فقط على المشروع السياسي، إنما على كيفية صوغ العلاقات الدولية والإقليمية، إلى حدّ الاختلاف بين مكونات المعارضة بين من يناصر تركيا كيفما كان موقفها ومن يناصر خصومها، في حين كان الواجب تشكيل عنصر قوة وازنة يشكل توازنا في العلاقات مع كل القوى وقادراً على فرض رؤيته أو مشروعه على الأتراك وغيرهم، بدلاً من أن يكونوا مستخدمين من قبل أي طرف كان. ولكن على الرغم من حالة المعارضة البائسة، وعدم توفر مقومات الدعم لها، فإن كل ذلك لا يمكن أن يسمح للأسد ادّعاء الانتصار، أولاً لأن اللحظة لم تحن بعد، وثانياً لأن البقاء مرتبط بنتيجة فرط السخرية.