icon
التغطية الحية

بعيداً عن العقوبات.. الإمارات تسعى للعب دور قيادي في الملف السوري

2023.01.13 | 16:48 دمشق

بشار الأسد مع وزير الخارجية الإماراتي في دمشق
بشار الأسد مع وزير الخارجية الإماراتي في دمشق
Middle East Eye - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في تغريدة نشرت في السادس من كانون الثاني 2023، حذر السيناتور الأميركي جيم ريش دولة الإمارات من التعاطي مع حكومة الأسد، وذلك بعد مرور يوم واحد على الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق للقاء بشار الأسد.

وبوصفه عضواً في لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، لابد أن يكون ريش قد اطلع على قانون قيصر لحماية المدنيين، بعدما تسلحت واشنطن بإحدى أقوى أدواتها التي وضعتها طوع أمرها لتدفع شركاءها وحلفاءها للانحياز إلى صفها عندما يتصل الأمر بتطبيع العلاقات مع الأسد.

لذا، وبدلاً من البقاء ضمن ضفة المتفرج السلبي على ما يجري في سوريا، ما يزال بوسع الولايات المتحدة أن تمارس ضغوطاً كبيرة على شركائها من العرب، إن رغبت بالقيام بذلك.

بالنسبة لأبوظبي، تعتبر سوريا عقدة لبناء شبكة علاقات، ولهذا فهي تحاول استغلال علاقاتها مع النظام في سوريا كورقة للمساومة حتى تقوي موقفها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط.

في الوقت الذي يخطئ فيه من يعتقد بأنه لا توجد علاقة حب سابقة بين هذين النظامين المعاديين للثورات، من المهم التأكيد على أن الأسد ليس أكثر من أداة تستخدمها الإمارات لتحدد موقفها كوسيط عربي مهم في سوريا خلال مرحلة ما بعد الثورة.

يعتمد أسلوب هذه الدولة الخليجية التي تعتمد على العلاقات على بناء شبكات معقدة ومشبوهة وجاهزة في كل المجالات المرتبطة بشكل مباشر أم غير مباشر بعملية اتخاذ القرار الاستراتيجي في أبوظبي، بما أن تلك الشبكات هي التي تجعل من الإمارات عقدة مهمة للنفوذ الإقليمي.

والنظام السوري يقدم هذه الفرصة المهمة لملوك الخليج في الوقت الذي بدأت فيه طاولة المفاوضات تميل لصالح نظام الأسد بعدما نبذته كل دول العالم.

فراغ استراتيجي

استغلت أبوظبي الفراغ الاستراتيجي عبر مسارعتها لمد يد العون لنظام الأسد في الوقت الذي أحرزت فيه منافستها الإقليمية إيران تقدماً في منطقة بلاد الشام العربية. والأنكى من ذلك هو أن تلك الإمارة وجدت في الأسد حليفاً عقائدياً بما أنه يشبه حاكم دولة الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، في حربه المعادية للثورة وللإسلاموية.

لذا لا عجب أن تقرر الإمارات في عام 2018 إعادة فتح سفارتها في دمشق، لتنشط بعد ذلك من جديد شبكة علاقات الإمارات هناك، لاسيما في مجال التجارة والمال.

على مدار سنوات، احتفظ أهم وكلاء دمشق بعلاقات وطيدة مع الإمارات بوصفها الملاذ الآمن لأموالهم المشبوهة، وقد ظهرت العديد من تلك الشخصيات في منتدى الاستثمار الإماراتي-السوري الذي استضافته أبوظبي في كانون الثاني 2019.

عادت التجارة بين البلدين لتنمو من جديد في الوقت الذي تمكن فيه رجال الأعمال والشركات السورية من استغلال موقف الإمارات بوصفها محوراً للمال بهدف الوصول إلى الأسواق العالمية. وبعض تلك الشخصيات صنفتها وزارة الخزانة الأميركية على أنها حاولت الالتفاف على العقوبات وعلى رأسهم سامر فوز صاحب شركة ASM التجارية الدولية ومقرها الإمارات.

أما على المستوى الاستراتيجي، فقد عادت أبوظبي لتفعيل علاقاتها الأمنية مع النظام، حيث زودت ضباط مخابرات سوريين بدورات تدريبية أجرتها لهم في الإمارات. بينما ذهب البعض لما هو أبعد من ذلك ليزعم بأن محمد بن زايد عرض على الأسد مبلغ 3 مليار دولار أميركي في عام 2020 بهدف توريط تركيا في مواجهة عسكرية داخل سوريا، إلا أن روسيا أحبطت تلك الخطة.

بيد أن كل ذلك التعاطي الاستراتيجي العلني بين أبوظبي ونظام الأسد قد وصل إلى نهايته عندما طبقت إدارة ترامب عقوبات قيصر في حزيران 2020، فأصبحت بذلك دولة الإمارات في عين العاصفة.

على الرغم من أن الإمارات كانت أول من تذمر من تلك العقوبات، إلا أنها حولت تعاطيها مع سوريا إلى منطقة رمادية عبر استغلال الاستثناءات الإنسانية التي تشمل النظام السوري وتستثنيه من العقوبات. وهكذا افتتح الهلال الأحمر الإماراتي مشافيَ ميدانية في كل من حلب ودمشق، واستغلت تلك المنظمة دبلوماسية كوفيد لتزويد النظام باللقاحات والدعم المخصص لمكافحة الجائحة خلال عام 2021، أي تلك الإجراءات التي تمت في مناطق لم تمسها العقوبات، لكنها سمحت لأبوظبي بزيادة رصيدها لدى النظام.

بوابة إلى دمشق

ومنذ ذلك الحين، تحول تعاطي الإمارات مع نظام الأسد إلى سردية مروية أكثر من كونه شيئاً قد وقع بالفعل، ولهذا أصبح للأحاديث التي تروى حول تحول الإمارات إلى أهم شريك تجاري للنظام في العالم، هدف يتمثل بتشكيل ورسم صورة لأبوظبي على المستوى الدولي تظهر فيها كبوابة للوصول إلى دمشق.

ولقد خدمت الصورة التذكارية للأسد في أبوظبي الغرض ذاته في آذار 2022، حيث أظهرت الإمارات مرة أخرى كمن يحمل بيديه مفاتيح التعامل مع دمشق. ولكن حتى الإعلان عن إقامة مصنع للطاقة الشمسية بقدرة تصل إلى 300 ميغاواط على يد مجموعة من الشركات الإماراتية في الجنوب السوري سيبقى حبراً على ورق طالما بقيت العقوبات مسلطة على رقبة الأسد.

Syrian Minister of Health Hassan al-Ghabbash (L) and Emirati charge d'affaires Abdul Hakim al-Noaimi at the opening of a UAE-funded field hospital in Syria's Aleppo, on 21 November 2022 (AFP)

وزير صحة النظام السوري برفقة القائم بالأعمال الإماراتي في افتتاح لمشفى ميداني أقيم بتمويل إماراتي في حلب السورية – التاريخ 21 تشرين الثاني 2022

لابد لنا من مراعاة هذه النقطة، كونها تظهر بأن واشنطن ماتزال تمسك بقدر كبير من زمام الأمور في سوريا، لاسيما فيما يتعلق بحلفائها وشركائها. وذلك لأن القدرة على استخدام الدولار كسلاح في تلك العقوبات يتيح للولايات المتحدة وضع حدود للتعاطي مع نظام الأسد، حتى بالنسبة للشبكات السرية غير الرسمية التي أقامتها دولة الإمارات مع هذا النظام.

لطالما اتخذت وزارة الخزانة الأميركية إجراءات وكررتها ضد كيانات وأشخاص متهمين بخرق العقوبات في سوريا، وبعضهم تربطه علاقة بالإمارات. لذلك لا غرو أن تقوم واشنطن باتخاذ إجراء ضد أبوظبي نفسها إن قامت بأي خرق.

استراتيجية المخرج الأميركي

إلا أن المسألة بنظر الولايات المتحدة تتلخص بعدم وجود سياسة واضحة المعالم إزاء الملف السوري، ولهذا اعترفت بعض المؤسسات الأميركية بتزايد الشقاق والتنافر بين السياسة الأميركية التي تتصرف بناء على فكرة: لا مكان للأسد، وبين الواقع على الأرض الذي يشير إلى أن هذا الديكتاتور سيبقى في منصبه.

اقرأ أيضا: هل يفكك قانون محاربة "الكبتاغون" النظام السوري؟

يشير تخلي إدارة بايدن عن مشروع الطاقة التجاري الذي يصل بين الأردن ولبنان عبر سوريا، والذي يمكن من خلاله للنظام أن يجني ملايين الدولارات من خلال عوائد هذا المشروع، إلى تلطيف واشنطن لموقفها تجاه الأسد مع بحثها عن استراتيجية للخروج من سوريا.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن تغير التوجه الأميركي حيال الملف السوري ما هو إلا مسألة وقت، وعندما تحين تلك اللحظة ستكون الشبكات الإماراتية على استعداد لتنفيذ خطة أبوظبي المتمثلة باحتلال تلك الإمارة لقلب عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء النزاع.

إذا كانت الولايات المتحدة ترغب بإقناع شركائها في الإمارات بالعدول عن فكرة التعاطي مع الأسد، فبوسعها عندئذ أن تجعل حلفاءها يتضررون بسبب العقوبات المفروضة على سوريا. والأهم من ذلك هو أنه ينبغي على واشنطن أن تحسم أمرها حيال مصير تلك المنطقة وتوجهاتها وذلك فيما يتصل بمسؤولية النظام عن مقتل أكثر من نصف مليون إنسان.

حتى الآن تبدو الإمارات كمن يدفع بعربته على طريق غير واضح يمثله الموقف الأميركي الملتبس في سياسته تجاه الملف السوري، ولهذا تبحث الإمارات عن ثغرات وفرص لتعيد الأسد إلى تلك الحظيرة.

المصدر: Middle East Eye