icon
التغطية الحية

بعد 12 سنة لجوء.. ماذا يعرف أطفال سوريا عن بلدهم الأم؟

2023.09.11 | 15:18 دمشق

أطفال سوريا في بلدان اللجوء
أطفال سوريا في بلدان اللجوء
إسطنبول - باسل المحمد
+A
حجم الخط
-A

يشكل الأطفال ما يقرب نصف عدد اللاجئين السوريين في العالم، إذ يبلغ عددهم حوالي مليوني طفل، بحسب تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ثلث هؤلاء الأطفال يبلغ من العمر 11 عاماً أو أقل، أي أنهم ولدوا بعد انطلاق الثورة عام 2011. 

وبحسب عدة تقارير للمفوضية يحمل هؤلاء الأطفال صوراً مختلفة ومتضاربة أحياناً عن سوريا في أذهانهم، إذ تلعب قصص العائلة وذكرياتها في سوريا، والتواصل مع الأقارب، إضافة إلى النشرات الإخبارية دوراً هاماً في رسم تلك الصورة عن وطنهم الأم. 

فيا ترى ما هي طبيعة الصورة المرسومة عن سوريا بأذهان هؤلاء الأطفال؟ وما تأثيرها على قرار العودة إليها مستقبلاً؟

قصص مخيفة ومرعبة

ولا يتذكر طفلي أحمد الذي ولد في سوريا شيء سوى صور الدمار والقصف، الذي كانت تتعرض له أحياء حمص القديمة في بدايات الثورة السورية، على يد النظام وميليشياته، إذ كان عمره آنذاك 6 أعوام، وقد عاش معنا كثيراً من حالات القصف والخوف والنزوح، والتي ما تزال ذاكرته تحتفظ بكثير منها.

ويضيف عمر اللاجئ السوري الذي وصل إلى ألمانيا عام 2016 أن هذه الصورة عن سوريا لا تقتصر على أحمد فقط، بل هي مرسومة عند باقي أطفالي الذين ولدوا بألمانيا، إذ دائماً ما نروي لهم قصصاً عن الحصار والقصف، وكيف فقدنا عدداً كبيراً من أقاربنا، وتدمر منزلنا نتيجة هذا القصف. 

ويكمل عمر حديثه لتلفزيون سوريا بالقول في الحقيقة كل ذلك يدفع أطفالي إلى عدم التفكير بالعودة إلى سوريا مستقبلاً، بسبب هذه الصورة من طرف، وبسبب طبيعة الحياة في ألمانيا من حيث توفر الخدمات والأمان والرعاية والاهتمام الكبير بالطفولة.

ولا تقتصر هذه الصورة المخيفة والمرعبة عن سوريا على عائلة عمر، إذ تعاني منها أغلب العائلات التي هربت من مناطق التي ارتكب فيها النظام ومليشياته المجازر الطائفية، أو تلك المناطق التي خضعت لسيطرة التنظيمات الانفصالية أو الراديكالية المتطرفة مثل "داعش". 

خالد 12 عاماً طفل سوري يعيش مع أسرته في مدينة طرابلس في لبنان، تبدو سوريا بمخيلة خالد ساحة للقتل والدماء، وعند سؤال والده عن سبب ذلك أجاب أن متابعتنا اليومية لنشرات الأخبار والتقارير التلفزيونية الخاصة بسوريا ساعدت على رسم هذه الصورة لدى ابنه خالد، ويؤكد والد الطفل في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن صور الأطفال في مجزرة الحولة مثلاً ومجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية كان لها أكبر الأثر في ترسيخ صورة دموية لدى خالد عن سوريا.

صورة متخيلة

ارتبطت الصورة المتخيلة عن سوريا لدى أطفالي بالجوع والفقر، وذلك نظراً لكثرة ما نرويه لهم من قصص الحصار الذي عشناه في الغوطة الشرقية في السنوات الأولى للثورة، ويضيف عبد الله الذي وصل إلى فرنسا عام 2014 وهو الآن أب لطفلين لموقع "تلفزيون سوريا" أننا دائماً ما نتحدث لهم عن معاناتنا في تلك الأيام، وكيف كنا نضطر أحياناً لأكل أوراق الشجر.

لذا دائماً ما يردد طفلي إياد (5 سنوات) عبارة "الناس في سوريا جوعانة"، ولدى سؤالنا لإياد عن رغبته في العودة إلى سوريا قال: "نعم أريد أن أذهب لأساعد الناس وأقدم لهم الطعام".

وأردف والد الطفل أن الأوضاع المعيشية المتردية في سوريا وخاصة في مناطق النظام، وصور الأطفال الذين الذي يتسولون في الأماكن العامة، ويجلسون عند حاويات القمامة، زادت من ترسيخ صورة الجوع والفقر لدى أطفالي.

وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أكدت في وقت سابق من هذا العام أن نحو 90%من السوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وأكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

"سوريا هي بشار"

"لن أعود إلى سوريا لأن بشار سيقتلني" بهذه العبارة يجيب الطفل علاء الذي يعيش مع أسرته في تركيا منذ العام 2013 عن سؤال هل ستعود إلى سوريا؟ إذ يوضح والده أن اسم سوريا ارتبط لدى أولاده ببشار الأسد وجرائمه ضد الشعب السوري.

ويضيف حسين (والد الطفل) أن أطفاله يتواصلون يومياً مع جدهم وجدتهم الذين ما زالوا يعيشون في منطقة الدانا بإدلب، وعندما يسألون الأطفال لماذا لا تأتون إلينا يجيبون (لن نعود إلى سوريا، لأن فيها بشار).

علاء ليس الطفل الوحيد الذي يرتبط اسم سوريا بمخيلته باسم رئيس النظام بشار الأسد وإجرامه، إذ تؤكد سناء لاجئة سوريا تعيش مع أطفالها في هولندا أن أطفالها الذين شهدوا قصف النظام لأحياء حلب الشرقية بالبراميل، والذي أدى إلى وفاة زوجها وأحد أطفالها، مازال هؤلاء يرددون عبارة "لن نعود إلى سوريا لأن بشار سيقتلنا كما قتل أبي". 

وأردفت سناء أن هذا الجواب غالباً ما يردده أطفالها عندما يسألهم معلميهم وأصدقاؤهم في المدرسة، عن الأوضاع في وطنهم الأم.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ذكرت في تقريرها الصادر في آذار من العام الجاري أن النظام السوري قتل ما لا يقل عن 22981 طفلاً في سوريا منذ آذار 2011.

سوريا جميلة وستعود أجمل

لكن هذه الصورة القاتمة عن سوريا لا تبدو كذلك لدى أطفال سالم الذي نزح من درعا عام 2013، ويعيش الآن مع أسرته في الأردن، إذ يقول سالم إنه دائماً ما يحدث أطفاله عن ذكرياته الجميلة في مدينة درعا، ويحدثهم كذلك عن مدينة دمشق وتاريخها وذكرياته الجميلة فيها أيام دراسته الجامعية.

ويضيف سالم أنه دائماً ما يؤكد لأطفاله أن إقامتهم هنا مؤقتة، وسيعودن إلى سوريا عندما يسقط النظام.

كل ذلك شكل كما يقول سالم لموقع "تلفزيون سوريا" فكرة إيجابية عن سوريا، وهذا ما أكده أحد أطفاله (قاسم 13 عاماً) لدى سؤالنا ماذا تعرف عن سوريا بالقول: "سوريا جميلة، وستعود أجمل عندما نعود إليها". 

الحالة ذاتها تنطبق على عائلة عبد الله الذين يعيشون في مدينة إسطنبول شمال غربي تركيا، حيث يؤكد عبد الله أنه دائماً ما يحدث أطفاله عن سوريا، وعن الأهل والأقارب، وعن الأعياد فيها، وكيف أنها (كانت) من أجمل البلاد، لأن ذلك يؤدي –بحسب حديث عبدالله لموقع "تلفزيون سوريا" إلى ربطهم وجدانياً بها، وهذا ما يدفعهم للعودة إليها مستقبلاً.

الصورة الإيجابية المتخيلة عن سوريا بدت واضحة في أذهان أولاده عندما طلبنا منهم أن يحدثونا عن سوريا فقالوا: "سوريا أجمل بلد بالدنيا، وسنعود إليها عندما نكبر". 

وفي هذا السياق تشير تقارير عدة صادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أن العديد من الأطفال السوريين الذين ولدوا في دول اللجوء، يشعرون بارتباط عميق بوطنهم غير المألوف بالنسبة لهم، ويتشبثون بالأمل في العودة إلى هناك بأمان في يوم من الأيام.

ما أثر هذه الصور المتناقضة على نفسية الطفل وسلوكه؟

يقول الباحث محمد ديرانية المتخصص في علم الاجتماع النفسي: إن تقلب صورة سوريا لدى هؤلاء الأطفال يؤثر بشكل عميق على إحساسهم بالهوية والانتماء والأمن العاطفي، ويخلق لديهم انقساماً نفسياً وشكلاً من أشكال شد الحبل العاطفي.

وبناء عليه يشعر الأطفال بأن عليهم الاختيار بين هويتين ثقافيتين، وهم بنفس الوقت غير قادرين على الاندماج في ثقافة المضيف بسبب تحديات التكيف، ولا على الحفاظ على هويتهم الثقافية والعربية بسبب غياب التجربة الملموسة.

ويشير ديرانية في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن الضغط الناتج عن هذا التنافر العاطفي والمعرفي يمكن أن يساهم في ظهور اضطرابات مزاجية وسلوكية مع الوقت، كالقلق والاكتئاب والسلوك العدواني، وسيجردهم من قيم نفسية ضرورية كالهوية والانتماء.

ولفت ديرانية أن ذلك سيؤثر على خياراتهم المستقبلية وقراراتهم الرئيسية، مثل التعليم والوظيفة وحتى المكان الذي يختارون الاستقرار فيه. 

ما تأثير ذلك على فكرة العودة مستقبلاً إلى سوريا؟

أما عن تأثير هذه الصورة على قرار العودة مستقبلاً عن سوريا فيقول الباحث ديرانية: "يمكن للتصور النفسي السلبي لسوريا والذي تكرّسه الوقائع أن يثير لدى اللاجئين مخاوف حول سلامتهم في حال العودة، ويحفز فيهم دينامية نفسية وعقلية دفاعية تجعلهم أكثر استعدادية لتقبل صعوبات التكيف مع بيئة اللجوء، مثل العنصرية مثلاً".

وأردف أن هذه الصعوبات أو المعاناة التي قد يعيشها الشباب في بلدان اللجوء، مهما كان مستواها، فإنها بالنسبة لهم أكثر قبولاً من المصير السيء المتخيل الذي ينتظرهم حال العودة.

من جهته يوضح الناشط الحقوقي أحمد طالب الأشقر أن النزعة الفطرية للبحث عن الأمان والخوف على الأبناء ومستقبلهم ولَّد رغبة عارمة بالهروب من سوريا، وعدم الالتفات إلى الخلف أو التفكير بالعودة.

لذا يرى الأشقر في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن نسبة كبيرة جداً من هؤلاء الأطفال ولا حتى آبائهم يفكرون بالعودة إلى سوريا في المدى القريب والمتوسط.