icon
التغطية الحية

بعد أكثر من عقد.. هل نضجت الخدمات الصحية في تركيا لتلائم احتياجات السوريين؟

2022.03.31 | 20:16 دمشق

untitled.png
مستشفى مدينة إسكيشهير (حرييت)
إسطنبول - مزنة عكيدي
+A
حجم الخط
-A

على الرغم من حجم الخدمات الصحية المقدمة على مدار سنوات ما يزال اللاجئون السوريون في تركيا والنساء منهم على وجه الخصوص يعانون من مشكلات في نظام الاستجابة الصحية -حتى بعد أكثر من عقد على لجوئهم- بدءاً بعدم مراعاة ثقافة المجتمع السوري من ناحية الخصوصية بين الجنسين، وعدم كفاية المترجمين، ووضع أنظمة مواعيد معقدة، وانتهاءً بالبيروقراطية ومواعيد الانتظار الطويلة، فحالت هذه العقبات بينهم وبين حقهم في الوصول إلى تلك الخدمات، في حين يرى آخرون بأن التكيف مع الأنظمة وتعلم لغة البلد المضيف هما الحل للوصول السهل إلى الخدمات الصحية المتاحة.

"دون تمييز بين بلد العبور وبلد المقصد" هكذا وصف مؤخراً وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة تقديم الخدمات الصحية في تركيا للاجئين السوريين في اجتماع رفيع المستوى حول الصحة والهجرة عقد بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية واستعرض فيه بالأرقام ملايين الخدمات والمداخلات الطبية التي أجريت للسوريين على مدار الأعوام الماضية.

ووفقاً لوزير الصحة التركي وحتى تاريخ تصريحه في 17 من آذار 2022 قُدم ما يقرب من 97 مليون خدمة عيادات خارجية للسوريين، وأكثر من 3 ملايين خدمة علاجية للمرضى الداخليين، بالإضافة إلى إجراء 2.6 مليون عملية جراحية، وولادة 754 ألف طفل سوري في مرافق الرعاية الصحية في تركيا.

صورة2_0.jpg

 

تشخيص خاطئ وخزعة مفقودة

تروي أم بلال (53 عاماً) ما حدث معها في إحدى المستشفيات التركية الحكومية في إسطنبول بعد معاناة لفترات طويلة من نزيف في الرحم أرهق جسدها على مدار أشهر.

تقول أم بلال: "أخبرتني المترجمة بكل دم بارد أن تشخيص حالتي وفقاً للطبيبة المشرفة هو سرطان الرحم"، وتضيف: استقبلت الخبر بهدوء أعصاب لكن لا أنسى صوت صراخ ابني في المشفى لائماً المترجمة على إعلامي بطبيعة مرضي بهذه الطريقة ودون المراعاة لحساسية الخبر.

ذهبت أم بلال إلى مشفى السلطان سليمان القانوني في منطقة "كوتشوك تشيكمجي" في إسطنبول لتبدأ رحلة العلاج من التليف بالرحم بعد معاناة طويلة من تبعاته بدءاً بالنزيف المستمر وانتهاء بالآلام التي لا تحتمل على حد قولها، وواجهت أم بلال المشكلة الأولى كما تقول لموقع (تلفزيون سوريا) بعدم وجود مترجم أو مترجمة لشرح معاناتها للأطباء.

وفي محاولة لحل المشكلة تقول أم بلال إنها تعاقدت مع مترجمة خاصة تذهب بصحبتها إلى المشفى فتضمن بذلك عدم الذهاب هباء في حال لم تجد مترجمين ولتدرأ عن نفسها حرج شرح مشكلاتها النسائية لمترجم رجل إن وجد. وتضيف: "كلما كان يمضي ساعة من الوقت كانت المترجمة تطلب مزيدا من النقود مستغلة حاجتي لها".

وانتهى الأمر مع المترجمة حين أخبرت أم بلال بأنها مصابة بالسرطان، وبالتحقق اكتشفت أم بلال أن المترجمة غير متمكنة وتنقل لها معلومات خاطئة وبأنها لا تعاني من هذا المرض.

تقول أم بلال إنها وبعد مضي شهر عادت إلى المشفى لأخذ نتيجة الخزعة ليخبرها الطاقم الموجود بأنهم لم يجدوا نتائجها وعلى الأرجح فإن النتائج مفقودة ويجب أن تعيد سحب الخزعة.

خدمة الترجمة في المشافي الحكومية

وفقاً لموقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تتيح بعض المشافي مترجمين فوريين بالإضافة إلى إمكانية طلب المساعدة من المنظمات الشريكة للمفوضية في المدينة التي يقيم فيها المريض مع الإشارة إلى أن المترجمين قد لا يتوافرون في غضون مهلة قصيرة أو لكل موعد، وذلك نظراً لعبء العمل والخدمات اليومية التي تقدمها المنظمات الشريكة.

أما بالنسبة لخدمات الرعاية الصحية الأولية فتجاوزاً لعقبة اللغة أُنشئت للسوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في بعض المحافظات التركية مراكز صحية للمهاجرين موظفوها من الناطقين باللغة العربية، يوفر موقع وزارة الصحة معلومات كاملة عنها، وبلغ عدد هذه المراكز وفقاً لتصريحات وزير الصحة الأخيرة 185 مركزاً، تعمل في 29 ولاية، وفيها ما يقرب من 4 آلاف عامل صحي سوري، منهم 787 طبيباً و34 طبيب أسنان و1149 ممرضاً.

ويذكر موقع المفوضية أنه تماشياً مع قانون تنفيذ ميزانية الرعاية الصحية، يحق للسوريين المسجلين في إطار الحماية المؤقتة الاستفادة مجاناً من جميع الخدمات الطبية بما في ذلك مراكز الصحة العامة ومراكز صحة الأسرة والمستشفيات الجامعية والحكومية، ويجب على المريض السوري الخاضع للحماية المؤقتة دفع نفقات العلاج في المستشفيات والعيادات الخاصة ما لم تكن هناك إحالة رسمية من مؤسسات صحية أخرى في الدولة.

مشافي خاصة وأطفال يحلون محل المترجمين

يئست أم بلال من حل مشكلتها الصحية التي لا تحتمل روتين المشافي الحكومية ومواعيد الانتظار الطويلة على حد قولها، وذهبت إلى إحدى المشافي الخاصة وأجرت عملية استئصال الرحم هناك، واضطرت بذلك لدفع التكاليف على نفقتها الخاصة.

لم تحل مشكلة اللغة بذهاب أم بلال إلى المشفى الخاص، فتقول "كان من المحرج أن أشرح مشكلات صحية خاصة لأطفال من عائلتي" وذلك بعد أن رافقتها فيما بعد ابنتها ذات الـ 14 عاماً وأحياناً ابن أختها (13 عاماً) بالتناوب وبما يتلاءم مع أوقات مدرسة كل منهما ليؤدوا مهمة المترجمين.

في محاولة للتواصل مع أطباء وعاملين في المراكز الصحية الحكومية التركية لمناقشة مشكلات التواصل بين المرضى السوريين والكوادر الطبية وأسبابها وطرق حلها لم يتلق موقع (تلفزيون سوريا) تجاوباً من أي منهم.

وتشير أم بلال إلى أن ما حدث معها في أزمتها الصحية هو ليس حالة خاصة بل هي عقبات تواجهها كلما تعرض فرد من العائلة لمشكلة صحية جدية، فقد عانت مؤخراً من مشكلة الانتظار وصعوبة الحصول على مواعيد من مشافي الدولة على الرغم من الحالة المستعجلة التي تعرضت لها ابنتها زينة (14 عاماً) حين عانت من آلام شديدة شخصت على أنها فتق في الرقبة فاضطرت حينذاك أيضاً للجوء إلى إحدى المستشفيات الخاصة وتحمل الأعباء المادية للفحوصات والعلاج على حد قولها.

تشير المادة 25 من الإعلان الدولي لحقوق الإنسان إلى حق كل شخص  في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وتتضمن الجوانب الأساسية للحق في الصحة جانب إمكانية الوصول:  الذي يتمثل بأن تكون المرافق والسلع والخدمات الصحية متاحة للجميع مع إمكانية الحصول إليها ماديًا بمنأىً عن أيّ تمييز. وجانب التوافر: حيث يجب توفير مرافق وسلع وخدمات عامة فعالة للصحة والرعاية الصحية وبكمية كافية. بالإضافة إلى جانب المقبولية: فعلى المرافق والسلع والخدمات أن تحترم الأخلاقيات الطبية وأن تراعي المنظور الجنساني وأن تكون ملائمة ثقافيًا.

حالات المرض المستعجلة وحجز المواعيد

على خلاف أم بلال تجد مريم (28 عاماً) المقيمة في إسطنبول، أن نظام أخذ المواعيد من مشافي الدولة هو نظام جيد ويوفر ساعات انتظار طويلة، ولكن تتفق معها بأنه نظام لا يتلاءم مع حالات المرض الملحة أو الحالات التي تتطلب مداخلة طبية متقدمة.

أما في حالات الرعاية الطبية الأولية تجد مريم مراكز العائلة الصحية على أنها خدمة ممتازة ذات استجابة سريعة، فيما لم تعانِ مريم من مشكلة قلة المترجمين نظراً لكونها تتحدث التركية بطلاقة وتعزو مريم رضاها عن الخدمات الصحية في تركيا بشكل أساسي إلى تكيفها مع أنظمته وتعلمها للغة البلد المضيف.

وتتيح وزارة الصحة التركية طريقتين لحجز المواعيد في المشافي التركية، الأولى عن طريق الاتصال بالرقم 182 ويشترط لذلك أن يكون المتصل من متحدثي اللغة التركية، أما الطريقة الثانية فهي عن طريق رابط حجز المواعيد على موقع وزارة الصحة، أو بتنزيل التطبيق الخاص لحجز المواعيد MHRS"".

لا يخفى حجم الخدمات الصحية المقدمة في تركيا للاجئين السوريين، ولكن مازالت هذه الخدمات لا ترقى لتطلعات بعض الفئات كما قالت أم بلال وفي الوقت نفسه حظيت برضا شريحة من اللاجئات السوريات كما قالت مريم لموقع (تلفزيون سوريا)، ليبقى تقييم هذه الخدمات عالقاً بين راضٍ عنها وغير قادر على الوصول إليها.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الكإنسان.