icon
التغطية الحية

سوريون في المستشفيات التركية.. ضائعون في الترجمة يتخبطون بين السمسرة والإهمال

2021.10.06 | 05:55 دمشق

photo_2021-09-29_16-07-18_2.jpg
سيارات إسعاف توصل مرضى إلى الجانب التركي من معبر باب الهوى (صفحة معبر باب الهوى على فيسبوك)
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

لن أنسى تلك الليلة ما حييت. عيناي شاخصتان للأعلى نحو ضوء مسلط على رأسي، وجسدي عاجز عن الحراك، يمزق الألم مختلف أنحائه، وصراخ في الفراغ – رغم كل من حولي – بحثاً عن شربة ماء، أو جرعة مسكنة للألم.

هكذا أمضيت ليلتي الأولى في مستشفى الدولة الجديد في مدينة أنطاكية التركية، بعد أن تم تحويلي إليه لتلقي العلاج المفقود في جميع مشافي الشمال السوري.

مطلع ربيع العام الحالي، تعرضت لحادث سير أليم، تسبّب لي بكسور في الأطراف استدعى إجراء عمليات جراحية عدة في إدلب، لكن مضاعفات هذه العمليات تسببت بـ "صمّة رئوية" وهي خثرة دموية في الرئة نتج عنها هبوط حاد في مستوى الأوكسجين في جسدي، واستدعى نقلي بشكل إسعافي إلى تركيا من أجل تلقي العلاج.

ساعات طويلة وأنا ملقى على سرير قسم الإسعاف، أنتظر شخصاً واحداً يتحدث العربية، لكن لا مجيب، فأنا في تركيا التي لم أزرها يوماً. استعملت الإنكليزية للتواصل مع ممرض وصل إلى جانبي، ولحسن حظي كان يتقنها فطلبت منه تبليل شفاهي بالماء واتصال إنترنت.

بعد تأمين الاتصال، كتبت بصعوبة منشوراً على حسابي في فيس بوك يقول: "أنا موجود بهاد المكان، محتاج مترجم يساعدني من ساعات لهلق دقت الويلات بسبب اختلاف اللغة، هاتاي أنطاكيا"، وبعدها ذكرت اسم المشفى الذي أنا فيه، ليتبيّن لاحقاً أنه مغاير لما وصل من معلومات للجانب السوري الذي علم بأن وجهتي كانت مستشفى آخر توجه إليه أصدقائي في تركيا للبحث عني.

سأسميه ضياعاً في المشافي التركية، فرغم اقتصار مدة ضياعي على ساعات محدودة، إلا أنها كانت أصعب من ألم الحادث الذي ما زال يرافقني. ووسط هذا الضياع، تعرفت إلى قصص سوريين كثر ومعاناتهم في مستشفيات تركية دخلوها على أسرة الإسعاف وحيدين بلا رفاق أو مرافقين، بينما لم تسعفهم عربيتهم لتحقيق أبسط عمليات التواصل.

الواقع الصحي

ما سمعته وتابعته من قصص سوريين في مستشفيات تركية يكشف كذلك تخاذل أكثر من مئة هيئة ومنظمة إنسانية تعمل في الشمال السوري وترفع شعار مساعدة السوريين، كما يلخص الواقعَ الصحي والطبي المنهك في الشمال السوري بسبب الهجمات المتواصلة لروسيا ونظام الأسد.

قبل الخوض في تفاصيل قصص هؤلاء، تفيد الإشارة هنا إلى الواقع الطبي الذي تعيشه منطقة الشمال السوري.

بحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان صدر مؤخراً، فإن النظام السوري نفّذ ما لا يقل عن 544 اعتداءً على منشآت طبية في سوريا بين آذار/ مارس 2011 حتى حزيران/ يونيو 2021. وقتل في المدة ذاتها ما لا يقل عن 652 من الكوادر الطبية، بالإضافة لاعتقال 3329 من تلك الكوادر.

القوات الروسية المساندة لنظام الأسد قتلت هي الأخرى 70 من الكوادر الطبية خلال هجماتها على المنشآت الطبية والبالغ عددها 207 هجمات، فضلاً عن قتل 44 متطوعاً من كوادر الدفاع المدني السوري الذي يعمل على إنقاذ وإسعاف المدنيين.

الهجمات المتكررة على المنشآت الطبية والاعتداء على كوادرها دفعت بالكثير من تلك الكوادر للهجرة من سوريا، كما أن استبدال أي جهاز طبي تعطل بسبب القصف أصبح غاية في الصعوبة في منطقة صراع كإدلب السورية.

يُضاف لما سبق طول أمد الصراع وحساسية الوضع على الأرض، والتضييق الذي تمارسه بعض سلطات الأمر الواقع وتدخل الفصائل العسكرية المسلحة في عمل المنظمات الإنسانية، وهو ما أدى لتوقف دعم بعض تلك المنظمات، وعزوف أخرى عن العمل، فضلاً عن تخفيض الدعم المخصص للمنظمات الطبية من قبل الجهات والدول المانحة.

كل تلك المعطيات جعلت الواقع الطبي في المنطقة في مستوى متدن للغاية ويكاد يدخل مرحلة الانهيار، فالكثير من الأمراض بات علاجها مفقوداً في إدلب ويجب على المرضى إما مصارعتها حتى الموت، وإما البحث عن مخرج نحو تركيا المجاورة.

العلاج والطبابة الإسعافية في تركيا

بحسب إحصائيات مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، فإن 1253 مريضاً دخلوا إلى المشافي التركية بشكل إسعافي خلال النصف الأول من العام الحالي، إضافة إلى 1829 مريضاً دخلوا على شكل حالات باردة.

وتُقسم الحالات الطبية التي تدخل إلى تركيا لتلقي العلاج إلى قسمين، الإسعافية والباردة:

  • الحالات الإسعافية فهي تخص من تكون حياتهم مهددة خلال 48 ساعة في حال عدم حصولهم على رعاية طبية متقدمة، ويُعتبر مصابو القصف والمعارك وحوادث السير أبرز الحالات الإسعافية، إلى جانب الأطفال الخُدج طبعاً.
  • الحالات الباردة: مَن لا يتوفر لهم علاج في مشافي الشمال السوري، أو يتوفر علاجهم بمبالغ كبيرة جداً، يعجز المريض عن تغطيتها بإمكانياته المادية، وبشرط أن يكون المرض يؤدي إلى وفاة المريض على المدى الطويل أو يسبب له إعاقة دائمة إن لم تتم معالجته.

ويعتبر مرضى السرطان بأنواعه المختلفة أبرز الحالات الباردة التي تدخل لتلقي العلاج في تركيا، يليهم مرضى الجراحات القلبية، بالإضافة لكثير من الأمراض الخطيرة والمستعصية كتشمع الكبد وزراعة الكلية وغيرها.

آلية دخول المرضى إلى تركيا

لا يستطيع أي مريض سوري يحتاج للعلاج في تركيا أن يدخل إلى مشافيها ببساطة، فتحديد الحالات الطبية الباردة التي تحتاج تحويلاً إلى تركيا يتم عبر مراكز خاصة معتمدة من قبل المكتب الطبي في معبر باب الهوى.

ويقوم الطبيب في هذه المراكز بتقييم الحالة ضمن اختصاصه، ويحدد إمكانية علاجها في الشمال السوري من عدمه، وعند عدم توفر العلاج يحصل المريض على إحالة طبية إلى تركيا.

أما الحالات الإسعافية فيتم تحويلها من جميع مشافي الشمال السوري، ولا ينحصر ذلك بمركز مختص، وذلك بعد التنسيق مع النقطة الطبية في معبر باب الهوى والتأكد من تحقق شروط الحالة الإسعافية التي يعتمدها مركز الخط الساخن للإسعاف التركي في معبر جيلفا غوزو، المعروف اصطلاحاً بالـ "112 التركي".

وتعاني الحالات الإسعافية بدورها من مشكلات في إتمام إجراءات التنسيق مع الجانب المضيف، والتي قد تأخذ وقتاً طويلاً، فتبقى الحالة الإسعافية في سيارة الإسعاف على الجانب السوري للمعبر عدة ساعات بانتظار الرد التركي.

إجراءات تُفاقم معاناة المرضى

في السابق، كان الجانب التركي يسمح لأي مريض لا يستطيع المشي على قدميه بإدخال مرافق معه، لكن الإجراءات تغيرت في نيسان/ أبريل من عام 2019، حيث باتت السلطات التركية تحظر دخول مرافق مع المريض السوري، باستثناء الأطفال دون سن الثامنة، ويجب أن يرافق المريض والده أو والدته حصراً.

هذا القانون يمكن أن يحرم المريض من المرافق إن كان والداه متوفين، أو غير قادرين على مرافقته بسبب المرض، أو أن يكونا ممنوعين من الدخول إلى تركيا بسبب وجودهم سابقاً فيها وعودتهم طواعيةً إلى سوريا أو تم ترحيلهم إليها.

وعلى أرض الواقع، يبدو بديهياً أن يحتاج جميع المرضى لمرافقين، خاصة كبار السن والحالات الإسعافية التي تعاني إصابات عظمية ومن يحتاج علاجه لفترة زمنية طويلة.

معاناة مضاعفة.. حكاية شابة من إدلب

فاطمة الدقس هي الأخرى قدمت من إدلب إلى تركيا لتلقي العلاج منذ ما يزيد على السنتين، ولا تزال وحيدة تئن بسبب مرضها والمشكلات التي تواجهها.

تعاني فاطمة من مرض لم تعرف اسمه في سوريا أبداً.

في الثاني من أيار/ مايو عام 2019، تعرضت إحسم، بلدة فاطمة الواقعة في جبل الزاوية جنوبي إدلب، لقصف بالبراميل المتفجرة التي ألقتها الطائرات المروحية التابعة لنظام الأسد. لم تُصَب فاطمة إصابة مباشرة إلا أن روائح الغازات المنبعثة من انفجار البراميل سبّبت لها خللاً في عمل الرئتين، ما استدعى نقلها للعناية المركزة في أحد مشافي إدلب.

تقول فاطمة: "كان الأطباء في إدلب يدخلون إلى غرفتي في محاولة للتعرف على المرض، فحالتي كانت فريدة من نوعها".

بعد 11 يوماً من مكوثها في العناية المركزة، نُقلت فاطمة إلى مستشفى الدولة في مدينة أنطاكية التركية، وهي عاجزة عن القيام بأية حركة، والمساعدة الوحيدة التي قُدمت لها من الجانب السوري أنها أُبلغت بوجود دار لرعاية الجرحى السوريين في أنطاكية.

شخّص الأطباء في تركيا مرض فاطمة بـ"وهن عضلي وخيم"، وهي مصابة به منذ عام 2015، لكن في سوريا لم يعرف أحد من الأطباء هذا المرض، وكان تشخيصها على أنها مصابة بحالة نفسية تشبه الانهيار العصبي الذي يستلزم مضادات اكتئاب، إلا أن روائح الغازات المنبعثة من البراميل المتفجرة أتعبت رئتيها وفاقمت من تأزم وضعها الصحي ما استدعى نقلها إلى تركيا حيث تم اكتشاف مرضها.

نصب واحتيال.. استغلال جهل المرضى بالإجراءات والقوانين

بعد أربعة أشهر من دخول فاطمة إلى تركيا لتلقي العلاج، تم اتخاذ القرار بإجراء عمل جراحي لها، ولكونها لا تجيد اللغة التركية كانت الفرصة سانحة لأحد المترجمين كي يحاول الاحتيال عليها.

تقول فاطمة لموقع تلفزيون سوريا: "عند إقرار إجراء العمل الجراحي لي في مستشفى الدولة الجديد في أنطاكية، جاء أحد المترجمين السوريين إلي، ووضعني أمام خيارين: إما إجراء العمل الجراحي في وقت قريب، على أن تقوم به طبيبة بمرتبة بروفيسور، وهو ما يستوجب دفع مبلغ عشرة آلاف ليرة تركية (ما يعادل 1850 دولارا آنذاك)، وفي حال لم أدفع أنتظر دوري الذي قد يطول لعدة أشهر إضافية، وأخضع لعمل جراحي على يد طبيب غير مختص".

E1p8M45XMAQVm-N.jpg
مستشفى الدولة الجديد في أنطاكية

اشترط المترجم المحتال على فاطمة أن تسلمه المبلغ ليعطيه بدوره للطبيبة البروفسورة حسب زعمه، وقدم لها مغريات بأنه من الممكن أن يتوسط لها لدى الطبيبة لتعطيها حسماً في حال وافقت.

كانت فاطمة عازمة على الموافقة على عرض المترجم لخوفها من نتائج العمل الجراحي على يد طبيب غير مختص، لكن تدخل والد إحدى صديقاتها الذي كان برفقتها في المشفى ويعمل محامياً وسؤاله عن هذا الإجراء، غيّر رأيها لترفض عرض المترجم، بعدما علمت أن هذه الإجراءات غير قانونية وأن تكاليف أي عمل جراحي أو فاتورة علاج ضمن المستشفى يجب أن تدفع عن طريق الصندوق، لا عن طريق وسطاء ولا إلى الأطباء مباشرة، بالإضافة لكونها سورية وتخضع للعلاج بشكل مجاني وفق القوانين التركية.

تقول فاطمة أيضاً: "في ليلة إجراء العمل الجراحي جاء إلي مترجم آخر في قسم الإسعاف وعاودت سؤاله بسبب خوفي من خضوعي للعمل الجراحي على يد طبيب غير مختص، فأخبرني بأن هذا الكلام عارٍ عن الصحة، ولا يسمح لطبيب غير مختص بإجراء عمل جراحي، وهو ما حدث فعلاً حيث اطلعت على تقرير العمل الجراحي بعد إنهائه ووجدت اسم البروفيسورة التي أجرته لي على التقرير".

معاناة من شكل آخر.. الوحدة والضياع بسبب غياب المرافق

تجاوزت فاطمة العمل الجراحي بنجاح، ونجت من محاولة النصب والاحتيال عليها من قبل أحد المترجمين السوريين وظنت أنها وصلت بر الأمان، إلا أن كماً كبيراً من المشكلات كان في انتظارها، حيث طُلب منها مراجعة المستشفى بشكل دوري، فأدويتها تتبدل بحسب مرحلة العلاج الذي وصلت إليه بناءً على تقارير الأطباء المرحلية، ما يعني ضرورة وجودها في تركيا بطبيعة الحال.

الإجراءات التركية المتعلقة بإدخال المرافقين إلى جانب المرضى السوريين حرمت فاطمة من دخول عائلتها والاعتناء بها، فهي تعجز عن الحركة أبداً في بعض الأحيان وتحتاج لوجود أحدٍ بجانبها، ومنذ عامين إلى الآن تعيش وحيدة، وتعمل في الفترات التي يكون وضعها الصحي فيها جيداً، وتترك عملها عندما يسوء، وتحاول تعلم اللغة التركية بهدف التخلص من تكاليف وأعباء الترجمة.

وتعتبر معاناة فاطمة وغيرها من النساء أكبر من معاناة الرجال، لخصوصية وضع النساء وصعوبة إيجاد مأوى لهن خلال فترة العلاج.

محمود هو الآخر فقد أخاه في المشافي التركية بعد إدخاله بشكل إسعافي إليها إثر إصابة حربية.

يقول محمود في حديثة لموقع تلفزيون سوريا: "ستة أيام لم تتوقف فيها دموع أمي، عندما مات ارتاحت قليلاً". وشقيق محمود كان ينتمي لأحد الفصائل العسكرية ويعرفه رفاقه بكنيته "أبو عبيدة" فقط، وهو ما زاد من تعقيد وضعه عند إدخاله لتركيا حيث مُنح اسماً مستعاراً من قبل رفاقه وكتب الاسم بطريقة خاطئة فلم يعثر عليه في سجلات المشافي، كما أنه نقل لمستشفى آخر غير الذي تم إبلاغ الجانب السوري به بداية الأمر.

ستة أيام كان أبو عبيدة خلالها في العناية المركزة وأسرته تبحث عن طريق معارفها عليه دون جدوى، حتى فارق الحياة ونقل جثمانه للجانب السوري من المعبر.

يوضح محمود قائلاً:" لو كان معه مرافق لاختصرنا الكثير الكثير من العناء والعذاب". 

آلية الترجمة في المستشفيات التركية

في أثناء ما يمكن أن نسميه مجازاً "ضياعي في مشافي أنطاكية" كانت عائلتي والعديد من أصدقائي يبحثون عني، وهنا تعرفت على عبد الكريم الذي يعمل كمترجم ومتابع لمرضى وجرحى الدفاع المدني السوري في مشافي هاتاي التركية، والذي تواصل معه أصدقائي للبحث عني، وعثر عليّ في مستشفى الدولة الجديد في أنطاكية، وقدم لي المساعدة.

تحدثت مع عبد الكريم عن معاناتي ومعاناة المرضى السوريين في المشافي التركية بسبب اختلاف اللغة، وتعذر التواصل مع الأطباء والممرضين، وغياب الترجمة فأخبرني عن مشروع ترجمة كان يخدم المرضى السوريين في مشافي هاتاي لعدة سنوات قبل توقف الدعم عنه.

عمل عبد الكريم قبل انتقاله إلى الدفاع المدني السوري في اختصاص الترجمة للمرضى في مشافي هاتاي التركية مع منظمة الرعاية الإنسانية، والتي كانت تتكفل باحتياجات الترجمة للجرحى والمرضى، وهو برنامج كان مدعوماً من جمعية إحياء التراث الإسلامي الكويتية منذ عام 2014 حتى نهاية 2019.

وكان مكتب الترجمة ومتابعة المرضى في منظمة الرعاية الإنسانية يقدم خدماته لقرابة 20 ألف مستفيد شهرياً، بحسب ما نشرته المنظمة على صفحتها على فيس بوك في أيلول/ سبتمبر عام 2020.

وكانت المنظمة قد وظفت عدداً من المترجمين، وصل عددهم حتى 42 مترجماً في مستشفيات أنطاكية الثلاثة، القسم الأكبر منهم في "الدولة الجديد" والذي كان يحوي وحده 24 مترجماً، بالإضافة لـ 20 مترجماً يتبعون لمديرية صحة هاتاي.

وكانت منظمة الرعاية الإنسانية مسؤولة عن عملية متابعة الجرحى والترجمة وتخريج الجنازات، وتشمل المتابعة تقديم تقرير دوري لأسرة المريض عن وضعه، بالإضافة لتقديم خدمات الإرشاد والدلالة للمرضى لتسهيل أمور قطع الأدوار والحجز على العيادات، كل في قسم معين.

بعد توقف الدعم عن مشروع الترجمة في المنظمة، بات يقتصر وجود المترجمين في المستشفيات على مترجمي صحة هاتاي التركية، والذين تقلص عددهم في مستشفى الدولة الجديد من 10 مترجمين إلى ثمانية.

ومؤخراً، قام المكتب الطبي في معبر باب الهوى بتخصيص صندوق لتمويل منظومتين، واحدة لتتبّع مرضى الحالات الإسعافية فقط، الداخلين إلى المشافي التركية بلا مرافق، وتقدم لهم خدمات الترجمة وتأمين الاحتياجات الأساسية، وتخريج المريض من المستشفى عند إنهاء علاجه ونقله إلى المعبر وتسليمه لذويه، والأخرى لتتبع بعض الحالات الباردة وتهتم بموضوع حجز المواعيد وتسهيل إجراءات المريض عند مراجعة المشفى وترجمة الأوراق التركية وبعض الخدمات الأخرى.

يعمل عبد الكريم حالياً كمترجم ومتابع لمرضى ومصابي الدفاع المدني السوري في مستشفيات أنطاكية.

التقيت أيضاً بأحمد الذي يعمل حالياً كمتابع ومترجم لجرحى أحد الفصائل العسكرية أيضاً، حيث بات من الواضح جلياً بأن كل جهة أو مؤسسة أو فصيل عسكري له موظفون لمتابعة حالة جرحاه وتقديم خدمات الترجمة والمساعدة وتلبية احتياجاتهم، بينما يبقى المدني السوري المريض في تركيا بلا مساعدة مجانية وعليه دفع المال مقابل الحصول على أبسط الخدمات.

ويعتبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة هو الممثل الشرعي عن السوريين في تركيا، وراسل موقع تلفزيون سوريا رئيس الائتلاف الجديد سالم المسلط ووجه له مجموعة من الأسئلة حول أسباب غياب مشروع مهم كمشروع متابعة المرضى السوريين في تركيا، لكنه لم يلق أي رد على رسائله.

السماسرة... وجهة المرضى للتغلب على مشكلاتهم

على الرغم من أن المرضى السوريين يتلقون العلاج في المستشفيات التركية بشكل مجاني، وفق القوانين التركية، لكن المشكلات التي يعانون منها من اختلاف اللغة وغياب المرافق، تجبرهم على دفع المال مقابل الحصول على أبسط الخدمات التي تعتبر إنسانية بحتة.

وجودي في بلد يتحدث لغة مختلفة عن لغتي، ولكوني بلا مرافق، جعلني بموقف الحائر عما أفعل، حتى أمّن لي أحد الأصدقاء تواصلاً مع مصطفى وهو شاب تركي يتقن العربية بطلاقة، تعدت الخدمات التي يقدمها حدود الترجمة، كونه يعمل ميسر أوراق (سمسار)، ويحجز الدور في المستشفيات ويستخرج الأوراق اللازمة، وذلك بمقابل مادي بطبيعة الحال.

يكرس مصطفى وقته بشكل كامل في هذا العمل وهو يداوم في المستشفيات التركية أكثر من كوادرها الطبية، إذ ينجز عشرات الخدمات لعدة مرضى في آن واحد، وتتراوح أسعار الخدمات ما بين الـ 150 ليرة تركية لقاء استخراج تحويلة إلى مشفى آخر والـ 1000 ليرة مقابل الحصول على موعد عمل جراحي قريب لأحد المرضى.

هناك في تلك المشافي علاقة قوية تربط الأطباء مع المترجمين (السماسرة)، فذات الوجوه تتكرر أمام أعين الأطباء، لأن السمسار ذاته اليوم هو مرافقي وغداً أو ربما بعد قليل يكون مرافقاً لمريض آخر عند ذات الطبيب.

حسام هو الآخر شاب سوري يقوم بمرافقة المرضى السوريين والذين يدخل معظمهم وحيدين بلا مرافق إلى المشافي التركية ويتقاضى مبلغاً من المال مقابل ذلك، ويقتصر عمل حسام على الاعتناء بالمرضى في غرفهم، وتأمين مستلزماتهم من ملابس واحتياجات، والسهر إلى جانبهم طوال الليل، ومرافقتهم لدخول الحمام أو المرحاض.

يقول حسام مازحاً: "أود افتتاح مكتب تتبع للمرضى والعناية بهم، فهاتفي لا يتوقف عن تلقي الاتصالات من سوريا، الجميع يريد مرافقاً يعتني بمريضه، وأنا وحيد لا أستطيع العناية بأكثر من مريضين في قسمين متجاورين ضمن ذات المستشفى".

في العموم، فإن تركيا التي فتحت حدودها للسوريين الهاربين من جحيم الأسد وفتحت بواباتها الحدودية على مدار الساعة لإدخال الجرحى والمرضى، باتت مؤخراً تزيد في تعقيد الإجراءات المتعلقة بملف إدخال الإحالات الطبية من الداخل السوري إلى أراضيها مع مرور الزمن وفي ظروف استثنائية كجائحة كورونا.

ومن بين آخر التعقيدات ظهر القرار باستبدال الوثيقة العلاجية للمرضى السوريين بوثيقة سياحية علاجية تحرمهم من مجانية العلاج في مشافيها، ما يتسبب بمضاعفة معاناة المرضى والجرحى المتروكين في بقعة جغرافية مستباحة.

أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج تدريب يضم صحفيين من سوريا واليمن وفلسطين/غزة والسودان، من تنظيم "أوان" وبدعم من منظمة "دعم الإعلام الدولي"