icon
التغطية الحية

بسمة قضماني: على الإسلام السياسي الاعتراف بتنوّع المجتمع السوري

2021.04.14 | 09:12 دمشق

maxresdefault.jpg
الباحثة والأكاديمية وعضو اللجنة الدستورية الدكتورة بسمة قضماني
أجرى الحوار طارق صبح ومحمد حاج بكري
+A
حجم الخط
-A

ولدت الباحثة والأكاديمية والسياسية المعارضة بسمة ناظم قضماني في دمشق في العام 1958، وهي ابنة دبلوماسي ومعتقل سابق. غادرت سوريا مع عائلتها في العام 1968 إلى لبنان، ثم إلى إنكلترا في العام 1971، حيث استقرت هناك.

درست في معهد الدراسات السياسية في باريس، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، وعملت في المعهد الدولي للعلاقات الدولية "إفري" في باريس، حيث أنشأت وأصدرت، منذ العام 1981 حتى 1998، برنامج الشرق الأوسط في المعهد.

أنشأت في العام 2005 مبادرة الإصلاح العربي، وهي مجموعة من معاهد البحوث والسياسات العربية المستقلة، مع شركاء في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، بهدف تعزيز الإصلاح وإرساء الديمقراطية في العالم العربي، ورفع مستوى الوعي في العالم العربي حول الانتقال الناجح إلى الديمقراطية في أجزاء أخرى من العالم، والآليات والحلول التوفيقية التي جعلت هذه التحولات الناجحة ممكنة.

في العام 2007 عملت مستشارة في مجال التعاون الدولي في مجلس البحوث الوطني الفرنسي، وأستاذة مشاركة في جامعتي السوربون 1، وباريس مارن لافالي، وباحثة مركز الدراسات الدولية، وحتى العام 2011 كانت كبيرة مستشاري التعاون الدولي في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي.

حصلت على جائزة ريموند جورج في العام 2011 من أجل العمل الخيري المبتكر الذي أنشأه صندوق "جائزة تكريم المساهمات البارزة في العمل الخيري الأوروبي"، لدور مبادرة الإصلاح العربي في تعزيز الديمقراطية في سياق الربيع العربي.

ألفت الدكتورة بسمة قضماني العديد من الكتب والأوراق البحثية والأكاديمية والمقالات باللغتين الفرنسية والإنكليزي حول قضايا التحول الديمقراطي في العالم العربي، وحول الشتات الفلسطيني، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واستراتيجيات الدول العربية تجاه الحركات الإسلامية، والتغير السياسي في شمال أفريقيا، والأمن الإقليمي.

بعد العام 2011، لعبت الدكتورة قضماني دوراً بارزاً في المعارضة السياسية ضد نظام الأسد، وكتبت بانتظام مقالات في الصحف الأوروبي ترحب وتشجع الدول على دعم مطالب المتظاهرين بالديمقراطية في سوريا، وتدين قمع النظام للحراك السلمي للانتفاضة السورية، كما أسست مع مجموعة من الأكاديميين والسياسيين السابقين جمعية "مبادرة من أجل سورية جديدة"، التي تعنى بالعمل الإغاثي ودعم المجتمع المدني السوري.

مع إعلان تشكيل "المجلس الوطني السوري" في أيلول من العام 2011، شغلت الدكتورة بسمة قضماني منصب المتحدث الرسمي باسم المجلس، واستقالت منه في آب من العام 2012، وتشغل الآن عضواً في اللجنة الدستورية السورية.

حول تطورات الوضع السياسي السورية وقرب انعقاد الجولة المقبلة من اجتماعات "اللجنة الدستورية السورية" كان لنا مع الدكتورة بسمة قضماني الحوار الآتي:

 

لنبدأ مما حصل آخراً، تضمنت زيارتك الأخيرة إلى الشمال السوري عدة لقاءات وفعاليات، كما تحرص شخصيات عدة من المعارضة السورية على بقاء التواصل مع السوريين في الداخل، كيف يتم توظيف هذه اللقاءات ونقل أصوات من هم في الداخل إلى "أعمال اللجنة الدستورية"؟

التواصل مع الداخل السوري، خاصة في مناطق الشمال، هو أهم فرصة لنسمع من الناس هموهم وقلقهم مما سيكون مصيرهم، لأنهم يشعرون أنهم منسيون، لا أحد يفكر فيهم، فالقضية السورية لا تظهر في الإعلام الدولي، ويشعرون أن مصيرهم مجهول ومؤجل لأجل غير مسمى، والزيارة تعطي فرصة للتبادل وإيصال قراءتنا للمشهد الدولي واحتمال تفعيل الملف دولياً.

أما بالنسبة للجنة الدستورية فعملها بطيء جداً، لكن اجتماعاتها تعطي فرصة لنا أن نوصل إلى المجتمع الدولي بأكمله وليس لوفد النظام لأنني لا أعتقد أنه مهتم بسماع ما لدينا والاستفادة أو التفاعل فيما نقوله، لكن ما نقوله في قاعة الاجتماعات بوجود مستشارين دوليين للأمم المتحدة، هي رسالة شعب من كل مناطق سوريا مجمّع في مناطق الشمال السوري، وهي مناطق مكتظة وشروط الحياة فيها صعبة جداً، ولكن رغم ذلك ما لاحظته أن لدى هذا السوريين هناك واقعية ملفتة.

كل من كانوا يحضرون اللقاءات، وكل من تحاورت معهم، واقعية كاملة أن الحل يجب أن يكون حلاً توافقياً، حلاً قد لا يكون مثالي، أشعر أن الجميع ترك الشعارات جانباً وأصبح ينظر إلى ما يمكن أن يعيد اللحمة إلى المجتمع السوري، هذه الرغبة في التواصل، الرغبة في إعادة اللحمة، أعتقد أنها من الرسائل الأساسية التي سمعتها، وبكل تأكيد هذا ما يجب نقله وسيتم نقله إلى قاعة اجتماعات اللجنة الدستورية.

 

كيف ترين موقع حركات وتيارات الإسلام السياسي في مستقبل سوريا؟

أعتقد أن مستقبل التيار الإسلامي في سوريا في أن يشكّل حزباً سياسياً، ولكن لا شك أنه سيحتاج إلى الاندماج في عقد اجتماعي تُبنى عليه الحياة السياسية، ومبنيٌّ على الاعتراف بتنوع المجتمع السوري والحياة الديمقراطية بما في ذلك القانون المدني في كل قضايا المجتمع السوري.

وهذا يشكل تحدّياً بالنسبة للتيار الإسلامي، فهو في العشر سنوات الماضية انحدر إلى حدٍ ما نتيجة عدم قدرته على تقديم شيء بنّاء، وعدم نجاحه في التجربة المصرية، ارتباكه في الحكم في تونس، وهو اليوم متهم بأنه يتحمل مسؤولية الأزمة السياسية.

التيار الإسلامي في سوريا يحتاج إلى الاندماج في عقد اجتماعي تُبنى عليه الحياة السياسية، ومبنيٌّ على الاعتراف بتنوع المجتمع السوري والحياة الديمقراطية بما في ذلك القانون المدني في كل قضايا المجتمع السوري

وفي أثناء الثورة لم يوضح هذا التيار موقفه من الخطاب الطائفي، الذي أقلق مكونات المجتمع الأخرى غير السنية، وهذا له آثار بكل تأكيد، وبالنتيجة إذا كان هناك حزب سياسي يريد التيار الإسلامي المعتدل أن يشكّله، فحتى هذا التيار سيحتاج إلى خطاب غير إسلامي وتكوين ليس مبنياً على الدين، لأن المجتمع السوري بشكل واسع متوافق على ضرورة منع الأحزاب السياسية المبنية على الدين.

وهو من الممكن أن يتبنّى أي اسم غير ديني، ولكن سيكون دائماً في موقع التبرير، وبأنه لا يسعى دائماً إلى بناء مجتمع يهيمن عليه الطابع الإسلامي، فبقدر ما المجتمع السوري يتقبل الإسلام الاجتماعي بكل ظواهره بقدر ما يتوجس من تيار الإسلام السياسي، خاصة بعد عشر سنوات من النزاع والتي أظهرت عدم وجود أرض أو ظرف للتيار الإسلامي أن يحكم في سوريا دون مخاطر، بمعنى أن الموقف من التيار الإسلامي ليس بالضرورة أيديولوجي، وإنما اعتبار الواقع السوري وبناء عليه اعتبار هذا التيار لا يناسب المجتمع السوري.

هذا التيار قد يقوم ويصل إلى الحكم في دولة مجتمعها متجانس، مسلم سني بشكل كامل، وتونس ومصر من هذا النوع وربما المغرب، فلا يشكل مصدر تخوّف على تجانس المجتمع أو تعايش المجتمع في هذه البلدان، أما في سوريا فهو غير مؤاتٍ لمجتمع متنوع مثل المجتمع السوري.

 

هل دخلت اللجنة الدستورية السورية مرحلة التعطيل أم أن هناك آمالاً معقودة على الجولة المقبلة؟

اللجنة الدستورية لم تنجز أي شيء مع الأسف حتى الآن بعد سنة ونصف من إطلاق أعمالها في جنيف، ولا نستطيع أن نقول إنها دخلت مرحلة تعطيل، إنما هي لم تنطلق أصلاً، كما لا نستطيع أن نقول أن هناك آمالاً معقودة على الجولة المقبلة.

ما نراقبه الآن هو من أين سيتم تحريك الملف وتحريك هذا المسار، فهو لن يتقدم وحده ولن ينجز بوجود وفد يمثل نظام الأسد وهو واضح أن تعليماته بأن لا يخوض هذا النقاش ولا يدخل في تفاوض صادق وبنية أن لا ينجز شيء.

حتى الآن هذا ما نراه، فعملية التعطيل التي تأتي من وفد النظام لم تتغير إطلاقاً خلال كل هذه الفترة، لذلك ننتظر أن يتغير الموقف الدولي لكي يكون له انعكاس إيجابي على عمل اللجنة.

 

توقع وزير الخارجية الروسي أن تكون الجولة المقبلة "جدية ونوعية"، ما سر التفاؤل الروسي؟

سبق وسمعنا تصريحات روسية عديدة تقول بأنهم يتوقعون تطورات إيجابية وتعاوناً إيجابياً وتقدماً، أنا أعتقد أن روسيا في مأزق اليوم، وهي تدرس الوضع السوري اليوم، هل المسار يتشكل من دستور سوري جديد يفاوض عليه النظام والمعارضة، ثم الانتقال إلى الاستفتاء على هذا الدستور، إلى عملية انتقال سياسي مع هذا النظام.

نحن كمعارضة وكرأي عام سوري نشكك في أي نية لدى النظام بمشاركة أحد في الحكم أو القيام بأية إصلاحات

نحن كمعارضة وكرأي عام سوري، نشكك أصلاً في أي نية لدى النظام بمشاركة أحد في الحكم أو القيام بأية إصلاحات، وأنا أتساءل فعلاً ما إذا كانت روسيا تؤمن فعلاً بهذه العملية الدستورية التي أرادتها وفرضتها تقريباً على باقي الدول بالقول إن هذا المسار قد ينجز أو قد يكون فيه جدوى ما أكثر من المسارات الأخرى، ليكتشف الطرف الروسي إذا كان هناك اكتشاف فعلاً أنه ليس هناك نية للتعاون من قبل النظام، فهل روسيا مازالت مقتنعة بهذا المسار أم أنها تدرس احتمالات وسيناريوهات أخرى.

 

أعلن عن التوصل لاتفاق بعقد لقاء مباشر بين رئيسي وفدي المعارضة والنظام، ما الهدف، وما هي نقاط النقاش خلاله؟

الاتفاق بعقد لقاء مباشر بين الرئيسين المشتركين للجنة الدستورية لا يعتبر إنجازاً، وتقديمه من قبل الروس بأنه إنجاز غير مقنع أبداً، لأن ذلك موجود ضمن القواعد الإجرائية للجنة الدستورية، ومن المفترض أن تعقد هذه اللقاءات في كل جولة.

لكن حتى الآن رفض النظام أن يجتمع، فتطبيقه لا يجوز أن يتقدم على أنه تقدم أو تنازل من قبل النظام وهذا من حيث المبدأ، أما من حيث المضمون فأنا أخشى أن يكون الروس فعلاً يريدون إظهار هذا اللقاء على أنه الإنجاز دون التركيز على مضمونه، واستعداد النظام للقبول بجدول أعمال مجدٍ.

الروس يريدون إظهار هذا اللقاء على أنه الإنجاز، دون التركيز على مضمونه

أعتقد أن ما هو مطلوب فعلاً أن يوضع جدول أعمال بتحديد مخرجات نريد الوصول إليها في نهاية الجولة، وفي تلك اللحظة سيكون هناك تطور واعد، أما تلك المراوغات وتقديم شيء عادي على أنه تقدّم، فأنا أرى أن المجتمع الدولي تعب من تلك المراوغات، وأن الشعب السوري غير مقتنع أبداً ولن يعتبر أن اللجنة الدستورية أنجزت شيئا إذا لم يكن هناك مخرجات وتقدم بين جولة وأخرى.

 

أين تكمن عقد الاستعصاء السياسي لدى المعارضة السورية، وماذا تحتاج المعارضة لتكون أقرب إلى السوريين وتمثلهم بشكل حقيقي؟

تحتاج المعارضة السورية إلى الجلوس لفترة طويلة والتركيز على رسم السيناريو الذي يناسب سوريا، وذلك بعيداً عن أي تأثيرات لدول الجوار أو الأبعد منه، فما هو مطلوب اليوم أن يضع السوريون خطة لما يرونه في المرحلة الانتقالية، ولن أقول "رؤية"، لأننا أمام استحقاق سيفرض علينا نفسه، وهو أن هناك حالة انهيار للوضع حتى في دمشق.

ونظام الأسد لم يعد يسيطر حتى المناطق التي يحكمها، والتي يعتبر نفسه عسكرياً مسيطراً عليها، ولكنه لا يحكمها بشكل فعّال وغير قادر على أن يقدم أي شيء للشعب ولا في أي منطقة، لا موالية ولا معارضة، وبالتالي هذه إشارة هامة للمعارضة، وعليها أن تجلس وتضع خطة بكل أبعادها العملية، وماذا يتطلب الوضع السوري الأمني الاقتصادي الإنساني، وضع خطة بتسلسلها الزمني بعيداً عما ترغبه الدول.

الجلوس لمدة شهر، وعدم التوجه إلى الإعلام بأي كلام، وتجاوز التكوينات السياسية، التي هي إلى حد بعيد تكوينات وهمية من حيث تمثيلها للمجتمع السوري، فما يمكن أن تقدمه تلك المعارضة ليس بالادعاء بتمثيلها لأي منطقة أو فئة من المجتمع السوري، المطلوب أن تقدم شيئا ولا تمثل المجتمع.

اليوم الدور الذي يمكن أن تقوم به المعارضة في أن ينسى كل عضو من أعضاء هيئة التفاوض طموحاته السياسية وميوله ومصالحه، ليجلسوا ويتفقوا على ماهية الخطة بغض النظر عما تحيكه الدول لسوريا، لأن ما يحاك قد نستطيع مواجهته أو تعديله إذا كانت لدينا رؤية واضحة وخطة واضحة، أما إذا لم ننتج هذا التصور الواضح والعملي بخطة واضحة، فما يحاك لنا سيفرض علينا بكل بساطة، ولن يكون لدينا قدرة حتى على مناقشته.

يجب أن ينسى كل عضو من أعضاء هيئة التفاوض طموحاته السياسية وميوله ومصالحه، ليجلسوا ويتفقوا على ماهية الخطة بغض النظر عما تحيكه الدول لسوريا

فالمعارضة إن أنجزت تلك الخطة أو لنقل خارطة طريق تكون قد ساهمت في خط الخيار الوطني، ويمكنها القول وقتها للناس: هكذا يعود الأمان إلى سوريا، وهكذا تعود لقمة العيش ويعود المواطن إلى منطقته، هذا ما تتطلبه التحديات الأمنية والسياسية.

وكل هذه الاعتبارات أخفقت حتى الآن المعارضة في وضع تصور واقعي لها، وعندما أتحدث عن تصور واقعي لا أعني رؤية "هيئة التفاوض" التي صدرت قبل ما يقارب خمس سنوات، أقول الآن العمل على خطة واقعية مفصلية بكل خطواتها، وهذه هي الآلية التي تجمع المعارضة بتقديري لتكون لها بوصلة وطنية.

 

في لقاء جرى في مدينة غازي عنتاب التركية الأسبوع الماضي، تحدثتِ عن ضرورة وجود مجلس عسكري يتم تشكيله من قبل الأطراف المتصارعة، لكنه لا يكون بديلاً لهيئة الحكم الانتقالية، ما طبيعة هذا المجلس وكيف ستكون علاقته مع الجهات المدنية؟

من خلال مراقبتي لسلوك الدول تجاه سوريا، رأيت أنها بشكل أساسي قلقة من الوضع الأمني، ثم نحن عشنا شرخ أمني خطير في مجتمعنا تم تأجيجه من قبل النظام ثم من قبل تيار متطرف أمسك بمناطق كاملة وأطلق خطاباً شبيهاً بخطاب النظام، وهذا ما جعل المجتمع يخاف من المجهول ومن المستقبل.

ومما لا شك فيه أن سوريا مكان حرج أمنياً بالنسبة لكل جيرانه، وهذا موقعنا الاستراتيجي، وهذا مصيرنا لن نغير ذلك، كل الدول ترى ضرورة أن يكون الحل في سوريا ضامناً لأمن الدول المجاورة، ونحن معنيون بوضعنا الأمني والداخلي، ولكن إذا استطعنا وضع تصور عسكري وأمني، بشرط أن يضعه مختصون، نستطيع إعادة الأمن والاستقرار.

كل الدول ترى ضرورة أن يكون الحل في سوريا ضامناً لأمن الدول المجاورة، وإذا استطعنا وضع تصور عسكري وأمني، بشرط أن يضعه مختصون، نستطيع إعادة الأمن والاستقرار

لا أقول أن يحكم مجلس عسكري، وبكل تأكيد لا أحد يريد أن يحكم مجلس عسكري، ولن يكون مقبولاً بالنسبة للسوريين أو للخارج، وكل الدول العربية التي يهيمن فيها العسكر يبحثون اليوم عن صيغة يُقبلون فيها لدى المجتمع الدولي.

ولا أعتقد أن سوريا بعد كل تلك العقود سيكون من اللائق بها حكم عسكري، وبالتأكيد لا يستطيع الحكم السياسي الانتقالي أن يحكم دون ذراع أمنية، تضع التصور منذ الآن إلى كيفية ضبط الحالة الأمنية وإعادة الأمن والاستقرار لسوريا، فهناك عمل ضخم يتطلب أن يقوم به من يحمل السلاح، سلاح يستمد شرعيته من حكومة انتقالية، ويعمل ربما تحت مظلة كمظلة الأمم المتحدة، ويبني الأسس الصحيحة لأن يكون هناك استفتاء أو انتخابات أو أي شيء نريد القيام به في سوريا.

 

هل يرتبط ما تقوم به منظمات المجتمع المدني المتخصصة بتمكين دور المرأة في الحياة السياسية بما يحدث فعلاً على أرض الواقع في المجتمعات المحلية؟

منظمات المجتمع المدني التي تعنى بتمكين المرأة بكل تأكيد تعكس على أرض الواقع ما يحدث في المجتمعات المحلية، وهذا ما رأيته أثناء زيارتي للشمال، فجميع النساء اللواتي التقيتهن كن ناشطات في مراكز دعم المرأة وتمكينها، حتى في المناطق التي تعتبر جداً محافظة، ولم تكن تتقبل وجود المرأة في المجال العام.

وبكل تأكيد نساء سوريا تطورن خلال السنوات الماضية، ومع كل المآسي التي عشنها شكَّلن وعياً جيداً بأن دورهن محوري في المجتمع السوري، دورهن في الشأن العام مطلوب، وحقيقة قدرتهن على مناقشة الأفكار بواقعية مذهلة.

نساء سوريا تطورن خلال السنوات الماضية، ومع كل المآسي التي عشنها شكَّلن وعياً جيداً بأن دورهن محوري في المجتمع السوري

كما رأيت أثناء زيارتي يدل على أن النساء أصبحن شريكات في الحياة العامة في سوريا، نسميها الحياة العامة وليست الحياة السياسية، لأن ما يوجد الآن في سوريا فضاء عام من لقمة العيش إلى هموم الناس إلى رؤية للمستقبل، كل هذه الأمور مطروحة لدى نساء سوريا في الداخل وهن يناقشن ذلك بنضج.

 

كيف ترين الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا؟

هذه ليست انتخابات ومن المعيب تسميتها كذلك، قد يقوم بشار الأسد بعملية شكلية، وأعتقد أن لا أحد حتى من كل الموالين له سيصدق بأن انتخابات نزيهة جرت في سوريا، فهي عملية عبثية ولا يُبنى عليها، ولا أستطيع أن أتوقع أن يبني أحد عليها وخاصة روسيا.

فإذا كانت روسيا تعتقد أنه يمكن البناء على إعادة شرعية جديدة لبشار الأسد، عبر انتخابات في هذه الظروف، فلتتأكد أنها عملية عقيمة.

 

كيف ترين دعوات محاسبة مجرمي الحرب والمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا؟ وهل تحقق العدالة للضحايا؟

يتناقل الناس مصطلح العدالة الانتقالية كل يوم، ولذلك من الضروري أن يوضع برنامج متكامل ليفهم المواطن السوري ماهي المعايير والمسؤولية في ارتكاب الجرائم.

وأعتقد أنه حان الوقت لتطمين المجتمع بكامله أن المحاسبة قادمة لا محالة، وأنه لن يبقى أحد بدون عقاب، ولكن بنفس الوقت يجب تحديد من المسؤول عن الجرائم، ومن هو الأقل جرماً ومسؤولية.

لا يجوز الاستمرار بالحديث عن العدالة الانتقالية بالشعارات، ونحن كمعارضة يجب أن نضع تصوراً لها ثم الذهاب بها المفاوضات

لا يجوز الاستمرار بالحديث عن العدالة الانتقالية بالشعارات، فهي عملية معقدة جداً، ونحن كمعارضة يجب أن نضع تصوراً لها ثم الذهاب بها المفاوضات، ويجب أن تتوفر رؤية موحدة على شكل تلك العدالة، وربما تكون رؤية مثالية إلى حدٍ ما لكنها قد تطمئن الشعب بأننا نسعى إلى المحاسبة عبر القانون ومحاكمة المجرمين، ونسعى إلى تطبيق آليات أخرى في العدالة الانتقالية، كالتعويض وجبر الضرر وكشف الحقيقة ومسارات طويلة الأمد.

فالعدالة الانتقالية عملية طويلة، تستغرق عقوداً وليس سنوات، وهذا واضح من تجارب دول أخرى، لكن اذا استطعنا أن نضع رسالتنا إلى الشعب بأن العدالة الانتقالية هي جزء لا يتجزأ من الانتقال إلى سوريا جديدة يعيش فيها المواطن بأمان وتوافق مع باقي المكونات، فهذا التوافق لابد أن يبنى على شيء حقيقي وليس بالتغاضي عما جرى.

 

هل ترين انفراجاً من أي نوع في قضية المعتقلين والمغيبين قسرياً؟

مع الأسف الشديد أنا لا أرى حالياً أملاً في أن تنفرج قضية المعتقلين والمغيبين قسرياً، فالنظام لن يفصح عن الواقع وعن مستوى الإجرام الذي وصل إليه في السجون والمعتقلات.

البعض يقول إن قضيتهم لن يتم التقدم فيها ولن تحل إلا مع الحل الشامل، ولكن محاولات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والهيئات الدولية المعنية بملف المعتقلين والمغيبين مستمرة في الحديث عنهم، ومحاولة الوصول إلى الافراج عن بعض المعتقلين من نساء وأطفال أولاً ثم فئات أخرى.

إذا دخلنا عملية سياسية يجب أن يكون هذا الملف بدايتها لأسباب عديدة، فالانتظار قد طال، والعائلات يجب أن تعرف مصير المعتقلين من ذويها، ولأن المعتقلين أيضاً هم فئة واسعة من السوريين، وخلال كل الصراعات في العالم كان للمعتقلين دور في العملية السياسية، وهؤلاء في سوريا دفعوا ثمناً يجعل العملية السياسية بتقديري تتأثر بمناخ إيجابي وواقع لا يمكن تجاهله، فيجب علينا استبعاد الشعارات والدخول بالتفاوض مباشرة، لأن كل معتقل بالنسبة للمفاوض يمثّل المأساة وهذا يساعد في إبداء المرونة والتعامل الواقعي مع الأمور.