icon
التغطية الحية

بثلاثة أساليب.. نظام الأسد يستولي على عقارات الغوطة الشرقية

2021.09.26 | 06:37 دمشق

ac81134d-3032-4fe7-a0e5-922bde19c84c.jpg
حاجز لقوات نظام الأسد في مدينة دوما بالغوطة الشرقية - رويترز
إسطنبول - هاني العبد الله
+A
حجم الخط
-A

ثلاثة أعوام ونصف مضت على سيطرة نظام الأسد على الغوطة الشرقية، بعد اتفاقٍ أفضى إلى تهجير نصف السكان في نيسان من العام 2018، ليبدأ النظام منذ ذلك الحين سياسته في الاستيلاء على أملاك المهجّرين، أو حتى طرد بعض السكان من بيوتهم، ممن رفضوا التهجير وبقوا في الغوطة، عبر اتباع عدة أساليب لجأ في بعضها إلى مظلة القانون.

 

بدأت عمليات استيلاء نظام الأسد على عقارات الغوطة الشرقية منذ سيطرته على كامل المنطقة، حيث خرق اتفاق التسوية الذي كان ينص على دخول القوات الروسية فقط إلى الغوطة، وسارعت ميليشيات الأسد إلى تعفيش بيوت المهجّرين في البداية، ثم الاستيلاء عليها لاحقاً.

وكشفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرٍ لها في شباط الماضي، أن "نظام الأسد لجأ إلى محاربة معارضيه عبر الاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم كنوعٍ من العقاب الممتد لهم ولعوائلهم، وفي الوقت ذاته تحقيق مكاسب مادية وإعادة توزيعها على الأجهزة الأمنية والميليشيات المحلية، كنوعٍ من المكافأة بدلاً عن الدفع النقدي".

 

الفروع الأمنية تستولي تعسفياً على العقارات

انتهج النظام عدة طرقٍ وأساليب للاستيلاء على عقارات سكان الغوطة، والتي طالت المنازل والأراضي الزراعية والمحال التجارية، وكانت أولى تلك الطرق المستخدمة تتمثل في وضع اليد على عقارات أشخاص مطلوبين أو موجودين خارج الغوطة والاستيلاء عليها.

وأشرف على تلك العمليات ميليشيات النظام والفروع الأمنية، والتي استولت على أغلب منازل المطلوبين والمهجّرين إلى الشمال السوري.

أبو لؤي من مهجري بلدة عين ترما، فقد منزله بعد أن أخبره أحد أقربائه الذين بقوا في البلدة، أن ضابطاً من "الحرس الجمهوري" استولى على منزله، وأسكن عائلته فيه.

يقول أبو لؤي لموقع تلفزيون سوريا "لا أستطيع العودة لاسترجاع منزلي خوفاً من الاعتقال كما حصل مع بعض أقربائي، وحتى لو قررت العودة وأجريت تسوية، لن أستطيع إخراج الضابط من المنزل، فمجرد المطالبة بذلك قد يكون مصيري التصفية أو الاعتقال".

وتتواصل حملات الاستيلاء على المنازل من قبل الفروع الأمنية بشكلٍ مستمر، ففي شهر آب من العام الماضي، قامت دوريات تابعة "للحرس الجمهوري"، بحملةٍ كبيرة على بلدتي عين ترما وزملكا، حيث أعطت أمر إخلاء نحو 30 عائلة تقيم في منازل تعود ملكيتها لأشخاصٍ ينتمون لفصائل المعارضة، كما زادت وتيرة حملات الاستيلاء في كانون الأول الماضي.

وقال الناشط الإعلامي معتز سليمان من مهجري عربين إن "عمليات الاستيلاء على العقارات من قبل الشبيحة وميليشيات النظام تطول جميع بلدات الغوطة، لكن تزداد وتيرتها في زملكا وعين ترما وحرستا وجوبر والقابون، كونها قريبة من العاصمة دمشق ولا سيما من جهة المتحلق الجنوبي، إضافةً إلى أن أغلب سكانها خرجوا منها بسبب الدمار الكبير الذي طال تلك البلدات".

 

الأشخاص المطلوبون يخسرون أملاكهم

الطريقة الثانية في سلب أملاك أهالي الغوطة، تندرج تحت إطار الاستملاك وتجميد العقار، حيث تصدر وزارة مالية النظام قراراً بناءً على تقارير مرفوعة من الفروع الأمنية بحق أشخاص مطلوبين، تمنع بموجبه صاحب العقار من بيعه أو تأجيره أو توريثه لأبنائه، لأن لديه أشخاصا مطلوبين.

وبدأ العمل بهذه الطريقة بعد عام من بداية الثورة السورية، حيث عدّل النظام حينذاك قوانين مكافحة الإرهاب، وأصدر مرسوماً يمنح المحاكم سلطة إصدار أوامر مصادرة أملاك خاصة لأسبابٍ أمنية.

وتتيح هذه الإجراءات تجميد الأصول المنقولة وغير المنقولة، وهو ما يمنع أصحابها من بيعها أو استخدامها لأغراضٍ تجارية، وفي حال تنفيذ هذه الأحكام، تُعرض هذه الأصول للبيع في المزاد العلني.

يقول صلاح من سكان دوما "كنت من أوائل المشاركين بالحراك السلمي وتعرضت للاعتقال أكثر من مرة، ورغم ذلك داومت العمل لصالح الثورة خلال خمس سنوات، وعقب اتفاق التهجير في 2018 خرجت إلى إدلب، لكن أبي بقي ضمن دوما، كونه تقدّم في العمر وغير قادر على السفر".

يضيف صلاح لموقع تلفزيون سوريا "توفي والدي قبل أربعة أشهر، لذا قررنا البدء بإجراءات تقسيم الإرث، حيث كان يملك والدي أرضاً زراعية مساحتها 100 دونم ومنزلاً من طابقين، لكن تفاجأنا أنه تم الحجز على جميع أموال العائلة، كوني كنت من المطلوبين لدى الأسد، وبذلك ضاع حقنا وفقدنا كل أملاك والدي التي ذهبت لصالح الدولة".

وفي هذا السياق قال رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل إنه "في حال الحجز على أملاك الشخص المورّث كالأب مثلاً، بسبب وجود شخص مطلوب من أبنائه، يمكن لباقي الورثة رفع (دعوى إزالة شيوع) على العقارات التي وُضعت إشارة حجز عليها من قبل وزارة المالية".

وأضاف قرنفل لموقع تلفزيون سوريا، أن "الورثة عليهم أن يخاصموا في الدعوى أخاهم المطلوب، إلى جانب مخاصمة وزارة المالية باعتبارها خلفاً عن الطرف المحجوز على أملاكه (الأخ)، وهكذا يتم بيع تلك العقارات في المزاد العلني، وفي هذه الحالة يمكن لكل ابن من الورثة أن يحصل على حصته، في حين تذهب حصة الشخص المطلوب لصالح الخزينة العامة في الدولة".

عمليات الاستيلاء طالت أيضاً أملاك المطلوبين للخدمة العسكرية، ففي شباط الماضي أعلن رئيس "فرع البدل والإعفاء" إلياس بيطار، أن مديرية التجنيد العامة ستصادر أموال وممتلكات كل من يبلغ سن 42 عاماً سواء كان داخل سوريا أو خارجها، ولم يؤّدِ الخدمة العسكرية أو يدفع بدل فواتها (8 آلاف دولار)، مضيفاً أنه "من ليس لديه أملاك أو عقارات فسيُنفذ الحجز الاحتياطي على أملاك أهله وذويه".

ويرى غزوان قرنفل أن "هذا القانون يُطبق فقط على من تجاوز 42 سنة، ولم يعد من الممكن له أن يؤدي الخدمة العسكرية، وذلك بحسب قانون خدمة العلم وتعديلاته، أما من هو في سن أداء الخدمة وتهرّب منها، فلا تُحجز أمواله أصلاً، لأنه ما يزال متاحاً له تأدية الخدمة الإلزامية أو دفع البدل النقدي عنها".

 

"القانون رقم 10" بوابة الأسد لشرعنة سرقة العقارات

الطريقة الثالثة التي اتبعها النظام للاستيلاء على عقارات سكان الغوطة، كما كان الحال مع باقي مناطق النظام، كانت هي الطريقة الأكثر استخداماً، عبر الاعتماد على القانون رقم 10 الصادر في 2018، والقانون 66 الصادر في 2012.

وينص القانونان على "إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية"، ويُلزم مالكي العقارات بتقديم ما يثبت ملكيتهم في غضون سنة، وإلا فإنهم سيخسرون ملكية هذه العقارات وتصادرها الدولة.

وتزامن القانونان المذكوران حينئذ مع تهجير النظام آلاف السوريين من مدن وبلدات الغوطة الشرقية، ولذا استثمر الأسد غياب السكان وعدم قدرتهم على العودة لإثبات ملكيتهم للعقارات واستحوذ على أملاكهم.

وقال المحامي غزوان قرنفل: إن "القانون رقم 10 يهدف إلى خلق البيئة القانونية المناسبة التي تُنزع فيها ملكية الناس العقارية بوسائل وأدوات قانونية وتمليكها لأشخاص آخرين، أي هو بمنزلة شرعنة سرقة الممتلكات العقارية ولا سيما للأشخاص المعارضين للأسد، وبالوقت نفسه هو وسيلة لترسيخ التغيير الديمغرافي، ولا سيما أنه يستهدف بالدرجة الأولى المناطق التي تم تهجير أهلها منها كالغوطة الشرقية".

وعن السبل التي يمكن اتباعها للتصدي لهذا القانون، قال قرنفل إنه "ليس هناك أي وسائل لمواجهة ذلك القانون، سوى التعويل على حل سياسي لإنهاء نظام الأسد، وأي حل سياسي يجب أن يتضمن وجوب مراجعة كل التعليمات والقوانين والمراسيم التي صدرت عن النظام منذ 2011 وما بعد".
 


من يقف وراء عمليات الاستيلاء؟

في مطلع العام الحالي أشارت تقارير حقوقية إلى أن عمليات شراء العقارات في الغوطة تصاعدت بشكلٍ كبير، وذلك من قبل أشخاص يعملون لدى تجار من ريف الميادين شرقي دير الزور، وهم يتبعون لميليشيا "لواء العباس" الموالية لإيران، وأبرز هؤلاء التجار شخص يُدعى (أبو ياسر البكاري) من عشيرة البكارة.

وأوضحت التقارير أن ميليشيا "لواء العباس" تشتري العقارات بما فيها المنازل وتبقيها مغلقة بعد شرائها، وأن أكثر من 300 عقار تم شراؤها خلال فترة قصيرة، وتتراوح أسعارها ما بين 25 مليوناً و 125 مليون ليرة سورية، وهو ما أثار حالة تخوف لدى سكان المنطقة، حول الهدف من شراء ذلك الكم الهائل من العقارات ضمن مدنهم وبلداتهم.

كذلك أفادت شبكة "صوت العاصمة"، أن فرع "الأمن العسكري" يشارك في عمليات الاستيلاء على العقارات في الغوطة الشرقية، حيث تقوم دوريات تابعة للفرع "227" المعروف باسم "فرع المنطقة"، بالاستيلاء على المنازل وفق قائمة لديها، تتضمن أسماء أشخاص صدر بحقهم قرار "الحجز الاحتياطي" على جميع ممتلكاتهم، منهم من هُجر إلى الشمال السوري أو في دول اللجوء، ومنهم من هو موجود في سجون الأسد.

وأضافت الشبكة أن الدوريات خطّت عبارة "مصادر لصالح 227" على جدران المنازل المستهدفة، لا سيما في بلدات عين ترما وحزة وكفربطنا وحمورية، ووجّهت تعليماتٍ إلى قاطني المنازل بإخلائها خلال مدة أقصاها أسبوع فقط، مشيرةً إلى أن عدداً من المنازل المستملكة حديثاً، تعرضت لدمارٍ جزئي خلال المعارك التي دارت في المنطقة، وأجرى أقرباء المالكين عمليات ترميم للمنازل لتجهيزها للسكن أو الإيجار.

يقول الناشط الإعلامي معتز سليمان إن "المخابرات الجوية والحرس الجمهوري، ساهمت في الاستيلاء على عقارات سكان الغوطة الشرقية، حيث يقود تلك الحملة عناصر وضباط من أبناء الساحل السوري".

وأضاف سليمان أن "مخابرات النظام حوّلت بعض العقارات إلى مقار أمنية، كما حصل في المنازل الموجودة في محيط مسجد الهدى في عين ترما، ومسجد الحسن في زملكا، في حين سلّموا بعض المنازل لعائلاتهم، علماً أن بعض الضباط هدّدوا الأهالي بالاعتقال في حال الاقتراب من المنازل المُصادرة".

 

مكاسب من المخطط التنظيمي في القابون

في وقت سابق من أيلول الجاري، أعلن "مجلس محافظة دمشق"، بشكلٍ رسمي، عن المخطط التنظيمي لحي جوبر بدمشق والمناطق المحيطة (القابون وعربين وعين ترما ومسجد الأقصاب)، والذي يتضمّن تعديل الصفة العمرانية للمناطق العقارية من "حماية وزراعة داخلية وتوسع سكني" إلى "مناطق قيد التنظيم".

وقالت وكالة أنباء النظام "سانا"، نقلاً عن مدير التنظيم والتخطيط العمراني في المحافظة حسن طرابلسي، إن المناطق الداخلة بالتنظيم هي ضمن الحدود الإدارية لمدينة دمشق، وتبلغ مساحة المنطقة التنظيمية 2000 دونماً، وتمتد من مدخل حرستا حتى البانورما.

وكان نظام الأسد أصدر عام 2012 المرسوم رقم 66 "لتطوير مناطق المخالفات والعشوائيات في دمشق"، وهي المناطق التي تضم عقارات غير مرخصة لكنها حاصلة على الخدمات الرئيسية، بمعنى أنها مناطق مُعترف بها.

ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي يونس الكريم، أن المخطط التنظيمي في جوبر والقابون يحقق مكاسب عديدة للنظام، فهو واجهة لإكمال مشروع إعادة إعمار دمشق، خاصةً في ظل مساحة القابون الواسعة وموقعه، الذي يطل على الطريق الدولي دمشق - حلب، وكونه بوابة نحو المدن السورية الأخرى، ويربط دوما وحرستا، وقريب من برزة التي تعتبر البوابة الشمالية للعاصمة، إضافةً إلى إطلالة القابون على مساحات زراعية خضراء في منطقة العدوي".

وأضاف الكريم "كل تلك المميزات السابقة تساعد على جلب المستثمرين في المخطط التنظيمي، وهو ما يدر أموالاً كثيرة على خزينة النظام، وبالوقت نفسه سيكون المخطط التنظيمي فرصةً للأسد لتعويم نفسه والترويج أمام الموالين أن الحياة تعود لطبيعتها والقادم أفضل، وعجلة الإعمار بدأت بالدوران".

بدوره أفاد المحامي غزوان قرنفل أن "موضوع إحداث مناطق تنظيمية، هو بمنزلة إعادة تنظيم مناطق منظمة أصلاً، فالعقارات عندما يكون لها قيود ضمن السجل العقاري، هي غالباً تكون ضمن المخطط التنظيمي، أي أن أملاك السكان ثابتة ومدونة، وليس هناك سبب لإعادة تنظيم منطقة هي في الأصل ضمن المخطط التنظيمي".

يشار إلى أن "مجلس محافظة دمشق" أصدر مطلع العام الجاري تعميماً أبلغ فيه نحو 750 صاحب منشأة صناعية في القابون، بضرورة نقل منشآتهم إلى خارج العاصمة، وقالت المحافظة حينذاك إنّها ستهدم المنطقة الصناعية في القابون بهدف إقامة مركز تجاري وسكني.