انتفاضة القدس كمخرج طوارئ فلسطيني

2021.04.28 | 06:40 دمشق

20210426_2_48003756_64592556.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ بداية شهر رمضان اعتدت الشرطة الإسرائيلية مرارا على المصلين وسط القدس بالهراوات وإلقاء قنابل الصوت باتجاههم خاصة في منطقتي باب العمود وباب الساهرة وذلك عقب أدائهم لصلاتي العشاء والتراويح.

أدت تلك الاعتداءات الإسرائيلية على المصلين إلى توتر الأوضاع خاصة في منطقتي باب الساهرة وباب العامود وامتدت المواجهات لتشمل مناطق أخرى في مدينة القدس، خاصة بلدة سلوان والطور المحاذيتين لمدينة القدس.

شهدت تبعا لذلك مناطق عديدة في القدس الشرقية مواجهات مستمرة بين قوات الاحتلال الإسرائيلية وشباب فلسطينيين قادت هذه الأحداث وغيرها من محاولات منع الاحتلال الإسرائيلي المصلين من الوصول إلى القدس.

لطالما كانت القدس هي الصاعق الذي يفجر الغضب الشعبي الفلسطيني منذ عام ١٩١٩ حتى الآن

كذلك عمليات التهويد المستمرة في مدينة القدس، ومحاولة السياسات الإسرائيلية إلغاء هويتها وطابعها الإسلامي، كذلك التغول الاستيطاني في حي الشيخ جراح وغيره من أحياء المدينة، قاد ذلك كله لانطلاق شرارة انتفاضة القدس التي فجرها شباب وشابات القدس في ساحات المدينة خلال شهر رمضان.

لطالما كانت القدس هي الصاعق الذي يفجر الغضب الشعبي الفلسطيني منذ عام ١٩١٩ حتى الآن، فهبة النفق في القدس أدت إلى انتفاضة عارمة، كذلك كان السبب المباشر لتفجير الانتفاضة الثانية زيارة أرييل شارون للمسجد الأقصى، وانفجرت العديد من الهبات الجماهيرية لإزالة البوابات الإلكترونية والكاميرات وتحدياً للتقسيم المكاني والزماني في القدس.

أتت تلك الأحداث في وسط مشهد مخيبٍ للآمال من تخبط القيادات الفلسطينية، واتفاقات التطبيع العربية الإسرائيلية المتتالية، كذلك في سياق الحديث عن احتمالية تأجيل الانتخابات الفلسطينية المقرر عقدها خلال مايو/أيار الشهر المقبل، كذلك ضمن سياق الحديث عن منع دولة الاحتلال من إمكانية إجراء انتخابات لأهالي القدس وبذلك تسعى دولة الاحتلال تبعاً لذلك القرار لإحالة القدس لقضايا الوضع النهائي كقضايا اللاجئين وحق العودة والمستوطنات والحدود.

أتت انتفاضة القدس كهبة شعبية جماهيرية بمبادرة شعبية فكانت امتداداً للانتفاضات الفلسطينية التي كان أولها عام ١٩٨٧ وامتدت إلى عام ١٩٩٣، قدم الشباب والشابات المرابطون والمرابطات في القدس دروساً ومخارج كثيرة للقادة الفلسطينيين وعلى مستوى المقاومة الشعبية حين رضخ الاحتلال لمطالب الشباب المنتفض وأعلن في ٢٥ من أبريل/ نيسان عن انسحابه من ساحات باب العمود فأزال الشباب الفلسطينيون كل السواتر الحديدية التي نشرها الاحتلال في محيط المنطقة.

تمثل تلك الانتفاضة إعادة لتموضع القضية الفلسطينية كذلك قضية تهويد مدينة القدس ومحاولات تغيير هويتها العربية والإسلامية إلى الواجهة بقوة، فكانت بمنزلة الهزة التي أعادت البوصلة الوطنية إلى مسارها الصحيح بعد انشغال القيادات الفلسطينية باحتفالية الانتخابات ووهم السلطة تحت مظلة سلطة أوسلو، أتت كلمة أهالي القدس لتوحد وترفع سقف المطالب الوطنية الفلسطينية وتقدم خياراً متكاملاً لأطراف صناعة وهم الانتخابات أو حل الدولتين أو غيرها من الأوهام التي جرتها اتفاقية أوسلو على الطرف الفلسطيني، وتمثل ذلك الخيار بالمقاومة الشعبية التي سطر تفاصيل نجاحها ونجاعتها أهالي القدس ومن ساندهم في انتفاضتهم من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لعام ١٩٤٨.

المشهد العربي برمته كان بحاجة لتلك الهزة وتلك الانتفاضة التي خاضها أهالي القدس تحدياً لسياسات الاحتلال فارضاً رؤيته وسلطته على ساحاته وبوابات المدينة وقد تحدى محاولات الاحتلال رسم حدود للوجود الفلسطيني العربي الإسلامي في القدس منذ أن أعطى ترامب الضوء الأخضر بنقل سفارة الولايات المتحدة لمدينة القدس وتبعه في ذلك دول أخرى.

لقد حاصرت انتفاضة القدس تلك الأنظمة المتواطئة مع الاحتلال بأسئلة الجماهير التي وحدتها تلك الانتفاضة

إن انتفاضة أهالي القدس العزل في وجه الاحتلال تعيد هوية مدينة القدس العربية والإسلامية للواجهة، بالذات بعد حلف التطبيع العربي الإسرائيلي، وتحاصر الأنظمة العربية التي تحالفت مع دولة الاحتلال بعد بدأها التطبيع معها بسؤال الهوية، فكيف لتلك الدول أن تساند مجهودات الاستيطان وتهويد مدينة عربية إسلامية؟ وكيف تسخر إمكانياتها لدعم المستوطنين وتثبيت روايتهم وتوغلهم على الأرض العربية الفلسطينية المحتلة؟ وكيف تكون أموال النفط العربي مكرسة لحراسة استمرار دولة الصهاينة وميسر لمهامها في المنطقة بأسرها أمام تلك الهبة الشعبية المقدسية التي تعيد النصاب للأشياء وتقدم مخرج طوارئ لكل من يركض وراء أوهام الانتخابات والسلطة، يكون المطلوب من الكل الفلسطيني أن يقدم الدعم السياسي والاقتصادي لأهالي القدس من أجل تعزيز صمودهم ومقاومتهم ومواجهتهم للخطط التهويدية للمدينة ومحاولات تغيير هويتها الزمانية والمكانية.