icon
التغطية الحية

(الهايكو) في الشعر العربي.. هل هو تقليد أم تجديد؟

2021.11.04 | 14:43 دمشق

alhaykw-_tlfzywn_swrya.png
محمد أسد الخليل
+A
حجم الخط
-A

(الهايكو) اليابانيّ نوع من الشعر اليابانيّ، يعبر فيه الشاعر عن مشاعر جياشة وأحاسيس عميقة بألفاظ قليلة بسيطة، من بيت واحد مكوّن من سبعة عشر مقطعاً صوتيّاً (باليابانيّة) تُكتب عادة بثلاثة أسطر (خمسة، سبعة، خمسة).

في إحدى ليالي عام 1694 بينما كان معلّم الهايكو الأوّل الشاعر اليابانيّ (ماتسوو باشو 1644ـ 1694) يلفظ أنفاسه الأخيرة وحده في حلكة الليل شارفت روحه على إطلاق شهقة موت أخيرة، فأخذ ورقة سقطت لتوّها من شجرة وكتب عليها:

مريض وقت ترحالي/ وأحلامي تتجوّل طافيّة / في الحقول الذابلة"(1)

ويقول أيضاً:

"على جانب الطريق/ أزهرت نبتة/ قضمها الثور".

وقد أصبح الشاعر باشو ملهماً ومعلّماً للعديد من الشعراء اليابانيّين الذين ساروا على نهجه في جعل الطبيعة وفصولها وجمالها وعناصرها مصدراً وملهماً لكتبة شعر الهايكو.

فالقارئ لشعر الهايكو اليابانيّ يدرك وبوضوح تأثّر هؤلاء الشعراء بالطبيعة وبفصولها؛ فلا يكاد يخلو هايكو من ذكر للطبيعة وعناصرها وجمالها.

يقول الشاعر (شيكي):

"وبل في الصيف/ المطر يهطل / على رؤوس أسماك الشبّوط".

وكتب الشاعر (بوسون):

"أصبع البنّاء/ المجروح/ وزهور الآزاليا الحمراء".

وفي هايكو آخر، كتب الشاعر (أونيتسورا):

"تغوص روحي في الماء/ ثمّ تطفو/ مع طائر الغاق".

إنّ المتذوّق لهذا النوع من الشعر، يدرك أنّه أمام لغة شعريّة تقوم على عدّة خصائص/ سمات فنيّة متعارف عليها عند شعراء الهايكو التي يأتي في مقدّمتها الإيجاز وبساطة الألفاظ ووضوح المعاني التي غالباً ما تتجه إلى السهل الممتنع وصياغة المعاني في تراكيب تتخذ من الخيال والإيحاءات وتكثيف اللغة أسساً لكتابة هذا النوع من الشعر.

وعلى هذا فإنّ الهايكو يعتبر رمزاً للثقافة اليابانيّة وروحها، وبه يُعبّر عن الطبيعة وما يدور في حياة اليابان العقليّة والروحيّة متجاوباً مع عقيدة اليابانيّين القائمة على التأمّل والاستغراق في التفكير للوصول إلى حالة من اليقظة والاستنارة.

عالميّة (الهايكو)

 ولأنّ الشعر كغيره من الفنون الأدبيّة والعلوم المختلفة التي لا يمكن أن تبقى حبيسة البيئة والجغرافيا، ولأنّ الأدب والثقافة لا يعترفان بالحدود كان لابدّ لهذا النوع من الشعر -الهايكو- أن ينتشر ويتلاقح مع أنواع الشعر المختلفة على مستوى ثقافات الشعوب الأخرى؛ فها هو الشاعر الأميركيّ جيمس هاكيت(1929ـ2015) قد تأثّر بالهايكو وكتب مجموعة من القصائد تحت عنوان "ما الذي ليس حلماً". ولشدّة إعجابه وبراعته في كتابة هذا النوع من الشعر فقد أُعلن بعد وفاته عن جائزة باسم "جائزة جيمس هاكيت" الدوليّة السنويّة للهايكو.

ويعدّ كتاب "طريقة الهايكو" الذي صدر سنة 1969 في طليعة وأهمّ مؤلّفاته التي ضمّت عدداً كبيراً من قصائد الهايكو التي أظهر فيها إحساسه العالي وتكثيفه الرائع للغة والمشاعر، فيقول في إحدى قصائده التي ترجمها أسامة إسبر:

"أشجار الكينا/ بكثافة اخضرارها تهمس/ عطر الصيف".

ويقول في هايكو آخر:

"يتوقّف التفكير الآن/ يمنح الذهن الانتباه للعين/ عالم الخريف".

(الهايكو) والشعر العربيّ

ظهرت أنواع جديدة وحديثة للقصيدة الشعريّة العربيّة لتناسب روح العصر، فجاءت متطابقة تماماً مع قصيدة الهايكو، ولكن أُطلق عليها تسميات مختلفة مثل: التوقيعة الشعريّةـ الومضةـ الشذرةـ اللقطةـ القصيدة القصيرةـ القصيدة القصيرة جدّاًـ الأنقوشةـ البرقيّةـ التلكس. اللافتة..

التوقيعة أو الومضة الشعريّة، كانت التسمية الأكثر رواجاً في أوساط الأدب، وهي كما عرّفها أحدهم: لحظة أو مشهد أو موقف أو إحساس شعريّ خاطف يمرّ في المخيّلة أو الذهن يصوغه الشاعر بألفاظ قليلة جدّاً لكنّها محمّلة بدلالات كثيرة، وتكون الصياغة مضغوطة إلى حدّ الانفجار.

وفي الواقع، فإنّ شعر الهايكو "تعدّى حدود الجغرافية اليابانيّة لتهبّ رياحه حاملة معها حبوب الطلع، فوجد له مساحة واسعة في الذائقة العربيّة والغربيّة على حدّ سواء، فقصيدة الهايكو بفلسفتها العميقة وكثافتها المتوهّجة غيّرت أفق توقّع المتلقّي العربيّ والعالميّ، مجسّدة ومضة سريعة في استنطاق الطبيعة"(2)

وبرزت أولى المحاولات للهايكو العربيّ في ستينيات القرن الماضي، "بدءاً بتوقيعات الشاعر الفلسطينيّ عزّ الدين المناصرة الذي يعدّ رائداً لقصيدة الهايكو، فقد بدأ بكتابتها منذ عام 1964 وكذلك برقيّات الشاعر السوريّ نزار قبّانيّ وتأمّلات الشاعر وعالم الاجتماع المغربيّ عبد الكبير الخطيبيّ"(3)

كما يعدّ الشاعر المغربيّ سامح درويش من روّاد شعر الهايكو العربيّ والذي مثّل العالم العربيّ في ندوة طوكيو حول شعر الهايكو إلى جانب الشاعر والمترجم العراقيّ المقيم في إنجلترا عبد الكريم كاصد.

ففي منتصف أيلول 2019 استضافت جمعيّة هايكو العالم ـ مقرّها طوكيوـ بقيادة الشاعر اليابانيّ بانيا ناتسويشي نحو خمسين من شعراء الهايكو من بلدان العالم، ضمن "ندوة هايكو العالم" التي تُنظّم كلّ سنتين، وأقرّ المشاركون في التظاهرة اختيار المغرب لاحتضان الدورة القادمة لندوة الهايكو العالميّة سنة 2021.

ويقول سامح درويش إنّ الهايكو اليوم لم يعد يابانيّاً، فقد أصبح لوناً شعريّاً عالميّاً، وقد عرّفه وعبّر عن إعجابه به من خلال ما كتب عنه:

"أن تكتب كطفل / بخبرة شيخ / هو الهايكو".

ويرأس درويش أوّل نادٍ عربيّ للهايكو والذي تمّ إشهاره مطلع عام 2019 في الدار البيضاء تحت اسم "نادي هايكوموروكو"

الهايكو السوريّ

يرى محمّد عضيمة، وهو رائد الهايكو السوريّ إن صحّ الوصف، أنّ الخوض في ميدان هذ النوع من الشعر ليس سهلاً كما يتصوّر البعض، وإنّما يحتاج إلى ملكة لغويّة لا تتوفّر لدى كثيرين.

ومحمّد عضيمة شاعر ومترجم وناقد سوريّ من مواليد ريف مدينة جبلة على الساحل السوريّ عام 1958، وحاصل على شهادة في اللغة العربيّة من جامعة دمشق. اتّسع ولعه باللغة العربية ليشمل فنونها الكبرى في الشعر والنقد والترجمة، فشدّ الرحال إلى فرنسا وحصل فيها على الدكتوراه، ليتنقل بعدها بين باريس والجزائر.

وفي عام 1990، توجّه عضيمة إلى اليابان وعمل أستاذاً للغة العربيّة في جامعة طوكيو للدراسات الأجنبيّة، فانتهى به المقام هناك واستقرّ بها.

وبحكم استقراره في اليابان، فمن الطبيعيّ أن يتأثّر بآدابها وفنونها الثقافيّة ومن بينها شعر الهايكو. فألّف العديد من الكتب والدواوين في هذا النوع من الشعر، نذكر منها على سبيل المثال كتابه "غابة المرايا اليابانيّة" و"يدٌ مليئة بالأصابع".

كما ترجم العديد من أشعار الهايكو وضمّنها كتابه "مختارات من كتاب الهايكو اليابانيّ".

ومن بعض ترجماته:

يبدو أنّه ثقيل/ ومع ذلك يطفو/ الطائر المائيّ.    (أوايجيما )

يا لماء النبع الرقراق/ كيف يبرّد/ إزميل الحجّار (يوساـ بوسون)

داخل جرّة الماء/ سقطت فأرة/ هذه الليلة الباردة. ( تان تايفي)

يقول عضيمة معبّراً عن رأيه ونظرته لشعر الهايكو: "يبدو لي أنّ الهايكو على صعيد اللغة العربيّة يشكّل إغراءً للكتابة فقط لأنّه نصّ تعبيريّ قصير يوهم من حيث الظاهر أنّه لا يحتاج إلى أيّة براعة لغويّة"(4)

انتشر هذا النمط من الشعر في أوساط المثّقّفين السوريّين والشعراء، ولا سيما الشباب منهم، فأقاموا الأمسيات والندوات حول هذا الشكل الشعري الجديد، وتمّ إنشاء نوادٍ وجمعيّات وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعيّ تعنى بنشر نتاجات هؤلاء الشعراء.

وقد نشرت مجّلة رسائل الشعر عدّة قصائد لشعراء سوريّين برعوا في كتابته، منهم: غدير حنّا ـ علي ديّوب ـ أحمد قسيم الرفاعيّ ـ باسم القاسم ـ قاسم أحمد حبابة.

أما إيناس أصفري، فقد أضافت شيئاً جديداً على شعر الهايكو، ليس موجوداً في الهايكو اليابانيّ، كنوع من التجديد وهو أنّها جعلت لقصيدة الهايكو عنواناً. فتقول أصفري تحت عنوان "الكفيف": "أصابعه/ ترى وجه حبيبته/ الكفيف".

  • غدير حنّا:

"سبْت النور/ حلب تخوطها / هالة من نار".

"طريق حمص/ الشجر باق على ميله/ وما من ريح".

  • علي ديّوب:

"عندما ولدتُ/ زرعت أمّي شجرة/ اليوم أرى عليها الاصفرار".

آراء متباينة

خلقت قصيدة الهايكو العربيّة حالة من الجدل في أوساط الشعراء والمهتّمين بالأدب والثقافة؛ فالبعض اعتبرها دخيلة على الشعر والبعض الآخر منحها شرعيّة من خلال إلباسها ثوب الأحاسيس العربيّة لتكون قصيدة قصيرة أو ومضة شعريّة أو توقيعة. وهناك من رفضها كلّيّاً واعتبرها ضرباً من السخافة والتفاهة أو الثرثرة الشعريّة، وهناك من دجّنها على طريقته فأضاف عليها وعنونها ومنحها صبغة عربيّة.

 فالشاعر والكاتب المغربيّ عبد العزيز أبو شيار يعبّر عن رفضه لقصيدة الهايكو قائلاً: "يصعب عليّ كثيراً اعتبار الهايكو العربيّ قصيدة؛ لأنّ مصطلح القصيدة له مدلول في شعرنا العربيّ، وهو الذي أصّله النُقّاد ... أمّا أنّ أعدّ ثلاثة أسطر وضعت الثقافة اليابانيّة قواعد كتابتها فهذا مالا أقبله، إنّها محاولة استنبات شكل شعريّ أفرزته حضارة أقصى آسيا في تربة عربيّة لها ميّزاتها الحضاريّة"(5)

في حين كان للكاتب والناقد السوريّ د. نضال الصالح رأي آخر :

"ربّما أكون من أكثر المنحازين للتجريب في الفنّ والأدب؛ لأنّني أؤمن بضرورة البحث عن أشكال جديدة للتعبير... وضمن هذا السياق أفهم ما يمكن وصفه بالحمّى التي تجتاح المشهد الثقافيّ العربيّ فيما يُصطلح عليه بنصّ الهايكو أو قصيدة الهايكو فمن حقّ المبدع أن يجرّب مختلف أشكال التجريب وأن يختار مغامرة التعبير التي يشاء ولكن من الواجب أن يكون مزوّداً بثقافة كافية ورفيعة بهذا الشكل الوافد إلى الثقافة العربيّة"(6).


المصادر والمراجع

1ـ قصيدة الهايكو العربيّة بين القبول والرفض ـ تقرير للكاتب ميلود لقاح على موقع الميادين نت.(5)
2ـ مقال بعنوان الهايكو العربيّ بين التقاليد اليابانيّة والبصمة العربيّة في صحيفة المثقّف للكاتب بكر السباتين.
3ـ آراء متباينة حول القالب الشعريّ ذي الجذور اليابانيّةـ تحقيق بسام حميدة في الموقع الرسميّ لجريدة عمان (6)
4ـ كلام عن الهايكو العربيّ ـ مقال للدكتور عبد الله القواسمة في جريدة الدستور الأردنيّة.
5ـ مقال ليوسف أبو لوز ـ موقع الخليج (4)
6ـ مقال بعنوان شعر الهايكو من الإبداع إلى التأصيل للدكتورة فاطمة زهرة إسماعيل من الجزائر في مجلّة فكر الثقافيّة (2)
7ـ مقال لروعة ياسين في صحيفة رأي اليوم
8ـ مجلّة رسائل الشعر.
9ـ موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرّة.
10ـ مقال لصدّام أبو مازن على موقع الجزيرة (1،3)